حكم طواف الحائض
29-12-2004
بقلم فضيلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب*

يعيش المسلمون في شتى بقاع الأرض موسمًا غاليًا كريمًا حبيبًا إلى قلوبهم ألا وهو موسم الحج الأكبر، ومعروف أن المرأة الحائض لا تطوف بالبيت؛ فالطواف من المحرمات عليها؛ لكن رفع الحرج ودفع المشقة- التي هي من خصائص ديننا الإسلامي الحنيف- تدفع الفقهاء في كل عصر أن يجتهدوا لتذليل المصاعب أمام جمهور المسلمين..
وقد عرضت هذه الفتوى على الشيخ محمد عبد الله الخطيب فماذا قال..؟
- س: المرأة ينزل عليها دم الحيض وهي لم تؤد الحج.. فماذا تصنع؟!
لقد بين الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- أن الحائض تقوم بكل أعمال الحج إلا الطواف، فإذا طهُرت طافت، لكنَّ المشكلة أن تكون المرأةُ ارتبطت برفقة، لا يمكنها تركهم أو التخلف عنهم بحالٍ من الأحوال، وحتى لو كان معها محرم، فهو أيضًا مرتبط كذلك برفقته.. لا يستطيع التخلف عنهم، فما هو الحل؟ وكيف المخرج؟! والحق- سبحانه وتعالى- يريد بعباده جميعًا اليسر: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ" (البقرة: 185).
وقد يكون على المرأة طواف الركن- طواف الإفاضة- وهي حائض، فلو بقيت حتى تطهر لفاتها السفر مع الركب والرفقة، خاصةً الآن مواعيد الطائرات وإقلاع السفن لا يمكن تأخيرها..
- والجواب
لقد تحدث في هذا الموضوع باستفاضة الإمام ابن القيم- رحمه الله- في كتابه (إعلام الموقعين: جـ3 ص14 وما بعدها) فقال: "إن النبي- صلى الله عليه وسلم- منع الحائض من الطواف بالبيت حتى تطهر، وقال: "اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت".
ثم يقول الإمام: "فظن من ظنَّ أن هذا حكم عام في جميع الأحوال والأزمان، ولم يفرِّق بين حالة القدرة والعجز، ولا بين زمن ومكان الاحتباس لها حتى تطهر وتطوف، وبين الزمن الذي لا يمكن فيه ذلك، وتمسك بظاهر النص، ورأى منافاةَ الحيض للطواف كمنافاته للصلاة والصيام؛ إذ نهى على الجميع سواء.. ثم يقول: ونازعهم في ذلك فريقان:
الأول: صحَّح الطواف مع الحيض، ولم يجعلوا الحيض مانعًا من صحته، بل جعلوا الطهارة واجبةً تُجبر بالدم، ويصح الطواف بدونها، كما يقوله الإمام أبو حنيفة وأصحابه، والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وهي أنصهما عنه، وهؤلاء لم يجعلوا ارتباط الطهارة بالطواف كارتباطها بالصلاة، ارتباط الشرط بالمشروط، بل جعلوها واجبةً من واجباته، وارتباطها به كارتباط واجبات الحج به، يصح فعله مع الإخلال بها وجبرها بالدم.
والثاني: جعل وجوب الطهارة للطواف واشتراطها بمنزلة وجوب السترة واشتراطها، بل بمنزلة سائر شروط الصلاة وواجباتها التي تجب وتشترط مع القدرة وتسقط مع العجز.. قالوا: وليس اشتراط الطهارة للطواف أو وجوبها له، بأعظم من اشتراطها للصلاة، فإذا سقطت بالعجز عنها فسقوطها في الطواف بالعجز عنها أولى وأحرى.
والخلاصة
أن شريطة الطهارة في الطواف لم تجتمع عليها كلمة الأئمة، فمنهم من قال بعدم شرطيتها بل بوجوبها، ومنهم من جعل وجوبها واشتراطها بمنزلة وجوب السترة، واشتراطها في الصلاة.
إذن: على المسلمة التي فاجأها الحيض ولم تؤدِّ طواف الركن (طواف الإفاضة)، أو لم تؤد مناسك الحج.. عليها- إذا خافت من فوات مواعيد سفرها وخروجها من مكة- أن تلبس حفاظًا مانعًا؛ لئلا يتلوث المسجد؛ شريطةَ أن يكون سميكًا متينًا، وتؤدي جميع الشعائر، وتؤدي طواف الركن وهي كذلك، وعليها دم ذبح شاة، وتعتبر في هذه الحالة مضطرةً، ويُعدّ حجها صحيحًا، وعمرتها صحيحة مقبولة إن شاء الله.
- عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، ومن علماء الأزهر الشريف.