حوار مع إمام المركز الإسلامي بوسط منهاتن

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حوار مع إمام المركز الإسلامي بوسط منهاتن
15-06-2005

حوار: استشهاد عز الدين

- الإنجيل الجديد للإدارة الأمريكية من تأليف يهودي

- المجتمع الأمريكي يخجل من ممارسات إدارته في العراق

- المسلمون بأمريكا بحاجة إلى التنظيم والمنهج والإستراتيجية

- نحتاج إلى قناة فضائية إسلامية تواجه سيطرة اليهود على الإعلام

الدكتور أحمد دويدار

الجنود الأمريكيون يُلقون بالمصاحف في دورات المياه بمعتقل جوانتنامو؛ نكايةً بالأسرى المسلمين.. الجنود الأمريكيون يعذِّبون الأسرى المسلمين بمعتقل أبو غريب بالعراق حتى الموت.. قوات الاحتلال الأمريكي تقتحم مساجد الفلوجة وترتكب عشرات المجازر بالمدن العراقية.. إلخ.

هذا هو كل ما صار يعرفه العرب والمسلمون في جميع أنحاء العالم عن الولايات المتحدة الأمريكية.. الشيطان الأكبر، الذي يشهر أنيابه في وجه العالم أجمع ليطبقها على عنق العرب والمسلمين على وجه الخصوص.. أمريكا سرطان الهيمنة والاحتلال الذي يجتاح الأرض دون أن تنفذ حِيَلُه أو تنتهي ألاعيبُه، فمن الاحتلال المسلَّح إلى الغزو الفكري والثقافي والاقتصادي إلى الشرق الأوسط الكبير، وأخيرًا أجندة الديمقراطية والمعارضة.. هذه هي الصورة الأمريكية في ذهن كل طفل ورجل وامرأة في بلاد العرب والمسلمين.

ولكن..

كيف تبدو هذه الصور في عيون أحد عشر مليون مسلم يحملون الجنسية الأمريكية، ويحيَون تحت علم الولايات المتحدة ليسوا مجرد مهاجرين فقط، وإنما 30% منهم مواطنون أمريكيون أصليون، و70% مهاجرون من جميع أنحاء العالم؛ حيث يوجد في مسجد ولاية ماساشوستس مسلمون من 50 دولةً، وفي مسجد كاليفورنيا مسلمون من 80 دولةً، ويحرص المسلمون المهاجرون على الحفاظ على تقاليدهم الإسلامية المختلفة، من خلال المؤسسات الإسلامية التي يبلغ عددها 2000 مؤسسة، منها 1200 مسجد، والباقي مراكز إسلامية، كما أنشأت الجالية المسلمة حوالي ألفي مدرسة منتشرة في الولايات المتحدة، أما المدارس اليومية فيزيد عددها على 100 مدرسة بدأت ابتدائيةً، ويشرعون الآن في افتتاح الأقسام الثانوية.

وأهم ما يحرص عليه المهاجرون هو تربية الجيل الجديد وتعليمه القرآن الكريم واللغة العربية ومبادئ الدين، فما موقف هؤلاء المسلمين من دولة يعيشون على أرضها وتَحتل أوطانهم؟ وما موقف هذه الدولة منهم؟!

هذا ما نجيب عليه من خلال الحوار التالي مع الأستاذ الدكتور أحمد دويدار، الذي وُلد بمدينة رشيد بالإسكندرية، وتخرج في كلية الحقوق عام 1989 م، وحصل على درجتَي الماجستير والدكتوراه من نفس الجامعة، فضلاً عن دكتوراه الأديان المقارنة من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو أستاذ ممارس بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة منهاتن فيل الأمريكية وإمام المركز الإسلامي بوسط منهاتن.. فإلى تفاصيل الحوار:

  • عقد خلال الشهر الماضي مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والذي كنتم أحد المشاركين فيه، تحت عنوان (إنسانية الحضارة الإسلامية)، فإلى أيِّ مدًى ينعكس هذا المفهوم على ممارسات أبناء الجالية الإسلامية بدولة كالولايات المتحدة الأمريكية؟
الإنسان المسلم في المجتمع الأمريكي إنسانٌ سلوكيٌ أكثر منه شعاراتي، يمارس دورَه في المجتمع كإنسان يشارك في دفع عجلة الحياة، ويتسع مفهوم عالمية الدعوة الإسلامية لديه من مجرد العلاقة التعبدية بالله إلى العلاقات الطيبة بالمجتمع.. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13) فنرى الشباب المسلم يتخرج في أفضل الجامعات الأمريكية، ويتخصص في أدق التخصصات، ويؤدي دورَه في تنمية نفسه وعائلته والمجتمع الذي يحيا فيه، ويتميز في أدائه المهني بالدقة والانضباط.. هكذا يصبح خير دعوة للإسلام كعقيدة ودين وحضارة، وأكثر ما يؤثر في المجتمع الأمريكي هو مدخل الإسلام الحضاري.
  • كيف كان يسير هذا الخط الدعوي الحضاري قبل أحداث 11 سبتمبر؟!
الخط الدعوي الإسلامي كان قد وصل إلى تناقض عجيب، فبالرغم من أنه على المستوى الدعوي البنَّاء قد وصل لذروته وبدأ المجتمع الأمريكي يرى في بعض المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة رموزًا حضاريةً مؤثرةً أدت إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في معدلات اعتناق الدين الإسلامي.. إلا أن الدعاة كانوا قد وصلوا لمرحلة استعراض القوة وترديد شعارات تؤصل للمفهوم السيادي للإسلام.. جعلت الأمريكيين يرتابون في الإسلام ويرون أن المسلمين قد أتَوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليمتلكوها ويسودوا العالم.. كان هذا هو الخطاب الدعوي المنتشر في ذلك الوقت، في حين نرى الخطيب يلقي خطبتَه من بدروم عمارة بأحد الأحياء الفقيرة، ومن المؤكد أن سيادة الإسلام لن تأتي بهذه الشعارات، وإنما كنتيجة طبيعية لسلوك المسلمين وحضارتهم وليس بالحكم السلطوي من أعلى، ولكن برغبة الجموع التي تحتشد حوله ويتغلغل في قلوبها، فالمجتمع الأمريكي يتأثر جدًّا بالخدمات، وهذا ما أدركته الكنائس مبكرًا، فراحت تنظِّم دورات كمبيوتر، ولغات، وفصول تقوية للمدارس الإعدادية والثانوية، ويبتكرون وسائل أخرى مثل ( شوربة يوم الأحد)؛ حيث تقدم الكنائس يوم الأحد الشوربة مجانًا للفقراء، فإذا مررت بأي كنيسة في ذلك الوقت تجد طوابير غفيرة من الفقراء وغير الفقراء الذين راحوا يستمتعون بالخدمات الطيبة والأسلوب اللطيف ويحصلون على كتيبات بسيطة توزعها الكنائس.
أحداث ستمبر
  • وهل مثلت أحداث11 سبتمبر طفرةً نوعيةً في الدعوة الإسلامية وسط المجتمع الأمريكي؟!
بالطبع.. فقد أعادت التوازن إلى الخطاب الدعوي؛ حيث بدأ المسلمون ينتقون كلامهم ووسائلهم الدعوية، ويعلمون أن أي تطرف من قِبَلهم أو كلمة تفسَّر على غير معناها ستؤدي إلى تطرف من قِبَل الإدارة الأمريكية، كذلك بدأ الآلاف من الأمريكيين ينتبهون إلى الدين الإسلامي ويبحثون فيه ليتعرفوا على هذا الدين الذي يحاول أصحابه سيادة العالم، والذي اقتحم عليهم حياتَهم الهادئة الحصينة، وبفضل الله كان هذا خيرًا كبيرًا للدعوة؛ حيث تعرفوا على حقيقة وعظمة وحضارة الإسلام، واعتنق المئات منهم هذا الدين في أيامٍ معدوداتٍ، وقد شهدت بنفسي بعض هذه الحالات في المركز الإسلامي.
  • وما الخطوات التي قمتم بها لدفع الاتهام الذي أُلصق بالمسلمين بأنهم وراء أحداث11 سبتمبر ؟
بالرغم من أن هناك قسمًا كبيرًا من المجتمع الأمريكي يعتقد أن أحداث11 سبتمبر عمليةٌ مبرمجةٌ ومفتعلةٌ لتكريس واقع جديد للهيمنة على العالم تحت ما يسمى (بالنظام العالمي الجديد)، إلا أن معظم المجتمع تسلَّم رسالةً من المسلمين بالفعل أنهم وراء ذلك.. تمثلت هذه الرسالة في إعلان طالبان وأسامة بن لادن مسئوليتهما عن الحدث، وأيضًا ردود فعل العالم العربي والإسلامي التي اتسمت بالشماتة والفرحة لما حدث، فعلى مستوى النظام الأمريكي- سواءٌ كانت هذه الأحداث مفتعلةً أو ألصقت بالمسلمين أو غير ذلك- شكلت هذه الأحداث فرصةً لسن قوانين مشبوهة تقيد النمو والتواجد الإسلامي بالولايات المتحدة كقانون الإرهاب وغيره.
أما على مستوى المجتمع الأمريكي فإن نظرة الشك التي صارت تطارد كل ما هو إسلامي في الشوارع ومناطق الترف والتسوق وأماكن العمل لا زالت تمثل عبئًا كبيرًا على المواطن المسلم بأمريكا، وقد ساعدت وسائل الإعلام- التي يسيطر الصهاينة على معظمها- على نشر هذا المفهوم، فإذا رأت أحد المسلمين الملتحين يبيع الأكلات السريعة في شوارع أي ولاية تتوقف عنده عدسات الكاميرات ويُجرون معه حوارات كأنه ممثلٌ ومعبرٌ عن الإسلام، في نفس الوقت الذي تتجاهل فيه هذه الوسائل أيَّ صوت إسلامي معتدل أو أي نموذج علمي إسلامي مشرف، أو أي علماء دين متخصصين، وهو ما نحاول أن نواجِهَه بالاتصال بوسائل الإعلام بصفة مستمرة ورفع شكوى للمسئولين، وفي النهاية أبشركم بأن المجتمع الأمريكي- بصرف النظر عن موقف النظام- مجتمع عاملٌ ومحبٌّ للحياة وسريع النسيان، ومن السهل جدًّا أن يتخطَّى أحداث11 سبتمبر، شريطةَ أن نقدم نحن له الدليل على براءتنا من هذا الجُرم، ونمحوَ بسلوكياتنا الإسلامية المتزنة ما أثاره هذا الحادث من ريبة وتشكك لدى المجتمع الأمريكي.
  • ما مدى تأثير الجالية الإسلامية في المجتمع الأمريكي؟
الجالية الصهيونية ثلاثة ملايين فقط، ولكنهم يسيطرون على الحكم والسياسة والاقتصاد والإعلام في الولايات المتحدة، في حين أن الجالية الإسلامية11 مليون ولكنها ضعيفة التأثير؛ وذلك يرجع لعدة أسباب، أهمها: تنوع الثقافات واللغات والبلاد التي تتشكَّل منها الجالية الإسلامية، فهناك عرب وآسيويون وإيرانيون وغيرهم، كذلك الجالية الإسلامية مجتمعٌ حديثُ الهجرة للولايات المتحدة مقارنةً بكثير من الجاليات الأخرى، كما ينقصنا وجود التنظيم والمنهج والإستراتيجية التي نتوحد حولها ونتحرك من خلالها.. نحتاج كذلك إلى أن تكون لدينا أجيال متخصصة في الطب والكمبيوتر وغيرها من المجالات التي تخدم الحضارة، وإن كان لدينا حاليًا بالفعل بعض الرموز في العديد من المجالات والتخصصات العلمية الدقيقة إلا أنها غير متوفرة بالقدر الذي يجعلها تظهر وتتألَّق وتؤثر في المجتمع الأمريكي.
  • أنت إمام المركز الإسلامي بوسط منهاتن، فما أهم الأنشطة التي يقوم بها هذا المركز؟!
إقامة الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة التي يزيد عدد الحضور فيها عن1200 مسلم، فضلاً عن الندوات والمؤتمرات التي تناقش قضايا المسلمين في المجتمع الأمريكي وتدرس أحوالهم، وكذلك أقمنا مبنًى ضخمًا للمركز ومدرسةً ملحقةً به من الجهود الذاتية والتبرعات، ونحاول إقامة فرع لجامعة الأزهر لدينا، وهذا بفضل الله ثم جهود المسلمين، وكذلك ساعدتنا منظمة المجتمع الأمريكي- التي تَعتبر التبرعات جزءًا من النظام الضريبي، ويتم خصمها من الضرائب مما يشجع الكثيرين على التبرع- وفي الحقيقة فإن هناك منظومةً تساعد على النجاح ومنظومةً تساعد على الفشل، والمنظومة الأمريكية تهيئ جو النجاح لمن يسعى إليه.. هذا واقع يجب أن نعترف به ونتعلم منه.
  • وماذا بشأن المنظمات الإسلامية بأمريكا ومدى رعايتها لأبناء الجالية وتأثيرها في المجتمع؟
للأسف الشديد، بالرغم من أن هناك منظماتٍ قويةً وناجحةً بالفعل مثل (كير) و(إسنا) و(إكنا)، ولها دور طيب.. إلا أن اختلاف الثقافات والأعراف التي تشكل الجالية الإسلامية تُحدث نوعًا من طغيان النفوذ العِرقي والثقافي على المفهوم الديني، فكل فئة تحاول ممارسة الإسلام من خلال ثقافتها وأعرافها؛ مما يعوق التنسيق والتنظيم إلى حد كبير، فضلاً عن العيوب البشرية الطبيعية.. كحب الرياسة والظهور، وبالرغم من ذلك فإنه في ظل التطورات والأحداث الأخيرة صارت هناك رغبةٌ في التعاون والنجاح.. ليس لسيادة العالم ولكن ليكون لدينا على الأقل القدرةُ على التواصل مع الآخر بصورة متوازنة.
  • هل ما يعوق التنظيم والتأثير بالنسبة للجالية الإسلامية فقط عوائق داخلية؟
كلا بالطبع، فهناك جهات كثيرة يهمها أن تحول بيننا وبين التأثير في المجتمع، وعلى رأسها اللوبي الصهيوني الذي يؤثر على وسائل الإعلام هناك، فلا نستطيع نشر أفكارنا ولا إبراز كوادرنا ونماذجنا الناجحة، وحتى إن حاول بعض المسلمين العمل بوسائل الإعلام فإنه في مواجهة كل مسلم سنجد خمسة ملايين إعلامي يسيطر عليهم اليهود، أما إن كان نابغةً وفرضَ نفسه على العمل فإنهم يوظِّفونه في أماكن خلف الكاميرا وليس أمامها، في الوقت الذي نرى فيه أثرياء المسلمين يشترون تراث السينما المصرية بثمانمائة مليون دولار ولا يعملون على إنشاء قناة إسلامية على المستوى المطلوب تخاطب المجتمعات الأجنبية بصورة علمية وحرفية مهنية.
  • كيف واجه المسلمون بالولايات المتحدة سياسات الإدارة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي، وخاصةً احتلالها للعراق؟!
قمنا بالعديد من المظاهرات والفعاليات والخطب والمؤتمرات، وأرسلنا العديد من الرسائل لوسائل الإعلام والمنظمات المختلفة.. لكن كل هذا لم يؤثر على قرار الحرب، ليس لضعف ما قمنا به، ولكن لأن الحرب كان مقررًا القيام بها مهما حدث، ولكن على مستوى المجتمع الأمريكي نفسه أحدثنا- بفضل الله- تأثيرات كبيرة، حتى صار المجتمع نفسه منقسمًا حول موقفه من هذه الحرب، ويخجل من الاعتداءات والممارسات التي تمت خلالها.
أما بالنسبة لسياسات الهيمنة الأمريكية على المنطقة فأوضِّح أنه كما أن هناك فكرًا يتأثر به الحاكم أو السلطان فكذلك هناك منهج فكري أو ديني يعتنقه النظام الأمريكي، ويمثل الإنجيل الجديد بالنسبة للإدارة الأمريكية، وهو بلورة لزخم فكري وجهد كبير قام به رجل ذو سطوة ونفوذ على المستوى الثقافي يُدعى (شارتسكي)- وهو يهودي الأصل- ويتلخص في أنه "لكي تحيا أمريكا في أمنٍ لا بد أن تتغير مفاهيم منطقة الشرق الأوسط من ناحية شعورهم بالمشاركة السياسية والتفاعل والحرية والديمقراطية والتعليم؛ لأن الكبت الذي تحياه هذه المجتمعات يفرز التطرف الذي يأكل الأخضر واليابس في بلادهم وفي أمريكا.
وإذا كان هذا اليهودي قد صاغ أفكاره بشكل نبيل.. إلا أن لديه أهدافًا خبيثةً، نرى ملامحها الآن فيما تمارسه الولايات المتحدة في المنطقة من فرض تصورها ورؤيتها للديمقراطية والتعليم والمشاركة السياسية على بلادنا، وكذلك تدخلها السافر في الشئون الداخلية لهذه البلاد، واتصالها ببعض جهات المعارضة فيها، ولكن علينا أن نستغل هذه الفرصة السانحة لنكون أفضل بالفعل، وهكذا ينقلب السحر على الساحر، وإذا كان هذا الكلام يهدف إلى تمكين نُظم خادمة للغرب فلماذا لا نضغط نحن لنأتي بنظم وطنية حقيقية؟! نعم سنواجه بمقاومة شديدة.. لكن الشعوب إذا أرادت شيئًا لا يمكن لأحد أن يكسر إرادتَها

المصدر