الهجرة والإصرار على العودة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الهجرة والإصرار على العودة


تتكرر من أحداث الهجرة كل عام العبر والدروس، وأول تلك الدروس، إصرار صاحب الحق على الوصول إلى مراده، خاصةً إذا كان مراده هو الله الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.

لقد اشتدت الضغوط والحصار على سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في مكة، وكان لابد من اتجاه قوي صريح قادر برضوان من الله سبحانه وتعالى على استتباب مسيرة الإسلام حتى تتركز قواعده على أسس من العمل القوي، والرسول يفكر بما يحقق ذلك.. يأتي الروح الأمين جبريل- عليه السلام- فيأمره بالهجرة، ويلبي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمر الله، ويخرج من مكة وفي صحبته صاحبه الأمين الأول أبوبكر رضوان الله عليه، ويترك مكة- عليه الصلاة والسلام- وهي أحب البلاد إليه لتلتحم المسيرة بمهاجرين أوائل سبقوه إلى المدينة فدعوا فيها إلى دين الله، وأصبحت لهم جماعة مميزة بعزائم رباينة، وتوكل على الله مكين، جعلهم أمة تبدأ مسيرتها على منهج الله، وتعلم قريش بخروج النبي- صلى الله عليه وسلم- وتجدَّ في طلبه لتوقف هجرته حتى لا يحقق غرضه النبيل وهو قيام الدولة، ولكن الله بالغ أمره فيعيش محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه الأمين أبو بكر الصديق في الغار ثلاثة أيام، وتكاد قريش وهي تلاحقه أن تقبض عليه، وهو في الغار وهي فوق الغار، لكن الله بالغ أمره ومقيم دولته، فغمَّ الله عليهم ووجدوا العنكبوت له نسيج وكأنه قديم من زمن فانصرفوا عن الغار.

وتولت المرأة المسلمة في تلك اللحظات العسيرة معاونة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصاحبه في مسيرتهما، فكانت أسماء بنت أبي بكر تأخذ مسيرتها إلى الغار في غلس من ليل أو في ظلمة من الفجر بزاد أعدته لصاحب الرسالة وصاحبه، وتحتار قريش إلى أين اتجه محمد؟ ويذهب أبو جهل إلى دار أبي بكر وعندما تفتح أسماء الباب يضربها على وجهها فيشق أذنها ويسيل الدم، لكن المؤمنة الورعة صاحبة الرسالة مع صاحبها- صلى الله عليه وسلم- تقف في شجاعة وتقول ماذا تريد؟ فيقول: محمد.. وتصر المؤمنة العظيمة على أنها لا تعلم أين محمد.

وهنا درس يعيه المسلم ألا يبيح لعدوه بسر جيشه ودولته؛ حفاظًا على خطة الجهاد، ويخرج محمد- صلى الله عليه وسلم- من الغار، ويتخذ مسيرته إلى المدينة ويلاحقه سراقة، فقد جعلت قريش جعلاًَ لمن يأتي بمحمد وهو مائة ناقة.

وكاد سراقة أن يدرك النبي- صلى الله عليه وسلم- لكن تغوص أقدام فرسه في الرمل، ويكاد الرمل يغطي رأسها فيسأل محمدًا أن يشفع له عند ربه، وأنه سيعود ولا شأن له به.

ويعفو محمد- صلى الله عليه وسلم- عن سراقة فينجو فرسه ويقول له: عُد، ولك يوم نحكم سوار كسرى، ويعلن محمد- صلى الله عليه وسلم- بذلك أنه سيؤسس الدولة وسيحكم وسيغزو العالم ويحكم أرض كسرى وهو لا زال طريدًا من أرض مكة لاجئًا إلى أرض يثرب المباركة، هل بعد ذلك نيئس من أننا سنقيم الدولة ونقيم الأمة ونغزو العالم مرة أخرى، وكتاب الله وسنة رسولنا في يميننا وفي قلوبنا، وهما الدستور والقانون والتشريع، إنها آمال ربما يستكثرها البعض ولكن مع الإيمان واليقين بالله لا يستبعد المؤمنون أنهم عائدون بدولة وأمة تغزو العالم من جديد لتنصف الإنسان المهضوم حقه المستبعد باستبداد المستعمرين الكبار والمستعمرين الصغار ولكن كيف يتحقق ذلك وبم؟

لابد من تربية النشء على فهم كتاب الله ككتاب عبادة وتوحيد وسياسة ودولة وغزو وجهاد، وذلك يحتاج لتربية جيل نسقيه معاني الكتاب فتتلبس بهيكله وجوهره ذلك هو الطريق والإعداد له ليس بالصعب ولا بالمستحيل، فكم كان عدد المهاجرين الأُول الذين فهموا قضيتهم بيقين فتركوا الولد والمال والأهل وعاشوا لمبدأ اعتنقوه ودين ارتضوه ورب أخلصوا العبادة لذاته فكانت تلك المدارس في المدينة المنورة في الحبشة في وادي النخلة ما بين مكة والمدينة بعد صلح الحديبية.

وجاءت غزوة فتح مكة، وتمَّ بفتحها حكم الجزيرة كلها بالإسلام وابتدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك النصر المبين يفكر في إعداد الجيوش إلى خارج الجزيرة، وكان نصر الله، وانتقل محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، لكن ترك مدرسة الإسلام الكبرى في دولته العليا.

وكان قد أعد جيشًا أمَّر عليه أسامة، وقد أوقفت وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- مسيرة الجيش، وتولى أبو بكر الأمر وأبى إلا أن يخرج الجيش وبإمارة أسامة؛ نفاذًا لرغبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وولاءً ووفاءً لحضرته-صلى الله عليه وسلم- وبدأت الغزوات وجاءت حروب الردة، وانتصر الإسلام وكانت الفتوحات الكبرى في عهد عمر وعثمان، ووقعت عثرات وجاء بعدها عمر بن عبدالعزيز فصحح المسيرة.

إن المطلوب منَّا اليوم أن ندرس تاريخنا بدقة، لنعدَّ العدة من جديد لقيام الخلافة الكبرى، فالاحتفال بالهجرة على الحقيقة أن نُعيد أمجادًا أقامتها، ونقيم دولةً أسستها، فهل من مستمع، وهل من دارسٍ حكيمٍ لنعد العدة لقيام الدولة.. إن ذلك هو المراد.


المصدر : مجلة لواء الإسلام- العدد 5 المحرم 1411 هـ 23 يوليو 1990م [[تصنيف:أراء كبار الإخوان]]