جنوب السودان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

جنوب السودان


مسلمو جنوب السودان .. والمصير المجهول

توزيع قبائل جنوب السودان

لا يزال مصير قضايا مسلمي جنوب السودان - الذين يقدر تعدادهم بربع سكان الجنوب - وتقنين أوضاعهم وواقعهم الحالي، والوضع الذي ينتظرهم - خصوصا في ظل الانفصال - مجهولا وغامضا برغم مرور ثلاثة أعوام على اتفاق سلام الجنوب (نيفاشا 2005) الذي حدد فترة انتقالية مدتها ستة أعوام تنتهي في 2011 لتقرير مصير جنوب السودان بالوحدة مع الشمال أو الانفصال.


وعلى الرغم من بدء حكومة الجنوب تحركا لتسليم مسلمي الجنوب ممتلكاتهم عبر جمعيات تمثل المجتمع المدني، بعدما اتفق المسلمون على شخصيات مسلمة تمثلهم، فضلا عن انعقاد مؤتمر في نوفمبر المقبل 2008 لاختيار قيادة إسلامية تدير شئونهم، فهناك مخاوف وقلق بين عدد من قيادات المسلمين بالجنوب خصوصا في ظل تعرض أوقافهم للنهب في الجنوب وتصاعد حالة العداء لهم من قبل قيادات جنوبية استئصالية انفصالية متطرفة.


وكانت مسودة اتفاق نيفاشا قررت أن تؤول مؤسسات المسلمين إليهم لتدار عبر منظمات المجتمع المدني بعيدا عن دواوين الحكومة والسياسة على اعتبار أن اتفاق السلام نص على علمانية الحكم والمؤسسات التنفيذية بالجنوب.


واتفق آنذاك على عقد مؤتمر جامع للمسلمين لاختيار رئيس للمجلس الإسلامي لوحدة المسلمين في الجنوب. وتم بالفعل اختيار هذا الرئيس في أوائل سبتمبر الماضي 2008 في جوبا عاصمة الجنوب وأصبح "الطاهر بيور" أول رئيس للمجلس الإسلامي للسودان الجديد يدير شئون المسلمين حتى انعقاد المؤتمر الجامع في نوفمبر المقبل.


والمجلس يعد جهة مسئولة من جانب الحركة الشعبية وحكومة الجنوب لتنفيذ بنود الاتفاق فيما يختص بإدارة مؤسسات المسلمين التي كانت تتبع للوزارات الرسمية في الدولة مثل الأوقاف الإسلامية والزكاة والحج والعمرة والجامعات ودور العبادة.


وخرج المؤتمر التداولي لمسلمي جنوب السودان بخارطة طريق للترتيبات المتعلقة بأوضاع مؤسسات المسلمين بالجنوب وتحويلها لمؤسسات مجتمع مدني بعيدا عن تدخل الحكومة خاصة فيما يتعلق بعمل ديوان الزكاة والأوقاف والمساجد وقضايا الأحوال الشخصية، واتفق على آلية وجسم تنفيذي لإدارة العمل والوقوف على واقع المؤسسات الدينية بالجنوب ووضع رؤية لإدارتها إضافة لتقديم أوراق عمل في الميراث والزواج والمحاكم الشرعية وعلاقتها بالدولة.


وأظهر هذا المؤتمر أن عدد المؤسسات الإسلامية العاملة في الجنوب يتجاوز (60) منظمة ستقوم بتمثيل المسلمين خلال المؤتمر العام المقبل بدلا من التمثيل الفردي حتى يسهموا بخبرتهم في دعم التجربة.


بيد أن هناك صعوبات كثيرة تواجه تنفيذ تلك القرارات المتعلقة بإعادة ممتلكات مسلمي الجنوب، وحرص أفراد في الجهاز التنفيذي الجنوبي على بقاء هذه المؤسسات في قبضتهم لمنفعتهم الخاصة، ما يعني بقاء المؤسسات الإسلامية تحت قبضة حكومة الجنوب برغم أن اجتماع شريكي الحكم مؤخرا بمدينة جوبا طالب وزير الشئون القانونية بالجنوب بإصدار قرار يتم بموجبه تسليم لجنة التسيير لمسلمي الجنوب برئاسة "بيور" وعضوية "منقو أجاك" و"شيخ بيش" لإدارة أوقاف المسلمين.


وهناك تسريبات متداولة في وسط المسلمين بالجنوب تشير إلى أن هناك تجاوزات مالية ضخمة تم التلاعب فيها خلال المدة التي كانت فيها أوقاف المسلمين تحت إدارة الحركة الشعبية، وأكدت القيادات أن هناك اتجاها للمطالبة بتشكيل لجان تحقيق لمساءلة الجهات التي تتبع للحركة الشعبية والمنوط بها إدارة تلك الأوقاف.


مستقبل غامض

ويقول خبراء ومحللون سودانيون إن أوضاع مسلمي جنوب السودان ستبدو أكثر سوءا إذا اختار الجنوبيون الانفصال، وذلك بحسب ما ورد في حلقة النقاش التي نظمها "مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر" في الشهر الماضي، ووفق تقرير أصدره مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية.


يقول الباحث "أبو بكر دينق الجاك شول": "يبدو أن اتفاقية السلام وضعت إطارا نظريا ممتازا للتعايش بين الأديان، ولكن هناك شعورا عاما بين المسلمين الجنوبيين بأن الاتفاقية أهملتهم ولم تنصفهم كما أنصفت مسيحيي الشمال، والمقارنة بين المبادئ والحقوق العامة في الاتفاقية والممارسات الحالية على أرض الواقع تؤكد أن ذلك الشعور لم يأت من فراغ".


ولا شك أن ثمة عوامل ذاتية تضعف المسلمين الجنوبيين وعوامل أخرى خارجية تؤثر سلبا عليهم ومناخ عام غير موات بالنسبة لهم. فهناك تعدد في الجمعيات والمنظمات والجماعات ظهر في ظل عدم وجود مرجعية واحدة لقيادة جهود المسلمين، بل وتوجد نزاعات بين المسلمين، بل وظهر أخيرا تيار يتعاون مع غير المسلمين للاستيلاء على مؤسساتهم خاصة ذات الموارد المالية مثل الزكاة والأوقاف والحج والعمرة، ويسمى "تيار المهمشين".


وحتى الآن فشلت جهود المسلمين في تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق بين قياداتهم لإدارة المؤسسات الإسلامية مما ساعد غير المسلمين على التدخل وزيادة الخلافات القائمة أصلا.


أما العوامل الخارجية، فمن أبرزها: وجود تيار انفصالي إقصائي من غير المسلمين يعمل على زعزعة وحدتهم وإبعادهم عن التأثير الاجتماعي انتقاما منهم باعتبار أنهم كانوا سندا لثورة الإنقاذ (الإسلامية)، وأيضا تدخل بعض حكومات الولايات في شئونهم وتبني بعض الولاة للمهمشين ودعمهم بقرارات؛ مما نتج عنه أزمات الزكاة والأوقاف في جوبا والرنك وملكال، وحدث ذلك رغم إصدار الحكومة للقرار رقم 172/2006 والذي نص على عدم إقحام الولايات في أي أعمال تتعلق بالزكاة استفادة وإدارة وجمعا.


وتحدث كذلك مضايقات للمسلمين تحت لافتة "إعادة التخطيط العمراني" كمحاولة الاستيلاء على مقر منظمة البر وإزالة مسجدها بحجة أنه يقع على الطريق، ونفس الحجة تستخدم الآن لإزالة العديد من المساجد العتيقة في الجنوب كمسجد مدينة بور ومسجد رمبيك الذي بني عام 1935 ويعتبر جزءا من تاريخ المدينة.


وقد تحدث الباحث "أبو بكر دينق" عن مضايقات يواجهها المسلمون في أداء الشعائر، إذ تعرض البعض للاعتقال في رمبيك لاستخدامهم مكبر صوت في الأذان، وتعرض مؤذن في ملكال للاعتداء بآلة حادة. هذا بخلاف منع الأذان في عدد من ولايات الجنوب العشرة وتحويل بعض الخلاوي (أماكن تعليم القرآن) إلى خمارات، فضلا عن غلق للجامعات والكليات والمصارف الإسلامية وسعي لاستبدال المنهج السوداني العربي بالمناهج الكينية والأوغندية، واعتقال شماليين مسلمين بصورة متكررة.


ومن الانتهاكات الأخرى التي قالتها مصادر سودانية لـ"إسلام أون لاين.نت"، منع ارتداء الحجاب بالنسبة للطالبات، بخلاف قرار لحكومة الجنوب اتخذته منذ أشهر بمنع وجود بنوك إسلامية بالإقليم تعمل وفقا للصيغ الإسلامية، والتضييق على وجود مكاتب ديوان الزكاة ومماطلتها في السماح لها بالعمل، والحملات عليها التي يقال إن "عصابات مسلحة تقودها ضد الوجود الشمالي وضد وجود المسلمين في الجنوب في ظل صمت حكومة الجنوب".


لمزعج في الأمر هو سكوت حكومة الجنوب وحكومات الولايات عن تلك المضايقات أو تقديمها لتبريرات ضعيفة لهذا السلوك وعدم محاسبة مرتكبيه، مما يعني إقرارها ضمنا لما يحدث، برغم أن البعض يعتبر هذه الممارسات الطائفية من بقايا عهد الحروب وعدم تجذر السلام في الجنوب بعد، وشعور غير المسلمين أنهم انتصروا – باتفاق السلام – على حكومة الشمال المسلمة ولذلك يضيقون على المهزومين (مسلمي الجنوب)!.


ويزيد الأمر سوءا أن المسلمين المنضوين في الحركة الشعبية الجنوبية منقسمون بدورهم بين ثلاثة تيارات هي: المهمشون، والمجلس الإسلامي للسودان الجديد، والمجلس الإسلامي العالي للدعوة، وهو ما زاد من الخلافات.


ويتساءل بعض مسلمي الجنوب: لماذا وافقت حكومة الشمال على إنشاء مفوضية لمسيحيي الشمال ترعى مصالحهم، في حين لم توجد هذه المفوضية لمسلمي الجنوب. بيد أن سودانيين رسميين يردون بالقول:


"حكومة الجنوب لا دينية ولا تتدخل في شئون الأديان والمتدينين ولذلك لم تشكل مفوضية دينية للمسلمين، في حين أن الخرطوم وافقت على مفوضية لغير المسلمين في الشمال بسبب الجدل الذي ثار حول العاصمة القومية، ولم تكن هناك حاجة لمفوضية ترعى شئون المسلمين الجنوبيين لأن في ذلك تقليلا لوزنهم وشأنهم إضافة إلى أنه يفتح الباب لمفوضيات للديانات الأخرى".


وقد نفى تقرير أعده "مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية" وجود مضايقات للمسلمين في المدن الكبرى بالجنوب، وقال إنهم يمارسون شعائرهم الدينية بحرية تامة، وإن المضايقات في الأماكن النائية والبعيدة من المدن. لكنه قال إن هناك مشاكل متوقعة في المستقبل في حال اختيار الجنوب الانفصال، واقترح لذلك انضمام المسلمين الجنوبيين لحزب الحركة الشعبية - حزب الأغلبية في الجنوب - وإلا فستتعرض حقوقهم السياسية والاقتصادية للخطر، بل حتى حقوقهم الدينية قد تكون مهددة رغم نص الاتفاقية على حرية العقيدة.


تعداد المسلمين في الجنوب

وما لا يدركه كثيرون هو أن الإسلام أقدم من المسيحية في الجنوب، كما أن المجتمع الجنوبي مجتمع قبلي وغالبية سكانه هم من اللادينيين أو الوثنيين أو من أصحاب العقائد الإفريقية القديمة. وتؤكد الإحصاءات المعلنة أن الإسلام يأتي في مقدمة الأديان انتشارا هناك، وأتباعه أكثر من المسيحية.


ووفقا للكتاب السنوي للتبشير والذي يصدره مجلس الكنائس العالمي جاء في إحصاءات عام 1981 في الجنوب، أن 65% من أهالي الجنوب وثنيون لا يؤمنون بأي دين، والبقية 18% مسلمون و17% مسيحيون، وأن الإسلام قوي في المدن بينما في الأرياف يزداد نشاط المسيحية والمنصرين.


وقد قدر الأمين العام لمجلس الكنائس في السودان (حزقل كوتجوفو) عدد الجنوبيين المسيحيين بحوالي 3 أو 4 ملايين أغلبهم من الكاثوليك، علما بأن الجنوب يسكنه حوالي 25 مليون نسمة أي تقترب النسبة من 18%. وحسب آخر إحصاء أجري في السودان عام 1983 فإن سكان الجنوب لا تزيد نسبتهم عن 10% من تعداد السكان آنذاك والذي قدر بـ 21.6 مليون نسمة.


وفي ما يخص المعتقدات والأديان لسكان الجنوب فإنه لم يجر إحصاء في الجنوب سوى عامي 1956 و1983، وقد خلا إحصاء 1983 من السؤال عن الدين، ولذا لا يوجد غير إحصاء 1956، وإحصاء مجلس الكنائس الذي قدر عدد مسلمي الجنوب بـ18% والمسيحيين بـ17%. ولهذا يعتبر تعداد عام 1956 الوحيد الذي تضمن تحديد "التعداد العرقي"، وهو كشف عن أن سكان السودان يتكونون من: 39% من العرب،30% من الجنوبيين، 13% من الغربيين (دارفور)، و6 من كل من البيجا والنوبة، و3% نوبيون، و3% من الأجانب وجنسيات أخرى.


وقد بنيت هذه النسب على أساس تحديد هويات القبائل لا الدين، حيث يبلغ عدد القبائل المسجلة 597 قبيلة، مجمعة في 56 مجموعة قبلية. وقد أتاح التعداد للسكان اختيار القبيلة التي يودون تسجيل أنفسهم في عدادها، ولكن القبائل نفسها مصنفة في الفئات التالية: العرب، الجنوبيون، الغربيون، البيجا، النوبة، النوبيون.


وقد نشِر حديثا بالخرطوم دراسة للأب الدكتور ج. فانتين تقول: "إن عدد النصارى بالسودان كان عشرة أشخاص فقط في عام 1911، زادوا إلى 1500 في عام 1921، وأصبحوا عشرة آلاف في عام 1931، ثم ارتفع العدد إلى مائة ألف عام 1951، ثم إلى 300 ألف عام 1961، وإلى 480 ألف عام 1964، وأصبح عددهم 880 ألف في عام 1982، أما اليوم فقد تجاوزوا أربعة ملايين نسمة من المسيحيين.


أما عدد الكنائس بالسودان، فقد بلغ 1200 كنيسة في عام 1982، إضافة إلى 60 مركزا تنصيريا وعدد كبير من المؤسسات التنصيرية المتخصصة في التعليم والصحة، وبلغت قيمة ممتلكات هذه المؤسسات التنصيرية ما يزيد عن 60 مليون جنيه إسترليني.


عانى مسلمو الجنوب كثيرا خاصة في ظل انقطاع أي عون إسلامي حقيقي لهم سواء من الحكومة السودانية لعدم سيطرتها على الأرض، أو المنظمات الإسلامية التي لا تنشط كثيرا هناك، وذلك مقابل حملات تبشير وتنصير شرسة ودورات من الاضطهاد الديني والسياسي لهم، ولكنهم استطاعوا الحفاظ على كيانهم وشخصيتهم المسلمة.


ويرجع جزء كبير من معاناة هؤلاء المسلمين للحرب المخططة والمنظمة من بعض الجهات الكنسية ضدهم، فضلا عن تكاسل مسلمي الشمال والمنظمات الإسلامية عن حل مشاكلهم. فقد كان التعليم محصورا في الجنوب في الإرساليات التبشيرية أثناء الاستعمار ولذلك انتشرت المسيحية بين المثقفين.


وأثناء الاستعمار وسياسة المناطق المغلقة طردت أعداد كبيرة من المسلمين من الجنوب كما تم طرد علماء مسلمي الجنوب وتم تحويل العاصمة من مدينة منقلا الاستوائية إلى جوبا عام 1928 وأنشئت العاصمة الجديدة على نمط أوروبي كنسي، وتعرض المسلمون أيضا للاضطهاد من جانب المتمردين الذين أحرقوا المساجد كما حدث في قرى (أريات) و(مضول) عام 1981 فضلا عن حوادث النهب والسلب والقتل.


وعلى الرغم من هذا الحصار حول مسلمي جنوب السودان، فقد نشأت بينهم قيادات ورجال صالحون يعلمون القرآن وينشرون الدعوة، وقد زادتهم الصحوة الإسلامية التي عمت كل أنحاء العالم قوة، فبدءوا ينشطون أكثر نحو الدعوة الإسلامية ويوحدون جهودهم حتى أنشئوا الجمعيات والهيئات العديدة مثل الهيئة الإسلامية العليا لجنوب السودان عام 1983 وتعاونوا مع منظمة الدعوة الإسلامية التي افتتحت فروعا لها هناك وتزايد نشاطها بقوة منذ عام 1992، حيث يوجد نحو 40 فرعا للهيئة العليا لمسلمي الجنوب في الولايات الجنوبية.


ورغم سعي الحركة الجنوبية الحاكمة حاليا في الجنوب لتأكيد أن الحكم في الجنوب علماني لا ديني، وأن الجنوب مستثنى من القوانين الدينية، يسعى الجنوبيون دوما لرفع راية المسيحية هناك، ما يزيد من التعصب الديني. وعلى سبيل المثال تضع صحيفة الحركة الشعبية (أجراس الحرية) في ترويستها العبارة التالية: من إنجيل يوحنا (تعرفون الحق والحق يحرركم)، وفي عددها الأول قالت إن من أهدافها القضاء على مركزية الحضارة الإسلامية والعربية في السودان، كما خاض الجنوبيون معركة ساخنة ضد ذكر (البسملة) في صدر الدستور الانتقالي.


مستقبل مسلمي الجنوب يواجه بالتالي تحديات، وهو سيكون أكثر وضوحا حين يجرى انتخاب مجلس موحد لمسلمي الجنوب... لكن التحدي الأكبر لهم سيكون عند تقرير مصير الجنوب في عام 2011م.