عبد الكريم الخطيب.. الطبيب الذي كشف للحسن الثاني مؤامرة أوفقير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبد الكريم الخطيب.. الطبيب الذي كشف للحسن الثاني مؤامرة أوفقير


نعمان الهاشمي

انفتح على الثورة الإسلامية ومنح الشرعية لأول حزب إسلامي

تداول على المشاركة في الحكومات المغربية العديد من الوزراء، لكل منهم قصته الخاصة في كيفية الوصول إلى مقعده في الوزارة، من خلال مساهمة كل واحد في النشاط السياسي للبلد سواء من داخل أحزاب الحركة الوطنية وامتداداتها في الساحة السياسية، أو من خلال الانتماء إلى عائلات مخزنية تاريخيا، أو عبر بوابة التكنوقراط الذين حفل بهم المشهد السياسي المغربي على طول تاريخه، في هذه الحلقات نحاول تتبع خيوط التاريخ السياسي للمغرب من خلال تاريخ بعض وزرائه الذين بصموا الحياة السياسية للبلد.

عندما رغب الدكتور عبد الكريم الخطيب في القيام بمبادرة لرفع الحصار المفروض على ليبيا في نهاية تسعينيات القرن الماضي، بسبب تداعيات أزمة لوكيربي بين طرابلس والدول الغربية، حرص على أن يجمع ضمن الوفد الذي ترأسه شخصيات من كل ألوان الطيف السياسي، فقد رافقه الفقيه البصري، والسفير محمد الخصاصي ومنتمون إلى أحزاب سياسية عدة، لإعطاء الحدث طابعا أكبر.

كان اختيار الدكتور الخطيب للسياسة مسألة محورية، ففي الوقت الذي راح الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي ينظر لعلاقات أكثر تلاحما بين بلاده وبين الدول الإفريقية، إلى درجة أنه تمنى يوما أن يصبغ وجهه بالسواد، استغل الخطيب تاريخه ذا الارتباط بحركات التحرير الإفريقية، بما في ذلك الصداقة المتينة التي ربطته مع زعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا، ليطرح مبادرة تسير في الاتجاه نفسه، أي أنها مبادرة مغربية تروم رفع الحصار بطريقة رمزية، لكنها تنفذ إلى الساحة الإفريقية ضمن تصور صادف مكمن التقدير لدى القذافي.

لم تكن تلك المبادرة منفصلة عن المسار السياسي للدكتور الخطيب، الذي أبدى المزيد من الاهتمام بالعلاقات المغربية - الإفريقية على الصعيدين الرسمي والشعبي. فقد كان ينظر إلى الثورة الجزائرية كامتداد لحركات التحرير الإفريقية، شأنها في ذلك شأن الحركة الوطنية المغربية، بل حرص على ربط المزيد من العلاقات مع الزعماء الأفارقة لدعم ونصرة القضية الجزائرية، وكان واحدا من أبرز مسانديها إلى درجة أنه مكن بعض قادتها من جوازات سفر مغربية لتسهيل تحركاتهم في الخارج.

وقد سعى الخطيب من خلال مبادراته نحو ليبيا إلى إعادة عقارب الساعة إلى النهل من الصفحات المشرقة للكفاح العربي ـ الإفريقي المشترك.

في مساره الرسمي كان الدكتور عبد الكريم الخطيب وزيرا للشغل والشؤون الاجتماعية في حكومة ماي 1960. ويعتقد أن هذه المهمة أسندت له بهدف استيعاب الشباب المغربي في قطاعات الشغل المتوفرة، في ظل الفراغ الذي أحدثه رحيل المتعاونين الفرنسيين، إذ يمكن ملاحظة أن الأشخاص الذين تولوا هذه المهمة كان لهم ارتباط بالمقاومة، مثل وضعية الراحل عبد الله إبراهيم والسياسي المعطي بوعبيد، نظرا لعلاقاتهما مع الاتحاد المغربي للشغل.

استمر الدكتور الخطيب في منصبه عبر تعديلين وزاريين إلى يونيو 1961، لكن التطورات التي كانت تعرفها الساحة الإفريقية في غضون عقد القمة التأسيسية في الدار البيضاء بحضور زعماء الدول الإفريقية الكبار، حتمت إيلاء عناية كبرى لهذا التوجه، الذي جاءت ترجمته في صورة تخصيص وزارة تعنى بالشؤون الأفريقية عهد بها إلى الدكتور عبد الكريم الخطيب، فيما تولى الأمير مولاي الحسن بن إدريس ملف الصحراء منذ ذلك الوقت.

لم يكن هناك فارق بين الملفين، اقتضى توزيع الصلاحيات بين وزارتين، ولكن قضية الصحراء كانت تثار في الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت في إطار استكمال السيادة بارتباط مع خطة التدرج في استعادة الأراضي، كما سيحدث لاحقا في سيدي اإفني بعد استرداد طرفاية.

فيما كانت العلاقات المغربية الإفريقية تميل إلى دعم حركات التحرير في البلدان التي لم تتحرر بعد من الاستعمار.

وقد استطاع الدكتور الخطيب أن يضطلع بدوره بارز في هذا المجال.

لم يكن الخطيب يكتفي بربط العلاقات مع حركات التحرير الإفريقية، وإنما عمل بمدها بالأسلحة والعتاد وكافة أنواع الدعم.

وقد حظيت المسألة الجزائرية بقسط أوفر من تلك المساندة التي شملت تأمين المواقع الخلفية للثورة ومدها بالسلاح والمال واستضافة الزعماء الجزائريين.

وكان الدكتور الخطيب في الرباط الملاذ الآمن لهؤلاء الزعماء الذين كانوا يتخذون من المغرب منطلقا لتحركاتهم في اتجاه إفريقيا والعالم العربي وأوربا.

ساعد الدكتور الخطيب في إنجاز مهمته هذه أنه كان وجها معروفا في المقاومة، ولم يكن ينطلق في هذا التوجه من نزعة حزبية صرفة، كما هو حال رفيقه في تأسيس الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان، وإنما كان متوازنا في علاقاته، وكان يرى في الحزب وسيلة للتصدي لما كان يصفه بالاحتكار السياسي، لكن من دون الإغراق في النزعة الأمازيغية، لذلك فإن أول صحيفة أسسها بعد انفصاله عن المحجوبي أحرضان حملت اسم «المغرب العربي» على عكس دعاة المغرب الكبير الذين كانوا يقحمون التركيبة العرقية في النظرة إلى الواقع السياسي في منطقة الشمال الإفريقي.

ستمكن علاقات الخطيب التي اتسمت بالانفتاح على فعاليات المعارضة في المرحلة الحرجة من تولي رئاسة مجلس النواب بعد انتخابات 1963، فقد كان البرلمان وقتذاك يضم مجلسين للنواب والمستشارين، وكان عدد أعضائه لا يتجاوز 260 مقعدا.

ورغم أنه لم يكن متحمسا للانضمام إلى تحالف «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» فإنه انجذب نحو هذه التجربة التي اعترتها صعوبات كبيرة، خصوصا في ظل التأثير السلبي في الحياة السياسية لما عرف بـ»مؤامرة63».

غير أن الخطيب سيعبر عن موقف رافض لإعلان حالة الاستثناء، من منطلق أنه لم تتم استشارة رئاسة المجلس، وكذا لخشيته من تداعيات ذلك القرار على مجمل الأوضاع السياسية في البلاد، فقد كان يرغب في تجاوز الخلافات التي استحكمت بين الفرقاء السياسيين في ضوء ميله لدعم الخيارات التي يتبناها النظام. وقد كلفه الملك الحسن الثاني يوما بالبحث في خلفيات بعض الأحداث التي أسهمت في احتقان المشهد السياسي، لأنه كان يرتبط بعلاقاته مع الجميع، بمن في ذلك بعض الشخصيات المتنفذة في بلدان الشرق الأوسط.

كان الحسن الثاني يثق كثيرا في الدكتور الخطيب، حتى حينما كان يخالفه الرأي، فقد كان أول من بايعه بعد وفاة الملك الراحل محمد الخامس في السادس عشر من فبراير 1961، قبل أن ترتدي البيعة طابعا رسميا وشرعيا في اليوم نفسه، وقد نقل عنه قوله في ظل أجواء الحزن: «مات محمد الخامس عاش الحسن الثاني».

غير أن تلك الثقة كانت تعتريها بعض المؤاخذات، سيما أن الخطيب كان أكثر ولاء للنظام، لكن على طريقته التي تجعله يجهر برأيه حين تسكت الأصوات.

شيئان حافظ عليهما الخطيب أكثر، على الرغم من انشغاله بعالم السياسية، عيادته في الرباط وعلاقاته مع كثير من الزعامات في إفريقيا وآسيا والعالم العربي.

ولأنه جاهر بموقفه المناهض لفرض حالة الاستثناء فقد سرى عليه ما طال زعامات سياسية معارضة، وسيكون لهذا الموقف ما بعده، إذ سيفك ارتباطه مع المحجوبي أحرضان ويؤسس الحركة الشعبية الدستورية في بداية عام 1967، لكن من دون الدخول مع أحرضا ن في صراع حول شرعية الحزب، فقد استطاع الرجلان أن يحتويا خلافاتهما بقدر أكبر من الانضباط، وإن كانت أوساط من هنا وهناك تدخلت لتعقيد الأزمة أكثر.

بيد أن الخطيب استند في انفصاله عن الحركة الشعبية إلى ظهور تباين في الرأي حول كثير من القضايا، وسيبرز لاحقا أن تلك الخلافات كانت دائما ذات طابع سياسي، خصوصا في التعاطي مع مشروع دستور 1970 قبل إقراره. وكذا الموقف من الانتخابات التي ترتبت عن ذلك التعديل.

كان الخطيب جريئا في مواقفه، وحدث مرة بعد المحاولات الانقلابية الفاشلة في الصخيرات عام 1971 أنه صارح الملك الحسن الثاني شخصيا بأن شكوكا تساوره حول مدى ولاء الجنرال محمد أوفقير، بل إن الخطيب كان آخر من نبه الملك الراحل إلى مخاوفه من أن يكون وزير الدفاع بصدد التحضير لشيء ما.

وقد استغل استقباله من طرف الملك الحسن الثاني لدى توديعه في محطة القطار في الرباط في طريقه إلى طنجة لمصارحته بتلك الشكوك.

إلا أن كلامه لم يؤخذ بالاعتبار اللازم في قضية شائكة مثل هذه.

وقد كان الرجل يميل إلى حدسه وتجربته ويستند إلى علاقات متعددة الأطراف، وقد يكون تناهى إلى علمه أن أوفقير بصدد تدبير شيء ما ، فلم يجد بدا من مفاتحة الملك حول ذلك الشيء، الذي لم يكن أحد يكاد يتبين نوعيته وملامحه.

وهنا تحديد ا يكمن الفرق بين الخطيب وشخصيات وزارية وسياسية كانت لا تقول إلا ما يرغب القصر في سماعه.

عندما اندلعت الأزمة بين المغرب وإيران على إثر سقوط نظام الشاه ومحب الثورة بزعامة الخميني لم يكن الدكتور الخطيب من مناصري القطيعة. إذ ظل يدفع في اتجاه الإبقاء على جسور الحوار مفتوحة بين الرباط وطهران ، وكان يرى أن الخلافات السياسية بالإمكان أذابتها عبر الحوار.

لذلك قام بمساع لتحسين العلاقات بإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين.

كان الخطيب يتخذ من مرجعية وحدة العقيدة مدخلا لإقناع خصوم المغرب بأن وجوده كقلعة حصينه في الدفاع عن الإسلام يتطلب دعما من باقي أطراف العالم الإسلامي، وكان يتبنى خيار الوسطية والاعتدال في التبشير بالقيم المتسامحة للعقيدة الإسلامية، بل كان من أوائل الشخصيات التي أبدت انفتاحا على جبهة الإنقاذ الإسلامية وعلى الحركات الإسلامية ذات الطابع المعتدل، وحين أدرك أنه لابد من إطار سياسي يعزز هذا التوجه فتح أبواب الحركة الشعبية الدستورية أمام تيارات إسلامية أدمجت لاحقا في حزب العدالة والتنمية، الذي يعتبر من أبرز مؤسسيه، بل ذهب إلى حد التزام الحزب بدعم حكومة التناوب في طبعتها الأولى بقيادة الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، يقينا منه أن التجربة تستحق الدعم، وبإمكانها أن تشكل منعطفا جذريا في إعادة الوئام بين حكومات المشهد السياسي.

لكنه حين بدا له أن التجربة في طريقها إلى أن ستنفذ مهامها الأولية، انتقل إلى المعارضة، وكان هدفه من وراء ذلك تحقيق نوع من التوازن.

كما أن الحركة الشعبية من دون الدكتور الخطيب لم تعد هي نفسها، إذ تعرض رفيقه للمزيد من المؤاخذات التي أسقطته من عرشه، فإن العدالة والتنمية من دون الدكتور الخطيب لم يعد هو نفسه، ففي المغرب تنطبع التجارب السياسية بتوقيعات زعمائها أكثر مما تنطبع بالبرامج والأفكار.

غاب الدكتور الخطيب بعدما مر بوزارة الصحة التي أشرف عليها بعض الوقت، لكن من غير أن يتعاف المغرب من مشاكله. ويبقى أن تعيينه وزيرا مكلفا بالشؤون الإفريقية من بين الشواهد الثابتة على الانتماء الإفريقي للمغرب قبل انحراف منظمة الوحدة الإفريقية.

غير أن نيلسون مانديلا لم يفلح في رد الدين الذي بقي عالقا في ذمته إلى رفيق المسار الدكتور الخطيب.

وتلك قضية أخرى.

المصدر