طريق إسـتقلال القضاء لا زال طويلا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
طريـــق إســـتقلال القضـــاء لا زال طويـــلا


بقلم:المستشار محمـود الخضـيري


إسـتقلال القضـاء في البلاد الديمقراطية التي تتمتع فيها السلطة القضائية بإستقلالها يقوم على دعامتين هما الإسـتقلال المالـي والإداري، والإستقلال المالي يتمثل في موازنة مستقلة عن الموازنة العامة تملك فيها السلطة القضائية ما يكفيها لكي تقوم بمهمتها في إرساء قواعد العدل والمساواة بين أبناء الشعب بحيث لا تستطيع السلطة التنفيذية التحكم في مواردها ولا في كيفية إنفاقها وهو ما تحقق جزء كبير منه في فترة الست سنوات السابقة في ظل المجلس الحالي بعد الكفاح الطويل الذي قام به القضاء بريادة هذا المجلس، والكل يعلم أنه لولا هذا الكفاح والوقفات الإحتجاجية والجمعيات المتعاقبة لما تحقق هذا الجزء الكبير من الإستقلال المالي وهو إستقلال مجلس القضاء الأعلى بالتصرف في الموازنة، والغريب أن البعض يقلل من أهمية ما تحقق بحجة أن وجود الميزانية في الوزارة كان يمكن الوزير عند الضرورة بمخاطبة وزير المالية للحصول على المزيد عند الحاجة وهو ما لا يحدث الآن، وهو قول إن دل على شيئ فإنما يدل على عدم رغبة في الإستقلال والبقاء في أحضان الوزارة حيث يحصل المحظوظون على النصيب الأكبر من الميزات ويبقى الجميع على حالهم، ونقول ردا على هذا الإعتراض أن إصلاح ذلك يكون بالنص في القانون على إستقلال السلطة القضائية بتحديد موارد الموازنة والمبالغ التي تحتاجها في كل عام، وبذلك يتحقق الإستقلال المادي الكامل للسلطة القضائية وهو ما يجب أن يكون موضوع إهتمام المجلس القادم إن شاء الله، ولا يجب أن ننسى أنه إذا كان مجلس القضاء الأعلى قد إستطاع في الأيام الماضية إحداث تعديل في الميزات المادية فإن ذلك بفضل الموازنة المستقلة التي تمتع بها، وأنه قبل ذلك لم يكن يملك إلا مطالبة الوزارة التي لها أن تستجيب أو لا تستجيب، وبذلك ندرك تماما أن إستقلال الموازنة ميزة كبيرة كنا نكافح من أجلها سنين طويلة وقد تحقق لنا ذلك بفضل الصبر الطويل والكفاح المستمر خاصة في السنوات الست الماضية التي شهد فيها نادي القضاة حيوية ونشاط لم يسبق له أن شاهدها وذلك بشهادة القاصي والداني من أبناء شعب مصر الذي يعرف تماما من يعمل لمصلحته ومن يعمل لمجده الشخصي.

يبقـى بعد ذلك الحديـث عن .. الإسـتقلال الإداري وهو يتمثل في أمور كثيرة –أولهـا- تقنين قواعد النقـل والنـدب والإعـارة بالشكل الذي يحقق العدالة والمساواة والإستقرار لأعضاء السلطة القضائية حتى لا ينطبق عليهم المثل القائل فاقد الشيئ لا يعطيه لأنه إذا إنعدم إحساس القاضي بالعدل لنفسه فمن الصعب أن نطالبه بتحقيقه للناس، وقواعد النقـل من أهم القواعد التي تؤثر في حياة القضاة وتضمن لهم الإستقرار في حياتهم حتى يتمكنوا من تحقيق رسالتهم في إعطاء الحقوق لأصحابها، ولا أعرف الفائدة التي تعود على الدولة من أن القاضي الذي يقيم في الإسكندرية ينقل إلى أسيوط أو المنيا وما يترتب على ذلك من مشقة في الإنتقال تكلفه الكثير من الوقت والجهد، ولماذا لا ينقل إلى طنطا أو حتى المنصورة بما يوفر عليه الجهد والوقت في الإنتقال مع العلم أنه في أبناء الصعيد ما يكفي لسـد حاجة المحاكـم من القضـاة مع عدم إخلال بقواعد العدالة وعدم عمل القاضـي في مكان يشعر فيه بالحـرج لوجود مصالح أو صلات، أما بالنسبة للنـدب فهذه الطامة الكبرى التي شاعت في القضاء وأصبحت الحكومة من خلاله تتحكم في إرادة أعضائه فإننا نصر على إلغائه تماما لغير التدريس بالجامعة أو وزراء العدل لأن عمل القاضي في غير هذه الجهات فيه لا شك إخلال بحيدته عندما ينظر دعاوى خاصة بهذه الجهات فضلا عن أن هذه الإنتدابات غالبا لا تأتي إلا عن طريق صلات شخصية ومساعي فردية، وهو ما لا يليق بالقاضي، ومن هنا كان سعينا الدائم لإلغاء هذا الندب وإصرار الحكومة على إبقائه حتى تكسر إرادة القضاة الذين تعلم أن لديهم إحتياجات مادية تجعلهم يسعون إلى هذه الإنتدابات وهو ما نرجو أن نتمكن من التغلب عليه في الفترة القادمة في ظل مجلس قوي يستطيع مواصلة السعي في هذا الأمر، أما إعادة تقنين قواعد الإعـارة فهو ما قام به مجلس الإدارة الحالي وحصل على ميزة عدم إعارة القاضي أكثر من مرة، ونص على ذلك في القانون إلا أن السيد وزير العدل الحالي لم يعجبه ذلك وسارع إلى تعديل القانون بحيث يسمح بالإعارة لعدة مرات. ويبقى الكثير من القضاة دون أن يعار ولو مرة واحدة، ولا أدري السبب في ذلك سوى أنه يريد أن يمحو كل مكاسب النادي التي حققها حتى لا يقال أن النادي حقق شيئا للقضاة يمكن أن يرفع من شأنه في نظرهم.

أما -الأمر الثانـي- في الإستقلال الإداري فهو تبعيـة التفتيش القضائي إلى مجلس القضاء الأعلى الذي يحوي عنصرا منتجا يمثل الغالبية فيه، والحقيقة أن من يعرف أهمية جهاز التفتيش القضائي يعلم أن هذا الجهاز هو أهم جهاز في وزارة العدل وهو الجهاز القابض على زمام الأمور فيها والمتحكم في مصائر القضاة ومستقبلهم. فهو الجهاز الذي يتولى أعضاؤه تقييم القضاة من الناحية الفنية وهذا أمر مؤثر من ناحية الترقية أو العمل في الجهات التي تحتاج إلى ميزات فنية فيمن يعمل فيها، والتي يتطلع الكثير من القضاة للعمل بها، كما أنه الجهاز الذي يتولى التحقيق في الشكاوى التي تقدم ضدهم وإعداد المذكرات فيها، وهو أمر مؤثر في حياتهم ومستقبلهم، وجهاز هذا شأنه لا يمكن أن يظل تحت سيطرة وزير العدل رجل السلطة التنفيذية إذ عن طريقه يستطيع التحكم في مصائر القضاة وبالتالي في مصالح الناس، ولا يمكن أن يقال أن وزير العدل أصلا قاض أي من رجال السلطة القضائية، لأنه بمجرد توليه الوزارة نزعت عنه الصفة القضائية، وصار من رجال الحكومة، وهي تسعى أول ما تسعى إلى السيطرة على السلطة القضائية، من هنا فإن من أول مهام مجلس الإدارة القادم يجب أن يكون السعي إلى تعديل قانون السلطة القضائية بإلحاق التفتيش القضائي بمجلس القضاء الأعلى مع العمل في ذات الوقت بأن تكون أغلبية أعضاء هذا المجلس من القضاة المختارين عن طريق جمعياتهم العمومية حتى نضمن أن يكون الهم الأول للمجلس هو الحفاظ على مصلحة القضاة ومراعاة إستقلالهم وعدم التأثير عليهم وصدق الإمام الشيخ/محمـد عبده. الذي عمل بالقضاء ويشعر بشعورهم حين قال أن أهم ضمانة للقاضي أن يكون مصيره بيد مجتمع إخوانه، هذا ما أقصده من عنوان هذا المقال بأن طريق الإستقلال ما زال طويلا – لأن الحكومة تريد أن تكون متحكمة في القضاء وتشعر أن كل إستقلال يتحقق للقضاء هو إنتقاص من سلطتها تكافح كفاحا مريرا من أجل الحيلولة دون تحققه، وهو في ذات الوقت يتطلب صلابة وإصرار من القضاة من أجل تحقيقه، وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى إختيار مجلس إدارة قوي قادر على ذلك، وقد كان مجلسنا الحالي في فترة السنوات الست الماضية مثال يحتذى في هذا الأمر.

أمر آخر مؤثر جدا على إستقلال القضاء، وقد ظهر أثره منذ فترة بعيدة وتزايد الأمر وإستشرى في الفترة الأخيرة، وهو -مسألة رفـع السن- وهي مسألة ينطبق عليها تماما المثل القائل قولة حق أريد بها باطل فإن الهدف المعلن تبريرا لها هو الإبقاء على الخبرات القضائية لإنجاز القضايا المتأخرة، والهدف الخفي والحقيقي هو مكافأة رؤساء السلطة القضائية حتى تتحكم الحكومة في السلطة عن طريقهم، ويسري القول بين الناس أن الأحكام القضائية الأخيرة الصادرة من مجلس الدولة الخاصة بإيقاف تنفيذ أحكام منع تصدير الغاز لإسرائيل والحرس الجامعي وفتح معبر رفح عربون قدمه شيوخنا للحكومة من أجل رفع السن إلى الثلاثة وسبعين وهو قول أرجو ألا يكون صادقا، وعلى أي حال كانت الأيام كفيلة بنفيه أو إثباته، فإذا حدث المد فإن القول سيتأكد، أما إذا لم يحدث فإن الأمر يكون إشاعة ويكون العربون قد ضاع على من دفعه، وهو عربون كبير لأنه سمعة القضاء.

الطريـق طويـل ....... يا رجال القضاء وهو يحتاج إلى رجال أقوياء يستطيعون السير فيه وتحمل مشاقه وأمل من الله أن يوفقكم في حسن الإختيار حتى تستمر مسيرة المطالبة ولا تتحول إلى إستجداء.

أختـم بالدعـاء بالصـحة والسـعادة والتوفيـق إلى قائـد مسيرة القضاة في الفترة السابقة القاضي/زكريـا عبد العزيز. الذي إستطاع أن يحقق الكثير للقضاة هو وإخوانه وختم رئاسته للنادي بضرب أروع مثل في الزهد في السلطة، فهو يعلم أنه لو رشح نفسه لكان له حظ وافر في النجاح، ولكن آثر أن يترك المكان لغيره لكي يكون قـدوة في تـداول السلطة وتجديـد الدماء وإعطـاء الفرص لغيره لمزيد من العطاء، وآمـل من الله أن يوفقه دائما لخدمة القضاء وأن يظل إلى جـوار المجلس القادم بالنصـح والإرشـاد.