انابوليس .. أين أصبحت الأمور؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انابوليس .. أين أصبحت الأمور؟

بقلم:ديدييه بيليون / محلل سياسي فرنسي

مؤتمر أنابوليس يفرز الحماسة لاستئناف المفاوضات

أنابوليس

أثار مؤتمر انابوليس الذي انعقد يوم 27 نوفمبر ـ تشرين الثاني الكثير من التعليقات الحماسية في العالم.لقد حبّذت كلها تقريبا استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وأكّدت أن هذا يطلق من جديد دينامية السلام عبر إيجاد منظور إقامة دولة فلسطينية قبل نهاية عام 2008.

مع ذلك صرّح ايهود اولمرت منذ عودته إلى الدولة العبرية أنه لا يعتبر الأجل الذي ذكره البيان الختامي لمؤتمر انابوليس ملزما،مذكّرا بالجملة المشؤومة لإسحاق رابين الذي قال عند عودته إلى إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات أوسلو في شهر سبتمبر 1993 انه «ليس هناك أجل ـ استحقاق زمني ـ مقدّس» وكان يقصد تطبيق تلك الاتفاقيات.

كذلك لم تؤد الزيارة الأولى التي قام بها الرئيس جورج دبليو بوش في مطلع شهر يناير ـ كانون الثاني الماضي إلى الأراضي المحتلّة وإسرائيل طيلة فترتيه الرئاسيتين إلى حلحلة وضع الانسداد القائم،رغم تصريحاته المتعجّلة القائلة أنه سيتم توقيع اتفاقية سلام قبل مغادرته البيت الأبيض،أي في شهر يناير ـ كانون الثاني من عام 2009 وسيتم إذن وضع حد نهائي للاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية.


علي أرض الواقع

على أرض الواقع تثبت الوقائع الفجّة،خاصة فيما يتعلّق ببناء مستعمرات جديدة وتوسيع القديمة،ان القادة الإسرائيليين لا يبحثون بوضوح عن الشروع في أي مسار حقيقي للسلام.هكذا يتدهور الوضع أكثر فأكثر كل يوم في الأراضي المحتلّة.

في مثل ذلك السياق المقلق جرى في 23 يناير ـ كانون الثاني الماضي فتح الحدود بين غزة ومصر بالقوّة بعد تهديم الحواجز الحدودية الفاصلة جزئيا.وخلال 12 يوما توافد الآلاف من أهل غزة نحو مصر للتزوّد بالسلع الضرورية التي كانوا بأمسّ الحاجة لها.

والأمر الذي له دلالته الكبيرة هو أن السواد الأعظم من تلك الآلاف من البشر عادوا بعد الحصول على مشترياتهم المتواضعة إلى قطاع غزة مع أن جميع المراقين يعتبرونه سجنا في العراء.

ذلك التدفق من البشر والسلع يعود في سياقه إلى القرار الإسرائيلي في 17 يناير ـ كانون الثاني تشديد العقوبة الجماعية المفروضة على أهل غزة منذ شهر يونيو ـ حزيران 2007 عبر منع مرور الغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء مما أرغم غزة على أن تعيش في الظلام.

إن ما يجري، وفيما هو أبعد من الجانب الإنساني المحض،يشكل إنكارا للقانون الدولي الذي يتم خرقه عبر أخذ مجموع السكان كرهينة وعبر اللجوء إلى العقاب الجماعي.كما أن الدلالة السياسية للقرار الإسرائيلي تستحق الشجب.

ذلك أن السلطات الإسرائيلية بقصفها غزة أو بتضييق الحصار عليها تحاول أن تصعّد من الضغط ضدها بأمل دفعها للتمرّد ضد حماس.لكن عبثا.فأهل غزة قد تعودوا على العيش في ظروف غاية في الهشاشة دون أخذ مسافة كبيرة حتى اليوم عن قادة حماس.


محمود عباس ودوره

الرئيس محمود عباس يحاول من جهته أن يرمم آليات عمل المؤسسات الفلسطينية ويأمل الوصول إلى نتائج ملموسة للمحادثات مع القادة الإسرائيليين كي يقدّمها للرأي العام الفلسطيني.لكن تردي الأوضاع في غزة وما يعاني منه أهلها يعيق مشاريعه.

ثم ان الإسرائيلي ايهود اولمرت ليس في وضع يستطيع فيه مساعدته حتى ولو كان يرغب ذلك حقيقة.إن عدم شعبيته وصورته السيئة لدى الرأي العام الإسرائيلي يشكلان نقاط ضعف كبرى.ثم إن واقع عدم المساس به كثيرا في التقرير القاسي الذي أصدرته لجنة فينوغراد المنشور بتاريخ 30 يناير ـ كانون الثاني الماضي لن يمنحه احتمالا سوى استراحة خادعة.

مع ذلك لا شك أن قضاة هذه اللجنة اعتبروا ايهود اولمرت رغم مسؤولياته في فشل حرب ال33 يوما في صيف عام 2006 لا يزال هو الذي يمثّل الإمكانية الوحيدة لتجسيد مسيرة السلام المزعومة التي بُدئ بها مع جورج بوش ومحمود عباس ولإنقاذ هوامش المناورة داخل المجموعة الدولية.

لكن ومن أية وجهة نظر تتم على أساسها معالجة الملف يبدو أن الطريقة المستخدمة من قبل المعنيين الثلاثة المذكورين مآلها إلى الفشل.ذلك أن الإرادة المصممة على تهميش حماس تضعها دائما ،للمفارقة،في صميم اللعبة.فعندما يربط جورج بوش مثلا تحقيق السلام بوقف إطلاق صواريخ القسّام من قبل عناصر حماس إنّما يعطي مسئولوها في الواقع العملي حق «الفيتو».

وعندما ينضوي محمود عباس في الخط الذي تريده إدارة بوش ويلتقي مع اولمرت بانتظام دون التوصل إلى أدنى نتيجة ملموسة فإنه يعزز موضوعيا أولئك الذين يظهرون في الأراضي المحتلّة بمثابة المدافعين الحقيقيين عن المصالح الوطنية الفلسطينية.


فشل في نفس الطريقة

هكذا فشلت الطريقة التي سادت في انابوليس كما أثناء مؤتمر المانحين الذي نظّمته باريس بتاريخ 17 ديسمبر،أي الطريقة المتمثلة في تعزيز السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس من أجل رفع مصداقية إستراتيجيته للسلام عن طريق التفاوض مع تل أبيب إلى جانب رفض أي حوار مع مسئولي حماس ونبذهم كمجرّد خارجين على القانون.

بكل الحالات إن ما يُسمّى بالمجموعة الدولية لن تستطيع الاستمرار بهذا الهرب الأعمى إلى الأمام.ينبغي أولا الضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل إعادة الأوضاع الاقتصادية والمالية إلى ما كانت عليه قبل الحصار المقرر عام 2006،أي بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية.

وينبغي استئناف الحوار المباشر مع مسئولي حماس من أجل فك عزلتها ومحاولة تطوير مواقفها.وقد يمكن بالطبع التفاوض حول إطلاق الصواريخ على إسرائيل بحيث يتم سحب الحجّة التي تبرر الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية.

ينبغي إذن إجراء تغيير جذري في الطريقة السائدة اليوم من أجل الشروع بمسيرة سلام تستحق هذه التسمية.وسيكون من المشرّف للاتحاد الأوروبي أن يبرهن لمرّة على استقلاليته حيال واشنطن عبر إعادة ربط خيوط الحوار مع جميع مكونات المجتمع الفلسطيني.التحدي مطروح،لكن لا شيء للأسف يدعو إلى التفاؤل.

المصدر