ترقيع السياسة الخارجية الأميركية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ترقيع السياسة الخارجية الأميركية ..... بقلم / أ.د عبد الستار قاسم


نافذة مصر

السياسة-الامريكية.jpg

واضح من خلال وسائل الإعلام والمقالات والتعليقات أن هناك تفاؤلا كبيرا بأن الرئيس الأميركي الجديد سيتبع سياسة خارجية "متعقلة" مختلفة عن سياسة سلفه، وأن السياسة الخارجية الأميركية ستتغير بطريقة تتناسب مع المسؤولية التي تقع على عاتق دولة كبرى.

وواضح أيضا أن الرئيس أوباما يتكلم بلهجة جديدة ويستخدم تعبيرات سياسية مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي كان يستخدمها الرئيس بوش، وأنه يبتعد عن الاستفزاز وتوتير العلاقات الدولية ما أمكن. فمثلا لم نعد نسمع تعبير محور الشر، أو أن شن الحرب عبارة عن خيار مطروح على الطاولة، ونحو ذلك.

دول كثيرة مهتمة بالتأكيد بتخفيف التوتر على المستوى العالمي، وربما التخلص منه نهائيا، لتبدأ حقبة جديدة من هدوء الأعصاب والاسترخاء.

لقد أوقف الرئيس السابق بوش العالم على رؤوس أصابعه بسبب الحروب التي شنها، وسياسة الخنق التي اتبعها ضد عدد من الدول، وبخاصة أنه كان يجبر دولا كثيرة على الالتزام بالسياسة الأميركية ضاربا بالسيادة الوطنية لتلك الدول عرض الحائط.

دول كثيرة تورطت في مشاكل مع دول أخرى لا لسبب إلا لإرضاء العم سام، ولم يكن حصاد تورطها إلا المزيد من الهموم والخسران على مستويات عدة. فهل ستتبدل الأحوال الآن في عهد أوباما؟ وهل ستركز الدول على التعاون بدل التناحر وتبادل العداوات؟


طور ترقيع السياسة الخارجية

ليس من السهل وصف نشاطات الرئيس أوباما في بداية عهده بأنها تشكل فلسفة أميركية جديدة في العلاقات الدولية أو السياسة الخارجية، وإنما من الممكن وصفها بأنها سياسة تدارك وتهدئة.

أصاب الرئيس الأميركي السابق الولايات المتحدة بأضرار كبيرة على المستوى العالمي بسبب عنجهيته في إصدار الأوامر لدول من المفروض أنها ذات سيادة، وبسبب تبجحه حول مثالية النظام الأميركي وحتمية سيادته على العالم، واعتباطيته في شن الحروب وكيل التهم للآخرين، وتجنيد الأمم المتحدة لخدمة الرؤية الأميركية. خرج الرئيس بوش عن منطق الكياسة تماما، وظهر وكأنه صبي مغرم بلعب الأتاري، لكن على مستوى دولي.

صحيح أن السياسة الأميركية الخارجية تقوم على فلسفة القوة منذ أن قررت أميركا دخول المعترك الدولي بقوة إبان الحرب العالمية الثانية، وذلك دون إغفال تام لفلسفات أخرى مثل فلسفة التعاون على قاعدة الاحترام المتبادل، أو فلسفة عدم التدخل في الشؤون الداخلية، لكن الرئيس بوش استبدل بفلسفة القوة فلسفة الصلف مما أخرج السياسة الأميركية بعيدا عن نقطة التوازن.

حتى الآن لم يطرح الرئيس أوباما بديلا عن فلسفة القوة على الرغم من أن مقاربته الدولية قد تعيد نوعا من الاتزان (وليس التوازن) للسياسة الأميركية. الرئيس أوباما يقدم حتى الآن أفكارا متناثرة لا ترتقي إلى درجة الفلسفة أو النظام الفكري المتكامل، ويقدم مقاربات مختلفة.

ليس من السهل على أي رئيس دولة أن يبلور فلسفة ويعمل على تطبيقها فور صعوده إلى سدة الحكم، لأن الأولوية في البداية تكون لإعادة صياغة البيئة القائمة من أجل بيئة جديدة تصلح لاستيعاب الرؤية الجديدة.

البيئة التي ظهر فيها أوباما موبوءة إلى حد كبير بمشاعر الفشل لدى الأميركيين، وبعدم الارتياح والتشكك على المستوى العالمي، ولا مفر من صناعة جو جديد على المستويين الداخلي والخارجي من أجل الدفع بمنحى جديد.

أي أن أوباما انشغل في الفترة السابقة بإعادة تأهيل الأجواء العامة والخاصة ربما لكي يكون قادرا على تقديم الجديد في الرؤية العالمية. هو الآن معني بأن يقول للروس إن الإهانات التي وجهها بوش لروسيا لن تتكرر، وللصين إن التدخل في شؤون التبت سيخف، ولأميركا اللاتينية إن استغلال الشركات الأميركية لمقدراتها الاقتصادية سيوضع تحت الرقابة.


فقدان الأحادية القطبية

عملت الولايات المتحدة على تثبيت هيمنتها الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن اصطدامها بالاتحاد السوفياتي كبح جماحها الذي لم ينعتق إلا عام 1990.

عمل رؤساء أميركا من بوش الأب وكلينتون وبوش الابن على بسط سيطرة أميركية بطريقة أو بأخرى على العالم من خلال عولمة على الطريقة الأميركية، أي تلك العولمة التي لا تؤمن بتعدد الثقافات والشراكة، وإنما بتسويق القيم والأفكار الأميركية لتصبح الثقافة العالمية، وليتحول الناس إلى أميركيين بالثقافة.

وقد أمل الرئيس بوش الابن أن تكون حربه على العراق هي نقطة التحول التاريخية التي ستأتي بالأمم بمن فيها الأمم الأوروبية إلى بيت الطاعة الأميركية متهالكة مؤدية الولاء. أصيبت أميركا بانتكاسة كبيرة بسبب المقاومة العراقية، والعراقيون لم يخرجوا بالورود والزغاريد لاستقبال جنودها.

ثم ظهرت روسيا لأسباب متعددة وهي تحاول منازعة أميركا، فقامت بعدد من أعمال التحدي مثل ضرب الجيش الجورجي، وزيارة قطعها البحرية لكوبا وفنزويلا دون أن تنبس أميركا ببنت شفة. وقد أعلن الرئيس الروسي أنه لا يجوز أن يبقى العالم تحت رحمة دولة عظمى واحدة، في إشارة منه لسياسة روسية جديدة تخرج باتساع أكبر من نطاق الأرض الروسية.

وها هي الصين تشكل قوة عظمى تعمل على مد وجودها الاقتصادي والتقني والسياسي إلى مناطق عدة بخاصة إلى أفريقيا. والسؤال الكبير هنا: هل سيفرط أوباما في فكرة العولمة الأميركية لصالح عالم متعدد الأقطاب، أم أنه سيصر على أحادية القطبية ويوظف مقدرات أميركا لتحقيق هذا الاحتكار؟ لكل منحى متطلباته السياسية والدبلوماسية والعسكرية، إلخ


الانتشار النووي

تؤرق إيران نوم الولايات المتحدة بسبب احتمال تصنيعها للقنبلة النووية، لكن أوباما يصطدم بالسلاح النووي الإسرائيلي الذي يشكل أكبر إحراج للغرب داخل الأروقة الدبلوماسية الصامتة والهادئة، والذي يشكل نقطة جدلية كبيرة لصالح الساعين للحصول على سلاح نووي بخاصة إيران وكوريا الشمالية، أو على الأقل تطوير قدرات نووية سلمية.

امتلاك السلاح النووي في حد ذاته يشكل معضلة أخلاقية على المستوى العالمي بغض النظر عمن يمتلكه، فكيف إذا كانت إسرائيل هي التي تمتلكه ولا تجد انتقادا أو تحديا من الدول الغربية بخاصة الولايات المتحدة؟

ويبدو أن دولا عربية مثل مصر قد أخذت تشد حبل النووي على عنق الولايات المتحدة إذ قال الناطق باسم الحكومة المصرية إن مصر لن توقع اتفاقيات إضافية تحظر النشاط النووي، وقال إن السلاح النووي الإسرائيلي لا يقل خطورة عن السلاح النووي الذي يمكن أن تمتلكه إيران.

فماذا سيفعل أوباما؟ هل لديه فلسفة واضحة بهذا الخصوص، أم سيستمر في سياسة الانتقائية المنحازة؟ التصريحات التي صدرت حتى الآن لا تشير إلى تغير جوهري في السياسة الأميركية من حيث إنها ما زالت تحذر إيران ولا تأتي على ذكر البرنامج النووي الإسرائيلي، على الرغم من أن باب الحوار مع طهران قد أُعلن فتحه.


النشاط العسكري حول العالم

أثار الرئيس بوش أعصاب روسيا عندما قرر نشر الدرع الصاروخية في أوروبا وعلى الحدود الروسية، وكان عليه أن يتلكأ بالنشر حتى لا تدخل الأزمة مع روسيا إلى حد "اللاعودة". وأيضا وجدت روسيا نفسها أمام مشروع مناورات، ستتم قريبا، لحلف الأطلسي تجري في جورجيا، وردت بمعاهدة عسكرية مع أوسيتيا الجنوبية.

فهل سيستمر أوباما في نشاطات عسكرية من هذا القبيل، قد تعيد العالم إلى مرحلة سباق التسلح بين العملاقين، أم سيختصر العداوة؟ إذا استمر فإنه لن يكون مختلفا جذريا عن بوش، وإن اختصر فإنه سيقر إلى حد ما بعالم ثنائي القطبية. أيهما سيختار؟ كان من الممكن أن نجيب لو كانت هناك رؤية أوبامية واضحة، ومطروحة علنا.


الحرب على الإرهاب

حرب بوش على ما يسمى بالإرهاب لم تنتج الأمن لأميركا أو لأصدقائها حول العالم. فحسب توصيف وتعريف الولايات المتحدة، ارتفعت وتيرة الإرهاب، وازداد من يسمون بالإرهابيين قوة، وتمددوا جغرافيا.

احتلت أميركا أفغانستان من أجل وضع حد للقاعدة وطالبان، لكن يبدو أن الأوضاع قد تفاقمت في باكستان التي من المفروض أنها المركز الرئيسي للانقضاض على الإرهاب.

النتائج تشير إلى فشل سياسة الحرب على الإرهاب، وأن المجمل العام يشير إلى تراجع القوى التي ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تلك الحرب أمام الطرف الآخر، وأن الدول التي وقفت مع الولايات المتحدة عسكريا أخذت تتململ باتجاه البحث عن حل سلمي مع الإرهاب.

أين أوباما من معالجة الأمر بطريقة لا تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها؟ وفق ما صدر من تصريحات، فأوباما يسير في أفغانستان على خطى بوش، وهو مستمر في تهديد طالبان والقاعدة، وينذر باستمرار الحرب. وهو مستمر أيضا في وصف تنظيمات مثل حزب الله وحماس بأنها إرهابية


ميزان القوى في المنطقة

تحدث أوباما حتى الآن عن حل الدولتين، وهو في ذلك لا يختلف عن غيره من الرؤساء الأميركيين. على مدى أربعين سنة والولايات المتحدة تصف الاستيطان بأنه عقبة في طريق السلام، لكنها لم تفعل شيئا ملموسا لتوقف المد الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وعلى مدى سنوات وهي تتحدث عن ضرورة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، لكنها لم توجه أي ضغط إلى إسرائيل لإقامتها.

على العكس، استمرت الولايات المتحدة في دعم إسرائيل عسكريا وأمنيا واقتصاديا، وهي تحرص دائما على تفوقها على العرب فرادى ومجتمعين.

هل سيغير أوباما من هذا النهج الأميركي المخادع؟ أم أنه سينظر إلى ميزان القوى الجديد الذي تبلور في المنطقة بعد حرب يوليو/تموز 2006؟ هل سيعتبر أن الوقت غير مناسب لإقامة الدولة، وأن دعم إسرائيل في مواجهة حزب الله وإيران وحماس له أولوية على الاعتبارات الأخرى؟ هو يحاول إعطاء انطباع بأنه يسير حثيثا نحو إقامة سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكنه سيصطدم بعدم وضوح رؤياه حول كيفية ترتيب أوضاع المنطقة بصورة عامة.

قراره الأخير بتجديد العقوبات على سوريا يشكل مؤشرا عمليا على استمرار السياسة الأميركية، التي يغطيها أوباما بفتح قنوات حوار.


الأزمة المالية

تعتبر الأزمة المالية العالمية القائمة حاليا من أهم منتجات الرأسمالية التحررية (الليبرالية) الحديثة التي تقودها الولايات المتحدة، وهي أزمة تعصف بجميع دول العالم ولو بدرجات متفاوتة.

لقد أسهب الاقتصاديون والسياسيون الأميركيون في وصف محاسن هذا النظام الاقتصادي، الذي ينسجم حسب أقوالهم مع الفكر الديمقراطي الذي يجب أن يسود العالم. حتى إن بعضهم مثل فوكوياما توقع أن يكون هذا النظام هو نهاية التاريخ.

ماذا في جعبة أوباما من رؤية اقتصادية سواء فيما يتعلق بالداخل الأميركي أو على المستوى العالمي؟ وهل لديه فكر اقتصادي واضح يتبنى مثلا الهيمنة الأميركية أو المشاركة العالمية في القرار الاقتصادي؟ وماذا سيفعل إذا تمرد العالم ماليا على الولايات المتحدة وأخذ يقر بعالمية عدد من العملات؟ هل سيتبع سياسات اقتصادية ومالية جديدة تتناسب مع التطلعات الدولية، أم مع تلك التي من شأنها الإبقاء على الدولار عملة عالمية وحيدة؟

مما لمست حتى الآن من أقوال أوباما وتصريحاته أرى أنه يتطلع نحو التغيير في النهج، لكنه لا يملك رؤية أو فلسفة متكاملة متماسكة حول العلاقات الخارجية للولايات المتحدة.

إنه غير مرتاح لما تمخض عن سياسة بوش من نتائج، ومن ارتفاع منسوب الكراهية للولايات المتحدة، وهو يحاول صناعة انطباعات جديدة، ويحاول أن يوصل رسالة لكل الأمم بأنه يختلف عن سلفه، وأن الوقت كفيل بإثبات ذلك.

تقديري أن أوباما ليس صاحب رؤية، لكنه يملك قدرة على التعامل مع كل ملف عمليا ومعالجته بقدر الإمكان من زاويتين: زاوية علمية تقوم على تفكير ومنهجية علمية، وزاوية مصالح الولايات المتحدة التي تنسجم في الغالب مع الطمع والاستئثار والاستغلال.

سيحاول التوفيق بين هذين الأمرين، إلا من بعض الملفات التي لا يقدر عليها أو لا يرغب فيها. فمثلا أرى أنه غير راغب في نسيان الملف النووي الإيراني، وهو غير قادر على تنفيذ رؤيته بحل الدولتين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية


المصدر : الجزيرة نت