سيف الوقت ومواعيد "المصالحة" المُرجأة!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سيف الوقت ومواعيد "المصالحة" المُرجأة!
علم فلسطين.jpg


بقلم : ماجد الشّيخ

في كل مرة كانت تُعقد فيها جلسة "حوار تفاوضية" بين طرفي الانقسام الفلسطيني، كان يٌقال في أعقابها، أنها كانت مضيعة للوقت، فمتى يتوقف الفلسطينيون عن إضاعة وقت تفاوضهم مع حكومة نتانياهو، فيما هم يخسرون المزيد من الأرض، بينما هم وفي المقابل يضيّعون وقت "حوارهم التفاوضي" فيما بينهم، ليخسروا المزيد من هيبتهم، ومن قدسية قضيتهم في نظر الأشقاء والأصدقاء والعالم أجمع.

فإلى متى يستمر نفاذ الوقت وتسربه من أيدي الفلسطينيين الذين هم أحوج ما يكونوا إلى سيفه، لقطع دابر ما تدبّره إسرائيل من إنهاء لحلم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ولقطع دابر ما تدبّره قوى إقليمية ودولية – بقصد أو بدونه – وبإسناد محلي، من إيقاف عجلة المشروع الوطني الفلسطيني عن الدوران. وبين البحث في مسائل التحاصص، حتى إزاء القضايا الأمنية الرابطة بين طرفي الانقسام السلطوي الفلسطيني، والبحث في أهم المسائل التي تخص استراتيجية وتكتيكات الكفاح الوطني؛ بون شاسع من التباعد بين الطرفين الرئيسيين (فتح و حماس

وذلك انطلاقا من التعابير المستخدمة، من قبيل "المصالحة"، وهو تعبير ما قبل سياسي، يحيل إلى نطاق من علاقات قبلية، تتغذى من تحقيق مصلحة هنا لهذا الطرف، أو لذاك الآخر، كما ومن مصالح إقليمية أو دولية في معزل تام عن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وهو ما يفترض بالطرفين التعبير عنها، والالتزام بها معيارا أساسيا لسلوكهما السياسي.

بهذا المعنى، لا يبدو أن "الملف الأمني" هو العقبة أو آخر العقبات، في ما يسمى "المصالحة الفلسطينية"، فكل الحديث الإيجابي عن ملفات تلك "المصالحة" لم تشفع للمتفاوضين – لا المتحاورين – الوصول إلى بر أمان ما أرادوه من مصالحة بين فتح و حماس ، بصفتهما يختزلان مجمل الوضع الفصائلي، وهو وضع أبعد ما يكون عن جوهر ومضامين ما يُفترض أنه الائتلاف الجبهوي الذي يشد لحمة الوضع الوطني الفلسطيني بشموليته، لا سيما وهما يغيّبان حضورا وطنيا لقوى أساسية في ذاك الائتلاف الجبهوي، فيما هما يسجلان حضورا لافتا لقوى وأنظمة إقليمية ..

ودولية باتت تمتلك منظومة اعتراضاتها على موضوعات التقارب الفلسطيني، ما منع ويمنع من إتمام "مصالحات" سياسية أو حتى ولو بصيغ عشائرية.

ولهذا ما زال من المبكر الحديث عن "عقبة أخيرة" كونها آخر عقبات "الحوار التفاوضي" بين سلطتين متعارضتين أشد التعارض، فما بينهما ينبغي معالجته انطلاقا من الأساس السياسي لما استحكم من خلافات، بدءا من قانون الانتخاب الذي يشكل مفهوما خلافيا بين الطرفين. كما أن الخلاف على طبيعة النظام السياسي وعلاقات أطرافه البينية، وعلاقاته الخارجية، ما فتئت كذلك تشكل موضوعا لتباعد وتفارق لا يمكن ردم هوته بمعالجات سطحية، أو بمعادلات سياسوية، تحاول اتقاء الدخول إلى دائرة من الجدّيّة السياسية والمسؤولية الوطنية، لتجاوز الانقسام السياسي والجغرافي الذي رتّب مصالح بات من الاستحالة التخلي عنها – ولو مؤقتا – لإنجاز ملف ما يسمى "المصالحة" بمفاهيم العلاقات العشائرية. أليس هذا بالضبط،

ما يفسر ذاك التشدّد الذي حكم مواقف حكومة نتانياهو وائتلافه اليميني المتطرف على طاولة المفاوضات مع الطرف الفلسطيني، وفي مواجهة الجهود الأميركية المتواصلة لتذليل عقبات استئناف المفاوضات مرة أخرى، بعد أن أوقفتها ولأسباب تبدو شكلية، "عقبات الاستيطان" وعقده المزمنة، وفي ظل استمرار الوضع الفلسطيني على حاله من الانقسام السياسي والجغرافي، وغياب استراتيجية وتكتيكات كفاحية محددة، وفقدان سيطرة وتفكك وترهل المستويات القيادية والقاعدية، كل هذا لا يقدم للطرف الفلسطيني المفاوض ما يمكنه من الصمود في مواجهة أطروحات تفاوضية إسرائيلية متشددة، فكيف في حالة أن يكون المطلوب من الوضع الوطني الفلسطيني أن لا يكتفي بطرح الحدود الدنيا من مسائل وقضايا المفاوضات، وهذا يتطلب وضعا فلسطينيا مختلفا، كما ووضعا عربيا وإقليميا مختلفا كذلك.

وهنا مربط الفرس؛ فواقع الانقسام وعقلية التحاصص، وواقع المفاوضات وترهل الإمساك بمفاصلها الأساس، لا ولن يتيح خروجا من حلقة التردي والانفكاك الفلسطيني والعربي الراهن عن قضية يزعمون أنها "قضية العرب المركزية الأولى".

والكارثة أنها وفي وضعنا الراهن، لم تعد إلا بالكاد؛ قضية المتصارعين على السلطة من الفلسطينيين.!

لهذا أُرجئت وستبقى تُرجأ مواعيد "المصالحة" بين فتح وحماس، ومع هذا الإرجاء ستبقى تؤجل مواعيد استعادة النظام السياسي الفلسطيني وانتظام عمل مؤسساته، ليبقى كل ذلك رهنا باتفاق أو عدم الاتفاق على صيغة تحاصص جديدة ترضي الطرفين الرئيسيين، وتلبي تطلعات ومصالح المتنفذين الجدد – السلطويين – على جانبي الانقسام والخلاف الذي لا حدود له، ولا قدرة له على تطويع أصحابه باتجاه استعادتهم حدا وازنا من الرشد السياسي، يتيح لهم استئناف مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، في فترة من أشد فترات محاولات تطبيق "يهودية الدولة"، بالتزامن مع إطباق واستشراء نزعات القوننة العنصرية والتطهير العرقي وسيادة أنماط من السواد الفاشي في إسرائيل.


المصدر