الإخوان والقضاء والقضاة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان والقضاء والقضاة


يتعرض الإخوان المسلمون لحملة اعتقالات ظالمة، وفي نفس الوقت يتعرضون لحملةٍ إعلاميةٍ كاذبةٍ يشنها عليهم كتبة السلطة وصحفيو الشرطة، يتهمونهم فيها بأنهم وراء أزمة القضاة، وأنهم يستغلونها لأسبابٍ سياسيةٍ خاصة بهم، ومَن ثمَّ فهم ينفخون فيها ولا يريدون لها أن تنتهي، هذه الحملة يتولى كبرها الصحف المسماة قومية- سابقًا- الحكومية الحزبية- حاليًا- والتي يشاركهم فيها للأسف الشديد بعضُ الصحف المعارضة المصابة بداءٍ مزمنٍ وهو عداوة الإخوان.

ونحن هنا سنعرض القضية عرضًا علميًّا موضوعيًّا، وسنُضرب صفحًا عن الإسفافِ والافتراء الذي نتعرض له.

الإخوان يدعون للإصلاح منذ نشأت دعوتهم، وهم على استعدادٍ للتعاون مع أي شخصٍ أو حزبٍ أو منظمة أو حكومة تدعو للإصلاح، أو تطبقه، وتنصاع لإرادةِ الشعب وتتوخى مصلحته وتحترم حرياته وحقوقه، وتلتزم بسيادةِ القانون، وفي السنواتِ الأخيرة أصدروا وثائقَ تشرح رؤيتهم لهذا الإصلاح منها مبادرتهم للإصلاح التي طرحوها في مارس 2004م، ثم برنامجهم الانتخابي في نوفمبر 2005م، وكان نصيب الإصلاح القضائي فيهما واضحًا، فقد جاء في البرنامج الانتخابي ما نصه:

(ثالثًا: في مجال الإصلاح القضائي: إن القضاء هو السلطة الثالثة، وهو صمام أمن المجتمع وملاذ المواطنين وحصنهم ضد الظلم والبغي؛ ولذلك يجب أن يتمتع بالاستقلال عن السلطتين الأخريين حتى يستطيع أن يقوم بواجبه في إقامةِ العدل، وهذا ما قرره الدستور، ولكن الواقع يشهد أنَّ أهلَ العدلِ يفتقدون العدلَ وأن قانون السلطة القضائية يجعل للسلطة التنفيذية اليد الطولى في شئونهم، الأمر الذي يُفقدهم الاستقلالَ والأمان، ويحرمهم حقَّهم في مباشرة أعمالهم بحيدةٍ ونزاهةٍ كاملة؛ ولذلك فقد تحرَّك ناديهم مطالبًا بإقرار قانونٍ جديدٍ لهم اقترحوه منذ عام 1991م إلا أن الحكومة تمتنع حتى الآن عن عرضه على مجلس الشعب لإقراره ولا تزال تسوِّف عامًا بعد عام، لذلك سوف نعمل بكل طاقتنا على:

1- إقرار قانون السلطة القضائية لكفالة استقلال القضاء بجميع درجاته، ووضع كل الشروط لإبعاده عن أية مظنة أو مطمع، والعمل على احترام أحكام القضاء على كل المستويات ومنع التحايل عليها.

2- ألا يحاكم أحد إلا أمام قاضيه الطبيعي، وأن تلغى جميع المحاكم الاستثنائية، ويقتصر اختصاص المحاكم العسكرية على جرائم ومخالفات العسكريين فقط، وإعادة محاكمة كل مَن سبق الحكم عليه من محكمة عسكرية أو استثنائية أمام قاضيه الطبيعي.

3- الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق، وأن تكون النيابة مستقلة غير تابعة لوزير العدل، وأن يحق لكل من تحبسه احتياطيًّا أن يتظلم فورًا من قرارها أمام جهةٍ قضائية.

وجاء في البرنامج أيضًا تحت عنوان: ثانيًا: في مجال الإصلاح السياسي ما نصه: (9- تمثيل الشعب عبر مجلس نيابي منتخب انتخابًا حرًّا، ولمدة محددة، يُعاد بعدها الانتخاب مع ضرورةِ أن تشمل قوانين الانتخاب الضمانات التي تؤكد نزاهتها وصحتها وحيدة القائمين على إجرائها، ومن ثمَّ فسنعمل على أن يكون القضاة الجالسون فقط هم المشرفون على الانتخابات من بدايتها لنهايتها).

وجاء فيه تحت عنوان: رابعًا: في مجال الإصلاح الانتخابي ما نصه (1- أن تولى لجنة قضائية مستقلة غير قابلة للعزل الإشراف الكامل على إدارة الانتخابات والاستفتاءات بمجرد صدور قرار دعوة الناخبين، وتخضع لها كافة الأجهزة التنفيذية والمحلية والأمنية التي تتصل أعمالها بالانتخاب، بحيث تشمل مرحلة الترشيح والتصويت والفرز وإعلان النتائج).

ومنذ تعديل المادة 76 من الدستور وتطالب الجمعية العمومية لنادي القضاة بأن يكون إشرافها على الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والبرلمانية إشرافًا حقيقيًّا حتى لا ينسب إليهم عار تزويرها مثلما حدث طيلة الخمسين عامًا الماضية، أو أن يمتنعوا عن الإشراف تمامًا، وعندما أشرفوا على استفتاء تعديل المادة 76 اكتشفوا أنه تمَّ تزوير الاستفتاء وأصدروا تقريرًا بذلك، وعند إشرافهم على الانتخابات البرلمانية اكتشفوا مخالفات جسيمة في عددٍ من الدوائر، ابتداءً من كشوفِ الناخبين غير الصحيحة إلى الرشاوى وشراء الأصوات إلى البلطجة إلى اشتراك بعض القضاة في التزوير وتغيير النتائج إلى عدوان الشرطة على الأهالي وقتل وجرح بعضهم لمنعهم من التصويت، ووصل الأمر إلى الاعتداء على بعض القضاة، وهنا وقف القضاة وقفتهم وطالبوا بمحاسبة المزورين من زملائهم والتحقيق مع المعتدين من رجال الشرطة، ولما كان التزوير كله لمصلحة الحزب الحاكم فقد نشأت أزمة بين القضاة ممثلين في الجمعية العمومية لناديهم وبين الحكومة، وخصوصًا وأن بعض قيادات نادي القضاة قاموا بفضح التزوير والمزورين ولا سيما من القضاة الذين أساءوا لسمعة القضاء المصري، وهنا استغلت الحكومة القلة من القضاة الذين يدينون لها بالولاء ممن تولوا مناصبهم بالتعيين من الحكومة وممن أسقطهم القضاة في انتخابات نواديهم وحرضتهم على الإصلاحيين من القضاة والذين يمثلون جموع القضاة، فصدَّرت في الظاهر الأزمة القائمة بينها وبين شرفاء القضاة إلى أزمةٍ داخليةٍ بين القضاة، وراحت الصحافة الحكومية تنفخ أبواقها بأن الحكومة لا علاقةَ لها بهذه الأزمة وأنها مسألة داخلية وأنها لن تتدخل فيها في الوقت الذي كانت تؤجج فيه نيرانها.

انحازت كثير من الأحزاب والنقابات وجمعيات حقوق الإنسان وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات لموقف القضاة الإصلاحيين، بينما حرص الإخوان المسلمون على أن ينأوا بأنفسهم عن التدخل المباشر- اللهم إلا في بياناتٍ عامة- حتى لا تستغل الحكومة ذلك وتبطش بالحركةِ الإصلاحية التي يقودها القضاة، ولكن الحكومة أبت إلا أن تصعد الموقف وتجعل من قادة نادي القضاة عبرة ترهب بهم من خلفهم حتى تجهض حركتهم وتبقي على هيمنتها على السلطة القضائية مثلما تهيمن على السلطة التشريعية، فأوعزت إلى أوليائها من القضاة ووزير العدل بتحويل المستشارين محمود مكي وهشام البسطاويسي إلى لجنة التأديب، المشكلة في قضاة معينين بمعرفتها، وهنا بلغ السبل الزبى، واعتصم القضاة في ناديهم وبدا أنهم في محنة، وطلبوا من الشعب مؤازرتهم في مواجهةِ بطش الحكومة، وتعاطفت معهم كل فئات الشعب وذهبت لتأييدهم، حتى سيدات نادي الليونز، أيدنهم في موقفهم، وهنا لم يكن أمام الإخوان المسلمين بدٌّ من أن يتخلوا عن تحفظهم، وهم القوة الشعبية الأكبر في الشارع، فنزل نوابهم في البرلمان، وأفرادهم من كل فئات الشعب لتأييد القضاة في مطالبهم، ولرفض الظلم الواقع عليهم، وحتى لا يكون هذان المستشاران الشريفان هما رأس الذئب الطائر، فينهار مشروع الإصلاح الذي يحمله القضاة لمصلحة الوطن والشعب والعدل والحق والحرية، فتظاهر الإخوان في الشارع وتعرَّضوا لبطش جحافل الأمن الذين استخدموا أقسى أساليب العنف إلى حدِّ السحل والركل بالأقدام والضرب بالعصي وكأنهم في حربٍ مع الأعداء، رغم أنَّ المظاهرات كانت سلميةً حضاريةً لا تتجاوز التعبير عن الرأي، وتمَّ القبض على المئات وحبس حوالي سبعمائة فرد منهم.

أى أن الإخوان تصرفوا بمنتهى الكياسة والحكمة، ابتعدوا في البداية عن التدخل المباشر أملاً في أن يعود النظام لرشده ويُحكِّم العقل والمنطق ويحل الأزمة بالحوار، ولو فعل ما اضطر أحدًا إلى الاعتصام والتظاهر، ولجنَّب الناسَ الأذى والعدوان، وسمعةَ مصر التشويهَ والإساءة، ولكنه مارس عنادَه المعروف وأصرَّ على القهر والانتقام من أطهر الناس وأرقاهم، فلم يترك أمام الناس بما فيهم الإخوان خيارًا إلا مناصرة المظلومين، ومن ثمَّ فكل مزاعم كتاب السلطة من أن الإخوان كانوا وراء الأزمة أو أنهم هم الذين أججوها أو استغلوها إنما هي أكاذيب مفضوحة قُصد منها:

أولاً: إرهاب القضاة خشية أن يُنسب إليهم الانتماء أو التعاطف مع الإخوان- وللأسف فقد قاله الصحفيون الكذابون- وبذلك يثبتون عليهم- افتراءً- ممارستهم للسياسة وفقدانهم للحيادِ الذي هو أهم شروط القاضي.

وثانيًا: تشتيت التضامن القومي حول القضاة بصرف القوى السياسية الكارهة أو المعادية للإخوان عن مناصرة القضاة.

ثالثًا: تضليل الرأي العام المتعاطف مع القضاة بإظهارهم- كذبًا- ألعوبةً في يد الإخوان، ووسيلة يستغلها الإخوان لتحقيق مكاسب سياسية.

رابعًا: إسكات الانتقادات الدولية التي تكيل بمكيالين فتنتقد الحكومة وتوبخها إذا اعتدت على فردٍ أو مجموعة من الناشطين غير الإخوان، وتصمت صمت القبور إذا طال البطش والاعتقال مئات وآلاف الإخوان، فإذا ما نسبت القضاة إلى الإخوان أمنت انتقادات منظمات حقوق الإنسان الدولية والحكومات الأجنبية، والحقيقة الجديرة بالتنويه أنه لولا الوقفة الصلبة التي وقفها جميع فئات الشعب وعلى رأسهم الإخوان المسلمون لتم فصل المستشارين، ولتم تحويل معظم قادة نادي القضاة إلى مجلس التأديب ولوقعت مذبحة جديدة للقضاة تشبه مذبحتهم عام 1969م.

ولقد كان الهدف من وراء هذه الأزمة المفتعلة هو شغل القضاة بأنفسهم وصرفهم عن الموضوع الأساسي الذي قاموا من أجله، وهو إصدار قانون السلطة القضائية الذي أعده ناديهم وقدَّمه إلى المسئولين لإصداره من خلال مجلس الشعب، والذي يحقق لهم الاستقلال والحياد والنزاهة والأمن، ويحقق أمل الأمة في الحرية والعدل، وكذلك يصرفهم عن المطالبة بمحاسبة المزورين للانتخابات والمعتدين على القضاة وأفراد الشعب من البلطجية ورجال الأمن، وهما ما لا تريد الحكومة أن يتما، أما وقد انتهت الأزمة هذه النهاية، وإن كانت سيئة، فقد وجب على الجميع أن يعودوا للموضوع الأصلى ألا وهو إصدار قانون السلطة القضائية كما وضعه نادي القضاة، وإن الإخوان المسلمين سوف يقفون في قلبِ المنادين والمجاهدين من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل؛ لأنه من صلب منهجهم للإصلاح الذي قرروه من قديم، كما نؤكد أنه من واجب الجميع أيضًا أن يجاهدوا بكل الوسائلِ المشروعة لإطلاق سراح المسجونين في سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير ومعظمهم من الإخوان المسلمين، حتى نصل- بفضل الله- إلى إفراغِ كافة السجون من المعتقلين السياسيين، والمسجونين بغير حق، ونغل يد السلطة الباطشة عن الظلم ونحقق العدل والخير، ونمحو عن وطننا هذا العار، حتى يتحرر وينهض وينمو ويتبوأ المكانة اللائقة به بين الأمم ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)﴾ (إبراهيم) صدق الله العظيم.


المصدر