انتحار شاب لعدم قدرته على العلاج.. أين مستشفيات الجيش وأين تسعيرة “الخاصة”؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انتحار شاب لعدم قدرته على العلاج.. أين مستشفيات الجيش وأين تسعيرة "الخاصة"؟


انتحار شاب لعدم قدرته على العلاج.jpg

حازم الأشموني

(16 يونيو 2020)

مقدمة

واقعة مأساوية شهدتها منطقة بشتيل التابعة لمركز أوسيم بمحافظة الجيزة، خلال الأسبوع الماضي، حيث أقدم شاب "38" سنة على الانتحار لأنه أصيب بكورونا ولم يتمكن من علاج نفسه. وكان الشاب الذي يعمل سائقًا، قد أصيب بفيروس كورونا المستجد منذ أسبوعين، وبعد أن أجرى الفحوصات والتحاليل اللازمة والتي أكدت إصابته، أمره الطبيب بعزل نفسه في منزله واتّباع العلاج اللازم.

وكشفت تحقيقات النيابة عن أن الشاب اتصل بشقيقه ليخبره عن عدم قدرته تحمل آلام مرضه وأن حرارته مرتفعة دائما، وطلب من أخيه أن ينقلوه إلى إحدى المستشفيات الخاصة لتلقّي العلاج. وبحسب التحقيقات، فإن شقيقه أخبره بأن العائلة غير قادرة على تحمل تكاليف علاجه في مستشفى خاصة

ولما صعدت زوجته لتقديم الطعام له وجدته مشنوقا بحبل في أنبوب الغاز الطبيعي. فلماذا لم يتم علاجه بإحدى مستشفيات الجيش أو الشرطة؟ رغم وجود آلاف الأسرة بها دون استخدام حتى اليوم؟ ولماذا هذا التمييز والطبقية؟ وهل بتكريس التمييز والطبقية تنهض الأوطان أم أنها وصفة سحرية لتمزيق أي مجتمع وروشتة لانفجار وشيك؟

تذكرت عند قراءة هذه الواقعة المأساوية قصة حمادة المسحول التي أقام عليها إعلام الدولة العميقة في مصر حفلة في عهد الرئيس محمد مرسي، ثم ثبت بالأدلة القاطعة أنه أحد صبيان أنصار رئيس المخابرات السابق عمر سليمان، بمعنى أن ما جرى كان مسرحية مفتعلة قامت بها عناصر تابعة للدولة العميقة من أجل تشويه الرئيس الشهيد محمد مرسي، عليه رحمة الله.

فحمادة والضابط الذي سحله كلاهما من معسكر واحد، هو معسكر الدولة العميقة التي نجحت في انقلابها العسكري على ثورة يناير والتجربة الديمقراطية الوليدة؛ وأريد للمشهد المفتعل أن يكون حربة في جهود وأد التجربة الديمقراطية.

فأين رموز الأحزاب العلمانية ودكاكين حقوق الإنسان التي تحولت إلى سبوبة وبيزنس بعيدا عن نبل قضية الدفاع عن حقوق الإنسان؟ وأين هؤلاء الإعلاميون الذين صرخوا من أجل حقوق حمادة المسحول؟ ولماذا خرسوا هنا حيث يجب الصراخ لو كانوا صادقين في الدفاع عن حقوق الإنسان حقا؟ قد انتهكت هذه الحقوق بضراوة وديس عليها بعنف غير مسبوق فما لهم لا ينطقون؟ وإذا واجهناهم بخذلانهم لا يخجلون؟

أين المستشفيات الحكومية والخاصة؟

النظام ارتكب بحق هذا الشاب جريمة كبرى وهي عدم توفير خدمة الرعاية الصحية وحقه في العلاج وفق الدستور والقانون، وأمام تزايد معدلات الإصابة بعدوى كورونا امتلأت المستشفيات الحكومية وبات الحصول على سرير عزل أمرا بعيد المنال إلا من يملكون واسطة.

ثم أين التسعيرة التي وضعتها وزارة الصحة بحكومة الانقلاب للمستشفيات الخاصة والاستثمارية والتي تبدأ من 1500ج إلى 3 آلاف لليوم الواحد وتصل إلى ما بين 7 إلى 10 آلاف في الرعاية المركزة بجهاز تنفس صناعي؟ ورغم أن هذه التسعيرة أعلى بكثير من دخول نحو 90% من المصريين، إلا أن حيتان البيزنس ورجال الأعمال رفضوا الانصياع لهذه التسعيرة في ظل تداول أرقام فلكية تصل إلى نحو 90 ألف جنيه لليوم الواحد.

واقع الأمر أن الرعاية الصحية في مصر تحولت إلى سلعة وفق قاعدة "الأرباح قبل الأرواح"، ونظام السيسي فشل ــ حتى اليوم ــ أمام حيتان البيزنس ورجال الأعمال والشركات العابرة للقارات التي تحتكر القطاع الطبي الخاص في مصر على عدة مستويات: مستوى توفير أسرة لرعاية المصابين بالعدوى في المستشفيات الحكومية

كما فشلت- حتى اليوم- في إلزام المستشفيات الاستثمارية والخاصة في توفير رعاية صحية بأسعار مناسبة، تتناسب مع دخول معظم المصريين. وهو ما يناقض ما نصت عليه المادة (18) من دستور 2014م، التي تنص على أن "تجريم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة"، كما فشلت في الشرعية الأخلاقية وقدم النظام نفسه بمؤسسته العسكرية نفسيهما في صورة انتهازية متوحشة بهدف المتاجرة في آلام الناس ومعاناة المصابين.

انهيار القطاع الطبي وامتلاء المستشفيات الحكومية عن آخرها، وسكوت الحكومة على تحويل الرعاية الصحية إلى سلعة في المستشفيات الخاصة والاستثمارية يمثل جريمة مكتملة الأركان، ورفض هذه المستشفيات خفض أسعارها في زمن الوباء لا يعدّ استغلالا للأزمة الراهنة وانتهاكا لرسالة الطب السامية، أو تكسبا من دماء المرضى فحسب

بل تحديا صارخا للقوانين واللوائح المنظمة، فالقانون رقم 51 المنظم لعمل المنشآت الطبية الصادر سنة 1981، فرض على تلك المستشفيات التقيد بالحد الأقصى لأسعار الخدمات الطبية الذى تضعه لجنة مختصة تضم ممثلين من وزارة الصحة ونقابة الأطباء، فضلا عن المحافظ المختص، وفى حال مخالفة لائحة الأسعار التي تحددها تلك اللجنة، توضع المستشفى تحت إشراف وزارة الصحة مباشرة.

تواطؤ حكومي

للأسف جميع الأدلة والمؤشرات تؤكد تواطؤ الحكومة مع بيزنس رجال الأعمال، والدليل على ذلك أن الاجتماع الذي عقدته وزيرة الصحة هالة زايد مع ممثلي غرفة تقديم الخدمات الصحية مساء الاثنين 8 يونيو، انتهى إلى الإشارة إلى أن أسعار الخدمة الصحية في المستشفيات الخاصة والاستثمارية مبالغ فيها، دون الإشارة إلى أي اتفاق بشأن التسعيرة الحكومية التي رفضها القطاع الخاص؛ ما يمثل في مضمونه تراجعا لطيفا لحساب حيتان البيزنس.

ومن ناحية ثانية، فإن محمد عوض تاج الدين، مستشار السيسي للشئون الصحية، ثبت أنه عضو بمجلس إدارة شركة "استثمار" المالكة لعدد من المستشفيات الخاصة الرافضة للتسعيرة الحكومية، والذي تولى منصبه في بداية مايو الماضي.

ووفقًا لموقعها الإلكتروني، فإن شركة "استثمار" تتبع لشركة "أبراج كابيتال" الإماراتية. ويضم مجلس إدارة مستشفى "كليوباترا" التابعة لأبرج كابيتال عددا من المسئولين السابقين بنظام العسكر منهم وزير التجارة السابق طارق قابيل، ونائبة وزير المالية السابق منال حسين عبد الرازق، ونائب رئيس جهاز المخابرات السابق عمر عاطف قناوي. ما يعني أن شركات الإمارات لها نفوذ واسع للغاية داخل النظام يحول دون أي محاسبة أو مساءلة جادة.

ومن جهة ثالثة فإن نظام السيسي حتى اليوم لا يزال مترددا في تطبيق بنود التعديلات الأخيرة التي أجريت على قانون الطوارئ، في أبريل الماضي، والتي تمنح رئيس الانقلاب سلطة إخضاع بعض أو جميع المستشفيات والمعامل والمراكز الصحية في حالات الطوارئ وانتشار الأوبئة، ولعل السبب في ذلك هو الخوف من العقاب السعودي الإماراتي، خصوصا وأن نظام السيسي يمر بمرحلة شديدة الخطورة على المستوى الاقتصادي والصحي، ربما تمتد بالتأثير على المستوى السياسي.

المصدر