درس في احترام المجاهدين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
درس في احترام المجاهدين
توفيق الواعي.jpg

بقلم/ د. توفيق الواعي

لا يعرف فضل المجاهدين الذين يلقنون الأعداء الدروس والعبر، إلا مجاهد تجري في عروقه نخوة البطولة وحب الديار والدفاع عن الأوطان، ولا يقدر تضحيات الرجال إلا رجال مثلهم، ولا يقدر شجاعة الأبطال وإقدام الفرسان إلا أصحاب العزائم وأسود النزال، أما الجرذان والأقزام وخائرو القوى، ومرتعدو الفرائص، فلا يعرفون إلا أشباه الرجال والخلعاء وأرباب النفاق والفساق، الذين لا يشعرون إلا بأهوائهم وشهواتهم، وهم في سكرتهم يعمهون، وفي خصامهم لا يبينون، وفي نزالهم منهزمون، لا يكيدون عدوًّا، ولا يحمون عرضًا، ولا يحفظون مالاً، ولا يمنعون ديارًا.

والمجاهد الذي يألم من احتلال وطنه، وضياع بلده، لا ينبغي أن يألم من قومه ودياره، وأهله وبنيه، وموطنه الذي يؤويه، بل يجب أن يُحترم بينهم، ويُبجل منهم، ويرحب به في غدوه ورواحه؛ لأنه هو الشوكة الوحيدة في حلوق الأعداء والغصة العظيمة في صدور الغزاة التي قد تكون أعظم من جيوش جرارة، وجحافل سيارة، وأسلحة بتارة.

وقد شاهدتُ وقرأتُ ما قالته وأجمعت عليه صحف صهيونية كبيرة، صدرت الخميس 29/1/ 2004 م على أن صفقة تبادل الأسرى التي وقعها الكيان الصهيوني مع (حزب الله) تشكل هزيمة قاسية لتل أبيب، ونصرًا للحزب، لاسيما في ظل الثمن الباهظ الذي دفعه الكيان الصهيوني في هذه الصفقة، وأن الحزب أجبره على الخضوع ومرغ أنفه في التراب.

ونقلت وكالة أنباء (قدس برس) عن صحيفة (هآرتس) العبرية في مقال كتبه الخبير العسكري لديها "زئيف شيف" قوله: "إن صفقة التبادل برهان على فشل تل أبيب في صراعها مع (حزب الله) الذي يشكل تهديدًا رادعًا لها في المنطقة"، رغم أنه مجرد تنظيم إرهابي صغير- على حد قوله- وأضاف "شيف" أن (حزب الله) تفوق على إسرائيل (الكيان الصهيوني ) في إدارة المفاوضات، وهذه ليست المرة الأولى، والخطوة الأكثر غرابةً من قِبَل إسرائيل (الكيان الصهيوني)- في نظره- هذه المرة كانت استعدادها لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين بواسطة (حزب الله)، في الوقت الذي يزيد فيه الحزب من تدخله وضلوعه في (المقاومة الفلسطينية) في الضفة الغربية ومحاولات لتجنيد عرب إسرائيليين لأعمال المقاومة، ورأى "شيف" أن هذا إنجاز كبير لـ(حزب الله)، وبرهان للفلسطينيين بأن الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، وبأيدينا نحن أعطينا (حزب الله) دفعةً للمشاركة والتدخل في (المقاومة الفلسطينية)، ثم قال: "إن هذه المفاوضات تذكِّر بأحد الإخفاقات الأمنية الخطيرة التي ارتكبتها إسرائيل (الكيان الصهيوني ) التي لم تنجح في فعل شيء عندما شكل (حزب الله) المنظومة الصاروخية الأكثر تهديدًا لإسرائيل (الكيان الصهيوني) أمام ناظريها وبمساعدة من إيران وسوريا".

ثم تابع قائلاً: "هذا الأمر بدأ بفشل استخباراتي، واستمر كفشل عسكري يعبر عن نفسه بإخفاق ردعي، ومرحلة تلو أخرى، نجح (حزب الله) مع شركائه في نصب منظومة صاروخية خطيرة لم تشهد مثلها في السابق قبالتنا، ومنظومة (حزب الله) الصاروخية تردع إسرائيل (الكيان الصهيوني)، التي تضطر لالتزام المزيد من الحذر بما يفوق حذرها قبالة سوريا مثلاً، أو أي دولة عربية أخرى، ومن جانبها أكدت صحيفة (معاريف) أنه لولا المقاومة العنيفة- التي تخوضها فصائل (المقاومة الفلسطينية) ضد الكيان الصهيوني منذ أكثر من 3 أعوام- لما وافق رئيس الوزراء الصهيوني "أرييل شارون" على إقامة دولة فلسطينية، فلولا المقاومة في لبنان وفلسطين، ما كان الكيان الصهيوني ليعترف بسلام مع العرب أبدًا، وما كانت أحلامه تقف عند حد في إستراتيجيته التوسعية.

وعلى هذا استطاع حفنة من المجاهدين أن يرغموا إسرائيل (الكيان الصهيوني ) ويمرغوا أنفها في التراب، بما لم تستطعه زعامات وسلطات العرب مجتمعةً، ثم تواصل (معاريف) فتقول: إن "حسن نصر الله" صادق، وقد انتصر على إسرائيل (الكيان الصهيوني ) كما وعد، وتقول كاتبة المقال: وأنا- للأسف- أصدق "نصر الله" لأن ما يعد به يفي به من غير خسة ولا دخل، وقد ظلت إسرائيل طوال سنين عدة تقول: إن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة، ولكن المجاهدين قد قلبوا الصورة، فأصبحت إسرائيل (الكيان الصهيوني ) هي التي لا تفهم إلا لغة القوة، وستنفِّذ عاجلاً أو أجلاً ما تريده المقاومة.

ومن أجل أن تتم الصورة عندنا نجد أن "حسن نصر الله" لم يهدأ له بال حتى فك قيود الأسرى، وحرر أبطال الكفاح من سجون إسرائيل (الكيان الصهيوني )، وقابلهم والشعب البطل بالأفراح والزغاريد والاستقبالات المذهلة، بما لم يُستقبل به أي زعيم أو رئيس، وهذا بلا شك يرد بعض الجميل لهؤلاء الأبطال، كما يكون مع هذا تكريمًا لبقية الأبطال، ودفعًا لهم على مواصلة الكفاح.

وكم تذكرت بالكثير من الحسرة رجوع المجاهدين من فلسطين في العام 48، 49 مقيدين بالحبال إلى السجون المصرية في عهد الملك "فاروق"، بعد معارك مشرفة ضد اليهود، وكم أتذكر بكثير من الأسى اعتقال السلطة الفلسطينية لمجاهدي حماس و(الجهاد)، الذين وقفوا أمام اليهود في ساعات عصيبة، هربت فيها الأمة من واجبها، وكم تآمرت السلطة عليهم فدبروا الفخاخ لزعمائهم لتسارع إسرائيل (الكيان الصهيوني ) في القضاء عليهم، ومازال هذا مستمرًا- وإن خبا- حتى إشعار آخر، ومازالت المساومات على رقابهم وجهادهم قيد البحث والتآمر.

ولهذا ترى هذه القيادات الضالة لا يواكبها نصر أو فلاح أو حتى احترام من أحد، وتعيش هزيلةً وتكون لعبةً في يد الأعداء، ثم تذهب- بعد جراح وآلام غير مأسوف عليها- مشيَّعةً بالخزي والعار؛ لأنها أصلاً ما عرفت قيمة الجهاد والمجاهدين، وما تذوقت طعم الرجولة ونبل الغاية وشرف المقصد، واليوم هل تفقه الدرس لتسير في الطريق الصحيح؟ نسأل الله ذلك.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى