الدستور الذي لم يأت

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدستور الذي لم يأت



بقلم: د.عمرو الشوبكى

مدهشة حقا طريقة تعامل الحكومة مع التعديلات الدستورية، ومدهشة أيضا الطريقة التي صاغ بها «ترزية الدساتير» الجدد عبارات المواد الدستورية بطريقة ركيكة تعكس غياب حد أدني من الحس السياسي والثقافة القانونية.

والمؤكد أن قطاعا واسعا من النخبة المصرية كان يأمل في تغيير ولو محدود للأمام، يعبر عن النظام بمعناه الواسع، وليس توازنات الحكم بالمعني الضيق، ويفتح الباب أمام أشكال للمنافسة السياسية مفهومة وشفافة ولو من داخل النظام وبين أجنحته المختلفة المرئي منها وغير المرئي، ولكنها جاءت بعد كل هذا الصراخ بلا طحن، وصيغت التعديلات الدستورية بصورة أسوأ مما توقع من لايزالون متفائلين.

والحقيقة أن من بين الـ ٣٤ مادة من مواد الدستور التي أجري عليها تعديلات، مجموعة «المواد الاشتراكية» التي كان يجب تغييرها منذ زمن، ولكن المفارقة أن المادة الوحيدة التي كان تغييرها سيمثل خطوة حقيقية إلي الأمام، كانت إلغاء نسبة الـ٥٠% «عمال وفلاحين» من مجلس الشعب، حيث استمر الادعاء بأن هناك تمثيلا للعمال والفلاحين في البرلمان، كبديل عن إعطاء دور حقيقي ومستقل للنقابات العمالية، لكي تشكل قوة أخري، توازن توحش الرأسمالية المصرية، وقادرة أن تقدم مرشحين حقيقيين يعبرون عن العمال في الانتخابات البرلمانية وربما الرئاسية.

ونظرا لأن الحكم يقوم علي مواءمات وليس لدية مشروع للإصلاح السياسي، اختار كل ما هو ثانوي أو لا قيمة له لكي يعدله، وأضاع فرصة تعديل عدد محدود من المواد ــ كالمادة ٧٧ مثلا ــ بصورة تؤدي إلي البدء في عملية إصلاح سياسي حقيقي ومتدرج، لن تهدد النظام القائم، بل علي العكس ربما تحميه من أخطار كثيرة ستأتي من خارج القوي السياسية التي يستبعدها، والأحزاب التي فرغها.

أما الانتكاسة الثانية فتمثلت في تعديل المادة ٨٨ التي أنهت الإشراف القضائي الفعلي علي الانتخابات، وكانت الحجة الرسمية أنه لا يوجد بلد في العالم يطبق نظام الإشراف القضائي الكامل إلا مصر، واعتبر أنه من غير الجائز القول بأنه لا يوجد مواطنون شرفاء غير القضاة، والحقيقة أن هذا القول حق يراد به باطل، فقضية الإشراف القضائي لم تكن في أي مرحلة هدفا في حد ذاتها، إنما كان الهدف دائما هو إجراء انتخابات نزيهة، والوسيلة كانت الإشراف القضائي.

والمؤكد أن انتخابات ٢٠٠٠ و ٢٠٠٥ كانت أكثر نزاهة من كل الانتخابات السابقة بفضل الإشراف القضائي، كما أن نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة كانت حوالي ٢٥% ، في حين أن نسبة المشاركة في الاستفتاءات السابقة عليها كانت حوالي ٧٥ % ، والمفارقة أن هذه النسبة كانت تقريبا هي التي صوتت علي تعديل المادة ٧٦ ثم عادت بعد عدة أشهر وفي ظل أجواء تنافسية في انتخابات رئاسية تعددية، وبلغت ربع عدد الناخبين، وهو تحول لا يمكن تخيله في سلوك الناخبين في أي بلد ديمقراطي أو غير ديمقراطي دون وجود تزوير مباشر في اللجان أو ما يعرف بظاهرة «تسويد الأصوات» أثناء الاستفتاءات التي سبقت انتخابات الرئاسة ولم تجر دون إشراف قضائي.

وبدا أمرا مدهشا أن يتجاهل الحكم أسباب فقدان المواطن العادي الثقة في مؤسسات الدولة الإدارية، ويحول القضية إلي معركة بين القضاة وباقي أفراد المجتمع، علي اعتبار أن القضاة ليسوا فقط هم الشرفاء، وهو بالتأكيد أمر صحيح، ولكن بكل أسف أثبتت التجربة العملية أن إشراف القضاة الكامل علي الانتخابات دون غيرهم، كان ضمانة لنزاهتها ولو النسبية، وان غيابه كان مدخلا متعمدا لتزويرها.

ويبقي السؤال عن إصرار الحكومة علي إجراء انتخابات مزورة، رغم أنها استبعدت بنص الدستور آخر تيار سياسي قوي وهو جماعة الإخوان المسلمين، بالنص في المادة الخامسة علي رفض تأسيس حزب مدني علي أساس الالتزام بمرجعية دينية، وإجراء الانتخابات بنظام القوائم الحزبية، بما يعني حصر المنافسة السياسية بين أحزاب المعارضة الضعيفة وحزب الحكومة الأضعف.

والحقيقة لا توجد إجابة عاقلة عن هذا السؤال، إلا غياب الحد الأدني من الحس السياسي واختصار مصالح النظام في توازنات ضيقة للحكم، فقد كان من الطبيعي أن تسعي الحكومة إلي استمرار الإشراف القضائي الكامل علي الانتخابات التي ستجري بين الأحزاب التي حددها الحكم لكي تتنافس معه، دون أن يطلب منه ضم القوي التي غضب عليها وأخرجها من ساحة الشرعية القانونية.

إن أي حكم يرغب في الحفاظ علي نظامه لابد أن يضع قواعد ما يحترمها، ومعايير ما ويطبقها، ولا يمكن تصور استمرار الوضع الحالي إلي ما لا نهاية باستبعاد الإخوان وقبله الغد وبعده الكرامة والوسط ، وترتيب مشاريع حكم البلاد في الظلام في مشهد غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية المصرية.

والمؤكد أن كثيرا من تجارب التحول الديمقراطي قد بدأت عقب وضع النظام القائم قواعد للمنافسة بين أجنحته، أو بين القوي التي يري أنها لا تتعارض مع ثوابته، كما حدث في تركيا علي سبيل المثال حين اقتصرت المنافسة السياسية في البداية علي القوي والأحزاب العلمانية، ثم امتدت لتشمل القوي ذات الميول الثقافية الإسلامية، وكان يمكن لمصر علي مدار ربع القرن الذي ذهب هباء، أن تبدأ بوجود تنافس داخلي بين النخبة الحاكمة عن طريق تغيير رئيس الجمهورية كل ١٢ عاما، ىبما يعني أننا كنا سنشهد في الانتخابات السابقة رئيسا ثالثا لمصر بكل ما يمثله ذلك من تغيير جذري في طبيعة المناخ السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد، ولكنه لم يحدث بل لم يشعر الحكم حتي بأهمية تعديل المادة ٧٧ من أجل فتح الباب أمام منافسة من داخله، تمهيدا لانتقالها إلي كل المجتمع ولكنه لم يفعل، وصاغ مواد دستورية أسوأ من تلك التي تمنينا تغييرها، لنبقي نركض في المكان وغيرنا يركض إلي الإمامأدخل النص غير المنسق هنا