الحركة الإسلامية في الجزائر والعمل السياسي (2/4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحركة الإسلامية في الجزائر والعمل السياسي (2/4)
من المغالبة الشاملة إلى التحالف مع بوتفليقة

بقلم: رياض حاوي

أجنحة التيار الإسلامي

العلاقة بين النظام السياسي والحركة الإسلامية في الجزائر بعد الاستقلال تميزت بالتجاذب والتذبذب ثم تطورت هذه العلاقة بحسب حاجة السلطة وقوة الحركة، أقصد قوة مظاهرها وتمثلاتها في الحيز الاجتماعي والفضاء الثقافي، ثم التباس ذلك كله بتطور المجتمع ونمو أشكال الاحتجاج السياسي تدريجيا مع انتشار التعليم وظهور النخب الجديدة. لقد اتجه النظام الحاكم بعد الاستقلال إلى التخلي التلقائي عن مكاسب الحركة الوطنية وذلك بحضر الأحزاب السياسية ومنضمات المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والتربوية واضعا بذلك حدا لاحتمالات بروز المنافسة من خارج نطاق الحكم.

وعلى الرغم من المحاولات اليائسة لبعض رموز الثورة التحريرية في تشكيل أحزاب مضادة لحزب جبهة التحرير الوطني، مثل جبهة القوى الاشتراكية FFS بقيادة آيت احمد، أو الحزب الاشتراكي الثوري PRS بقيادة الراحل محمد بوضياف إلا أن العمل السياسي المتعدد كان مغلقا بسبب النهج الإشتراكي المتبع الذي يحتفظ فقط بحزب واحد للممارسة العلنية.

حاول ممثلي المدرسة الإصلاحية تأسيس جمعية القيم الإسلامية(1) ولكن النظام الحاكم سرعان ما ضاق بهم ذرعا وقام بحل الجمعية في أعقاب تقديم هذه الأخيرة مذكرة للسفارة المصرية في الجزائر احتجاجا على إعدام سيد قطب رحمه الله.

وأصبح الخيار الوحيد الممكن هو إما التوقف عن العمل أو الانخراط في النظام القائم ومحاولة إصلاحه من الداخل (قطاع كبير من إطارات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) أو العمل السري بعيدا عن مراقبة السلطة.

مدارس العمل الإسلامي المعاصر

لا يزال يكتنف تاريخ حركة الإحياء الإسلامي المعاصر كثير من الغموض بسبب ضياع ميراث تاريخي هائل بفعل الاصطدام السياسي العنيف الذي شهدته الجزائر مطلع التسعينات من القرن الماضي، وبقيت معظم التعبيرات والمعلومات التاريخية تتداول شفهيا ولم تخضع بعد للتوثيق.

تعود النشأة الرمزية للجماعات الإسلامية بشكلها المعاصر إلى المحاولات الأولى التي بدأها مالك بن نبي رحمه الله وذلك عن طريق توجيه الشباب الجامعي كي يكون لهم وعي متقدم ويشكلون رأس العملية التغييرية في المجتمع الحديث. وتتجه نظرية التغيير إلى اعتبار التغيير هو المشروع الذي يؤدي إلى إيجاد القيادات الاجتماعية والسياسية التي تمتاز بالفعالية ذلك أن استقطاب شاب جامعي هو استقطاب لمحيطه كله، والتأثير في النخبة هو تأثير في المجتمع تبعا لذلك(2).

كانت تلك هي البدايات الأولى والنواة الفكرية التي تشكلت بها وحولها مدرسة البناء الحضاري كأقدم مدرسة حركية في الساحة الجزائرية والتي يرتد خطابها إلى هذا الميراث المزدوج ميراث جمعية العلماء وما تمثله من رصيد ثقافي واجتماعي كبير وكذلك الإنتاج المعرفي الذي جهد المفكر مالك بن نبي في تطويره طيلة ربع قرن منذ أن طبع كتابه الأول شروط النهضة في 1948 ، بالإضافة طبعا لأدبيات الكتاب الإسلاميين خصوصا سيد قطب وأبو الأعلى المودودي ومحمد الغزالي ويوسف القرضاوي.

غير أن الجزائر عرفت مع أواسط السبعينات موجات ثقافية عديدة عبر الأعداد الغفيرة من المتعاونين خاصة في ميدان التعليم والقادمين من سوريا ومصر والعراق وبولونيا وروسيا والفيتنام وغيرها والذي حملوا معهم ثقافاتهم وألوانهم الأيديولوجية وانتماءاتهم السياسية(3). فانتشرت كثيرا من الأفكار البعثية واليسارية والإصلاحية عن طريق هؤلاء القادمين ومن خلال الاحتكاك بالشباب والطلبة في المدارس والمتوسطات والثانويات والمعاهد.

وفيما يتعلق بشق الحركة الإسلامية فقد انتشرت بفعل هذا الاحتكاك بعض أفكار التيارات الإسلامية التي يزدهر بها المجال السياسي والثقافي للوافدين بمختلف مدارسهم الحركية وعلى رأسهم الإخوان المسلمين سواء المدرسة المصرية، عن طريق الإخوان المصريين أو المدرسة السورية عن طريق الإخوان السوريين الذين كانوا نشطين في أواسط السبعينات. وإذا كان من الصعب تحديد تاريخ رسمي للبداية الفعلية لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر غير أن حدثا سياسيا بارزا وهو مناقشة ميثاق 1976 أظهر للسطح تنظيم ناشئ يسمى الموحدون، وقد أصدر بيانا بعنوان إلى أين يا بومدين؟

يقول الأستاذ الشهيد محمد بوسليماني رحمه الله في شهادة تاريخية نادرة عن هذه المرحلة(4): "في سنة 1975 ظهر ما نسميه في الجزائر بقانون الثورة الزراعية، وهذا بدأ سنة 1971 وقانون الأسرة فتحركت الجماعة لتظهر للمجتمع الجزائري الأخطاء وتظهر للمجتمع الجزائري بأن هناك مؤامرة على الأسرة ليست بالطريقة المباشرة وإنما بالطريقة القانونية، وكان بعد ذلك مباشرة انتخابات الميثاق والدستور، هذا الميثاق والدستور الذي استطعنا أن نكشف أن الذي صنعه والأيادي التي كتبته، والفكر الذي صنع له الحدث لا علاقة له ب الإسلام ، ولا علاقة له حتى ب الجزائر وفيه عناصر من الممكن من أصل يهودي، لأننا حصلنا بعد ذلك على ست رسائل شكر من جون بولسات أعتقد أنه كان المدير العام لحركة الشباب الشيوعي في أوروبا أو حاجة من هذا القبيل، وكانت له علاقة وطيدة ولا أقول طيبة بينه وبين بومدين، فبعثت لبومدين ست رسائل تهنئة على نجاح المواد الدستورية في الجزائر التي عملت على نشر وعلى تكريس الفكر الشيوعي.

في هذه الفترة تحركت الحركة ببيان أذكر منه بعض النقاط وهذا لأول مرة في الجزائر تعرض هذه الوثيقة في مؤتمر حركة حماس، والأيام القادمة من الممكن نعرض أيضا وثائق تاريخية للحركة في الجزائر.

البيان الذي دعونا فيه الشعب الجزائري المسلم إلى رفض الميثاق والتمرد على النظام الحاكم، والمطالبة بتطبيق الإسلام شريعة ومنهاجا، وشاركنا في المعارضة بعض الرجال الذين كانوا على قيد الحياة من جمعية علماء المسلمين الجزائريين، ألخصه في نقاط:

- لا للاشتراكية.

- لا للشيوعية المتسترة وراء القمصان الخضراء.

- لا للدكتاتورية البروليتارية.

- لا للصراع الطبقي والإلحاد.

- لا للعضوية السياسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية.

- لا للميثاق الذي كتبته أيادي معروفة بخيانتها وولائها للشيوعية.

- لا للميثاق الذي جيء به لتثبيت نظام غير شرعي.

- نعم للإسلام عقيدة وشريعة.

- نعم للإسلام منهج حياة.

- نعم للإسلام دستورا نظاما واقتصادا.

- نعم للإسلام حقوقا وواجبات ومحاسبة.

- نعم للإسلام شوري.

- نعم للإسلام عدالة.

- نعم للإسلام وحدة.

- نعم للإسلام أخوة.

البيان كان بإمضاء "الموحدون" ويحمل عنوان : إلى أين يا بومدين؟ كان هذا في سنة 1976 م".

مناقشات الميثاق الوطني في 1976 تشكل أول محطة سياسية في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة في جزائر ما بعد الاستقلال، ويبدو أن الرؤى اختلفت بين إطاراتها الأولى في الموقف من الميثاق ومن مناقشته حيث أن شق من الحركة الإسلامية فضل أسلوب المشاركة الشعبية فيما يتاح من وسائل ومنابر وذلك من أجل مناقشة بنود الميثاق الوطني وإدخال ما ينبغي من التعديلات والارتقاء بالأسلوب الشعبي، بينما فضل محفوظ نحناح ومن معه أسلوب المعارضة العلنية التي أدت إلى الإعلان الرمزي عن وجود تنظيم "الموحدون"، والذي هو أقرب إلى تنظيم فرضه البيان من كونه تنظيما موجودا فعلا على أرض الواقع، ذلك أن البيان كان يحتاج إلى توقيع لينسب إلى جهة ما فإما أن يوقع باسم أفراد وهذا كانت تحول دونه أسباب أمنية ولذلك لجؤوا إلى خيار التوقيع باسم هيئة رمزية سميت "الموحدون" تماهيا مع حركة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة العريقة في شمال افريقيا.

وأيا كانت التفسيرات فإن تشكيلة "الموحدون" لم تستمر إذ سرعان ما تم اعتقال أبرز عناصرها وعلى رأسهم الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي حكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا، بعدما لجا إلى أسلوب استعراضي بقطع أعمدة التلفون في منطقة البليدة تعبيرا عن احتجاج هذا التنظيم الناشئ على إقرار الميثاق الوطني وكذلك اعتقال الشيخ الشهيد محمد بوسليماني، وكانت التهم تتراوح بين الإخلال بالأمن العام ومحاولة التدبير للانقلاب وتكوين جماعة محظورة.

هل كان رواد "الموحدون" على صلة رسمية آنذاك بجماعة الإخوان المسلمين، أم لا؟

لا نملك شهادات دقيقة وموثقة عن هذه المرحلة سوى ما ذكر أن الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله كان على صلة ببعض الأساتذة المدرسين من جماعة الإخوان المسلمين في البليدة وقاموا بتزكيته لدى القيادة المركزية ل جماعة الإخوان التي بايعها أثناء أداء العمرة نفس السنة التي أعتقل فيها أي 1976 (5).

وإن كان من الصعب توثيق هذه الرواية بشكل دقيق ذلك أن الباحث الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي المطلع على شؤون جماعة الإخوان اعتبر المرحلة الفاصلة بين 1973 و 1977 هي مرحلة الفراغ التنظيمي، وأن التحرك الفعلي باتجاه الأقطار بدأت محاولاته الأولى في 1977 (حين كان محفوظ نحناح رحمه الله في السجن)(6).

لكن الثابت أن تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر لم يتحرك بصفة فعلية إلا بعد إطلاق سراح الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني في 1980 بعفو شامل من الرئيس الشاذلي بن جديد.

وبذلك يمكن القول أن التشكيل الفعلي ل جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر تأخر إلى مطلع الثمانينات، وتحدد بعض المصادر الشفوية الانطلاقة الرسمية لعمل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني تحت مضلة جماعة الإخوان المسلمين /جناح التنظيم الدولي بالتحديد بعد عودة الشيخ بوسليماني من تونس التي شارك فيها في أشغال مؤتمر حركة الاتجاه الإسلامي مطلع الثمانينات بقيادة الشيخ راشد الغنوشي وقد انتهز هذا الأخير فرصة وجود ضيوف جزائريين لحضور أشغال المؤتمر فعرض عليهم الارتباط الرسمي بتنظيم الإخوان الدولي(7) ولقي الاستجابة من بعض الحاضرين من بينهم الشيخ محمد بوسليماني رحمه الله.

وما يمكن استخلاصه من شهادة الشيخ بوسليماني نفسه عندما يقول :"خرجنا من السجن وجدنا أن المد الإسلامي عبارة عن سيل"(8) أن الحركة الإسلامية أخذت بعدها الشعبي والجماهيري قبل تبلور تنظيم الإخوان المسلمين الجزائري بشكله الذي ظهر به في أواسط الثمانينات، بفعل أن الرموز التاريخية ل جماعة الإخوان في الجزائر (نحناح/بوسليماني) كانا في السجن طيلة مرحلة المد الأول للتيار الإسلامي وبفعل أن التنظيم الدولي للإخوان بقيادته المركزية في القاهرة والعملية في سويسرا بقيادة المرحوم سعيد رمضان لم يأخذ بعده العملي والتنظيمي المستقر إلا مع مطلع الثمانينات(9).

الجناح الثالث للحركة الإسلامية المعاصرة هو ذلك الذي كان يقوده عبد الله جاب الله، والذي يرجع نشأته الأولى إلى 1976 أي عشية التحاق هذا الأخير بكلية الحقوق بمدينة قسنطينة، عندما بادر مع نفر من الشباب الأول تأسيس تنظيم صغير عرف فيما بعد باسم "الجماعة الإسلامية"(10).

يصر الشيخ عبد الله جاب الله على أنه هو أول من رفع شعار الإخوان المسلمين في الجزائر ، وعلى حد تعبيره "نحن أول من عرف بهذا الاسم ومن سجن بسببه(11)"، كانت علاقات الشيخ جاب الله وطيدة ببعض الأساتذة الإسلاميين من إخوان سوريا، ولذلك عرف في بداياته الدعوية بتبنيه لأطروحة سيد قطب على المستوى الفكري وكتابات سعيد حوى (منظر الإخوان السوريين) على المستوى التنظيمي.

لكن بروز خطاب جديد في أواسط الثمانينات يمثل الإخوان أيضا في وسط الجزائر (ما سمي آنذاك جماعة البليدة) بعد خروج محفوظ نحناح وبوسليماني من السجن أدى إلى حدوث تنافس بين الجناحين. في البداية اتجهت جهود الشيخ بوسليماني إلى توحيد الصفوف ولم جناحي الفكرة الواحدة، للخروج من أزمة الشرعية والتمثيل الرسمي للإخوان في الجزائر ، وكان من ثمار هذه الجهود أن حدثت مصاهرة بين الشيخ بوسليماني والشيخ عبد الله جاب الله تمهيدا للمصاهرة التنظيمية، لكن لأسباب هيكلية تتعلق بالأساس بتقسيم الأدوار وتحديد مفهوم "البيعة" وهل هناك بيعتان في تنظيم واحد؟ والاختلاف حول شروط ومواصفات زعيم التنظيم لم تتم هذه الوحدة التنظيمية(12).

وسرعان ما فقد الشيخ جاب الله الحق في التمثيل الرسمي للإخوان المسلمين حتى بعد اتصاله ب القاهرة وطلبه من قيادة التنظيم الدولي للإخوان مراجعة موقفها من الشخص الذي يمثلها في الجزائر ، وحسم التنظيم الدولي نهائيا الموقف لصالح محفوظ نحناح في 1985 - 1986 ، وهي الفترة التي أصبح فيها الراحل محفوظ نحناح يتحرك رسميا تحت شعار الإخوان ويدعو لبيعة القيادة المركزية للجماعة في القاهرة (13)، الأمر الذي أدى إلى حدوث نزيف كبير في إطارات "الجماعة الإسلامية" الذين هاجروا جماعيا إلى الإخوان المسلمين /جناح التنظيم الدولي بقيادة الثنائي محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني.

وكانت سنة 1986 سنة حاسمة بالنسبة للخيارات الفكرية والتنظيمية لعبد الله جاب الله، التي بلورها في محاضرة شهيرة بقسنطينة وحاول أن يطرح خطابا جديدا يرتكز على المزاوجة بين "الفكرة الإخوانية والتنظيم المحلي"، وأعقبها بمحاضرة رائعة عن "الإمام عبد الحميد بن باديس" كتأسيس لعودته لرصيد الحركة الإصلاحية الجزائرية، وكبحث عن جذر جديد يؤسس لخطاب إخواني محلي

المصدر

قالب:روابط أبو جرة سلطاني