الحرب «الباردة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحرب «الباردة»

بقلم : محمد الجندي

يجري الحديث في الإعلام العربي، بل في الإعلام العالمي، عن الحرب الباردة، وكأنها حرب جرت بعيداً عن عالمنا في جزيرة بعيدة.

تؤخذ الحرب الباردة على أنها كانت صراعاً على النفوذ بين الإدارة الأميركية والاتحاد السوفييتي.

ولكن ما معنى الصراع على النفوذ؟ إذا كنا مقتنعين، أن النفوذ الأميركي معناه الاستعمار القديم أو الحديث، فما عساه يكون نفوذ الاتحاد السوفييتي؟

الحمد الله، انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي، هو ونفوذه، فما رأينا في تفرد نفوذ الإدارة الأميركية في العالم؟ لقد رأينا ونرى، فضائل هذا النفوذ في الإبادة الجارية للشعب الفلسطيني، وفي احتلال العراق وأفغانستان الهمجي، وأيضاً في تمزيق يوغوسلافيا السابقة، وفي تقصيب الاتحاد السوفييتي السابق، وتفريخ دويلات تسرح فيها الإدارة الأميركية وتمرح، وتلعب فيها لعبة المجازر، وفي توسيع حلف الناتو العدواني، توسيع أعضائه، وتوسيع حدود مهماته، ليصبح يد الإدارة الأميركية اليمنى في عدوانيتها.

لا ريب أن منظر العالم الحالي يسعد جميع من لهم مصلحة حقيقية، أو ظاهرية في العدوانية الأميركية، يسعد الإدارات الأوربية التي تعتمد على الله وعلى الإدارة الأميركية في تحقيق مصالح الشركات، التي تمثلها، وفي دعمها انتخابياً، ويسعد إدارات العالم الثالث، التي تعتمد أيضاً على الله وعلى الإدارة الأميركية في استمرارها رغم لا شعبيتها، ورغم إساءاتها لبلدانها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً

ويسعد زعماء التشكيلات الطائفية والعنصرية، التي تدين بوجودها لفضل الإدارة الأميركية، ولكن يسعد مع الأسف اليساريين التائبين الذين انتقلوا إلى خندق الليبـرالية، والليبـرالية الجديدة على الأخص، لسبب أو لأخر، بعدما رأوا متأخرين لا ديمقراطية الاتحاد السوفييتي و«أخطائه» الكثيرة، وحاولوا أن يجدوا لهم مكاناً، ولو هزيلاً، في العالم الليبـرالي.

تفضيل المعطف الأميركي على الفرو السوفييتي

الإدارات الثالثية، التي ساعدها الاتحاد السوفييتي سياسياً ومادياً فضلت الخنوع في ظل الإدارة الأميركية على التعاون الندي مع الاتحاد السوفييتي، بل إنها ردت له الجميل ببيع أسراره التكنولوجية التي وصلت إليها لأعدائه.

ففي سوق السلاح السوداء، ولدى المخابـرات الدولية الكثير الكثير من المعدات السوفييتية الحديثة العالية التكنولوجية.

و«حركات التحرر» التي ربما لم تقف على قدميها لولا الاتحاد السوفييتي، ما إن سنحت الفرصة، حتى لبست العباءة الأميركية.

وعدد هائل من المثقفين، الذين رباهم الاتحاد السوفييتي في مؤسساته العلمية، والذين لولاه، ما كان باستطاعتهم أن يتعلموا، صاروا الأكثر شتماً للاتحاد السوفييتي، وكان العديدون منهم، عدا ذلك عملوا مهربين ومستفيدين من تساهل الإدارة السوفييتية مع الطلاب الثالثيين بوجه خاص، وساهموا بذلك في تخريب البلد المضيف.

الظاهرة جديرة بالتحليل، ولكن ليس هذا ما ننويه هنا.

ولا ننوي أيضاً تحليل ظاهرة العداء للشيوعية، في العالم، وبوجه خاص في العالم الثالث، وبوجه أخص في المنطقة العربية.

تشخيص الحالة العربية

تعود بدايات الحزب الشيوعي السوري إلى 1924 والفلسطيني إلى 1919 والمصري إلى 1920.

وفي وثيقة ترجع إلى 1931 صادرة عن مجلس الحزبين الشيوعيين السوري والفلسطيني يتكلم الحزبان عن واجبات الشيوعيين في الحركة القومية العربية.

تقول الوثيقة: «1ـ إن واجباً من أهم واجبات الكفاح الثوري التحرري المناهض للإمبـريالية هو حل قضية العرب القومية (...) ففلسطين وشرق الأردن والعراق موضوعة تحت الانتداب وهي خاضعة كلياً لسيطرة الإمبـريالية الإنكليزية، وسوريا يحكمها الإمبـرياليون الفرنسيون، ومصر تحت نير السيطرة البـريطانية، و«استقلال» هذه البلاد الذي أعلن في 1921 هو شبه للاستقلال الحقيقي (...) .

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإنكليز يفرضون حكمهم الدكتاتوري على السودان، وطرابلس مستعمرة للإمبـرياليين الإيطاليين، والحكم الفرنسي يسيطر على تونس والجزائر، أما مراكش فهي موزعة بين الإمبـرياليين الفرنسيين والأسبان.

وأما اليمن والحجاز ونجد، فعلى الرغم من أنها ليست خاضعة خضوعاً مباشراً للسيطرة الإمبـريالية، إلا أنها محرومة من مقومات وجود مستقل، هي مطوقة من قبل مستعمرات الإمبـرياليين ومرغمة على الخضوع لأوامر الإمبـريالية.

«(...) إن هذه التجزئة للشعوب العربية بين الإمبـرياليين الإنكليز والفرنسيين والإيطاليين والأسبان تعكس ميزان القوى السائد بين هؤلاء الإمبـرياليين وقد جرى إحكامها بقصد تأمين استمرار هذه السيطرة وهي في أشد تناقض صارخ مع المصالح الحيوية للشعوب العربية، الخ» (1)

ويرد في بـرنامج عمل الحزب الشيوعي المصري، الذي يتناول (1931) الظلم القومي واستعباد الكادحين، والأزمة الاقتصادية:

«مصر اليوم مستعمرة للإمبـريالية الإنكليزية، وإن كانت الإمبـريالية تخفي سيطرتها وراء ستار بال، وملكية رجعية.

إن ملكية فؤاد التي تساندها عصابة بيروقراطية وبوليسية ويدعمها كبار ملاكي الأرض والرأسمال الكومبـرادوري تساعد الإمبـريالية الإنكليزية في خنق ونهب البلاد.

فبمعونة هذه الملكية تقنع الإمبـريالية الإنكليزية أظافرها، إن قبضة الإنكليز مسلطة على رأس الشعب المصري، فالغاصبون الإنكليز يملكون قناة السويس، وفي أيديهم كل مفاتيح ثروة البلاد وقد نسجوا حول عنق مصر شبكة ثقيلة من الديون، الخ» (2).

هذا الاقتباس المقتضب يوضح، كيف أن الأحزاب الشيوعية العربية، ومثلها الأحزاب الشيوعية الثالثية، قد شخصت قضايا بلدانها منذ ثلاثينات القرن الماضي، وعملت قدر استطاعتها على معالجة ذلك.

لكن منذ البداية حوربت تلك الأحزاب محاربة شديدة، وسلطت عليها كل مخزونات الحقد الطائفي والعنصري، وكل أساليب التخريب.

ومع الأسف لم تحارب الأحزاب الشيوعية فقط من القوى الرجعية في المنطقة العربية، وإنما أيضاً من القوى التقدمية والوطنية، بدلاً من التحالف معها.

ففي مصر، مثلاً، قامت حكومة سعد زغلول بمحاربة الحزب الشيوعي المصري، وأجبـرته على الانتقال إلى العمل السري، وفي أيام الرئيس عبد الناصر وقعت على الحزب أكبـر عملية قمع للحزبين الشيوعيين المصري والسوري فسجن المناضلون، وعذبوا، وصفي بعضهم.

لماذا؟من الطبيعي أن تصب القوى الرجعية نقمتها على الأحزاب الشيوعية، لأن تلك القوى موصولة بالرأسمالية الدولية، ونقمتها هي نقمة تلك الرأسمالية، التي هي في صراع حياة أو موت، منذ القرن التاسع عشر مع الاشتراكية العلمية، مع كومونة باريس، مع التشارتريين البـريطانيين، مع السبارتاكيين Separatists الألمان، وأخيراً مع البلاشفة الروس ثم مع الشيوعية الدولية.

أما الأحزاب الوطنية والتقدمية، فلماذا؟ حتماً، لأن ثمة خلل في تركيب تلك الأحزاب.

تضليل وأكاذيب

قيل عن الشيوعية، إنها ملحدة، كذب.

الإلحاد أتى مع الرأسمالية الشيوعية هي ضد الطائفية، ضد استخدام الدين لتخدير الناس وجعلهم يقبلون الظلم، ولحجب الحقائق في ما يدور حولهم.

وقيل عن الشيوعية، إنها إباحية، كذب.

فالبلدان الشيوعية تحترم الأسرة، ولكنها تحترم أيضاً المرأة كإنسان وتساويها تماماً مع الرجل.

وقيل عن الشيوعية، إنها ضد القومية والوطنية، كذب.

بالعكس، الرجعيات في البلدان الثالثية على الأخص، وفي بلدان العالم عموماً هي في مستوى الخيانة للقضايا القومية والوطنية والواقع شاهد على ذلك، أما الشيوعيون، فيناضلون وطنياً وقومياً.

وقيل عن الشيوعيين، إنهم جواسيس للاتحاد السوفييتي.

كذب، إنهم عموماً مناضلون وطنيون شرفاء لصالح بلدانهم، ويتجسد ذلك في النضال الفيتنامي والصيني والكوبي وغيره.

وكانت تتعامل الأحزاب الشيوعية مع الاتحاد السوفييتي بنديه.

بالعكس، الرجعيات الثالثية هي عموماً تابعة للرأسمالية الدولية.

قيل عن الاتحاد السوفييتي، إنه دولة استعمارية، مثله مثل الإدارة الأميركية.

كذب، الاتحاد السوفييتي لم يكن أبداً مستعمراً، لم ينهب ثروات أي بلد.

بالعكس ساعد البلدان الاشتراكية والجمهوريات السوفييتية على التطور.

مثلاً، كانت الأمية في الجمهوريات السوفييتية الآسيوية قريبة من المائة بالمائة قبل الاتحاد السوفييتي وأصبحت قريبة من الصفر بعد الاتحاد السوفييتي، عدا صعود نسبة العلماء والباحثين، والمذهلين من كل اختصاص بين الآسيويين السوفييت.

جرى الحديث كثيراً بصورة خاصة عن القمع والدكتاتورية في بلدان الاشتراكية العلمية مقابل «الحرية» و«الديمقراطية» واحترام «حقوق الإنسان»، الخ في بلدان الرأسمالية الدولية، مثل هذا الكلام لا يأخذ في الاعتبار المعارك الضارية التي خاضتها بلدان الاشتراكية العلمية مع الرأسمالية الدولية.

أما القيم «الجميلة» لدى الرأسمالية الدولية، فيجد المرء تجسيداً كبيراً لها في البطالة والتشرد والفقر، وفي عصابات الجريمة المنظمة، وفي الرق المفضوح أو المستور، وفي كل الجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها الرأسمالية الدولية في بلدانها، وبشكل اخص في المستعمرات، أي في العالم الثالث.

الواقع أن الصراع بين قوى الاشتراكية العلمية وقوى الرأسمالية الدولية هو صراع بين تحرر الشعوب، ومن الجملة شعوب بلدان الرأسمالية الدولية، وبين الاستعباد على أوسع نطاق، الاستعباد الذي يجعل 90% من سكان العالم أو أكثر تحت خط الفقر.

والاستعباد انتصر في تسعينات القرن الماضي وينتصر حتى الآن.

ولعل الإنسان يستطيع آجلاً أو عاجلاً أن ينتفض على النير الذي يعانيه وأن يقفز إلى ساحة الحرية.

الحرب «الباردة» كانت حرباً ساخنة بمجازرها وبالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت فيها في كل بلدان العالم، وساخنة بعدوانية الإدارة الأميركية في كل مكان بدءاً من استخدام قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، وهي حتى الآن ساخنة جداً وتحرق الشعوب، الواحد تلو الآخر.

والحرب «الباردة» أو «الساخنة» لم تكن حرباً في القمر، وإنما هي حرب، شعوب العالم وقودها، وبخاصة الشعوب العربية.

رغم ذلك، فإن القوى الرجعية، التي يعبـر الإعلام الدولي، ومن الجملة إعلامنا العربي، عنها تشعر ببـرودة الحرب.

هل تشعر شعوبنا في فلسطين والعراق ولبنان وغيرها بالصقيع؟ لا نعتقد.

إنها تتقلب على جمر تلك الحرب، ونتمنى أن يؤدي الانتفاض على ذلك إلى خير شعوبنا.