المصالحة: بين الإشهار والمعاشرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المصالحة: بين الإشهار والمعاشرة


علم فلسطين.jpg

بقلم : وسام الفقعاوي

بعد طول الفراق الغير محبب جماهيرياً، وبعد تعدد محاولات الأخذ والرد بين الطرفين المتصارعين "فتح و حماس "، حيث لم تتوقف الجاهات الفصائلية والعربية وحتى الاقليمية بينهما، تم إشهار توقيع المصالحة الفلسطينية، بحضور حشد غفير من الجاهات الفلسطينية والعربية، التي أضناها طول الفراق وانعكاساته على صورة ومآلات القضية.

وبغض النظر عن "الاختلاف الذي حصل حول جلوس العروسين، ومن سيلقي خِطبة خَطب الود"، إلا أن "أهل الخير" استطاعوا اقناع الطرفين بالالتزام بعقد الاتفاق. وطالما أن الانتخابات العامة "التشريعية والرئاسية"، المأمول أن تجري بعد عام من الإشهار، هي التي ستحدد المآلات النهائية لهذا التوقيع، بما يعني أن تلك الفترة ستكون فترة اختبار لصدق وحسن النوايا والأعمال، وصولاً للمعاشرة المتعارف عليها شعبياً، يبقى من المحتمل "أن لا يستطيع العريس خَطب ود العروس أو العكس"، فنقع بين حيص بيص، وتعود ريما لعادتها القديمة. ويُبّدأ بالتشهير بأحد العروسين أو كليهما، من حيث عدم الأهلية أو غياب العذرية أو عدم الخجل من الأجانب، والخروج بشكل سافر يخدش الحياء، ويجرح المشاعر، ويبدد أمل اللقاء؛

كون الإشهار ومن ثم المعاشرة، يحتاج لوضوح وجه العروسين من خلال خلع "البرقع"، والخروج من عش الزوجية المنفرد، إلى عش كل من ساهم في الوصول لحفل الإشهار، بحيث تكون المعاشرة جماعية، تلك المعاشرة المأمولة لا يمكن أن تستوي إلا بالتالي:

1- الاتفاق على رؤية سياسية فلسطينية واضحة وموحدة، بما يخرجنا من حالة "فوضى الرؤى"، إذا صح التعبير، حيث سمعنا بالأمس من رئيس السلطة الفلسطينية خطاباً لم يأتي بجديد؛ بل جاء تكراراً لما سبق طوال 18 عاماً من المفاوضات، سواء على صعيد التعلق بوهم ما يسمى "بعملية السلام"، أو مرجعياتها والمقصود بالتأكيد المرجعية الأمريكية، واستمرار التنسيق الأمني، وغير ذلك من العبث والوهم المستمرين.

ولكي نصل للاتفاق على الرؤية السياسية ووضوحها فلا بد من ضرورة المراجعة النقدية الجدية لتجربة العمل السياسي والنضالي الفلسطيني عموماً، على مدى العقود الماضية من نضالنا الوطني، بهدف تقييم التجربة والأداء، والإمساك بمكامن الضعف والإخفاق، وتعزيز عوامل النهوض والتطور والتقدم، في إطار رؤية جديدة لطبيعة الصراع الفلسطيني- الصهيوني ، والعربي- الصهيوني .

2- الوعي بطبيعة التناقضات في صفوف الشعب، باعتبارها تناقضات ثانوية ينبغي حلها من خلال الحوار والنضال الديمقراطي السياسي والجماهيري، وهذا يحتاج لمبدأ المشاركة الجماهيرية المستند للشفافية والمصارحة وتعزيز النقد والمراجعة والاستفادة من الأخطاء، بما يسمح بتعميق وحدة الشعب الفلسطيني، وضمان تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.

3- مغادرة منهج وسياسة التكفير والتخوين، والإقصاء والإلغاء، العقائدي والفكري والثقافي والسياسي والتنظيمي، والاقتناع بأن الشعب الفلسطيني كما كل شعوب الأرض، متمايز ومختلف عقائدياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً وتنظيمياً، وهذه ميزة ايجابية، وعنصر قوة وليس إضعاف. ولكن المطلوب في ضوء "التجربة المريرة" والتي لم يتغير شئ جدي منها بعد، هو حفظ حق الاختلاف والتعدد والتناقض الذي فيه حياة، وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح واحترام الأراء ونسبية الحقيقية.

4- لا يجب أن يغيب عن بال أحد، بأننا لا زلنا نعيش مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، بما يعني أن مرحلة التحرر الوطني تحتاج لتضافر جهود الكل الفلسطيني الشعبي والفصائلي، والتوظيف الأمثل لكل طاقات الشعب الفلسطيني وكفاءاته، ولا يمكن أن يتم ذلك دون الاهتمام بإعادة صياغة أشكال وأساليب التعامل مع الجماهير الشعبية، واستبدال العلاقة البيروقراطية القائمة، بعلاقة جديدة تقوم على التماس والتواصل والانخراط في حياتها وهمومها، بما يساهم في قيام جسور الثقة المتبادلة، وإتباع مناهج عمل في السلوك اليومي تجعل المؤسسات الرسمية والمجتمعية، قوة جاذبة للجماهير، وذلك بالتعبير عن همومها ومصالحها وبتقديم النموذج الكفاحي لها، وبإيجاد ربط وتوازن موضوعي بين عملية التحرر الوطني، وعملية التحرر الاجتماعي والديمقراطي.

5- الترابط المحكم والواضح بين المرحلي والإستراتيجي، حيث افتقر الفكر السياسي الفلسطيني للنسق والنواظم التي تحافظ على هذا الترابط، بحيث طغى على خطاب الكثير من القوى السياسية الفلسطينية، تقديم الحل المرحلي أو ما يسمى بالقاسم المشترك، باعتباره هو الحل النهائي للمسألة الفلسطينية.

6- الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية، بما شكلته من عنواناً كفاحياً ونضالياً للمشروع الوطني الفلسطيني على مدار تجربة الثورة الفلسطينية، وباعتبارها أهم منجز حققته الثورة الفلسطينية المعاصرة، مما يتطلب إعادة الاعتبار لمرجعياتها ودورها وميثاقها، باعتبارها إطاراً ائتلافياً جبهوياً وطنياً، وبما يُمكّنها من استيعاب كافة طاقات الشعب الفلسطيني، وتياراته الفكرية والسياسية، من خلال اعتماد مبدأ التمثيل النسبي الكامل في انتخاب مؤسساتها المختلفة أو المؤسسات التي أنتجتها، وعدم العودة لنظم انتخابية تكرس المحاصصة والتقاسم، وتزيد من الهيمنة والتفرد والاستئثار "للمتصارعين الكبار".

7- تحديد أساليب وأدوات وأشكال النضال المناسبة، وفق الظروف الملموسة في كل مرحلة، ومدى مناسبتها لكل مرحلة، وفق معطيات وشروط الصراع الدائر مع المشروع الصهيوني، بما لا يجعل شكل يطغى على الآخر، حيث في مرات طغى الفعل السياسي، وفي أخرى الكفاح المسلح، وفي ثالثة العمل الدبلوماسي وهكذا.

8- لم يكن التوقيع/الإشهار، في مصر الانتفاضة/الثورة، سوى لاعتراف الجميع بالدور القومي الكبير لمصر، الذي هو من وجهة نظري أبعد من ذلك، من حيث الاعتراف بالبعد القومي للقضية الفلسطينية، التي تحتاج لرؤية جدلية واضحة، لعلاقة الوطني بالقومي باعتبار أن الصراع وطبيعته هو صراع عربي- صهيوني بالأساس، وأن تحقيق الأهداف الوطنية المرحلية والإستراتيجية، لا يمكن أن يتم دون هذه الرؤية والترابط بين البعدين، وهذا بدوره يستلزم ضرورة امتلاك رؤية شاملة للصراع، بما أنه صراع تاريخي شامل ووجودي يطال كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية، عربياً وفلسطينياً.

9- احتلت القضية الفلسطينية دوماً مكانة متقدمة على صعيد قوى التحرر العالمية، كما المنظومة الدولية، وشكلت مدخلاً رئيسياً لولوج القوى الكبرى للمنطقة، وعليه فإن المطلوب استثمار المتحرك والثابت في العلاقات الدولية، وامتلاك منهج علمي لاستثمار التناقضات الدولية لصالح القضية الفلسطينية، مما يستلزم وضوح هذه الأهداف والاتفاق عليها، والاستناد إلى البعدين العربي والدولي، في استثمارها وتوظيفها.

إن قدرتنا كفلسطينيين على استمرار ثوقيع عقد الإشهار، ومن ثم إعلان المعاشرة، رهن بإرادتنا السياسية، وتوظيف كل مكامن القوة التي نمتلكها والتوظيف الأمثل لها، إذا ما أُحسن إدارتها.

نأمل ومعنا كل أبناء شعبنا الفلسطيني، أن نحضر ونشاهد استمرار المعاشرة الفصائلية والشعبية على أسس وطنية، وأن يذهب كل الكلام غير المباح الذي سمعناه في حفل الإشهار، وللشعب الأمر في الأول وفي الأخر


المصدر