حول مسيرة الحوار الشامل
بقلم:محمد السهلي
وثيقة تثبت القدرة
أثبت ولادة «وثيقة الوفاق الوطني» القدرة الذاتية لدى الحالة الفلسطينية في التوصل إلى قواسم مشتركة في حال توافرت الإرادة السياسية للقيام بذلك لم يفاجأ أحد بفشل اجتماع القوى والفصائل الفلسطينية الثلاثة عشر في غزة (14/2) في أن يحقق اختراقا ولو بسيطا باتجاه إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.
ولربما يعود السبب إلى أن سبل حل الأزمة الفلسطينية قد خرجت في تداولها مؤخرا عن السياق المنطقي الذي تفترضه حال شعب تتوزع مصائبه ما بين الوقوع تحت الاحتلال وبين التشريد خارج أرضه وممتلكاته.
يرجح صحة هذا الاستخلاص أن القوى والفصائل الثلاثة عشر التي فشلت مؤخرا،قد نجحت هي بحد ذاتها في بلورة وثيقة الوفاق الوطني (27/6/2006) التي وضع أسسها قادة الحركة الأسيرة في المعتقلات الإسرائيلية،وكان من شأن الالتزام بتنفيذ ما جاء فيها أن يعفي الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية من ويلات ما حصل منذ توقيعها وحتى اليوم.
فهل تعيد مكونات الحوار الفلسطيني الاعتبار لهذه الوثيقة ولجميع نتائج جولات الحوار الشامل أم أن البحث سيتواصل عن اتفاقات أخرى يتكرر الانقلاب عليها؟.
معاني هامة انبثقت عن الوثيقة
على الرغم من أننا لسنا في معرض استعادة نصوص وثيقة الوفاق الوطني وتظهير إيجابياتها،إلا أنه من المفيد الإشارة إلى عدد من المعاني الهامة التي مثلتها ولادة هذه الوثيقة والتصديق عليها من قبل جميع مكونات الحالة السياسية الفلسطينية بالإضافة إلى شخصيات وفعاليات ومؤسسات فاعلة في المجتمع المدني.
- أثبتت ولادة الوثيقة الدور الوطني المسؤول للحركة الأسيرة في سجون الاحتلال وقدرتها على احباط محاولات سلطات الاحتلال نقل الخلافات الفلسطينية إلى داخل السجون بهدف ضرب وحدة الأسرى في مواجهة التعسف الإسرائيلي.وانتقلت الحركة الأسيرة إلى موقع المبادرة لتصوغ «وثيقة الأسرى» التي أسست لبلورة وثيقة الوفاق الوطني بعد أن توافق عليها داخل السجون الإسرائيلية ممثلو كل من الجبهتين الديمقراطية والشعبية وفتح و حماس والجهاد.
- كما أثبتت بشكل قاطع أن الحوار الوطني الشامل هو الطريق الوحيد الصالح للوصول إلى القواسم المشتركة مهما كانت مساحات الخلاف بين مكونات الحالة الفلسطينية،وأكدت أن الحوار هو اللغة الوطنية الوحيدة التي يجب اعتمادها لحل الخلافات القائمة،في تأكيد على عدم جواز الاحتكام للقوة وفق مبدأ تحريم الدم الفلسطيني وضرورة صيانة الجهود الوطنية وتوجيهها ضد الاحتلال وسياساته التوسعية.
- وأثبتت أيضا توافر القدرة الذاتية لدى مكونات الحالة الفلسطينية في تلمس القواسم المشتركة فيما بين مواقفها،وقدرتها كذلك على تجسير هوة الخلافات القائمة لخدمة المصلحة الوطنية العليا وتجاوز الاعتبارات الفصائلية الضيقة.وفي حال توافرت الإرادة السياسية اللازمة للقيام بذلك،فإن هذا لا يجنب الشعب الفلسطيني وحركته السياسية فقط تداعيات تفاقم الخلافات،بل ويجنب أيضا الأشقاء العرب من صداع الدخول على خط هذه الخلافات وخاصة عندما تتحول إلى صراع دموي،مع التقدير طبعا لما قُدِم ويُقَدم لرأب الصدع الفلسطيني.
- ومن المعاني الهامة التي أكدتها ولادة الوثيقة،أنها أعادت الاعتبار لأولويات العمل الوطني الفلسطيني بتوصيف المهام الملقاة على الحركة الوطنية باعتبارها حركة تحرر وطني تهدف إلى إزالة الاحتلال والاستيطان وضمان الحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس،وتأكيد حق الشعب الفلسطيني بالتمسك بخيار مقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل.
- وأثبتت ولادة الوثيقة عدم إمكانية الفصل بين العناوين السياسية للبرنامج الوطني عن مهام إصلاح النظام السياسي الفلسطيني ودمقرطته وتكريس مبدأ الانتخابات ودوريتها والتداول السلمي للسلطة وتكريس سيادة القانون،كما أكدت على تشكيل حكومة وحدة وطنية على أسس تكفل مشاركة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.
وكان واضحا ـ لنا على الأقل ـ أن التقدم على سكة إنجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية لا يتم من غير إصلاح النظام السياسي الفلسطيني في السلطة ومنظمة التحرير وخاصة تجسيد مبدأ الشراكة السياسية من خلال اعتماد قوانين انتخابية ديمقراطية تكفل تحقيق هذا المبدأ ونخص بالذكر قانون التمثيل النسبي الكامل الذي اعتمد في وثيقة الوفاق الوطني ناظما لانتخابات المجلس الوطني دون أن يشار إليه بما يخص المجلس التشريعي.
ولكن وعلى اعتبار أن الوثيقة ولدت في العام الأول من ولاية المجلس التشريعي فإن ولادتها أعطت الأمل في أن يتم تصويب الأمر وخاصة في ظل المناخات المشجعة التي أعلنت فيها الوثيقة.
ولكن خلال الفترة الأولى لولاية المجلس التشريعي تبدت بشكل واضح مساوئ اعتماد القانون المختلط في انتخابه بعد أن أنتجت رأسين متقابلين أدت خلافاتهما على قضايا عدة إلى تعطيل العمل البرلماني،كما أدت سياسة إدارة الظهر لوثيقة الوفاق الوطني إلى أن تأخذ الخلافات الدائرة شكل صراع دموي وخاصة بعد انهيار اتفاق مكة الذي تم بعيدا عن قرارات الحوار الوطني الشامل.
وبذلك عاشت الحالة الفلسطينية أسوأ مراحلها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مصحوبة بتصعيد الاعتداءات الإسرائيلية التي بلغت ذروتها في نهاية العام 2008 وأوائل العام الماضي على وقع العدوان على قطاع غزة.
علاقة جدلية
من وجهة نظرنا،ثمة علاقة جدلية ما بين تدهور الوضع الفلسطيني الداخلي وبين غياب آليات الحوار الوطني الشامل.
ودليلنا على ذلك أن الحوارات الثنائية وما نتج عنها زادت من تعقيد الأزمة الفلسطينية وأضافت لها عددا لا يحصى من ملفات الخلاف المستحدثة بين حركتي فتح وحماس.
مجددا،عقدت الآمال على الحوار الوطني الشامل في جولته الرابعة بالقاهرة في شباط / فبراير من العام الماضي وارتفع منسوب هذه الآمال مع إقلاع اللجان الخمس التي شكلها مؤتمر الحوار في إنجاز جداول أعمالها بخصوص القضايا المعنية ببحثها، وقطعت في شهر آذار / مارس الماضي شوطا مشجعا في حسم بعض القضايا من بينها اعتماد قانون التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية الذي أجمعت عليه القوى والفصائل المشاركة باستثناء حماس.
ومع ذلك اعتبر إنجازا مهما يمكن البناء عليه مع استمرار الحوار الشامل الذي تم قطعه للأسف باتجاه مسرب الحوار الثنائي بين فتح وحماس.
دور القاهرة في تقريب وجهات النظر
ومع استمرار الحوار العقيم بين الحركتين دخلت القاهرة على خط تقريب وجهات النظر بينهما،وحصل لاحقا أن انقلب وفد فتح بالحوار على موقف الحركة في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية وعلى موقفه هو داخل لجنة الحوار الخاصة بالانتخابات،ودخل مع حركة حماس في بازار النسب ما بين النسبي والدوائر في إطار اعتماد القانون المختلط كناظم للانتخابات التشريعية،وهو ما دفع بالقاهرة لأن تدخل على خط التوفيق بين موقفي الحركتين من هذا الموضوع إلى جانب قضايا أخرى مثل الأمن واللجنة المشتركة التي تم اقتراحها بديلا عن حكومة الوفاق الوطني المفترضة،لتتبلور لاحقا الورقة المصرية التي قدمت بعنوان «رؤية مصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني».
وبعيدا عن التجاذبات القائمة حول توقيع الورقة المصرية،نعتقد بأن السعي الحثيث لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة سيصل إلى نتائجه المرجوة في حال تم الانطلاق في هذه الجهود من ضرورة معالجة أسس الأزمة الفلسطينية وليس تجلياتها من نمط التجاذبات حول الولاية على أجهزة الأمن بين حركتي فتح وحماس.
ومن أبرز هذه الأسس ـ برأينا ـ طبيعة النظام السياسي الفلسطيني الحالي الذي يحتاج إلى إصلاح جدي من خلال إعادة بنائه بشكل ديمقراطي استنادا إلى قواعد وقوانين تكفل دمقرطة الحياة الفلسطينية بكافة مناحيها.
من غير ذلك، سيبقى الحديث يدور عن مصالحة وليس عن استعادة الوحدة.. وشتان ما بين المسألتين لأن الأولى يمكن أن تصفي الأجواء بين المتخاصمين ولربما لفترة مؤقتة مع نذر إعادة انفجار الخلافات بينهما في أي وقت ربطا بالتجارب المريرة الماضية.أما الثانية،فتحتاج إلى جهد ومثابر أكبر،لكن نتائجها تضمن حل جذور الأزمة وترد الاعتبار للعمل الوطني الفلسطيني.. محليا وعربيا ودوليا.
المصدر
- مقال:حول مسيرة الحوار الشامل موقع : المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات