دعوتنا بين أصالة الفكر وصدق الموقف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دعوتنا بين أصالة الفكر وصدق الموقف

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومن والاه إلى يوم الدين، وبعد..

يشهد التاريخ والواقع أن الإخوان المسلمين على مدى التاريخ الطويل لدعوتهم كانوا دائمًا ينطلقون من أسس شرعية ثابتة، ويمارسون حياتَهم وفق الأُطُر الإسلامية، بكل ما فيها من صفات الصدق والواقعية والشفافية..

كما أننا تعوَّدنا طيلةَ عمرنا السياسي أن كلَّ بادرةٍ ناجحة- تقدمنا بها إلى أمتنا وتقدمت هي بنا إلى أهدافنا خطوةً للأمام- كان يواكبها سيلٌ من الاتهامات وسُحُبٌ من الشبهات تُطلقها جهاتٌ عدةٌ اختلفت نواياها وأساليب هجومها علينا، وهذه الأطر التي نقدمها اليوم حول مواقفنا المعلَنة هي جزءٌ من واجبنا تجاه دعوتنا وتجاه إخواننا وأوطاننا؛ لنذكِّر الجميعَ بمنطلقاتنا الثابتة ومواقفنا الصادقة تجاه عدة قضايا مهمة أثيرت على الساحة الإعلامية في الآونة الأخيرة:

الإخوان والإصلاح

القرآن الكريم هو المشكاة التي تنير للإخوان طريقهم

الإصلاح في عقيدة الإخوان أصلٌ عميقٌ في نفوسهم عُمقَ إيمانهم بكتاب ربهم، الذي حضَّ على الإصلاح بمعناه المتسع لكافة أنواع الإصلاح التي يتنادى إليها الناس اليوم وإلى قيام الساعة، ويشمل ذلك الإصلاح السياسي وغيره، كالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو عند الإخوان قضيةُ حياةٍ يومية، يمارسها كل أخ مسلم أينما كان وحيثما وُجِد، وهذا كتاب الله بين أيدينا يعرض لتلك القضية في آياتٍ بيناتٍ على لسان سيدنا شعيب- عليه السلام-: ﴿وإلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ والْمِيزَانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 85).

1- فَأَوْفُوا الكَيْلَ والْمِيزَانَ

2- ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ

3- ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا

وعلى هدي هذه الآية وغيرها فإن الإخوان ينادون ويعملون للإصلاح على المستوى الفردي والجماعي والأممي كذلك.

تحالف الإخوان بالقوى السياسية المختلفة نصرة لقضايا الأمة

ولقد سعت جماعة الإخوان في الآونة الأخيرة إلى كل الذين ينادون بالإصلاح ويعملون له، ومدَّت يدَها متعاونةً مع كافة المنظمات والهيئات والأحزاب والشخصيات العامة التي تمارس الإصلاح وتسعى إليه، وما "التحالف الوطني من أجل الإصلاح والتغيير"- الذي سعت جماعتُنا مع غيرها لإخراجه إلى الوجود- إلا دليلٌ من بين أدلة كثيرة على صدق توخيها للإصلاح وسعيها إليه.

الإخوان والمشاركة مع الآخرين

لقد نشأت جماعة الإخوان من أول يوم بين الناس، وكان مؤسسها- رحمه الله- نموذجًا رائعًا في التواصل مع المجتمع والانخراط في خدمته والتعاون الخلاَّق المبدع لتطوير الحياة الإسلامية على امتداد مساحة الوطن.

وتنطلق جماعة الإخوان في المشاركة مع الآخرين لإنجاح المساعي الحميدة لتطوير المجتمع والنهوض به من قول الله- تبارك وتعالى-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 3)، وكما توضح ألفاظ القرآن فإن مجالات التعاون ممتدةٌ ومتسعةٌ على اتساع معاني البر والتقوى في لغتنا العربية.

الإمام الشهيد حسن البنا

ولقد تعاون الإخوان مع غيرهم من المخالفين لهم في العقيدة ما دامت المسألة تدخل في باب البر والتقوى، وها هو مؤسس الإخوان الإمام الشهيد يضع في اللجان المتخصصة للإخوان في الأربعينيات عددًا من إخواننا المسيحيين، كما أن أول حزب تقدَّم به الإخوان رسميًّا ضمَّ في مؤسِّسيه عددًا منهم كذلك، وكان الإمام البنا- رحمه الله- يدفع الإخوان دفعًا للتواصل مع كافة الصالونات الفكرية المنتشرة في هذا التاريخ، فيستمعون للعقاد والمازني وطه حسين، فيأخذون عنهم كلَّ خير، ويتحاورون معهم حول كل مسألة تبدو مختلفًا عليها كدليل واضح على التواصل حتى مع المخالفين للإخوان فكريًّا.

كما سعى الإمام البنا للمخالفين معه مذهبيًّا فنادى بضرورة التقريب بين الشيعة والسنة، وعمل لذلك بكل همة وحماسة، وحديثًا سعت جماعة الإخوان للتعاون مع الأحزاب السياسية جميعها تحت مظلة "الأمور المتفق على أهميتها للوطن والمواطنين"، مثل قضية الحرية والعدالة والمساواة، ودخلت في تنسيق مع حزب الوفد، ثم في تحالف مع حزبَي العمل والأحرار لسنوات عديدة أثمر الكثير من الإنجازات.. وما تزال جماعتنا تسعى بكل قوة للتعاون مع كل محبٍّ للخير وداعٍ إليه.

الإخوان والوحدة العربية والإسلامية

يشهد التاريخ والواقع على أن جماعة الإخوان المسلمين قامت بدورٍ ملموسٍ في نجاح قيام جامعة الدول العربية، ومهما قيل من ملاحظات حول الواقع التاريخي الذي نشأت فيه تلك الجامعة والضعف الذي واكب أداءَها فإن الإخوان يرون في الجامعة نواةً لوحدة عربية مأمولة يجب دعمها وتحسين دورها حتى تحقق الآمال، كما أن جماعة الإخوان- بامتدادها في دول عربية وإسلامية عدة- تسعى بذلك لإيجاد وحدة فكرية تجمع الأمة وتمهِّد السبيل لوحدةٍ جامعةٍ أشمل، ويمارس الإخوان هذه الوحدة العربية والإسلامية في كافة مواقفهم وآليات عملهم.

الإخوان وفلسطين

لقد تميز موقف الإخوان تجاه فلسطين وقضيتها تميزًا واضحًا على مدى التاريخ؛ فالإخوان من أول يوم تعاملوا مع قضية فلسطين، وأعلنوا ثوابتَهم المتعلقة بعروبة فلسطين وإسلاميتها وحتمية طرد المحتلين من أرضها، وتصاعد موقف الإخوان حتى تمكنوا من أن تكون لهم منظمةٌ جهاديةٌ داخل فلسطين ومن أبنائها، وهي حركة حماس، ووقف الإخوان خلف المجاهدين على أرض فلسطين، وأمدوهم- ويمدونهم- بكل عون مادي ومعنوي.

ولإن كان هناك دورٌ ملموسٌ لقطاعاتٍ ومنظماتٍ تعمل في فلسطين فإن دور حماس يبقى متميزًا بالشعبية والشمول والحكمة التي شهد بها الجميع، وهو واقعٌ شهد به العالمُ الحرُّ ومثَّل إضافةً ملموسةً لرصيد الإخوان المسلمين على ساحة القضية الفلسطينية.

إن احترام جماعة الإخوان المسلمين لمساعي السلطة الفلسطينية الحميدة لا ينسيها أبدًا أن استرداد فلسطين لن يكون من وراء الميكروفونات، ولكن بالجهاد والاستشهاد وبذل الدماء ﴿وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ﴾ (الأنفال: 60)، وعلى الجميع أن يعيَ ذلك ويفهمَه، وعلى السلطة أن تكفَّ يدَها عن المجاهدين لأنهم الشيء الوحيد الذي دفع العالم الغربي لقبولهم مفاوضين والتعامل معهم كسياسيين وبدون المجاهدين فلن يعبأ بهم أحد.

الإخوان وأمريكا

لقد تعاملت جماعة الإخوان مع قضايا منطقتها والعالم من حولها من منطلق أن الولايات المتحدة دولةٌ وريثةٌ للاحتلال الغربي، ورأى الإخوان في سلوك الإدارة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى انحرافًا عن الجادة وخروجًا على قانونية العلاقات الدولية، وخاصةً في القضايا التي تمس العالمَين العربي والإسلامي، ولم يكن بين أمريكا والإخوان يومًا ما أيُّ نوع من الاتفاق أو التفاهم، وسعَت أمريكا بدورها لدى الحكومات العربية والإسلامية التي انقلبت على المنطقة لتزيد من قبضتها على الإخوان، فمنهم من استجاب ومنهم من استجاب وزيادة..

ومن هنا فإن تصريحات الإدارة الأمريكية على كل مستوياتها لم تكن مفاجئةً للإخوان؛ لأننا ندرك من القديم أن أمريكا ليست جادةً في دعواها "الديمقراطية"، وهي دولة تسعى لتحقيق مصالحها الاحتلالية ولو بالديكتاتورية والهيمنة وسفك دماء الآخرين، ويشهد التاريخ أن كل الديكتاتوريات العربية كانت مدعومةً بالعون الأمريكي ظاهرًا وباطنًا، والإخوان لم ينخدعوا يومًا بالتلون الأمريكي والادعاء بحماية الديمقراطية أو السعي إليها.

لقد جاءت تصريحات "زوليك" بأنه راضٍ عن موقف الحكومة المصرية الذي يهمِّش الإخوان سياسيًّا، تأكيدًا على عدم جدية أمريكا في دعواها للديمقراطية، وتأكيدًا على دعمها للديكتاتورية ومصادرة حقوق الإنسان وانعدام المساواة، وتعميقًا للأزمة السياسية التي تطحن البلاد العربية والإسلامية، ونحن بدورنا نؤكد أننا ماضون في مسعانا للإصلاح في كل المجالات بكل ما نملك.. من الجهد والطاقة، ولو كره أصحاب المصالح الكبرى والنفوذ.

والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين.