الإخوان المسلمون والتيارات الإسلامية الأخرى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والتيارات الإسلامية الأخرى
24-06-2007

بقلم: د. عصام العريان

كتب الصديق الأستاذ محمود سلطان في عموده اليومي بجريدة (المصريون) الإلكترونية يعيب على الإخوان أنهم لم يهتموا بقضية الأستاذ ممدوح إسماعيل المحامي قدْرَ اهتمامهم بقضايا الإخوان المعتقلين، وذهب إلى أن ذلك عادة الإخوان وليس جديدًا عليهم، وعلَّق عليه المعلّقون فزادوا على ذلك كثيرًا، يقدحون في سلوك الإخوان تجاه التيارات والشخصيات الإسلامية الأخرى، وهذا ما ذهب إليه من قبل الأستاذ جمال سلطان منذ سنوات ويكرِّره (المنار الجديد) و(القاهرة)، وسمَّاه النرجسية التنظيمية.

وشاء الله أن يتأخر مقالي الأسبوعي بـ(المصريون) لأستبدله هذا المقال والتعليق الضروري به.

أوجِّه حديثي إلى الإخوان أولاً، لأنهم المعنيون بفهم حقيقة موقف الإخوان من غيرهم من التيارات الإسلامية؛ ليصحِّحوا أخطاءهم التي تتسبَّب بلا شكٍّ في موجة الانتقادات التي يوجِّهها المخلصون من الإسلاميين، وليطبِّقوا في سلوكهم المعايير الإسلامية السليمة التي ذهب إليها الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا، وسار عليها من خلفه المرشدِين، خاصةً الأستاذ التلمساني، عليهم رحمة الله.

ثم ثانيًا إلى المنتقدين دون التشكيك في نواياهم إطلاقًا، فنحن علينا أن نقبل النصيحة من المخلصين، وعلينا أن ننظر بحكمة في انتقاد غير المخلصين حتى ولو كانوا من أعداء الفكرة الإسلامية، كما ذهب إلى ذلك الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله، وإن كان قصَر على الفرد الراغب في تهذيب سلوكه وتربية نفسه عندما ذكر في كتاب "رياضة النفس" من إحياء علوم الدين فصلاً في الطريق الذي به يتعرَّف الإنسان على عيوب نفسه، وجعل حاصله أربعة أوجه، كان ثالثها أن يستفيد من معرفة عيوبه من أعدائه، إذًا لا بد من جريان ذلك على ألسنتهم عند ثلبهم وعيبهم.

كما جعل الطريق الثاني مصاحبة صديق صدوق يجعله رقيبًا على أحواله وأعماله لينبِّهه على ما يخفى عليه.

ونحن نحسب أن أحبابنا في (المصريون) من الأصدقاء والصدوقين، ونحسب قومنا من العلمانيين واليساريين وغيرهم من الصنف الذي قالوا عنه في الأمثال "وعدوك يتمنَّى لك الغلط" ولعل هذا واضحٌ في الأحداث الجارية.

أبدأ بنقل ما ذكره الإمام الشهيد حسن البنا في رسائله ليتضح الموقف الأصلي وليحكم الإخوانُ أنفسُهم عليه، وهو موقفٌ إسلاميٌّ سليمٌ، يستند إلى أصول ومبادئ يعتنقها الإخوان، أهمها أن الإجماع على أمر في الاجتهادات الفقهية مستحيلٌ، وأن الخلاف في الرأي ضروري، وأن دعوة الإخوان لا تتلوَّن بلون وهي تتجه إلى صميم الدين ولبّه، وتودّ أن تتوحَّد وجهة الأنظار والهمم؛ حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، ومنها أنها تعتذر لمخالفيها في الرأي.

ويلخص ذلك كلمة موجزة قالها الإمام في رسالة (دعوتنا): "الإخوان يجيزون الخلاف، ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب.. ذلك منهاج الإخوان أمام مخالفيهم في المسائل الفرعية في دين الله".

أما الموقف من الهيئات الإسلامية فيلخّصه البنا في المؤتمرين الخامس والسادس عامي 1939، 1941م بقوله: "وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعًا على اختلاف نزعاتها فموقف حبٍّ وإخاء، وتعاون وولاء، نحبها ونعاونها، ونحاول جاهدين أن نقرِّب بين وجهات النظر، ونوفِّق بين مختلف الفكر، توفيقًا ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأيٌ فقهيٌّ أو خلافٌ مذهبيٌّ" (المؤتمر السادس).

ويقول في (المؤتمر الخامس): "والإخوان المسلمون يرون في الهيئات الإسلامية على اختلاف ميادينها تعمل لنصرة الإسلام، ويتمنَّون لها جميعًا النجاح، ولم يَفُتْهم أن يجعلوا من منهاجهم التقرب منها والعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة".

وكانت لي تجربة علمية مع المرحوم المرشد الأستاذ عمر التلمساني في الاتحاد العام للجمعيات والهيئات الإسلامية في أواخر السبعينيات، الذي كان يترأَّسه التلمساني ويجتمع بانتظام في مسجد الخلفاء الراشدين، ويتحرك باسم الهيئات الإسلامية، ويشارك فيه رموز إسلامية، مثل: الشيخ الدكتور سليمان ربيع، والشيخ محمود عيد، والشيخ المحلاوي، والأستاذ محمد عطية خميس، والشيخ حافظ سلامة، وغيرهم رحمهم الله أحياءً وأمواتًا، وقد كان نشاط هذا الاتحاد- الذي كنت أمثِّل فيه الشباب والجامعات- محلَّ تحقيق طويل في معظم هؤلاء أمام المدعي العام الاشتراكي في تحقيقاته السياسية إبَّان التحفُّظ على معظمنا في حملة سبتمبر 1981م الشهيرة.

وطوال فترات السجون التي قضيتها ووصَلَت إلى حوالي سبع سنوات ونصف طوّفت وزُرت خلالها 8 أو 9 سجون عامرة كان دأبُنا كإخوان ألا نفرِّق في المعاملة قط بين مَن ينتسب للإخوان وغيرهم ممن جمعتنا بهم عنابر السجون، ويشهد على ذلك عاما 1981 و1982 في سجون الاستقبال بطرة وليمان أبو زعبل، كما يشهد سجن مرزعة طرة، ولعل ذلك تسبَّب في حرص أمن الدولة على عزلنا أحيانًا طويلةً في سجون منفصلة أو عنابر مستقلة أو حجرات خاصة عن إخواننا من بقية الاتجاهات والتيارات الإسلامية، وأطلب هنا شهادةَ مَن عاصَرَ تلك الفترات الكئيبة داخل السجون، قطعًا كانت هناك خصوصيات للأفراد والحجرات والجماعات، لكنَّ ذلك لم يمنع التعاون على الخير وتقديم البر والقيام بالواجب الإسلامي.

وأثناء وجودنا في مجلس الشعب (1987-1990) كان أشهر الاستجوابات وأقواها ضد وزير الداخلية آنذاك زكي بدر، والذي قدمه فارسا البرلمان الأستاذ مختار نوح ومحفوظ حلمي عن التعذيب في السجون وأقسام الشرطة، ولم يتوقف ذلك، لا في الفصل التشريعي (2000/ 2005) ولا في الدورتين الحاليتَين منذ نجاح 88 نائبًا للإخوان، وعلى من يريد معرفة التفاصيل الاطلاع على نشاط النواب على الموقع الرسمي للكتلة البرلمانية للإخوان على شبكة المعلومات.

وعندما مات الشهيد عبد الحارث مدني المحامي تحت التعذيب كانت وقفة مجلس نقابة المحامين بقيادة الإخوان قويةً، وتسبَّبت آنذاك في القبض على المجموعة القيادية للنقابة مختار نوح وخالد بدوي وجمال تاج الدين ومعهم الأستاذ منتصر الزيات، وقضوا شهورًا خلف الأسوار بسبب تطاير الشتائم ضد الرئيس وأسرته والتهديدات من بعض أعضاء التيارات الإسلامية، ودفع الإخوان الثمن راضين، رغم اعتراضهم على أسلوب البعض وطيش البعض الآخر.

وحدثت تحرُّشات عديدة في الجامعات والمدارس والمساجد من شباب متحمِّس، وصلت أحيانًا إلى عراك وتشابك، كان الإخوان يلجمون حماس الشباب المنتسبين إليهم خلالها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وتخلَّوا عن مواقع لهم طلبًا لوحدة الصف وسلامة الصدر؛ أملاً في العودة إلى الحكمة والعقل.

أما بخصوص الواقعة المثارة حاليًا، وهي اعتقال الأخ الصديق ممدوح إسماعيل، فقد بادرت لجنة الدفاع عن سجناء الرأي بإصدار بيان يُدين الاعتقال، وواظَب على الحضور معه أمام النيابة الأستاذان عبد المنعم عبد المقصود وسيد جاب الله وغيرهما من محامي الإخوان، رغم وجود أكثر من 900 معتقل من الإخوان يستنزفون طاقة عشرات المحامين، وأخبرني عبد المنعم أن المرشد العام الأستاذ محمد مهدي عاكف كلَّفه شخصيًّا بالحضور ويسأله باستمرار عن الأخ ممدوح إسماعيل.

كما قدم النواب في مجلس الشعب أكثر من سؤال وطلب إحاطة إلى المجلس الذي سيُحيلها تلقائيًّا إلى لجنة الدفاع والأمن القومي التي تحوَّلت- بفضل عدد من الضباط السابقين الذين أصبحوا نوابًا- إلى لجنة للدفاع عن وزارة الداخلية، فلا يتم مناقشة حقيقية ويُختم النقاش أو يُمنع؛ بحجة أن الأمر أمام النيابة والقضاء، والقانون يمنع المناقشة إلا إذا كان هناك ما يستدعي ذلك، مثل التعذيب أو حملات مكثفة للاعتقال.. إلخ.

وشارك المحامون جميعًا- على اختلاف توجهاتهم- في المظاهرة التي نظَّمها محامون أمام النقابة لمناصرة ممدوح شخصيًّا، وتسبَّبت اللافتات في أزمة بين أغلبية المجلس من الإخوان ونقيب المحامين أ. سامح عاشور؛ بسبب تشابه الأسماء بين ممدوح إسماعيل المحامي المجاهد وممدوح إسماعيل صاحب العبَّارة الشهيرة كما كتبت أنا شخصيًّا تحية لأخي ممدوح إسماعيل فضلاً عن بيان لجنة الدفاع عن سجناء الرأي الذي صدر فور القبض عليه.

المصدر