الحلقة التاسعة: انتصار ثورة الخميني في إيران

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انتصار ثورة الخميني في إيران

وجد الشعب في الخميني القائد المناسب للمرحلة فأجمعت عليه كل القوى الشعبية موقع القرضاوي/6-10-2008

الخوميني والثورة الإسلامية

في شباط (يناير) 1979م، انتصرت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني في إيران، بعد أن وقف الجيش الإمبراطوري عاجزا أمام الزحوف الشعبية التي تجمعت بالملايين، ورغم أن الشعب لم يكن يحمل سلاحا، والجيش يملك كل أنواع الأسلحة خفيفها وثقيلها، برّيّها وجوها، ورغم أن معه أوامر بأن يضرب بقوة، ويقتل من يشاء، ولا يخشى عقابا ولا حسابا! إلا أن الجيش ـ مهما تكن قسوته وجبروته ـ هو جزء من الشعب، ولا يستطيع جيش ما: أن يظل يقتل أهله وإخوانه وأبناءه زمنا طويلا. فلا عجب أن توقف الجيش عن مقاتلة الشعب، ومقاومة الشعب.

أعلن عن سقوط نظام الشاة (رضا بهلوي) وعن انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني، التي سماها بعضهم (ثورة الكاسيت). فقد كان (الخميني) منفيا في الخارج، ومقيما في (باريس)، ومن هناك يرسل رسائله إلى الشعب الإيراني في الداخل عن طريق الأشرطة تعمل عملها في تهيئة الأفكار، وإيقاظ الضمائر، وتحريك المشاعر، وإلهاب العواطف، حتى تهيأت الثورة الشعبية العارمة، التي تمضي في طريق التغيير، ولا يقف دونها شيء.

سؤال محرج لعلماء السنة

بعد انتصار ثورة الخميني في إيران، توجه الناس هنا وهناك بسؤال محرج إلى العلماء والدعاء من أهل السنة: لماذا نجح علماء الشيعة في قيادة ثورة ناجحة على نظام جاهلي، ولم ينجح علماء السنة في إقامة ثورة مماثلة في بلاد السنة على الأنظمة العلمانية الجاهلية؟ هل هذا عجز في طبيعة المذهب السني نفسه أو هو عجز في علماء السنة الذين ساروا في ركاب الحكام؟

وكنت ممن وجه إليهم هذا السؤال ـ أو قل هذا الاتهام ـ في كل مكان ذهبت إليه من بلاد المسلمين من أهل السنة.

عوامل داخلية وخارجية ساعدت على نجاح الثورة

وكان الجواب: أن العيب والعجز ليس في مذهب أهل السنة بلا ريب، ولكن هناك ظروفا وعوامل داخلية وخارجية أدت إلى نجاح ثورة الخميني في ذلك الوقت لم تتوافر لأهل السنة.

فقد كان مذهب الشيعة هو: انتظار (الإمام المهدي) حتى يظهر، ويملأ الأرض قسطا وعدلا، بعد أن ملئت ظلما وجورا. ومعنى هذا: أن طبيعة المذهب هي: الصبر على جور الأئمة في الأرض، حتى يأتي الفرج من السماء!

ولكن الخميني رفض هذه الفكرة: فكرة الانتظار إلى ظهور الإمام، فقد انتظر الشيعة اثني عشر قرنا، ولم يظهر، فإلى متى ننتظر؟ وخرج الخميني بنظرية جديدة هي (ولاية الفقيه) نيابة عن الإمام. وقد وافقه كثير من (آيات الله) والمرجعيات الشيعية الدينية، وخالفه الأقلون. وكان الخميني هو الرجل المؤهل لقيادة القافلة الشيعية في هذه المرحلة بما أوتي من قوة العزيمة، وشجاعة المواجهة، والإصرار على المبدأ، والتأثير في الأتباع، وإن لم يكن أعلم المرجعيات المعروفة في ذلك الوقت، ولكن قيادة الثورات الشعبية لا تحتاج إلى العلم وحده، بل تحتاج إلى مجموعة من الصفات العقلية والنفسية والخلقية كانت متوافرة في الخميني الذي تصدى لمقاومة طغيان الشاه، وهو في أوج مجده وسلطانه.

وقد ساعد على نجاح الخميني في ثورته عدة أمور

أولها: أن الشاه قد بلغ من الطغيان والفساد مبلغا عظيما، فمن الناحية الداخلية باتت إيران مظهرا للانحلال والتفسخ، من الناحية الأخلاقية، وللتمايز والتفاوت المستنكر من الناحية الاقتصادية ما بين ثراء فاحش وفقر مدقع، رغم ما يملك البلد من ثروات كبيرة: نفطية وزراعية وسياحية وغيرها، ومع هذا وجد فيها المعدمون الذين لا يجدون ما يأكلون. وفي الجانب السياسي غدا الشاه الدكتاتور الأعظم، وأمست الحريات العامة في إجازة، وجهاز السافاك (الاستخبارات) مطلق اليد، في انتهاك الحريات، واقتياد من شاء إلى السجون والمعتقلات بلا رقيب ولا حسيب. وباتت سيرة الشاه الشخصية وسيرة أسرته محلا للتندر والتعليق، وآية للبذخ والاستهتار.

ومن الناحية الخارجية: أصبح الشاه ودولته شرطي أمريكا في الشرق الأوسط، وأصبحت لإيران علاقات مكشوفة بدولة الكيان الصهيوني، فضلا عما نسب إليه من الولاء للبهائية وغيرها، مما يعني: أن ولاءه لم يعد للمذهب الجعفري، مذهب الأكثرية في إيران.

وإذا بلغ بلد من الطغيان هذا المبلغ، فهذا مؤذن بنهايته، وفق سنة الله التي لا تتخلف مع {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:11-14].

ثانيها: أن الشعب قد غلا مرجله، واشتد حنقه وسخطه على نظام الشاه، فقد بلغ السيل الزبى، ولم يكن يحتاج إلا إلى القائد الذي يلتف حوله، ويمضي تحت رايته بقوة جسارة، وقد وجد ضالته في الخميني الذي استطاع بجدارة أن يجمع الشعب من ورائه، ويعبئه نفسيا وعاطفيا، لينطلق كالسيل العرم، لا يقف في سبيله شيء، ولو كان الجيش بكل أسلحته، والسافاك بكل جبروته. وصدق الشاعر التونسي أبو القاسم الشابّي حين قال:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر!

ولا بـد لليل أن ينجلـي ولا بد للقيد أن ينكسـر!

ومما أيد الشعب وأنجح إرادته: أنه وجد القائد المناسب للمرحلة، الذي أجمعت عليه كل القوى الشعبية. ومن النادر أن يتحقق مثل هذا.

ثالثها: أن الظروف الدولية كانت مهيأة لاستقبال الثورة في إيران، فقد أضحى الشاه (ورقة محترقة) كما يعبرون اليوم، ليس هناك من يتشبث ببقائه، ولا من يبكي عليه إذا ذهب، ومثل هذا المخلوق لا تحرص عليه القوى الكبرى، ولا تكلف نفسها الدفاع عنه. وقد عرف من سياسة هذه القوى ـ أو من فلسفتها السياسية ـ أنها ليس لها صديق دائم، ولا عدو دائم، فهي تصادق وتعادي، وتسالم وتحارب، تبعا لمصلحتها، فصديق الأمس قد يصبح عدو اليوم، وكذلك عدو اليوم قد يصبح صديق الأمس. والدنيا دول، والدهر قلب، وتلك الأيام نداولها بين الناس.

فلا غرو أن تتخلى أمريكا صراحة عن الشاه صديقها القديم، وشرطيها القديم، فلم يعد ينفعها اليوم، وقد انتهى دوره، ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجاله.

أثر المذهب الشيعي

ومما لا ينبغي أن ينازع فيه: أن طبيعة المذهب الجعفري الشيعي: أن يمنح علماء الدين ـ وبخاصة (آيات الله) ـ فيه قوة مادية ومعنوية، لا يتوافر مثلها لأهل السنة، لا سيما في هذا العصر.

فالشيعي المتدين يجب أن يرتبط بمرجع ديني، يفتيه ويرشده في الملمات، ويعطيه (الخمس) الواجب على كل شيعي، وهو بمثابة (ضريبة على صافي الدخل) بنسبة 20% بعد اقتطاع النفقات اللازمة للشخص ولمن يعوله. وهذه الضريبة يفترض أن تؤدى للإمام المعصوم. أما وهو غائب، فإنها تعطى لمن ينوب عن الإمام من العلماء والمراجع الدينية. فهذه قوة مادية مالية تشد أزر مشايخ الشيعة، وتغنيهم عن وظائف الدولة التي قد تتحكم فيهم، وتقيد حركتهم بسبب وظيفتهم. وهو ما وقع فيه أهل السنة، حيث صاروا موظفين في الدولة، ورزقهم بيد السلطة، حتى أكبر مناصبهم مثل شيخ الأزهر والمفتي ورئيس القضاء الشرعي وأمثالهم، كلهم موظفون عند الحكومة، هي التي توليهم، وهي التي تعزلهم إن شاءت، وهي التي توسع لهم أو تقتر عليهم.

وقد سأل أحد ولاة بني أمية عن سر قوة الإمام الحسن البصري في نقد الأمراء والولاة، فقال: إنه رجل احتاج الناس إلى دينه، واستغنى هو عن دنياهم! إذ كان للحسن أملاك خاصة تدر عليه دخلا لا يحوجه إلى أحد.

والمشكلة الآن تتجلى وتتجسد، حين يكون العالم والفقيه الكبير محتاجا إلى دنيا الأمراء والحكام، على حين نجد الأمراء والحكام مستغنين عن دينه وعلمه، فلم يعد يعنيهم أمر الدين!

وقد كان أهل السنة يستعيضون عن خمس الشيعة بما لهم من أوقاف وفيرة، وقفها أهل الخير على العلماء والمؤسسات الدينية، ولكن حكومات أهل السنة في العصور الأخيرة استولت على الأوقاف كلها، ليبقى العلماء عالة على الدولة أو الحكومة.

فهذا هو الجانب المادي الذي يوفره المذهب الجعفري للملالي أو الآيات أو المراجع الدينية. أما الجانب المعنوي فهو ما يتمتع به هؤلاء المراجع من سلطة روحية قوية على أتباعهم، وهي سلطة أساسها الالتزام الديني، ينصاع لها المرء طائعا مختارا، معتقدا أنه يتقرب بذلك إلى الله. فالمرجع الديني في نظره ممثل للإمام المعصوم الغائب، وطاعته طاعة لهذا الإمام، الذي تعد طاعته من طاعة الله ورسوله، فهي إذن طاعة مطلقة، فإذا أصدر إليه المرجع أمرا، فكأنما أمر به من السماء!

وهذا النوع من الطاعة لا يتوافر لأهل السنة وفق أصول مذهبهم الذي يرى: أن لا عصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعصمة الأمة في مجموعها، فهي لا تجتمع على ضلالة، ومن عدا ذلك، فكل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه، سواء كان من آل البيت أم من الصحابة، رضي الله عن الجميع.

وعلى هذا يكون لعلماء المسلمين فضلهم ومكانتهم، وهم الذين يرجع إليهم في أمر الدين، وأحكام الشرع، وطاعتهم فيما يفتون به ويرشدون إليه واجبة إلا إذا اختلفوا، فيتخيرون من أقوالهم ما هو أرجح دليلا، وأهدى سبيلا.

طالع في الحلقة القادمة:

وفاة الأستاذ المودودي وسفر القرضاوي للصلاة عليه