جماعة زيد السورية بين البعد عن السياسة ومناصرة الثورة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

في منطقة متوسطة بين القارات الثلاث القديمة أسيا وأفريقيا وأوروبا تقع منطقة الشام والتي تشكل جسرا طبيعيا بين آسيا وأفريقيا حيث سكنها الكنعانيون من قديم الزمان قبل أن يبسطر الرومان سيطرتهم عليها لقرون عدة قبل مجيء الفتح الإسلامي وتحول الناس للدين الإسلامي.

كانت الشام تشمل العديد من دول المنطقة – الذي شرزمها الإستعمار- كالأردن ولبنان وسوريا وفلسطين حيث كان يقطنها سابقا ناطقي السريانية في الهلال الخصيب والتي تميزت بموفع فريد خصيب لعب دورًا في اجتذاب عدد كبير من الهجرات إليها عبر التاريخ، وتمازج هذه المكونات مع بعضها البعض.

ويعتبر الشعب السوري شعبا متنوعا عرقيا وقوميا، يصنف أساسا أنه من الشعوب السامية، وغالبيته من العرب، إلى جانب وجود أكراد وأرمن وسريان بنسب متباينة، و«انتماء مناطقي أو محلي قوي».

ويعد الإسلام السني دين الغالبية، وإلى جانبه يوجد علويون، ودروز، وإسماعيليون، ويزيديون، وكذلك مسيحيون وعدد قليل من اليهود.

والدراسين للمجتمع السوري يلمح الحضور القوي للعامل الديني بأشكاله المختلفة دون أدنى عناء، ويشمل ذلك التدين الفردي، والعمل الجماعي "الدعوي أو التربوي"، والإسهام العلمي، والنشاط السياسي.

الإخوان المسلمون في سوريا

تأسست جماعة الإخوان المسلمين بمصر على يدي الإمام حسن البنا عام 1928م والتي لم تكن يوما ما دعوة محلية أو إقليمية لكنها كانت دعوة عالمية استطاعت أن تخترق الحجز وتصل للناس في العديد من الدول في قارات العالم المختلفة وأصبحت من أهم الجماعات الفاعلة على الساحة السياسية والدعوية والاجتماعية.

سعى الإمام البنا لنشر الدعوة داخل المدن والقرى والنجوع في مصر خلال السنوات الأولى من دعوته، وحرص خلالها على معرفة أحوال البلاد العربية والإسلامية والتواصل مع علمائها وطلابها الوافدين للدراسة في مصر، حيث استجاب عدد منهم لمنهج وفكر الإخوان المسلمين الشمولي في فهم الإسلام ونقلوا الفكرة إلى بلادهم وأسسوا فروع لجماعة الإخوان المسلمين فيها كان من أبرزها فروع الأردن وسوريا والعراق والتي كانت بمثابة قواعد ارتكاز لانطلاق الدعوة في الأماكن المحيطة بهذه البلاد.

كان في مصر أواخر ثلاثينيات القرن الماضي عدد من علماء وطلاب سوريا للدراسة في الأزهر الشريف ومنهم الدكتور مصطفى السباعي والشيخ محمد حامد الحموي والأستاذ عمر بهاء الأميري والذين حملوا على عاتقهم نشر الدعوة بداية من عام 1936م حتى اتحدت الدعوة تحت راية الإخوان المسلمين واختير الدكتور مصطفى السباعي مراقبا عاما للجماعة في نوفمبر 1945م، وبذلك تكون دعوة الإخوان المسلمين أول الحركات ذات الطابع الشمولي للإسلام والمناهض للإحتلال الغربي والداعية إلى وحدة المسلمين تتشكل في بلاد الشام والعراق والأردن بعد مصر[١]

المؤسس

كان لعامل البيئة أثره الكبير في نشأة جماعة زيد – نسبة إلى مسجد زيد بن ثابت الأنصاري التي أنطلقت منه الدعوة- حيث ولد مؤسسها الشيخ عبد الكريم الرفاعي في أسرة فقيرة بحي قبر عاتكة بدمشق السورية، عام 1320هـ الموافق 1901م، حيث حرص والدته على تربيته التربية الإسلامية بعد وفاة والده، غير أن المرض أصابه منذ صغره فدفعت به أمه للشيخ علي الدقر أملا في علمه وشفاء أبنها وهو ما حققه الله لها.

سلك عبد الكريم طريق العلم الشرعي على يدي أستاذه الشيخ علي الدقر، وتلقى عنه مبادئ العلوم، حتى غدا أستاذا لحلقةٍ أو أكثر من الحلقات العلمية التي كان يعقدها شيخه لطلبة العلم، ثم أذن له شيخه بحضور دروس الشيخ بدر الدين الحسني - لذلك يعزو أفراد الجماعة نسبهم العلمي للشيخ بدر الدين-  كما تلقى عبد الكريم أيضا عن الشيخ أمين سويد، علوم الفقه وأصوله وعلوم الحديث الشريف، واستفاد من دروس الشيخ محمود العطار أحد العلماء الأعلام في بلاد الشام[٢]

ينشأة جماعة زيد

بعد 17 عامًا قضاها الشيخ في الدراسة على يد الشيخ بدر الدين، عمل مدرسًا في عدد من المعاهد ليستقر أخيرًا في جامع زيد بن ثابت إمام وخطيبا وليبدأ منهجه الدعوي حيث تأثر به عدد من الشباب، وأسس الحلقات العلمية الشرعية، والحلقات القرآنية، في أربعينيات القرن الماضي. وانحصر عملها في الدعوة والإرشاد وتنتمي جماعة زيد إلى التيار الصوفي الدمشقي.

لم يكن عمل الشيخ الرفاعي مقتصرا على تخريج طلاب العلم المتخصصين فقط بالعلوم الشرعية، بل كان يريد إلى جانب هؤلاء أن يتخرج الشباب المثقفون ثقافة عصرية، ويجمعون معها الثقافة الشرعية اللازمة، ليكون في المجتمع الطبيب المسلم، والمهندس المسلم، والموظف المسلم، والتاجر المسلم، والصناعي المسلم، والعامل المسلم، الذين يعيدون إلى النفوس الثقة بالإسلام وبالمسلمين من خلال علمهم وسلوكهم وصدقهم وإخلاصهم.

واهتم الشيخ الرفاعي بالقرآن الكريم فدفع الشباب إلى حفظ كتاب الله وإتقان تلاوته بقراءة متواترة عن رسول الله، واختار أن تكون رواية حفص عن عاصم، يتلقون ذلك عن شيخ القرآن في جامع زيد والمساجد التابعة له وهو الشيخ محيي الدين كردي أبي الحسن، والذي تخرج من بين يديه المئات من حفاظ القرآن الكريم وتخصص الكثير منهم في قراءاته، وانبثوا في أرجاء بلاد الشام والعديد من الدول العربية والإسلامية، يقومون بتحفيظ القرآن، وتلقين تجويده كما تلقوه هم بالسند المتصل إلى زيد بن ثابت إلى رسول الله.

لقد عمل على تأسيس جماعة دعوية تربوية فبدلاً من المدارس النظامية، أصبح يؤسس في الخمسينيات حلقات عديدة، تتخذ من المساجد مقاراً لها، وتشمل عدة مستويات[٣].

لم ينسَ عبد الكريم ما كان يعاني منه الكثير من أفراد مجتمعه، وخاصة في الأحياء الشعبية من الفقر والمرض والحاجة، فدعا إلى تأسيس الجمعيات الخيرية التي تعتني بشؤون الفقراء والمرضى والأرامل والأيتام المحتاجين.

حيث استطاع الشيخ الخروج من دائرة طلبة العلم والوصول إلى عوام دمشق من خلال تأسيسه أو مساهمته في تأسيس العديد من الجمعيات الخيرية كـ"جمعية البر والإحسان" في حي قبر عاتكة و"جمعية إغاثة الفقير" في حي باب السريجة و"جمعية النهضة الإسلامية. والتي كان لها دور كبير في رعاية الفقراء والمحتاجين من أي حي كانوا وسد حاجة المرضى والعاجزين ومكافحة التسول والتشرد لتظهر عاصمة بلاد الشام بالمظهر الكريم الذي يليق بها، وكان الشيخ يختار لهذه الجمعيات الأعضاء والإداريين ممن تتوفر فيهم الثقة العظيمة، والسمعة الطيبة، والعاطفة الإيمانية النبيلة.

ظل الشيخ عاملا على العديد من المسارات الدعوية حتى حظى بثقة المجتمع السوري وظل كذلك محافظا على جماعته حتى توفاه الله بعد فترة مرض عصيبة عام 1973م[٤].

منهجية الجماعة

كان جماعة زيد ذات الطابع المشيخي (الشيخ والتلاميذ والأتباع)، وهو ما جعلها قريبة من الجماعات الصوفية.

ويوضح هذه المنهجية الشيخ محمد غياث الصباغ - تلميذ الشيخ عبد الكريم وأحد الذين تعلموا وعلّموا في المسجد - بقوله:

من الأمور المهمة التي كان لها اثر كبير في مثابرتنا على الحضور، ومتابعة الدروس في مسجد زيد بن ثابت الأنصاري ومتابعة تحصيل العلم الشرعي، ومن ثم تعليمه لاحقا:

وضوح الهدف، ثم الرؤية السديدة لما يجب علينا ولما نريده،  مع التركيز على هذا الهدف وتلك الرؤية، واستبعاد كل مؤثر أو عامل يدافع ذلك، أو يناقضه، او يضاده، أو يعوقه، أو يشوشه.

لقد كانت كلمات (علم - عمل - دعوة) كأيقونة لعملنا وكشعار لرؤيتنا تتردد أصداؤه على مسامعنا كثيرا وربما كل درس، وقد التقط الأساتذة النابهون هذه الكلمات -التي صارت وكأنها شعار عملنا- من كلام الشيخ عبد الكريم الرفاعي واهتموا بها وعملوا لها، وغرسوه في أذهان الطلاب، وجعلوها منهجا يسيرون عليه، ومبدأ لطريق طويل يسلكونه لغاية وهدف يرتجونه.

لم يكن لعمل جامع زيد بن ثابت منهجا مكتوبا، ولا نظاما إداريا مدونا، ولا شيء من هذا القبيل، لا في زمن الشيخ المؤسس وصاحب النهضة، ولا بعد موته وانتقاله رحمه الله تعالى، وإنما تشرّب العاملون والطلبة هذا المنهج تشربا .. تلقيا من الأفواه من خلال الدروس والمواعظ فحفظوه ووعوه، وتلقوه سلوكا عمليا سلكه الشيخ وكبار طلابه بثقة ومسؤولية دون مواربة ولا تردد ولا تشويش، وأخذوه حالا واقتداء بشيخهم الذي مارس المنهج عمليا وواقعيا، فكان خير أسوة وقدوة لطلابه ومريديه ومحبيه.

لقد كان من منهج عمل الشيخ عبد الكريم عدم دمج السياسي بالدعوي، وعدم الانسياق والانجراف لدهاليز السياسة وألاعيبها والغوص في مستنقعاتها ومخاضاتها، ولئن ظهر ما شكله عمل سياسي في حقبة ما قبل عهد الانفصال، فإنه لم يعد موجودا نهائيا في حقبة ما بعد ما يسمى ثورة الثامن من آذار/ مارس (1963).

لقد أدار عمل الشيخ عبد الكريم في مسجد زيد ظهره تماما للعمل السياسي وتوابعه، وألغاه من أدبياته تماما، ولم يكن التطرق للسياسة مسموحا به على الإطلاق في أي مجلس من مجالس حلقات التوجيه والدرس، وذلك لتجنيب الطلاب سلبيات السياسة ومخاطرها، ولتجنب الانشغال بذلك عن الهدف الرئيسي للعمل، وهو العلم والدعوة إلى الله تعالى.

ولم يكن من منطلقات عمل مسجد زيد ولا من مبادئه التطلع آلى الحكم، ولا إلى المناصب، ولا إلى مجالس السياسة، ولا إلى مجالس السياسيين والحكام والمحسوبين عليهم.

بل كان يتم فصل كل اخ من العمل يشارك في اي نشاط سياسي او في اي حزب من الأحزاب الإسلامية أو غيرها

كما كان لا يسمح لأي أخ بحضور دروس لأي عالم إلا بعد استئذان من شيوخه!! وكان ذلك بحجة عدم تضارب وتزاحم الأفكار والأوقات ونحو ذلك[٥].

جماعة زيد وحافظ الأسد

جاء حافظ الأسد بنظام بعثي طائفي علوي كارها لأهل السنة والجماعة ومن يحمل منهجها وفكرها ويدعو لها او يعمل تحت ظلالها وهو ما جعله يضع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات العاملة في الساحة على رأس أولياته في القضاء عليها.

ومن ثم سن القوانين الطائفية حتى كان الصدام بمعظم الحركات الإسلامية في سوريا والتي زادت بعد العملية العسكرية التي شنها إسلاميون على مدرسة المدفعية وقتل عدد من الضباط العلويين بالمدرسة ردا على المجازر التي يرتكبها حافظ الأسد ونظامه ضد الإسلاميين.

سن الأسد قوانين تقضي بالإعدام على كل من ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين وقام بمجازر في سجون عدة منها تدمر وضيق الخناق على العاملين في الحقل الإسلامي انتهت بالجريمة التي ارتكبها في حماة حينما قتل آلاف الأبرياء العزل لمعارضتهم إياهم.

تأثرت جماعة زيد بالأحداث التي وقعت والتي وصفها الشيخ الصباغ بقوله: كان هنالك جولات وصولات للشيخ عبد الكريم في ذلك، منها ومن أبرزها المشاركة في هبة العلماء على ما كتبه إبراهيم خلاص في إحدى المجلات المحسوبة على حزب البعث يطعن فيها بالتوحيد وبعقيدة الأمة!! وكان من أثر هذه الهبة العلمائية ملاحقتهم وسجن بعضهم، وتخفي بعضهم كالشيخ عبد الكريم، ومع ذلك كان بعض الشباب يتسلل خفية للانضمام للجماعات المسلحة ضد نظام الأسد.

لقد عصفت هذه الأحداث بعمل جماعة زيد وغيرها من الجماعات الاسلامية واعتقل كثير من افرادها  واضطر كثير من الشباب والشيوخ للتواري عن الأنظار أو الهجرة خارج البلاد وتسبب ذلك بوقف الأنشطة في جامع زيد ردحا من الزمن قارب العشر سنوات واتهام الكثير من قادة جماعة زيد بالوقوف خلف العمليات العسكرية ضد ضباط النظام السوري[٦].

لقد تعرّضت لضربة أمنيّة قاسية في ثمانينيات القرن الماضي وخرج زعيمها الشيخ أسامة الرفاعي (النجل الأكبر لعبد الكريم الرفاعي ووريثه في قيادة الحركة) من البلاد قبل أن يعود إليها في منتصف التسعينيّات.

في بدايات القرن الواحد العشرين كانت الجماعة قد عادت للانتشار في عشرات المساجد، على رأسها مسجد زيد يؤمّه الشيخ سارية، ومسجد الشيخ عبد الكريم في كفرسوسة يؤمه الشيخ أسامة، إلى جانب مسجد الإيمان ومسجد الحمزة والعباس، وفي عام 2002 زار بشار الأسد، إثر توليه السلطة، الشيخ أسامة في مسجد عند صلاة الجمعة وجالسه لنصف ساعة، كانت هذه الزيارة تحمل في طياتها معاني مختلفة منها الدلالة على المكانة التي وصلها الشيخ أسامة في سوريا، ومنها إعلان النظام تقرّبه من الجماعة لاستقطابها، ومنها حاجة النظام للجماعة لسد الضائقة المادية التي باتت آثارها ظاهرة على الشعب، بسبب ما تتمتع به الجماعة من شعبية واسعة في أوساط الطبقة التجارية الدمشقية المتوسطة، مما يعطيها قابلية فريدة لجذب الأموال من القطاع الخاص. ونتيجة لذلك، فقد تمكنت الجماعة من السيطرة على القطاع الخيري في العاصمة دون منازع.

استغلت الجماعة تلك الفُرجة الممنوحة للقيام بمشاريع جديدة كمشروع "حفظ النعمة" - الذي كان الهدف منه جمع كل ما يزيد على الحاجة من طعام ودواء وملابس ومفروشات وكتب، يوميًا لتوزيعها على الفقراء -، ومركز زيد لخدمة القرآن، ووصلت إلى درجة افتتاحهم لقناة "الدعوة" التليفزيونية التي لم تستمر طويلًا، ورغم هذا لم تستطع الجماعة الانتشار خارج دمشق بسبب سياسة التضييق التي اتبعها النظام، واستمرت العلاقات على هذه الوتيرة لحين انتكاس العلاقة مع النظام للمرة الأخيرة.

كان هذا الانفتاح الداخلي من طرف النظام بسبب أزمة دولية عاشها بعد أحداث لبنان واتهامه بقتل رفيق الحريري، لكن في عام 2008 وبعد زيارة الأسد لباريس والتقائه بالرئيس الفرنسي ساركوزي، عادت العراقيل تواجه العمل الدعوي، وبدأت المضايقات والحد من نشاطات الجماعة والعمل على تأميم العمل الديني داخل إطار الحكومة من خلال وزارة الأوقاف، وتجلّت الأزمة بمشاكل عدة مثل إغلاق المصليات في المراكز التجارية ومنع النقاب في المدارس[٧].

الزيديون وثورة 2011م

رغم أن جماعة زيد كانت بعيدة تمام عن السياسة خاصة بعد أحداث الثمانينات إلا أن جزء منها وعلى رأسه الشيخ أسامة الرفاعي لم يصمت على المجازر التي ارتكبها نظام بشار الأسد والروس ضد أبناء الشعب السوري والمتظاهرين السلمين.

كما رفض شيوخها في البدايات الضغوط الرسمية عليهم التي طالبتهم بالتنديد بالتظاهرات والاحتجاجات ضدّ النظام. لكن على النقيض من ذلك، دعا أسامة الرفاعي إلى إطلاق سراح المعتقلين والكفّ عن تعذيبهم، مطالباً بإصلاحات سياسيّة للخروج من الأزمة.

لقد انقسمت الجماعة إلى قسمين: بقيت معاهد الفرقان ومعظم كادرها على رأس عملها، لكن مع انتهاء الإشراف المباشر من الشيخ أسامة الرفاعي الذي كان يعد المشرف العام على هذه المؤسسة، في حين يديرها اليوم سنينه موسى العربي النوي تلميذ الرفاعي الأب.

أما مسجدا الإيمان وحمزة والعباس بشيخيهما مكتبي والعرقسوسي، فلم يتأثرا كثيرا بظروف الثورة، إذ بقي الشيخان على حيادهما، ظاهرياً على الأقل.

ثم كانت نقطة التحوّل في موقف الجماعة عندما تعرّض الرفاعي نفسه إلى اعتداء بالضرب المبرّح على يد مؤيدي النظام وهجوم على مسجده وعلى أنصاره، ما استفزّ أهالي مدينة دمشق ودفع إلى خروجهم في مسيرات حاشدة في اليوم التالي تأييداً للرفاعي الذي انتقل إلى خارج البلاد مرّة أخرى مع شقيقه الأصغر وعدد من قيادات الجماعة، وأعلنوا وقوفهم الصريح والعلني مع الثورة السوريّة[٨].

ولم يوفّر النظام أي شخصية دينية أعربت عن دعمها للمحتجين أو اشتبه بأنها متعاطفة معهم. وهو أناط بأجهزة الأمن اعتقال، وسجن، وتعذيب، وحتى قتل عدد من هذه الشخصيات.

أما أولئك الذين هربوا من الاعتقال، فلم يكن أمامهم سوى المنفى، وغداة حملات الإطباق هذه التي أطلقها النظام، جرى إخضاع جماعة زيد وجماعة الميدان ومسجد الرفاعي في المزّة إلى رقابة صارمة ومشدّدة، ومكين معهد الفتح الإسلامي الموالي له لاحقاً من بسط سيطرته على العديد من منابرها وجل إدارتها، وعين حسان عوض، المحاضر في المعهد وفي كلية الشريعة، داعية في مسجد الرفاعي أحد أكبر جوامع العاصمة والذي لطالما كان مرتبطاً بجماعة زيد، وجرى تغيير اسم المسجد مرتين للدلالة على القطيعة مع الماضي[٩].

وبعدما غادر قادة جماعة زيد وعلى رأسهم الشيخ أسامة الرفاعي - الذين سلّم النظام مساجدهم ومدارسهم إلى معهد الفتح الإسلامي- سورية أسسوا مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية في تركيا المرتبطة بالمجلس الإسلامي. وقد انضم إلى هذا الرهط رجال دين وفقهاء آخرون شقوا عصا الطاعة على الكيانات الإسلامية الموالية للنظام[١٠].


المصادر

  1. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الجزء السابع، 2007، صـ 66.
  2. رابطة علماء الشام: العلّامة الشّيخ عبد الكريم الرّفاعي مؤسّس العمل الدّعوي الشّبابي في مساجد دمشق، 25 سبتمبر 2020،
  3. أرنو لافان: الإخوان المسلمون في سوريا، مركز المسبار ببدراسات والبحوث، 13 سبتمبر 2013، https://www.almesbar.net/32_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7/
  4. يوهانس راسنر: الحركات الإسلامية في سورية، ت محمد عبد الله الأتاسي، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، طـ1، 2005م.
  5. صفحة الشيخ محمد غياث الصباغ: جماعة زيد والسياسة(1)، 23 يونيو 2019، https://bit.ly/3K3KC3w
  6. صفحة الشيخ محمد غياث الصباغ: جماعة زيد والسياسة (2)، 2 يوليو 2019، https://bit.ly/3E4lHsG
  7. محمد درويش: جماعة زيد في سوريا.. بين نشأة وتهجيرين، 5 يناير 2022، https://www.noonpost.com/content/42859/
  8. محمد درويش: جماعة زيد في سوريا.. بين نشأة وتهجيرين، 5 يناير 2022، https://bit.ly/3xguBPR
  9. النظام يعاقب آل الرفاعي بتغيير اسم مسجدهم في دمشق: 5 فبراير 2016، https://bit.ly/3ItraMp
  10. ليلى الرفاعي: المؤسسة الدينية السنّية في دمشق: حين يؤدّي التوحيد إلى التقسيم، 29 يونيو 2020، https://bit.ly/3jQX63A