الشاعر "محمد أبودية" يروي طفولة شيخ المجاهدين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشاعر "محمد أبودية" يروي طفولة شيخ المجاهدين

[15-04-2004]

مقدمة

• كان أحبَّ الأبناء إلى أمِّه وأطوعَهم لها

• تعلَّق بدعوة الإخوان منذ صغره وظلَّ مخلصًا لها

كما كانت مسيرته الجهادية حافلة بمواقف الصمود والبطولة والثبات على المبدأ، زخرت طفولته بالعديد من الأحداث والمشاهد، واستطاع بصبره وإيمانه أن يتجاوز التحديات التي واجهته، وأن يُثبت ذاتَه؛ حتى أصبح شيخًا للمجاهدين، وحقق الله أمنيته بأن سقط شهيدًا على يدِ قوات بني صهيون الغادرة.. فماذا عن الأجواء التي أحاطت بنشأة الشيخ "أحمد ياسين"؟ وكيف عاش سني حياته الأولى؟ وكيف تغلَّب على إعاقته؟

هذه الأسئلة يجيب عنها صديقُ طفولته، وأحد أقربائه، وابن قرية (جورة عسقلان)، وأحد رفاقه في معسكر الشاطئ للاَّجئين في قطاع (غزة)، الشاعر الفلسطيني "محمد أبو ديَّة"، وفيما يلي روايته:


نص الحوار

  • ما طبيعة الأجواء التي أحاطت بمولد الشيخ "أحمد ياسين
ولد "أحمد ياسين" في عام 1938م في قرية (الجورة)، وهي قرية في غاية الروعة والجمال، تقع قريبًا من شاطئ البحر المتوسط إلى الغرب من مدينة (المجدل)، تحيط بها بساتين البرتقال وكروم التين والزيتون والأعناب ومزارع الخضار، ويعمل أهلها في الفلاحة والصيد، ويمتلكون العشرات من القوارب الصغيرة يجوبون بها البحر من (رفح) إلى (رأس الطنطورة)، وبالقرب من القرية تقع مدينة (عسقلان) الأثرية، التي كانت مسرحًا للحروب الصليبية، وفيها مقبرةٌ قديمةٌ للشهداء يدور حولها الكثير من القصص الشعبية الجهادية عن الأبطال الرواد، وفيها (وادي النمل) الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، وقال عنه "ابن كثير" في تفسيره: "إنه موضع في بلاد الشام".


أسرة الشهيد

  • ماذا عن أسرته؟ وكيف كانت مكانة الشهيد بين أفرادها؟
في قرية مليئة بالخيرات والثروات والذكريات- كما أشرت- ولد "أحمد ياسين"- رحمه الله- لأسرة من وجهاء القرية، وكانت أسرته ميسورة الحال، وقد مات والد "أحمد" في طفولته المبكرة، وترك أسرةً مكونةً من أحدَ عشرَ فردًا، من الأبناء: "أحمد" و"شحدة و"حسن" و"بدر"، ومن البنات:
"آمنة" و"فهيمة"، وأمه هي الحاجة الفاضلة الصابرة المحتسبة "سعدة عبدالله الهبيل" من فضليات نساء القرية، سيرتها كالعِطر، كانت تحب "أحمد" حبًّا شديدًا، ولا عجب فهو أصغر أبنائها وأقربهم منها وأطوعهم لها.
  • كيف عاش الشيخ "ياسين" طفولته في ظل الاحتلال الصهيوني؟ وماذا عن ملابسات ارتباطه بالحركة الإسلامية؟
درسَ "أحمد" فترةً قصيرةً في مدرسة القرية الابتدائية، وفي عام 1948م قُصفت المدرسة، ومحيطها وقرية (الجورة) من الجوِّ والبحر، واستُشهد العشرات من أبنائها وممن هاجروا إليها من القرى المجاورة أثناء نكبة 1948م.
في هذه الأجواء المأساوية هاجر "أحمد" ابن الأحدَ عشرَ أو الاثنى عشرَ عامًا إلى منطقة (الرمال) في غزة، وهناك عرفتُه عن كَثَبٍ، وفي تلك الفترة المليئة بالإحباط والقنوط والاحتقان ظهر نور دعوة الإخوان المسلمين، التي راح دعاتها يبثُّون روح المقاومة والصمود والأمل، وكانت وفودهم من مصر إلى قطاع غزة لا تنقطع، وجاء من مصر مدرسون وعسكريون ومثقَّفون وشيوخ، من أمثال الشيخ "محمود عيد"، والشيخ "محمد الغزالي"، ومن قبلهما زارَ الشيخ "حسن البنَّا" مدينة (غزة)، وكانت زيارته بداية البركة والخيرات للقطاع وأهله.
أحب الشيخ هذه الدعوة ورجالاتها، وراح يقرأ كتبها ورسائلها بنَهَم شديد وتفهُّمٍ فريدٍ، ويختزن كل ذلك في قلبٍ ذكيٍّ، ونفسٍ تتوق إلى النصر المؤزَّر في يوم من الأيام.


اصابة الشيخ

  • الإصابة التي أقعدت الشيخ "ياسين" على كرسي متحرك.. كيف وقعت؟ وكيف استطاع أن يتغلَّب عليها ويستكمل تعليمه؟
واصل "أحمد ياسين" دراسته حتى وصل إلى المرحلة الثانوية، وفي تلك الأثناء وقع له حادثٌ مؤسفٌ وخطير أثناء ممارسته للرياضة في منتصف الخمسينيات، فأصيب بشللٍ جزئي.. كان ذلك على شاطئ البحر، مقابل معسكر الشاطئ للاجئين، وعند ذلك حمله أصحابه- وكان لي الشرف أن أكون واحدًا منهم- إلى الخيمة، وكنا نظن أنه سيشفَى ببعض العلاج؛ ولكن تبين أن الإصابة خطيرة في عظام الرقبة؛ وهو ما أثر على الحبل الشوكي.
استمر "أحمد" في الدراسة، وكان يسير وكتبه تحت إبطه إلى المدرسة ماشيًا على رءوس أصابع قدميه، ويداه متوترتان، وأصابعه لا تكاد تمسك القلم إلا بصعوبة؛ ولكنه أكمل دراسة الثانوية بامتياز، وعُيِّن مدرِّسًا بعد أخذٍ وردٍّ بين الجهات المسئولة في الإدارة المصرية آنذاك وبين رجال التربية والتعليم.. فكان مدرِّسًا وداعيةً لا يُشَقُّ له غبار، وكأني أنظر إليه في تلك الأيام وهو يسير خطوات، ثم يقع على الأرض، ثم يلملم كتبه وينهض ويكمل المسيرة بعزيمة يعجز عنها أولو القوة.
  • هل تذكر للشيخ "ياسين" بعض مشاهد طفولته المتعلقة بالصهاينة؟
لأمه الحاجة "سعدة"- رحمها الله- قصة غريبة، فقد فوجئت في فترة الاحتلال بعد عام 1967م بمجموعة من الأطفال يقولون لها: إن جنود الصهاينة أخذوا "أحمد" وهم يضربونه الآن.. فوقعت وهي في حالة شديدة من الأسى والألم وهي تقول: "أحمد" لا يحتمل هذا.. وبعد أيام توفيت إلى رحمة الله تعالى من شدَّة ما أصابها من الحُرقة والعذاب بسبب ذلك الحادث المُفجِع.
  • ماذا في ذاكرتك من صفات عن طفولته؟ وكيف كان يتعامل مع أصدقائه؟
من الأمور التي لاحظتها- ولاحظها الكثيرون- على الشيخ "أحمد" أنه كان في صغره خفيفَ الجسم، سريعَ الحركة، يمر أمامك، ثم يختفي كالجن؛ ولكنه لا يؤذي ولا يسبُّ أحدًا، ما سمعت في حياتي من أحد يشكو منه أو من صحبته قبل إصابته أو بعدها.
كان كريمًا لطيفًا، يأكل قليلاً وينام قليلاً، سريع الاستجابة للخير، لا يكاد يتخلف عن موعد، ينصت كثيرًا، ويستوعب ما يسمع في ذاكرة رائعة، حتى إنني لما رأيته- عندما زار الكويت بعد فراقٍ دام حوالي أربعين سنة- ذكَّرني بتفاصيل حياتنا وصُحبتنا في الخمسينيات، وكان يرد على أسئلة المحاورين له بذهنية صافيةٍ وكلامٍ واثقٍ ينمُّ عن ثقةٍ لا حدود لها بالنصر القادم، بإذن الله تعالى.

*ينشر بالاتفاق مع مجلة (المجتمع) الكويتية.

المصدر