جعبة ساركوزي .. وشركائه
بقلم:محمد السهلي
الحملة الشعبية لمواجهة الاستيطان
اتساع الحملة الشعبية الفلسطين في مواجهة الاستيطان والجدار تشكل معلما هاما على طريق الصمود الوطني ينبغي تعزيزه بنضال سياسي وميداني متعدد الاتجاهات والمستويات لم يترك الرئيس الفرنسي ساركوزي للرئيس محمود عباس الوقت الكافي للتعبير عن ترحيبه بتصريح وزير الخارجية برنار كوشنير الذي أعلن إمكانية الاعتراف بالدولة الية خلال عام ونصف العام دون الانتظار حتى نهاية المفاوضات والاتفاق على حدود هذه الدولة.
تجلى ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده ساركوزي وعباس في ختام لقائهما في باريس (22/2) حذر فيه الرئيس الفرنسي من اندلاع «انتفاضة ثالثة» في الأراضي [[الفلسطينية]] واكتفى بالإشارة إلى أن هناك «مبادرة سياسية جديدة» دون أن يعرض تفاصيلها.
فهل تحمل الجعبة الفرنسية جديدا خلت منه الجعبة الأميركية.. أم أنها تحتوي على «طبخة» مشتركة تعيد تبويب العناصر الرئيسية في المبادرات السابقة وتزيدها تفصيلا؟.
قبل أن يتم تداول العناصر الرئيسية للمبادرة الفرنسية،كانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد أشارت (21/2) إلى تصريحات وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لصحيفة «ديمانش» (الأحد) الباريسية عبر فيها عن المضمون الذي ذكرناه، وأضافت الصحيفة اإسرائيلية بأن الوزير الفرنسي يعمل مع نظيره الإسباني موراتينوس الذي تترأس بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي على تطوير مبادرة سياسية عرضت عناصرها الأساسية على عواصم عدة ومنها تل أبيب قبل بضعة أسابيع.
وعلى الرغم من معرفتها المسبقة بعناوين المبادرة إلا أن إسرائيل وجدت في تصريحات الوزير الفرنسي خروجا على «محدداتها» فوجهت إلى الإدارة الفرنسية ومن خلالها إلى الاتحاد الأوروبي احتجاجا عاصفا تحت عنوان أنها ترفض بشدة ما أسمته «الحل المفروض» وتقصد بذلك الاعتراف بالدولة افلسطينية.
خروج عن حدود المبادرة
حصل ذلك في الوقت الذي كان فيه الوزيران الفرنسي والإسباني منكبان على صياغة مقالة صحفية تعرض للعناصر الأساسية للمبادرة،ونلاحظ تأثير الاحتجاج الإسرائيلي على الإدارة الفرنسية من خلال نص المقالة التي نشرت في صحيفة «لوموند» (العالم) الفرنسية (23/2) وقد خلا من مضمون التصريح الذي أطلقه كوشنير واستبدل بـ «الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب» ولم يتجرأ أحد على تكرار الفصل بين نهاية المفاوضات وبين هذا الاعتراف.
وأشارت مصادر واسعة الإطلاع إلى أن ما يتم تداوله على أنه مبادرة فرنسية إنما تبلور بإشراف واشنطن التي تحرص على تقديم أفكار ومقترحات تحظى بقبول إسرائيلي أولا وترى في ذلك أساسا في الجهود التي ستبذل لاحقا لتسويق هذه الأفكار فلسطينيا وعربيا.
تنطلق العناصر الأساسية للمبادرة من الحديث عن ضمانات سياسية ومالية وأمنية،وحرصت في الموضوع السياسي على تقديم توضيح للجانب الي بأن المفاوضات التي يجري العمل على إطلاقها ستؤكد «يهودية دولة إسرائيل» مع «وعد بوقف التحريض» وتوجهت للجانب الفلسطينية بالإشارة إلى أن «نصف القدس ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية».
وتحدثت في الضمانات الأمنية عن وجود «قوة حفظ أمن» ربما أوروبية أو دولية داخل الأراضي الفلسطينية، ونلاحظ أنه على الرغم من الحديث عن دور هذه القوة إنما يتحدد في وضع «حد للاجتياحات الإسرائيلية» إلا أن المتابع يدرك أن مدخل هذا الهدف هو «ضبط» الحالة الفلسطينية وتقييدها بالاعتبارات الأمنية الإسرائيلية،وسندرك أكثر خطورة الأمر في ظل تمسك الموقف إسرائيلي ببقاء الكتل الاستيطانية الأساسية حيث هي في الضفة الفلسطينية.
ويعيدنا هذا الاقتراح إلى التصور الأميركي الذي كان أعده فريق شكلته إدارة أوباما في بداية ولايتها ويقول بوجود قوة أمنية في الأراضي الفلسطينية على اعتبار أن الدولة الفلسطينية في الخطة الأميركية ينبغي أن تكون معزولة السلاح وهو الأمر الذي أكد عليه نتنياهو وقبله جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة التي دخلت على خط التسوية السياسية.
حق عودة اللاجئين
وتنظر هذه المبادرة بشكل واضح إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم من زاوية تصفية هذا الحق وتعلن بشكل سافر عن تأسيس صندوق مالي لتقديم «تعويضات للاجئين» عند التوصل إلى الاتفاق الدائم.
ربطا بالموضوع، نود الإشارة إلى أن الكنيست الإسرائيلي سن مؤخرا قانون «تعويض اليهود القادمين من الدول العربية وإيران» على قاعدة اعتبارهم لاجئين ينبغي تعويضهم في محاولة لمساواة الهجمة الاستيطانية الإحتلالية على فلسطين مع قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا بالقوة من أرضهم وممتلكاتهم.
وللمفارقة فإن صندوقا ثانيا سينشأ لتقديم «تعويضات للمستوطنين» الذين سيتم ترحيلهم من الضفة في حال قيام «الدولة» ولا يشتمل الترحيل الكتل الأساسية للاستيطان في الضفة والقدس.
مع أن القانون الدولي يفرض على هؤلاء وحكومتهم الاحتلالية أن يقدموا التعويض السياسي والمادي والمعنوي للشعب الفلسطيني جراء احتلال أرضه ونهب خيراتها والتنكيل بأهلها.
في موضوعة الحدود تتجاوز المبادرة موضوعة الاستيطان وتتعداها إلى التركيز على مبدأ «تبادل الأراضي» التي يولع بها الجانب الإسرائيلي انطلاقا من الضغط لجعل نسبة التبادل مفتوحة ربطا باعتباراته الأمنية والاستيطانية.
بحسب المصادر المطلعة، وضعت العناصر الرئيسة للمبادرة أمام الرئيس عباس باعتبارها مدخلا مناسبا يشجع على مناقشة آليات تنفيذها في إطار المفاوضات التي دعا أصحاب المبادرة إلى استئنافها قريبا.
ويطمح أصحاب المبادرة أيضا إلى أن تكتسي مبادرتهم عباءة عربية رسمية من خلال السعي إلى مزاوجتها مع المبادرة العربية،وبذلك يعتبرون أن الكرة في الملعب الفلسطيني على «أمل» أن يقوم الجانب العربي بإقناع الفلسطينيين بقبول ما هو مطروح على قاعدة الضمانات المعروضة.
عناصر المبادرة
يمكن اختصار عناصر هذه المبادرة بعدة نقاط أساسية لافتة للاهتمام:
- شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم من خلال التركيز على التعويض المالي وبأموال عربية ضمن مشروع لتوطينهم وتشريدهم.
- دولة فلسطينية منزوعة السلاح ورهن أمن مواطنيها بقوة أمنية دولية تعمل وفق الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية.
- تأكيد يهودية دولة إسرائيل ومنح مستوطنيها الحق بتلقي التعويضات (مكافأتهم) جراء احتلالهم المديد للأراضي الفلسطينية.
- تجاهل واقع الاستيطان وخطره على مستقبل الدولة وتواصل أراضيها وحقها في السير على طريق التنمية البشرية والاقتصادية واستبدال ذلك بالتأكيد على «تبادل الأراضي» كمحدد أساسي لرسم حدود هذه الدولة.
- استمرار القفز عن تحديد مرجعية المفاوضات وتغييب جميع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
- وعلى الرغم من أن مقالة الوزيرين الفرنسي والإسباني قد تحدثت عن أجندة زمنية وضرورة مناقشة جميع قضايا الحل الدائم (راجع ص 5 من الحرية) إلا أننا نتعامل مع مبادرة سياسية يقف خلفها تحالف مواقف دولية وازنة وليس عن مقال تراجع كاتبه تحت الضغط الإسرائيلي عن الجزء الأهم من تصريح أدلى به في وقت سابق.
الموقف الفلسطيني الذي تمسك بالوقف التام والشامل للاستيطان وبتحديد مرجعية المفاوضات موقف صائب يجب صيانته وعدم التراجع عنه وخاصة بعدما أثبتت نظرية «خذ وطالب» فشلها الذريع وأدت في التطبيق العملي إلى إحكام قبضة الاستيطان والعدوان على عنق الفلسطينيين ومستقبلهم الوطني وحقهم في الحرية والاستقلال.
وأكدنا في محطات كثيرة على ضرورة تدعيم هذا الموقف في ظل تصاعد عمليات التهويد التي اتسعت لتطال العمق التاريخي للشخصية الفلسطينية ولا تنحصر هذه الحملة المسعورة في مدينتي القدس والخليل.
إن اتساع الحملة الشعبية الفلسطينية في مواجهة الاستيطان والجدار تشكل معلما هاما على طريق الصمود الوطني في وجه الضغوط التي تمارس على الجانب الفلسطينني لحمله على التراجع عن موقفه.
وينبغي تعزيز هذه المؤشرات الإيجابية بنضال سياسي وميداني متعدد الاتجاهات والمستويات وعلى القوى والفصائل والشخصيات ومؤسسات المجتمع أن توحد جهودها لإفشال هذه الضغوط.
ومن موقع المصلحة الوطنية العليا لابد من التأكيد مجددا على ضرورة تجاوز الانقسام واستعادة الوحدة التي من شأنها أن تتجاوز المخاطر القائمة تمهيدا لأن تستعيد الحالة الفلسطينية زمام المبادرة على سكة تحقيق الأهداف الوطنية.
المصدر
- مقال:جعبة ساركوزي .. وشركائه موقع:المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات