راحة من عناء الإحباط والتجني

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
راحة من عناء الإحباط والتجني
توفيق الواعي.jpg

توفيق الواعي

بسم الله الرحمن الرحيم

قد تفاجأ برأي يدَّعي صاحبه الصواب ويتصور أن الحقائق طوع أمره، وأن النصوص تحت إمرته، وهي في الحقيقة بعيدة عنه بعد المشرقين، ونحن لا نحب أن نخوض في النيات، ولكننا نقول: ما هكذا تورد الإبل. إن الحديث عن المناهج لا يكون إلا إذا كان الإنسان قد خبر وعاين وبحث ودقق، أما أن يخبط الإنسان في الأمور خبط عشواء فهذا لا يليق بباحث منصف أو بتقرير علني يأخذه الناس مأخذ الجد، كما لا يليق هذا بمسلم يعلم سعة الإسلام وإحاطته وعلو شأنه في الفقه والتشريع ويعرف أن الشريعة هي شق الدين الثاني بعد العقيدة.

وقد أفاضت المكتبة الإسلامية على الناس ببحر من العلوم التشريعية،منها المقارن وغيره، وهذا فيه العبرة الكافية.. والحقيقة ما كنت أظن أن باحثاً ما ينكر على الإسلام ودعاته أن يكون عندهم فهم للإصلاح السياسي، في مقابل الإصلاح السياسي الذي عند الأنظمة العربية والإسلامية، وهذا قول لا يجرؤ عليه أعداء الإسلام ، أو المستشرقون من النصارى واليهود، إن أعداء الإسلام اليوم يقولون عن الأنظمة التي نعيش في كنفها إنها فاقدة لكل شيء إصلاحي، لا حرية، لا ديمقراطية، لا نظام اجتماعي، ولا اقتصادي، ولا قضائي، ولا قانوني ودستوري، ولا شيء، فهل الإسلام كذلك، وهل تراثه العلمي والفكري والفقهي والقانوني لا يساوي هذا الفراغ الإصلاحي، وكيف حكم الإسلام العالم وأخرجه من الظلمات إلى النور، هل بلا نظام ولا قانون ولا عدالة؟!، إن الحضارة الإسلامية اليوم بكل جوانبها المنيرة الوهَّاجة العظيمة مازالت مادة بكر، نهل منها أصحاب العقول والأفهام الذين يهبّون لإنقاذ الأمة مما هي فيه من ضياع وتيه، إن نابليون بونابرت الذي أخذ قانونه من فقه الإمام مالك ثم فرنسه، لخير شاهد على العطاء الإسلامي لكل الدنيا، شريطة أن يعقل الآخذ ويعي، والمجتمعات العلمية التي تقرر سبق الفقه الإسلامي وغزارة عطائه كثيرة، من ذلك ما قرره مؤتمر الفقه الإسلامي بجامعة السربون بفرنسا في يوليو سنة 1951 م، حين قال:

1- إن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا تبارى.

2- إن اختلاف المذاهب الفقهية ينطوي على ثروة هي مناط الإعجاب، وبها يتمكن الفقه الإسلامي من أن يستجيب لجميع مطالب الحياة والتوفيق بين حاجاتها. ولهذا يقول برناردشو:

"إن القانون الإسلامي هو القانون السامي بسبب حيوية الإسلام العظيمة لأنه الدين الذي يلوح إليَّ أنه الحائز على أهلية العيش لأطوار الحياة المختلفة، بحيث يستطيع أن يكون صالحاً لكل زمان ومكان".

ويقول ولز:"الدين الحق الذي يساير المدنية هو الإسلام ، وحسبك القرآن لما فيه من نظريات علمية، وقوانين وأنظمة فهو كتاب علمي اجتماعي تهذيبي خلقي حضاري"، ويقول صاحب كتاب طبيعة الثقافة ص388:"إن الإسلام لا يخضع للمقاييس التي يخضع لها غيره، من الظواهر الروحية والاجتماعية، إذ لم تكن له طفولة أو شباب، بل انبعث ظاهرة متكاملة كل التكامل".

هذا، ولم يظل القرآن والسنة النبوية الشريفة مجرد تعاليم نظرية، بل أخرج جيلاً قد سار على الأرض قرآناً وبالسنة نبراساً، ليرسم طريقاً لأمة شاهدة على الناس، وأجدني هنا أعزف عن ذكر بعض القوانين الإسلامية التي سطرها العلماء، وأميل إلى طرح عدد من الحوادث والأصول التي كانت مصدراً للتقنين، ومادة خصبة للاستنباط في الأحكام والقوانين التي يأخذ منها المشرع اللبيب ثمارها اليانعة ما يبرز به في كل اتجاه، وأتجاوز مرة أخرى القرآن والسنة حتى لا يطول بي الحديث في ذكر شيء أضوأ من الشمس، وأوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار، لأذكر شيئاً من سير الخلفاء والصالحين العملية، المستقاة منهما.

تروي كتب التاريخ أنه لما قدم عمر بن الخطاب إلى حمص أمرهم أن يكتبوا قائمة بأسماء الفقراء، ورُفعت إليه، فإذا فيها سعيد بن عامر، قال الخليفة. مَن سعيد بن عامر؟ قالوا: أميرنا، قال الخليفة وأميركم فقير؟، قالوا: نعم، قال: أين راتبه؟ أين رزقه؟ أين عطاؤه؟، قالوا:يا أمير المؤمنين إنه لا يمسك شيئاً!!.فبكى الخليفة، وأرسل إليه ألف دينار، ولما علم بذلك سعيد استولى عليه الجزع، والاضطراب، فسألته زوجته، هل حدث للخليفة شيء؟ لأنه كان يسترجع، قال: إنها فتنة الدنيا، ثم أرسل هذه الدنانير إلى المجاهدين في سبيل الله.

ويروى أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال لعائشة حين حضرته الوفاة:يا بنية إنا ولينا أمر المسلمين، فلم نأخذ لهم ديناراً ولا درهماً، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، فلما مات جاء الرسول إلى عمر بهذه الأشياء، فبكى عمر وقال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده، ثم قال: ارفعهن يا غلام إلى بيت المال، فقال عبد الرحمن بن عوف وكان حاضراً: يا أمير المؤمنين، تسلب عيال أبي بكر هذه الأشياء. فقال عمر: فما تأمرني، قال: آمرك بردهن على عياله، فقال عمر: خرج أبو بكر عنهن عند الموت وأردهن أنا على عياله؟! لن يكون ذلك أبداً، الموت أسرع من ذلك.

ويروي الرواة أن يهودياً شكا علياً - رضي الله عنه - إلى قاضي عمر بن الخطاب في خلافته فلما مثلا بين يديه، خاطب القاضي اليهودي باسمه، بينما خاطب علياً بقوله:"أبا الحسن"، حسب عادته في الخطاب، فظهرت آثار الغضب على وجه علي - رضي الله عنه -فقال القاضي: أكرهت أن يكون خصمك يهودياً، وأن تمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة؟، فقال علي: لا ولكني غضبت لأنك لم تسوِّ بيني وبينه، بل فضلتني عليه، إذ خاطبته باسمه، بينما خاطبتني بكنيتي"أبا الحسن"..

سل المعالي عن أمجاد أمتنا *** شعارنا المجد يهوانا ونهواه

استرشد الغرب بالماضي فأرشده *** ونحن كان لنا ماض نسيناه

يا من رأى عمراً تكسوه بردته *** والزيت أدم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً *** من بأسه وملوك الروم تخشاه

دستوره الوحي والمختار قدوته *** والمسلمون وإن شتوا رعاياه

وبعد: فمن ينسى كل هذا المجد المؤثل، والزعامة والريادة الفكرية والخُلقية؟ ومن يتغابى عن هذا الخطاب التشريعي العملي، والمعين الصافي، والبحر الزاخر من المواد الخصبة للاستنباط، ويلمز هذه الآفاق وهذه السحب السامقة يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، فهل يعقل هؤلاء أم يتوارون خجلاً قبل أن تحطمهم الأيام، فالمسلمون قادمون إن شاء الله.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى