انتفاضة اليُمن والبركات
من عتبات المسجد الأقصى المبارك بالقدس الشريف، انطلقت كالسيل الهادر نحو مصبه الأبدي، تطهرين أرض الإسراء والمعراج من قمامة التاريخ وحثالة البشر، الذين تمحضوا للفجور والإفساد، وتبذرين في كل ذرة من تراب فلسطين، شتائل النور الذي سيطرد جحافل الظلام، ويأوي إلى مزارعه العريقة التي ازدان بمباهجها المكان، واهتزت لجمالها وعنفوانها منابر الزمان.
ورحت يا ابنة التوحيد، في تصميم فريد وإصرار عنيد، تصنعين من أعواد المشانق سفينة النجاة التي تبحر نحو الحلم العتيد. وتنسجين من حبال القهر والطغيان، دروعًا تصد مكايد الأعداء، وتردهم على أعقابهم خاسرين.
ألم تخرجي من معين البركة الخالد الذي لا يخبو له أوار؟ ألست يا ابنة التوحيد معبأة بألف جناح وجناح؟ ألست تحملين بين ثناياك لقاحات النصر وأسباب النجاح؟ أليست عدتك بعد تقوى الله، مواكب الدماء، التي انسكبت سخية على أرض الإسراء؟ ألم ترتسم على جبينك الوضاء معالم النصر المبين، يقرؤها كل ذي بصيرة موصول الأسباب بالسماء؟ بلى يا ابنة التوحيد والإباء، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أنت يا أمة الله معطاء ولود، مهما حاول الأوغاد قطع نسلك، بكل أشكال السحر الذي يتقنه اليهود.. أنت قدر الله الذي لا يرد، وهل يرد بأسه عن القوم المجرمين؟ لكأني أسمع من أعماق كياني نشيدًا تردده أطباق السماء، يمجد أهل الانتفاضة، ويصب اللعنة على السماسرة المجرمين، الذين باعوا أنفسهم للشيطان، فليخسأوا وليبأسوا، فإن المجد للأطفال والحجارة، والبرتقال والزيتون.
أيتها الانتفاضة المجيدة، ما بال أقوام أصيبوا بفيروس الدياثة، يسعون بكل خبث وهوان، إلى إسقاطك في شباك الصهاينة المعتدين، ولما علموا أن ذلك لن يكون، هاهم أولاء يرومون تجريدك من عناصر القوة، بالتواطؤ على اغتيال الشرفاء، أما علموا أن أرواح الشهداء مزروعة في كل الأمداء؟
'يا أمة الله المجيدة'، قولي لهم بلسان الحال والمقال: سأنفضكم من على ظهر الوطن الحبيب، وأشرد بكم من خلفكم، سأذيقكم مر العذاب، سأغسل من أدرانكم السهول والأنهار والهضاب، قولي لهم يا سيدة فلسطين المهيبة: لن تدخلوا حصني أبدًا، ولوكان بعضكم لبعض ظهيرًا.. سأخنقكم واحدًا واحدًا وأقدم لحمكم النتن للكلاب.
أنت يا سليلة الأجداد عرق البطولة النابض في جسد مزقته السهام، ولكنه يأبى إلا أن يكون نابضًا على مدى الساعات والأيام، أنت رصيد الأمة الذي لن تزيده صروف الدهر إلا نماء وسموًا على جميع العملات والأرقام.
قولي لعديمي الذمم صغار النفوس: لن ألين ولن أستكين، لا أبدًا لن أستكين، بل سأفيض كالطوفان على كل حدب وصوب، سأغسل مساجد الله مما عاثته أيدي القرود، وستعود المآذن سامقة كسابق العهود، سأبعث بإذن الواحد الأحد، أشجار البرتقال والزيتون التي أحرقها فجار اليهود، و لن ينجو من مغبة الطوفان إلا من ركب سفينة الأمان، من كل زوج يسبِّح الواحد الديان.
أنت يا أمة الله معدن نفيس لا يُجارى، أنت ملاذ الحيارى، أنت قبس من ملاحم الجهاد ، سيشتعل نارًا و شنارًا في ظهور الأوغاد، أنت صوت تردد صداه في أقاصي البلاد، سيذهب لا محالة غدًا بالأوتاد.
أنت يا أمة الله، فيك سر عجيب لا يدرك كنهه إلا العالمون، أنت ملتقى الأصفياء والأولياء الذين يرجون لقاء الله، وينشدون لقاء الأحبة في أعلى الجنان، أنت عنوان الوفاء والإخلاص والإحسان.
ألا ما أعز جانبك وأشرف محتدك، ألا ما أعذب نبعك وما أحسن طلعتك، أنت أمل صادق ووعد أمين، أنت ميسم الصالحين، وموئل المظلومين الخائفين.
أيتها الانتفاضة المباركة، كل شيء فيك مبارك، صواريخك وأحجارك، شيوخك وأطفالك، نساؤك ورجالك، كل شيء فيك مبارك، كيف لا ومحضنك أرض بارك الله حولها وأعدها لأحداث جسام ستغير وجه التاريخ، وتحول مجراه، وتصحح مساره، في اتجاه إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
أيتها الانتفاضة المباركة لن تزالي وفية لما انهمر على أرض الإسراء من زكي الدماء، لرجالٍ قضوا نحبهم في سبيل الله، وأفلحوا في صفقة الوفاء، فجاءهم النداء يخترق عنان السماء: ربح البيع.. ربح البيع يا معشر الشرفاء.
المصدر: إخوان أون لاين