القابضون على الجمر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القابضون على الجمر


بقلم : طارق حلمي

((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين))

وهل يهون من كان الله غايته((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)).وهل يهون من كان الرسول قدوته وهو الذي تعرض لكل صنوف الاضطهاد,وكل أنواع التضييق,بل قد أخذ نصيبه من كل بلاء فما كان منه غير الصبر والتسليم.وهل يهون من كان القرآن دستوره وهو يهتف به ليل نهار((ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)).وكيف يهون من كان الجهاد سبيله وهويعلم أن الجهاد هوبذل النفس والمال في سبيل المحبوب((كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)).

المجاهد يعلم تمام العلم ويثق تمام الثقة ويعرف كل المعرفة أن العز والتمكين في الجهاد رغم آلامه,وفي التضحية رغم تبعاتها,و في مواجهة الظلم رغم مشقته ,وفي السباحة ضد التيار رغم خطورتها ((يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذوبكم ويدخلم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز الععظيم,وأخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين)).

والمجاهد يعلم ان الهوان والذل والعذاب في القعود لا في النفير,وفي الاستكانه والخضوع لا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر((إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولاتضروه شيئا والله علي كل شيء قدير )).

قد يظن القاعدون عن التضحية في سبيل الدين أنهم أحرزوا أنفسهم عن الموت,وأبعدواعن أنفسهم الاضهاد,وضمنوا المستقبل السعيد لهم ولأولادهم,ولكن هيهات هيهات فواقع المسلمين أصدق من كل مقال.سل الفقر الذي إستوطن ديار المسلمين رغم ثرواتهم ,وسل المرض الذي عصف بأبدان المسلمين رغم شبابهم,وسل الذل الذي نال المسلمين رغم عددهم وعددهم.عندئذ تستيقن الوعيد الإلهي((إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما و يستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير)).

إن الهروب من الموت هو الطريق إلى الموت,والهروب من التضحية يؤدي إلى المزيد من التضحية,والفرار من التبعات يؤدي إلي المزيد من التبعات((ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا)).موتوا فلا حياة للجبناء...موتوا فلا حياة لمن قعد عن نصرة الدين...موتوا فلا حياة لمن ضن بنفسه أن تزهق في سبيل الله.

كيف يهون من هو من أتباع الأنبياء,ومن سار في ركب الربانيين,ثم هو يتلو قول الله تعالى((وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فماوهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين,وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبناوإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين,فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين)).

هل أمن القاعدون الموت وفجأته؟والمرض وإعاقته؟والدهر وتقلباته؟

فلرب قاعد عن التضحيه والجهاد في سبيل الله قد فاجأه الموت الذي كان يخشاه,فترك الأولاد الذين كان يجبن بسببهم,والزوجة التي كان يخشي فراقها,والمال الذي كان يضن به فلا ينفقه في سبيل الله. فإذالم يفاجئه الموت فاجأه المرض فتركه عالة علي أهله وقد كان يعولهم,في حاجه إلي عطف الناس وهو الذي كان يظن أن قوته لن تبيد وأن عزمه من حديد.

هل أمن القاعدون الأيام وتداولها؟ والمناصب وتحولها؟ والشمس وغروبها؟ ومكر الله الذي لايأمنه إلا القوم الخاسرون؟.

أين الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص؟هل نسخ حكم الجهاد؟ هل حررت المقدسات؟ هل أقيمت الصلوات؟ هل أمن الخائفون؟ هل طعم الجائعون؟ هل وسد الأمر إلى أهله؟ هل صارت الشورى حاكمة؟ هل صار العدل سائدا؟ هل تساوى الناس أمام القانون؟ هل تفاضل القوم بالتقوى التي جعلها الله معيار التفاضل بين الناس؟

سلام على أولئك الذين تقدموا في مسيرهم حتى اكتشفوا حقيقة التفقه, وأصبحوا منذرين صادقين لقومهم وأمتهم حتى يشهد بصدق حديثهم قطرات دمائهم وقطعات أجسادهم.

سلام على أصحاب البطولات الأحياء أبدا, طلبة العلم الذين كتبوا رسالاتهم العلمية والعملية بدم الشهادة وحبر الدم القاني وارتقوا منابر الهداية والوعظ ليستضيء الناس بنور شموع حياتهم.

الفوز العظيم للعلماء الربانيين الذين انفصلوا عن تعلقات الدرس والبحث والمدارسة, وأزالواعقال التمنيات الدنيوية عن حقيقة العلم, وأدركوا أن ينابيع العلم تفجرها طلقات المدافع, فخطوا على أديم الأرض دروسهم بدمائهم.

وهل يتوقع من العلماء الصادقين, وأئمة الهدى الربانيين سوى أن يكونوا في طليعة المضحين في سبيل الله الذين يختمون دفاترهم بختم الشهادة.

في كل قومة في وجه الظالمين كان علماء الإسلام أول من ختموا ختم الشهادة والدم على صفحات وجوههم المضيئة.

هل تعلمون قومة للناس لم يكن العلماء العاملون في مقدمة من لبسوا زي الشهادة فيها وارتقوا أعمدة المشانق وتلطخت صفحات الحوادث الدموية بدماء أجسادهم الطاهرة؟.

أخي: مالي أراك قعدت والناس يسيرون؟ كسلت والناس من حولك يجتهدون؟ رضيت بدنيا قد سبقك فيها الآخرون؟ فلاتصنع الإبرة ولاالصاروخ ترهب به أعداء الدين؟.

أخي هل تراك سئمت الكفاح

وألقيت عن كاهليك السلاح

فمن للضحايا يواسي الجراح

ويرفع رايتنا من جديد

أكان يصل إليك الإسلام لو أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم استمرأوا العيش في المدينة, أو جاوروا المسجد الحرام؟ من الذي أخرج أجدادك من الظلمات إلى النور؟ من الذي أحيا قلوبا كانت ميتة؟ من الذى رفع همما كانت خسيسة؟ من الذي ملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما؟ أين أحفاد المجاهدين؟ هل رضيتم بالذل بعد العز؟ هل رضيتم بالفقر بعد الغنى؟ هل رضيتم بالهوان بعد الكرامة؟ { يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}.

هؤلاء الكفار والملحدون والصهاينة والصليبيون يسيطرون على العالم بما في ذلك بلاد المسلمين. لقد صارت بلاد المسلمين مستباحة أمام طائراتهم, لقد باتوا يشكلون عقول المسلمين بضلالهم, أما عن شباب المسلمين فيتبعون خطواتهم, وأما عن حكام المسلمين فيأتمرون بأمرهم, لقد سخروا إعلام المسلمين لخدمة أغراضهم, وأرغموا المسلمين على فتح أسواقهم لبضائعهم ومنتجاتهم. لقد أفقدوا نفرا من المسلمين الثقة في دينهم, وأصبحنا نسمع ونرى من لايرى إلا سلوك سبيلهم إن أردنا الإفادة من تقنياتهم.

أين القوة التي أمر الله بها في {أعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لاتظلمون}.

أول القوة هي اليقين بأنك على الحق وبأن أعداءك على الباطل . الانتساب إلى الحق هو أعظم أسباب القوة. أنت تحمل مشعل الهداية وهي أعظم مايحتاج إليه الإنسان. قوتك في الحق الذي تحمله, قوتك في النور الذي تملكه, قوتك في الهدى الذي يبدد الضلال, قوتك في الإسلام الذي صرت به شهيدا على الناس. لاتحقرن ما عظم الله, الله قد عظم شأن الإيمان والقرآن, وأنت قد تحققت بهذا الإيمان وتخلقت بهذا القرآن فكيف بك تشعر بالهوان؟. ولكن إياك أن تغتر وإياك أن تدعي ماليس لك. معيار الخيرية هو تمسكك بهذا الدين وجهادك في سبيله{ وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم}. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو قطب رحى الدين وهو صمام الأمان الذي بفقده يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال{مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها, فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم, فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا, فإن تركوهم وماأرادوا هلكوا جميعا, وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا}. رواه البخاري.

في كل مكان حدود الله تتعدى, في كل مكان شريعة الله تهان, أرض المسلمين مغصوبة, أموالهم منهوبة, دماؤهم تسفك,حرماتهم تنتهك, لامكان للقرآن في حياة المفسدين, أخلاقه قد هجرت, أحكامه قد نحيت, موعظته لاتسمع, ومن دعا إليه لايتبع{ وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم ومايشعرون}.

لماذا لاتغار على حرمات الله كما تغار على حرماتك؟ لماذا جعلت الدين هامشيا في حياتك؟ لماذا لاتتوجع لآلام المسلمين؟ لماذا لاتبكي على دماء المسلمين؟ هل صار أمر الدين عندك هينا فأصبحت لاتبالي ساد المسلمون أم استعبدوا, شاركوا في القيادة أم استبعدوا, تقدموا بإسلامهم أم نكصوا على أعقابهم؟.أين الذين لايخافون في الله لومة لائم؟ أين الذين يقولون كلمة حق عند سلطان جائر؟ أين الذين يحبهم الله ويحبونه؟ يذكرهم ويذكرونه؟ لاينساهم الملك ولاينسونه؟

هل فقدت الأرض زينتها وبهاءها؟ هل قدمت الأمة الجاهلين وأخرت علماءها؟هل خفت صوت المآذن فلم نعد نسمع نداءها؟. لهفي على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من الصحابة والتابعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. هل عقمت النساء فلايلدن مثلهم, كلا فلاتخلو الأرض من قائم لله بحجة, وإن الإسلام الذي أنجب الأوائل قادر بفضل الله أن ينجب أمثالهم. إننا نسىء إلى الإسلام العظيم حين نقصر الحديث على صدر الإسلام ورجالاته وننسى الرجال العظام الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله{لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لايضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك}. أخرجه مسلم من حديث ثوبان.وأخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة, رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة}.

سلام على هؤلاء المرابطين في فلسطين الذين جعلوا أجسادهم نارا تحرق أعداء الله. هؤلاء الذين جعلوا من دمائهم زيتا ومن استشهادهم شرارة ومن الزيت والشرارة تتأجج النار التي تحرق الظالمين. طوبى لهؤلاء الذين أقدموا حين أحجم أبطال الحكمة وفرسان الكهانة, ألا ماأكرم هؤلاء الذين أعطوا من دمائهم حين امتنع الأسخياء في المواعظ, لقد هتفوا بسورة الفتح في حفلة البكاء على الأمجاد القديمة, وعروا صدورهم للموت عسى أن يستيقظ الملتحفون بصمت قد أضجر أصحاب القبور.

الوعد العظيم لهؤلاء الاستشهاديين في كل مكان تنتهك فيه حرمات الإسلام. هؤلاء الذين أعادوا للشهادة وجهها المشرق, وأحيوا في النفوس الكريمة الشوق إلى الاستشهاد. ذلك أن المجاهد حين لايجد وسيلة يسمع بها المصابين بالصمم أنين المضطهدين, وحين لايجد حيلة يري بها العميان مشاهد الظلم والترويع, وحين لاتعود الكلمة وسيلة الفكر للتعبير لأنها مشنوقة حتى الهمس, وحين لايعود الحس يتأثر بالواقع لأنه متبلد تحت الصفر, حينئذ لايجد الشهيد إلا دمه الطاهر يخاطب به القلوب بعد أن صمت الآذان وعميت الأبصار وعلا صوت الذين لايعقلون.

إذا استبدت الجاهلية بالناس, وبيعت الضمائر في أسواق النفاق, وعنت الجباه للظلم والطغيان, وتوسد الناس بساط الذل, أو ألهبت ظهورهم سياط الجور, إلا الذين أعطوا البيعة عن يد وهم صاغرون.. عندئذ تتطلع الرسالة إلى من يحطم جبروت الجاهلية بقبضة الإيمان.. فيخرج على السلطان الجائر لينصحه.. فيقتله السلطان.. فيكون أفضل الشهداء عند الله.

لقد أراد الله تعالى ألا يكون الإسلام العظيم(( أفكارا)) مطروحة, بل ((واقعا)) إنسانيا مشهودا, يجسده أصفياء الله تعالى, عقيدة تزخر بها النفوس, وعبادة يتعطر بها المحراب, وحكما يسود به الحق, وقضاء ينتظم به العدل, وشهادة في ميادين الجهاد تخلد بها الرسالة رغم أنف الكافرين.

تقدم ياأخي ولاتخش الطغاة, تقدم ياأخي ولاتخش الظالمين, تقدم ياأخي ولاتخش الكافرين,اجعل من الله مخافتك, اجعل من الله خشيتك, اجعل من الله رهبتك. عن أبى العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال:(ياغلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك, إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأقلام وجفت الصحف). رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي رواية الإمام أحمد( احفظ الله تجده أمامك, تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة, واعلم أن ماأخطأك لم يكن ليصيبك, وماأصابك لم يكن ليخطئك, واعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب, وأن مع العسر يسرا).

لماذا الخوف إذا ولماذا الوجل, إذا كان كل شيء بقدر. ألا ما أسعد هؤلاء الذين لم يحنوا رؤوسهم إلا لخالقهم, ولم تتعلق قلوبهم إلا بمليكهم رغبة ورهبة, هؤلاء هم الملوك وإن لم يتوجوا, وهم سادة الخلق وإن جهل قدرهم الذين لايعقلون. تلك القمم البشرية السامقة الذين استهانوا بالمحن لأنهم علموا ان كل بلاء دون النار عافية, وأن فتنة الناس مهما بلغت لن تكون كعذاب الله{ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين}.

أخي الزم طريق الحق ولايضرنك قلة السالكين, واحذر مسالك الباطل ولايغرنك كثرة الهالكين. واعلم أن الله تعالى ليس له نسب إلا بالتقوى, ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض ومابينهما وإليه المصير}.لاغنى لك عن الله, ولاملجأ لك ولا منجى لك منه إلا إليه. فلتهرب من سخطه إلى رضاه, ولتعذ بمعافاته من عقوبته, ولتفر منه إليه.

إياك أن يحملك حسن الظن على التقصير في العمل أو الركون إلى الذين ظلموا{ ولاتركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لاتنصرون, وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين, واصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين}. حقا إن التبعة ثقيلة, والأمانة عظيمة, والعقبة كؤود, ولكن من يخطب الحسناء لم يغلها المهر{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- ( تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَإِيمَانًا بِى وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِى فَهُوَ عَلَىَّ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ. وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا مِنْ كَلْمٍ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ مِسْكٌ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلاَفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلَهُمْ وَلاَ يَجِدُونَ سَعَةً وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أَغْزُو فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلُ) رواه مسلم.

وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ : (أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ ، قَالُوا : نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ) رواه ابن حبان بإسناد حسن.

إن الله تعالى يغار على دينه أكثر من غيرتكم, قد يمرض المسلمون ولكنهم لايموتون, قد ينامون ولكنهم أبدا يستيقظون, قد يبتعدون قليلا أو كثيرأ ولكنهم حتما إلى دينهم يعودون. لو قدر للإسلام أن يموت لمات في القرن الثاني عشر الميلادي ثم في القرون التي تلته.لقد هاجم الصليبيون قلب العالم الإسلامي ووصلوا إلى القدس, وهاجم التتار مشرق العالم الإسلامي ووصلوا إلى بغداد, وطرد الفرنجة بقيادة فردناندو و إيزابيلا المسلمين من مغرب العالم الإسلامي في الأندلس.ولكن الله تعالى يغار على دينه الذي ارتضاه للناس حتى ولو تخاذل المنسوبون إليه. أما الصليبيون فقدهزمهم صلاح الدين وطردهم من القدس بعد أن استوطنوها قرنين من الزمان. وأما التتارفقد دحرهم المسلمون بقيادة قطز ومن بعده بيبرس حتى أن هؤلاء قد اعتنقوا الإسلام.أما الكاثوليك في الأندلس فقد كانت خطتهم بعد السيطرة على الأندلس فيما يسمى بحرب الاسترداد أن يهاجموا المسلمين في شمال أفريقيا حتى يأمنوا فيما بعد غزوات المسلمين. ولكن انظر إلى ألطاف الله الذي {مايعلم جنود ربك إلا هو وماهي إلا ذكرى للبشر}. بعث الله ذلك القائد العظيم يوسف بن تاشفين الذي هزم الكاثوليك بقيادة الفونسو في معركة الزلاقة ولو اقتفى أتباعه من المرابطين أثره وساروا على نهجه لتغير تاريخ الأندلس ولبقيت في أيدي المسلمين{وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين}. لكن لطف الله الأعظم يتبدى في هؤلاء الأتراك العثمانيين. ففي الوقت الذي كانت تتهاوى فيه الأندلس بسبب ملوك الطوائف وتناحرهم كان الأتراك يفتحون أرضا جديدة للمسلمين, وفي الوقت الذي كانت شمس الإسلام العظيم تتوارى فيه عن الأندلس فقد كان آذان الفجر يجلجل في البلقان بفضل الله أولا وما أنعم به على الأتراك الفاتحين. لئن فقد المسلمون الأندلس فقد فتحوا القسطنطينية التي استعصت على الآباء الفاتحين, لئن فقد المسلمون الأندلس فقد فتحوا القسطنطينية تحقيقا لنبوءة النبي الكريم وإنا لموقنون من فتح رومية ولو بعد حين{وعلى الله فليتوكل المتوكلون}.

عن أبي قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ، و سئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق ، قال : فأخرج منه كتابا قال : فقال عبد الله :بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله : مدينة هرقل تفتح أولا : يعني قسطنطينية.

نضر الله وجوه هؤلاء الرابضين خلف القضبان, المستهينين بظلمات السجون, وسياط الجلادين, واستهزاء المنافقين. هؤلاء الأحرار وإن قيدتهم السلاسل, هؤلاء الذين بهداهم نقتدي, وبصبرهم نتسلى, وبثباتهم يعرف معنى الإيمان. من لي بيد أحدهم فأقبلها, بارك الله منهم أعينا وجدت عزاءها النظر في آيات الله, بارك الله منهم ألسنا ترطبت بذكر الله, بارك الله منهم آذانا صمت عن سماع مايغضب الله. تتعطر المجالس بعذب حديثهم, تهفو النفوس ليوم من أيامهم, وهم الأحرار رغم قيودهم.

سلام على هؤلاء الذين أبوا الدنية في دينهم, فلم تلن لهم قناة رغم البطش, ولم يغيروا ولم يبدلوا رغم الطغيان, طوبى لهم فهم أعمدة الإيمان, وأوتاد الإسلام { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل , فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم}.

كان الفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك أخوين في الله, وكان ابن المبارك على علو كعبه في العلم من المجاهدين في سبيل الله, فأرسل إليه الفضيل يدعوه إلى التفرغ للعبادة والدرس والعلم, فأرسل إليه ابن المبارك قائلا:

ياعابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

أو كان يتعب خيله في باطل

فخيولنا يوم الكريهة تتعب

روح العبير لكم ونحن عبيرنا

وهج السنابك والغبار الأطيب

والحمد لله رب العالمين

المصدر