تحالف القوميين والإسلاميين.. إلى أين؟
[02-08-2004]
المقدمه
محمد المتوكل المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي:
نسعى إلى "مرحلة بين مرحلتين" لتحقيق التكامل لا التنافس
القومية والإسلام جناحان لا ينفصلان.. وهدفنا الوصول لاتفاق إستراتيجي
التعددية والتداول السلمي واحترام حقوق الإنسان أسس نطالب بها
الشورى مبدأ إسلامي أصيل وليس هناك تناقض بينها وبين الديمقراطية
الصراع العربي- الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود.
حوار- محمد الشريف
"الدين الإسلامي الخلفية الثقافية للتعاون بين التيارين الإسلامي والقومي.. نسعى لصوغ مشروع إصلاحي موحد للأمة.. الوحدة العربية منطلق أساسي للوحدة الإسلامية.. نجحنا في القضاء على الفُرقة بين القوميين والإسلاميين.. تحالف القوميين والإسلاميين يصنع التوازن السياسي في بلادنا".
هذا ما يؤكده الدكتور محمد عبد الملك المتوكل- أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والمنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي- في حواره التالي مع موقع: (إخوان أون لاين)، مشددًا على أن التيارين الإسلامي والقومي يُعدان أكبر فصيلين في العالم الإسلامي حاليًا، ما جعل الكثيرين يراهنون على أن توصلهما إلى أجندة مشتركة يشكل قاعدة شعبية عريضة يمكنها أن تفرض الإصلاح على الأنظمة العربية.
فإلى تفاصيل الحوار:
الانطلاق من القاهرة
- بدايةً: نريد أن نتعرف ظروف نشأة المؤتمر القومي الإسلامي وأهدافه؟
- أقام مركز دراسات الوحدة العربية عام 1989م ندوةً بالقاهرة حول الحوار الديني وخلال هذه الندوة تساءل البعض ما الخلافات بين التيارين القومي والإسلامي؟
- وللإجابة عن هذا السؤال تشكلت لجنة من التيارين للإعداد لمؤتمر يلتقي فيه التياران ويتناقشان ويتحاوران حول أسباب الاختلاف ونقاط الاتفاق، وفي عام 1994م انعقد المؤتمر التأسيسي للمؤتمر القومي- الإسلامي.
- وقال التيار الإسلامي وقتها: نحن لا نستطيع أن نتفق مع التيار القومي ما دام لا يؤمن بالدين الإسلامي ويعارض الدين باتجاهاته العلمانية، وقال القوميون نحن نعتبر القومية مرتبطة بالإسلام ارتباطًا كبيرًا، ولولا الإسلام لما كان هناك قومية في العالم العربي، ويمكن أن تكونوا قد فهمتمونا خطأ نتيجة الصراع السياسي الذي حدث بين النظامين في مصر والسعودية في مرحلة معينة من الزمن، إضافةً إلى وجود بعد الأشخاص من الذين أساءوا التعبير عن فكرة القومية.
- وقال القوميون: إننا نعتبر القومية والإسلام جناحين لا ينفصلان فتم الاتفاق على أن الإسلام هو الخلفية الثقافية للأمة، وهو بالنسبة لغير المسلمين تاريخ وثقافة وحضارة.
- وأضافوا: أنتم حاربتم الوحدة العربية ووقفتم ضدها ولا ندري ما مبرركم، فقال الإسلاميون إنه كان نتاج لتصور أن المقصود بالوحدة العربية نفس الوحدة الإسلامية، ونحن توصلنا لقناعة بأن الوحدة العربية هي المنطلق الأساسي لتكوين الوحدة الإسلامية، وأن الوحدتين لا تتناقضان.. فتم الاتفاق على أن الوحدة العربية هي القاعدة لتوحيد الأمة الإسلامية.
- وقال القوميون كذلك: إننا حقيقة حكمنا شموليًا ووصلنا إلى قناعة بأن الشمولية ورفض الآخر غير صالحة لأن تكون الأساس الذي يُعتمد عليه، ومن ثم آمنا بأن الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان هي الأسس التي يجب أن يعتمد عليها في نظام الحكم، وأنتم أيها الإسلاميون لا تزالوا تعترضون على قضية الديمقراطية والتعددية السياسية.
الشورى.. والعداء
- وهل توصلتم إلى اتفاق عند هذه النقطة؟
- نعم.. بالحوار تمَّ الاتفاق على أن الشورى مبدأ إسلامي أصيل، والديمقراطية ليست أيديولوجية، وبالتالي ليس هناك تناقض بين الشورى والديمقراطية، واتفق الجميع أن الشورى والديمقراطية وقبول الرأي الآخر هو النظام الذي نلتزم به جميعًا، وبعد الاتفاق على هذه القضايا الثلاث كانت القضية الرابعة؛ وهي قضية الصراع العربي- الصهيوني، واتفق الطرفان على أنه صراع وجود وليس صراع حدود، وأن التجارب أكدت أن الصهيونية نفسها لا تقبل بالآخر برغم التنازلات التي قُدمت لهم، وتم الاتفاق على التعامل وفق هذه المبادئ.
- وهل ترون أن تحالف التيارين يمثل أداة ضغط قوية على الأنظمة لتحقيق الإصلاح؟
- تحالف التيارين من شأنه أن يكون أداة توازن بحيث لا يستطيع تيار أو فئة أن يتغلب على الفئة الأخرى؛ لأنه بدون التوازن لن تتحقق الديمقراطية داخل المجتمع؛ حيث ستوجد فئة قادرة على السيطرة على السلطة.
- وهذا التوازن مطلوب على وجه الخصوص هذه الأيام؛ لأن المعارضة لا تواجه الحزب الحاكم بل تواجه الدولة بكل إمكاناتها وقدراتها، ولذلك عندما يوجد تكتل قوي يستطيع أن يقف ويمثل ضغطًا على السلطة.
- وهل لديكم رؤية لبلورة هذا الطرح في صورة أكثر جدية ومؤسسية؟
- لدينا لقاء في نهاية شهر نوفمبر المقبل في الخرطوم سوف نطرح فيه هذه القضية تحت عنوان "هل بالإمكان أن يتم الاتفاق من جديد"، وفضلاً عن ذلك سوف يتبادل المؤتمر مبادرات الإصلاح الكثيرة حتى يمكننا أن نصوغ مشروعًا إصلاحيًا موحدًا للأمة العربية بدلاً من المبادرات التي تأتي من كل قطر، وسنكلف عناصر معينة من أجل إعداد ورقة حول رؤية التيارين تجاه الإصلاح.
- لكن البعض يقول إن العداء بين التيارين القومي والإسلامي عميق، فهل بهذه البداية الإيجابية يمكننا أن نقول إنه قد انتهى؟
- أستطيع أن أقول إنه منذ عام 1994م حتى اليوم، قد انتهت حدة العداء بين التيارين على المستوى العربي، وأنهما بدأ في التعاون في العديد من القضايا وأمكن أن يقدما نشاطات مشتركة متعددة.
- إلا أن هناك مرحلة ثالثة في التعاون بذلنا الجهود لنصل إليها، وهي مرحلة الاتفاق الإستراتيجي- للأسف هذا الوقت الذي تمر به الأمة من تحول من مرحلة الشمولية إلى مرحلة الحكم الديمقراطي لا يستطيع التياران أن يتوصلا إلى آفاق أبعد في التعاون، فما زال هناك شك متبادل برغم أن الوضع بين هذه القوى لابد أن يكون وضعًا كاملاً، وليس وضعًا حسيًا، لذلك لابد أن يتجسد هذا المفهوم سلوكًا بالوجود المتوازن داخل الساحة، وأن يتقبل كل منهما الآخر في مؤسسات المجتمع المدني، وأن يتفقا في الانتخابات والنقابات والاتحادات والجمعيات، وإذا حصل أحدهما على الأغلبية فعليه أن يتسامح مع الآخرين حتى يخلق نوعًا من الاطمئنان، وعندما نصل إلى مرحلة الديمقراطية يلعب كل منهم بفريقه.
مرحلة بين مرحلتين
- وما العقبات التي تحول دون الوصول إلى هذه المرحلة من المشاركة الإستراتيجية؟
- ما زال كل فصيل يتصور أنه ما دام لديه فرصة، فليس هناك ما يلزمه بقبول الآخر، وما زال القبول بالمشاركة ضعيفًا، وما زال هذا القبول قضية نظرية لم تصل إلى مرحلة التطبيق العملي.
- فمثلاً اتحاد الطلبة اليمني: تمَّ الاتفاق بين أحزاب المعارضة على خوض انتخابات بالتساوي إلا أن التيار الإسلامي- وهو التيار القومي بين الطلبة- وجد نفسه قويًا يستطيع أن يحقق النجاح فلم يقبل بمشاركة زملائه، وتكررت هذه النماذج في بلدان مختلفة.
- وهذا الوضع دفعني إلى التقدم بمشروع سميته "مرحلة بين مرحلتين" أي مرحلة التكامل لا التنافس؛ حتى يمكننا أن نوحِّد كتلة قوية تستطيع أن تنافس السلطة وتخلق توازنًا، ذلك أن الواقع يتطلب منا أن نخلق الثقة بين بعضنا من خلال الوجود المتوازن داخل المؤسسات.
- هل ترى أن مرحلة التعاون الإستراتيجي بين التيارين يمكن أن يتحقق؟
- أرجو أن يتحقق ذلك بسرعة؛ لأن القوى المضادة تعمل بسرعة، ودون أن يتفق التياران لإحداث نوع من التوازن مع السلطة فلن تتحقق الديمقراطية المرجوة التي لا تأتي إلا بواسطة مؤسسات المجتمع المدني.
- والأمر الآخر المهم لابد أن تكون أحزاب هذين التيارين ديمقراطية في داخلها وأن لا تنادي بالحرية بينما تحجب الحرية عن كوادرها أو تنادي بالمؤسسية بينما تدار بنظام الشلل.
- تضعون الوصول إلى مرحلة التعاون الإستراتيجي في قمة اهتماماتكم فكيف ترون مجتمعاتنا بعد الوصول لهذه المرحلة؟
- إذا تحققت هذه الإستراتيجية يتحقق التوازن داخل المجتمع السياسي، وبالتالي يمكن ترسيخ النهج الديمقراطي، وإذا وُجدت الديمقراطية ساد القانون والفصل بين السلطات وحيادية مؤسسات الدولة، وأمكن بعد ذلك بناء الإدارة الرشيدة، وعندما يتم ذلك كله تتحقق التنمية ويتحقق مجتمع الرفاهية، ولهذا نحن في اليمن وضعنا مبادرة للإصلاح بسيطة جدًا قلنا فيها إن التنمية بكل أشكالها لا يمكن أن تتم إلا في ظل الإدارة الرشيدة والنظيفة، وهذه الإدارة لا يمكن أن تتم إلا في ظل نظام سياسي يرى أنها أداة للإنجاز لا أداة لتوزيع المغانم، وفي ظل نظام سياسي يرتكز على سيادة القانون والفصل بين السلطات وحيادية مؤسسات الدولة في ظل النظام الديمقراطي.
آلية العمل والتعامل
- ما آلية التعامل داخل المؤتمر القومي الإسلامي؟
- المؤتمر ليس لأي دولة فيه أي علاقة، ولهذا عندما يصبح العضو وزيرًا أو في منصب تنفيذي تتجمد عضويته.
- فأعضاء المؤتمر يشاركون بصفة شخصية لكنهم في الوقت نفسه يعبرون عن اتجاهات وتنظيمات وقوى سياسية تعبر عن التيارين القومي والإسلامي.
- يُوجد داخل التيارين تيارات متباينة، فكيف تتعاملون مع هذا التباين؟
- هناك قوميون لا يقبلون الآخرين، وهناك إسلاميون ينطبق عليهم الحديث نفسه، ونحن نتعامل مع مَن يقبل الحوار، باعتبار أن كل القوى المشاركة والمدعوة للمؤتمر هي القوى التي تؤمن بالحوار وتقبل الآخر.
- وهل خلصتم خلال الفترة الماضية إلى آلية للتحرك المشترك أم لم يتم التوصل إليها بعد؟
- في المؤتمر العام تكونت لجنة للمتابعة تتكون من 35 شخصية، تجتمع كل عام، وتختار لجنة إدارية تلتقي كل 3 أشهر، وهناك منسقون في الساحات يجتمعون باستمرار ويلتقي فيها التياران بشكل دائم، ويتم التواصل بهذه الطريقة.
- كما يتم الاتصال بالمنسق العام للتنسيق في أي قرارات أو فاعليات ويتصل المنسقين الذين يلتقون بأعضاء التيارين في القطر، وينسقوا لهذه النشاطات، فهذه آلية لا بأسَ بها حتى الآن.. وبرغم ذلك فأنا شخصيًا غير راض عن حجم هذا النشاط.
- وما المطلوب في تقديرك لتفعيل هذا الأداء؟
- أن ينقل التياران كل ما تم الاتفاق عليه إلى الكوادر المتعددة، ويجعلونهم يتجاورون .. فللأسف الشديد مازالت القضايا محصورة في القيادات ولم تنزل إلى القواعد بالشكل المطلوب، ولهذا نجد أحيانًا أن بعض قيادات هذه القوى تجد صعوبة في إقناع كوادرها بالتعامل مع الآخر، ولو تركوا فرصة للكوادر للتحاور لانتقل إليهم الأمر بالشكل المطلوب، لكن الشيء الذي تمَّ إنجازه هو القضاء على الوحشة بين التيارين بعد أن كانا لا يقبلان الجلوس بعضهم إلى بعض وأصبحت الصحف أكثر حذرًا عندما تكتب عن التيار الآخر.
فلسطين والعراق
- القضية الفلسطينية من القضايا محل الاختلاف بين التيارين.. الإسلاميون يرون رؤية لعلاج القضية وفق المرجعية الإسلامية، والقوميون لهم رؤية مخالفة، فكيف يتعاون الطرفان في مثل هذه القضايا؟
- الدين هو الخلفية الثقافية للأمة بحكم أنه دين الأغلبية، وهو بالنسبة لغير المسلمين ثقافة وتاريخ وحضارة.. ولقد اتفقنا على أن الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود لا صراع حدود، فليس هناك خلاف في هذه القضية.
- هل حظيت القضية العراقية باهتمام من قبل المؤتمر؟
- نحن ضد الاحتلال والديكتاتورية ومع ترسيخ النهج الديمقراطي في العالم العربي والديمقراطية التي نؤمن بها في أقطارنا، ولابد أن نؤمن بها في أقطار أخرى، ولهذا أتعجب من بعض الفئات التي تنادي بالديمقراطية في بلدها ولا تقبلها في بلد عربي آخر، وهذا يعني أن هذه الفئات غير ديمقراطية أو غير عربية.
- تشكلت لجنة شعبية كان المؤتمر القومي الإسلامي والعربي ومؤتمر الأحزاب العربية اتفق على تشكيلها لمناصرة قضية العراق والمناداة بخروج الاحتلال الأمريكي وبناء عراق موحد وديمقراطي.
المصدر
- حوار: تحالف القوميين والإسلاميين.. إلى أين؟ موقع اخوان اون لاين