د. "أماني أبو الفضل" تفسر الموقف الفرنسي تجاه الحجاب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. "أماني أبو الفضل" تفسر الموقف الفرنسي تجاه الحجاب

[07-02-2004]

مقدمة

•التوجه الإسلامي يتزايد في أوروبا واللوبي الصهيوني وراء القرار الفرنسي.

•(عولمة الأسرة) حقيقة تسعى أمريكا لنشرها لأنها تدرك أهمية دور المرأة.

•أحداث التاريخ أثبتت أن المسلمة في الأوقات الحرجة تؤدي دورها كأفضل ما يكون.

أثارت قضية الحجاب في فرنسا العديد من القضايا المتعلقة بمكانة المرأة المسلمة في المجتمعات الغربية، بالإضافة إلى الأفكار والتوجهات الوافدة من الغرب لعالَمنا العربي والإسلامي في إطار ما يُعرف بـ(عولمة الأسرة)..عن هذا الموقف الفرنسي بشأن الحجاب، والتركيز الغربي على قضايا المرأة المسلمة، والدور المطلوب لمواجهة هذه الهجمة المنظمة.. كان حوار (إخوان أون لاين) مع الدكتورة "أماني أبو الفضل"- أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة القاهرة- كإحدى الناشطات المهتمات بقضايا المرأة، وسبق لها المشاركة في العديد من المؤتمرات والفعاليات التي أقيمت بمختلف العواصم العالمية.


فرنسا ليست بلد الحريات

  • هل تعتقدين أن في هذا الموقف الفرنسي بشأن الحجاب محاولة لتلطيف العلاقات مع واشنطن، خاصة بعد معارضة باريس لضرب العراق من قبل؟
لا أعتقد ذلك؛ لأن واشنطن نفسها لم تتخذ مثل هذا القرار من قبل بالنسبة للجالية المسلمة بالولايات المتحدة.
  • فما تفسيرك إذن لهذا الموقف الفرنسي رغم ما عُرف عن فرنسا من كونها بلد الحريات، كما لم يعرف عنها من قبل مثل هذه المواقف ضد العرب والمسلمين؟!
(ترد بدهشة) ما أعجب له حقًّا هو هذا الرأي السائد بأن فرنسا هي "بلد الحريات"! منذ متى وفرنسا بلد الحريات؟!
نحن العرب دائمًا ما ننسى التاريخ؛ لأننا "طيبو القلب".. أليست فرنسا هذه هي التي ذبحت مليون شهيد في الجزائر؟! أنسينا هذا؟! أنسينا مذابحها في سوريا ولبنان؟! أنسينا موقفها الجائر وتدخُّلها السافر في شئون الجزائر حين صوَّت الشعب الجزائري لجبهة (الإنقاذ) حتى صارت الجزائر لما صارت إليه الآن؟!
  • وهل هناك دولة استعمارية في العالم فعلت في مستعمراتها ما فعلته فرنسا من طمس الهوية وفرنسة اللغة والثقافة واضطهاد ديني؟
أنا أرى أن موقف فرنسا الأخير بشأن الحجاب ليس موقفًا شاذًّا عن خطها المرسوم منذ قيام ثورتها الدموية التي قتلت باسم الحرية والمساواة من أبناء شعبها أكثر مما قتل أعداؤها منها!
وأنا أرى أن الحضارة الفرانكوفونية حضارة متبربرة منذ بدايتها، ولعل الله قد كشف لنا أو ذكرنا بماضيها في الوقت المناسب؛ حيث بدأ العرب في الآونة الأخيرة يجدون في فرنسا الملجأ والملاذ بعد انهيار الملاذ الأمريكي أمام أعينهم.. وقد وصل الأمر بالبعض إلى حد الترويج للاحتفال بالحملة الفرنسية على مصر والشام، ويطلبون منا أن نشرب نخب ذكرى تحويل باحة الجامع الأزهر إلى إسطبلٍ لخيول نابليون!
  • فما تفسيركِ لهذا الموقف في هذا التوقيت الحرج الذي يواجه فيه العالم الإسلامي حروبًا عدة على مختلف المستويات؟
تفسيري لهذا الموقف هو أن الوقت الحالي يشهد علوًّا للصوت الإسلامي داخل المجتمعات الأوروبية- بشكل عام- لم يسبق له مثيل، وفي المقابل هناك تنامٍ في حجم الضغوط التي يمارسها اللوبي الصهيوني بتلك المجتمعات؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة "الإسلامفوبيا" أو الخوف المرضي من الظاهرة الإسلامية.. واتخذ ذلك عدة أشكال، كان أولها- ولا أعتقد أنه سيكون آخرها- قضية الحجاب في فرنسا.


صورة مشوهة عن الإسلام

  • من خلال مشاركتكِ في العديد من المؤتمرات بالدول الغربية؛ كيف ينظر الأمريكان والأوروبيون للمرأة المسلمة هناك؟
لا يمكن أن نطلق كلمة الأمريكان والأوروبيون هكذا بلا تحديد؛ لأن هناك المواطن العادي، وهناك الحكومة.. أما الحكومات فهي تعبر في أغلبها عن سياسات عنصرية متحيزة ضد المرأة المسلمة، مثل: قضية رفض حجابها التي نحن بصددها الآن.. أما المواطن الغربي العادي فهو ضحية هذه الصورة الشائهة التي فرضتها عليه الحكومات؛ فتجده ملتبس عليه الأمر ما بين صورة مسبقة لامرأة ظلامية الفكر والرؤى، "يغطى حجابها عقلها"- وهو الشعار الذي قابلونا به في بكين- وتحتاج إلى من يمسك بيدها ويقودها وهي تسير في الطرقات! وبين صورة أخرى واقعية للمرأة المسلمة المحجبة المثقفة التي تتحدث أكثر من لغة، وتدافع عن دينها وقضاياها وقضايا حقوق الإنسان بشكل عام.
وهذا بالطبع يلقي على المرأة المسلمة بأعباء في ألا تستسلم لعملية تشويه صورتها المتعمدة، بل تستمر في نضالها من أجل عرض طرحها الأخلاقي في الوقت الذي يعاني فيه الغرب من الأطروحات الأخلاقية المعروضة الآن.


عولمة الأسرة

  • البعض يفسر العديد من المؤتمرات والفعاليات- التي أقيمت خلال السنوات الأخيرة والمتعلقة بقضايا المرأة والأسرة- على أنها سياسة غربية تهدف إلى ما يسمَّى بـ(عولمة الأسرة)، وتعميم النموذج الغربي خاصةً الأمريكي؛ فما رأيكِ في هذا التفسير؟
هذا التفسير سليمٌ تمامًا؛ فالأسرة في أنحاء العالم تتعرَّض لتهديد قوي من قِبَل الولايات المتحدة المهيمنة على مراكز اتخاذ القرار في الأمم المتحدة؛ لإلغاء أي خصوصية يتمتع بها التكوين الأسري لصهره في بوتقةٍ واحدةٍ من خلال تصوُّرٍ وحيدٍ، وضعته الأمم المتحدة لتتوحد من خلاله المفاهيم والعلاقات الأسرية في مختلف الأنظمة الاجتماعية المنبثقة عن حضارات العالم المختلفة، وهذا غبنٌ يقع ليس فقط على عالمنا الإسلامي، ولكن على حضارات أخرى تتمتع بخصوصيات في هذا الشأن.
ورغم كل التفسيرات التي تحاول تبرير هذا الاتجاه في عولمة الأسرة بمبررات بريئة تحت دعوى تحقيق التنمية أو الديمقراطية للأسرة والمجتمع، إلا أن هذه المسوغات التي طالما انطلت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة على المجتمعات- بما فيها الإسلامية- بات العالم في تشكك من كل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية وما يتبعها من قرارات من الأمم المتحدة، خاصةً ما يمس النظم الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية.
  • الأمريكان تفوَّقوا سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وإعلاميًّا؛ فما سبب إصرارهم على خوض هذه المعارك الاجتماعية مع الأسرة المسلمة؟!
رغم أن الولايات المتحدة أثبتت في حربها الأخيرة ضد ما تسمِّيه بالإرهاب- سواء على الصعيد الأفغانى أو العراقي- تفوقًا مذهلاً في المجال العسكري والاقتصادي؛ حيث أنفقت مليارات الدولارات في أسابيع كميزانية للحرب، إلى جانب تفوُّقِها الإعلامي ومن قبل السياسي.. إلا أن إصرارها على تكثيف مجهوداتها في الجبهة الاجتماعية بالتوازي مع الجبهتين السياسية والعسكرية- فيما يعرف بالشراكة الأمريكية، التي أطلقها "كولن باول" قبل أيام من غزو العراق، والتي تناول فيها أوضاعَ المرأة العربية والمسلمة ومسألة التعليم، وإصراره على التدخل في هذه الأمور في هذا الوقت شديد الحرج بالنسبة لواشنطن، التي كانت على أهبة الاستعداد الحربي- كل هذا لهو دليل على تلازم المجالَين الاجتماعي والعسكري معًا في خدمة السياسات الأمريكية.
وهنا أحبُّ أن أشير أيضًا إلى أن هذه المبادرة كانت موضوعةً من قِبَل ابنة نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني"؛ الأمر الذي يوضح مدى التشابك بين الوسيلتين الاجتماعية والعسكرية لدى الإدارة الأمريكية للوصول للهدف.


الحرب الأمريكية الاجتماعية

  • هل هذا نتيجةَ إدراكهم أهميةَ وخطورةَ الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع؟
في حروبها المستمرة للهيمنة على العالم سياسيًّا واقتصاديًّا، استطاعت الولايات المتحدة أن تنجح في مساعيها وفرض نموذجها على العديد من المجتمعات حتى اليابان.
أما بالنسبة لعالمنا الإسلامي فالوضع مختلفٌ؛ لأن الهجمة الأمريكية على المسلمين الآن ليست الأولى، بل سبقها قبل ذلك الهجمة الشيوعية على آسيا المسلمة، ثم الصهيونية على فلسطين، ولم تؤثر لا هذه ولا تلك على البعد الأخلاقي أو الاجتماعي لدينا، وقد وعت الولايات المتحدة الدرس جيِّدًا، وأدركت أن وراء هذا الصمود- الذي ترنَّحت أمامَه الهجمات السابقة- هو البعد الأخلاقي والديني تحديدًا، والذي لا يتفجَّر إلا من خلال ميراث أُسَري متماسك، يقوم على دعامات أسرية.
فالأم هي التي تحفظ كيان الأسرة وأخلاقياتها، وتزرع فيها المفاهيم الأصيلة، كما رأينا نماذج رائعة من النساء الفلسطينيات اللائي يلقِّنَّ أولادهن دروس الجهاد والاستشهاد في سبيل الله.. كل هذا جعل الولايات المتحدة تبدأُ مراحل الهجوم على المنطقة العربية بمبادرة الشراكة التي ستخرج بها المرأة قسرًا للعمل وتهمل أسرتها، ويتم تلقينها- هي وأسرتها- كل معاني التفريط في حقوق الله والوطن.. فأمريكا تعي جيدًا النموذج الجهادي في الشيشان وفلسطين ولبنان، ولا يمكن أن يخرج هذا النموذج من أُسر مفككة أو أمريكية الصنع.


تنفيذ التوجهات

  • متى بدأ الأمريكان الاهتمام بهذه الحرب الاجتماعية؟
لا نعرف على وجه الدقة متى بدأ الاهتمام الأمريكي بهذه المعركة، لكنَّ ما نعرفه جيدًا هو متى بدأ التنفيذ، فأول ما رأيناه من هجمات استهدفت الأسرة كان من خلال مؤتمر السكان والتنمية عام 1994م بالقاهرة، وكان أول الفعاليات الدولية في هذا الغرض في ولاية الرئيس الأمريكى السابق "بيل كلينتون"، والذي يُعدُّ هو وزوجتُه "هيلاري" المهندسَين اللذَين أعدَّا هذه الأجندة، وأشرفا عليها.
  • ما تم استحداثه من قوانين وقرارات ببعض الدول العربية والإسلامية- ومن بينها مصر- بخصوص موضوعات تتعلق بالمرأة والأسرة يمكن تفسير بعضها في هذا الإطار؟
بلا شك؛ فإن مرحلة ما بعد مؤتمر (بكين) شهدت تغيرات تشريعية في العديد من الدول الإسلامية، وكانت حكومات تلك الدول تنفذ التوجهات الغربية وسيف المعونة الأمريكية مسلط على رقابها؛ فالوثائق الدولية المنوطة بالشأن الاجتماعي- سواء للمرأة أو الطفل أو الأسرة- كلها كانت تنصُّ على تعليق المعونات بتنفيذ بنود هذه الوثائق!
  • هل استطاعت هذه الهجمة أن تنال من المرأة المسلمة؟
هذه الهجمة أخذت أشكالاً عدة في التطبيق؛ كتعقيد إجراءات الزواج من خلال شروط وبنود العقد الجديد الذي لاقى انتقادات واسعة حتى من الجمعيات النسائية غير الإسلامية، أو الإصرار على تمثيلٍ أعلى للمرأة في الوظائف والمناصب العليا.
  • هل تُبدين تحفُّظًا على شَغْلِ المرأةِ لبعض المناصب أو الوظائف المهمة؟
أنا لستُ ضدَّ تبوُّء المرأة أعلى المناصب كمًّا وكيفًا، ولكننا- كإسلاميين- ضد افتعال هذا الأمر تحت ضغوط خارجية دون تحضير لهذه الخطوة، فنُفَاجَأُ بملء المؤسسات ذات المواقع الحساسة بسيدات لا يتمتَّعن بالكفاءة المطلوبة، من باب الانصياع للوثائق والتوجُّهات الغربية ليس إلا!
أما إذا تم الأمر بشكل طبيعي بحيث يكون المنصب لمن يستحقه- رجلاً كان أو امرأةً- فهذا أقربُ للتصوُّر المنطقي المحافظ على مصلحة الوطن.
  • ماذا ترصدين أيضًا من مظاهر عملية تُعَدُّ تنفيذًا للتوجُّهات الأمريكية؟
من أهم المظاهر ما يُعرف ببرامج الصحَّة الإنجابية، التي تخطَّت دورها المعتاد في الحفاظ على صحة المرأة في أطوارها المختلفة (الحمل والولادة والرضاعة..) إلى أدوار أخرى وصلت إلى حد دعوة الأمَّهات لاصطحاب بناتهن الصغيرات (وهذه إعلانات موجودة بالتليفزيون وفي لافتات إعلانية بالشوارع) إلى مراكز تنظيم الأسرة؛ للتعرُّف على حقوقهن الإنجابية، ولمن لا يعلم فإن آخر الوثائق الصادرة عن الأمم المتحدة تُلزم الحكومات بتثقيف الأطفال بالثقافة الجنسية!


الدور المطلوب

  • كيف يمكن التصدي لهذه الهجمة الشرسة؟
أعتقد أن مؤسسات المجتمع المدني المستنيرة، التي لها خالص الولاء للوطن، والتي لا تعتمد في وجودها على تمويلات خارجية أو أي صور أخرى للمساندة، هي وحدها التي يقع عليها العبءُ في تبصير المجتمع بما يُحاك ضد الأسرة العربية والمسلمة.
وهذا بالطبع لا يلغي دور المرأة الفرد كأم وراعية لأسرتها لمقاومة هذا المد الشرس، وذلك من خلال مقاومتها لسياسات الإعلام والتعليم التي تستهدف الترويج للتوجهات الأمريكية، والحِمل الأكبر في هذا الشِّقِّ يقع على عاتق المرأة.
  • هل أنتِ متفائلةٌ في إمكانية نهوض المرأة المسلمة بدورها المطلوب لمواجهة الهجمة؟
بالتأكيد.. الحمد لله، أحداث التاريخ أثبتت أن المرأة المسلمة في الأوقات الحرجة تكون عند حسن الظن بها، وتؤدي دورها كأفضل ما يكون.

المصدر