استقالات النواب سلاح لا يخيف الحكومة المصرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
استقالات النواب سلاح لا يخيف الحكومة المصرية


2004-13-04

كتب- أحمد سبيع

مقدمة

مجلس الشعب المصري

• النواب اعترضوا على مبدأ الاستقالة والموافقة عليها بسرعة

• الإصلاح السياسي الاقتصادي أسباب لا يعترف بها مجلس الشعب

• الموقف من "حسنين" أغلق باب التهديد بالاستقالة من البرلمان

فجرت استقالة النائب المستقل بالبرلمان المصري "محمد فريد حسنين" الأسبوع الماضي العديد من علامات الاستفهام؛ لأن ما حدث لم يكن طبيعيًّا، وليس مألوفًا بالمرة في الحياة السياسية المصرية؛ حيث إنها المرة الأولى التي يتقدم فيها نائب باستقالته طواعية منذ قامت ثورة يوليو 1952م، كما أن الاستقالة ليست من منصب إداري؛ وإنما هي استقالة من تمثيل الأمة، وهو الحلم الذي يراود كل إنسان يقترب فقط من شارع السياسة، كما أنه التمثيل الذي تذهب من أجله أرواح، وتطير فيه رقاب، ويسجن من أجله مَن يُسجن، ويضرب فيه مَن يُضرب.

فاستقالة "حسنين" جاءت ترجمة لما وصفه النائب بأن "اليأس أصابه من الإصلاح الذي لا يأتي"، ويعلن أنه يفكر في الهجرة إلى أوروبا للمعارضة من الخارج، بعد أن فقد الأمل في إمكانية قيام أي من الأحزاب السياسية- الحاكم أو المعارضة- بتحقيق أي إنجاز على أي صعيد في المدى المنظور، مشيرًا إلى أن عضويته في البرلمان طوال ثلاث سنوات لم تسمح له بأن ينقل إلى المجلس والحكومة والإعلام القدر المهول من آلام الشعب المصري، لافتًا إلى أنه وعد ناخبيه بأن يبذل كل جهد من أجل تخفيف آلامهم، خاصةً مشكلة البطالة، ولم يستطع برغم كل الجهد الذي بذله لدى الحكومة والأحزاب ورجال الصناعة.

وإن كان مجلس الشعب المصري قد شهد خلال السنوات الماضية ظواهر فريدة لنواب طُعِن في صحة عضويتهم لأسباب مختلفة، منهم: نواب التأشيرات، ونواب القروض، ونواب الكيف، ونواب الجنسية، ونواب الشيكات، وأخيرًا نواب التجنيد، فإن ظاهرة النائب المستقيل جديدة عليه، وإذا كان اليأس والفشل الذي تكلم عنه "حسنين" أصبح ما يشبه الشعور العام بين نواب المعارضة والمستقلين؛ فهل هذا معناه أن تفتح استقالة "حسنين" الباب لاستقالات أخرى؟ وهل يصل الحال بهؤلاء النواب إلى المضي في نفس الطريق؟ أم أن مثل هذا الموقف لا يتخذه إلا شخصية من نوعية "فريد حسنين"، الذي أعلن لبعض أصدقائه والمقربين منه عن نيته في الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة؟ وهل الموضوع من البداية كان مجرد تهديد بالاستقالة فقط، كما أكد أحد أصدقاء المقربين من "فريد حسنين" بأن النائب لم يكن يتوقع أن يوافق المجلس على الاستقالة بهذه السرعة، وأن الهدف منها كان تحريك مياه الإصلاح السياسي، وأن تضع الحكومة والحزب الوطني في اعتبارها أن التباطؤ في خطوات الإصلاح له نتائج خطيرة؟ ولماذا تعامل البرلمان المصري مع الاستقالة بهذه السرعة؟ وهل ما طرحه النائب في بيانه من أسباب لا تدخل ضمن الأسباب التي يعترف بها المجلس في الاستقالة؟

والسؤال الأخير يجيب عليه المستشار "محمد موسى"- رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب- مؤكدًا أنه طبقًا للفصل الثاني من الدستور؛ وهو الفصل الذي حدد اختصاصات ومهام مجلس الشعب وأعضائه، فإنه يجوز لمجلس الشعب أن يقبل استقالة أحد أعضائه، كما جاء في المادة (97)، واعترض "موسى" على ما يعتبره البعض بأن الاستقالة جاءت مسببة، وأن هذه الأسباب هي التي جاءت في البيان الذي تلاه "حسنين" على مجلس الشعب، مشيرًا إلى أن الأسباب التي تدعو النائب للاستقالة- كما حددتها لائحة المجلس- أن يكون معترضًا على آلية من آليات عمل المجلس، أو أن يكون تعرض لشيء ما من المجلس، أما كونه فشل في تنفيذ ما وعد به ناخبيه أو عدم وجود إصلاح سياسي أو اقتصادي- كما أعلن- فهذه الأمور طبقًا للائحة ليست أسبابًا معترفًا بها؛ ولذلك لم ينظر إليها المجلس عندما ناقش الاستقالة.

من جانبهم أكد نواب المعارضة والمستقلون موافقتهم على وجود الأسباب التي أعلنها "فريد حسنين" إلا أنهم في الوقت نفسه رفضوا فكرة الاستقالة؛ لأنها- كما يقول النائب المستقل "عادل عيد"- نوعًا من الهروب وإلقاء السلاح، وهي أمور لا تجوز من نائب معارض يحمل هموم المعارضة في مجلس الشعب.

وقال "عيد": ما قام به "حسنين" قد يكون له ما يبرره، فالأحداث الدائرة في الداخل والخارج كفيلة بأن تصيب أقوى الرجال بالإحباط، ولسنا نعرف مَن يراقب الآخر: المجلس أم الحكومة؟ ومَن بيده السلطة على الآخر: الوزراء أم النواب؟ وكما يقول المثل الدائر "انقلبت الآية"، كما أن "فريد حسنين" قد يكون له وضع خاص وظروف خاصة، إلا أن هذه الأمور لم تكن بعيدة عنا، ونحن نرشح أنفسنا في الانتخابات، ونعلم أنه لو نجحنا فسنواجه أغلبية ساحقة هي التي تملك اتخاذ القرار، وأنها أغلبية بعيدة كل البعد عن الوعي السياسي والمصلحة الوطنية، وأنها تأتمر بما يُمليه عليها الحزب الوطني، كلنا نعرف هذه الأمور مسبقًا، ورضينا بها؛ ولذلك فنحن باقون في مواقعنا مهما كانت الظروف، ندافع عن مصالح الشعب بالكلمة وبالأدوات البرلمانية المتاحة، أما النتيجة فهي خارجة عن إرادتنا، ولا نضعها في حساباتنا؛ ولذلك لم يكن قرار "فريد حسنين" موفقًا؛ لأنه أخلى موقعه الذي اختاره له الشعب ليحل محله نائب آخر من المصفقين للحكومة.

أما النائب الإخواني "محمد العدلي"، فأكد أن ما أوضحه "فريد حسنين" في استقالته أمر يشعر به كثير من النواب ومن المهتمين بالحياة السياسية"؛ لأن الأسباب التي ذكرها "حسنين" في استقالته شعور عام، وأضاف قائلاً: إن ما حدث من اغتيال الشيخ "ياسين"، وما قابله من عجز تام للأنظمة العربية- ليس في الثأر؛ وإنما في عقد مؤتمرهم السنوي للكلام والشجب، والذي يطلق عليه مجازًا "مؤتمر القمة العربية"- ممكن أن يدفع كل مواطن غيور على وطنه إلى نفس الشعور الذي أصاب النائب "فريد حسنين".

وقال "العدلي": الوضع الداخلي ليس أفضل حالاً من الخارجي، فالأسعار تلهب البيوت، ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئًا، وما تريده الحكومة تنفذه رغمًا عن الجميع، وأهالي دوائرنا يُطالبوننا بحل مشاكلهم التي خلقتها الحكومة، وأمور أخرى كثيرة، وأضاف أن إعلان النائب "فريد حسنين" الهجرة ليس حالة فريدة في مصر، مشيرًا إلى أن أرقام هجرة العلماء المصريين للخارج مخيفة، وأسباب الهجرة مفزعة.

وضرب النائب مثالاً بتقرير لجامعة الدول العربية أرجع فيه هجرة العقول العربية للولايات المتحدة وأوروبا نتيجة الأوضاع والكبت السياسي في الدول العربية، وقال: يكفي أنه يوجد أكثر من 824 ألف عالم ورجل أعمال مصري من أفضل الكفاءات في الخارج ويستقرون في 12 دولة؛ بل يرفض معظمهم العودة لوطنهم؛ إما لعدم توافر الإمكانات، أو لما وجدوه من صعوبات إدارية في تنفيذ مشروعاتهم، أو للحرب التي لقيها البعض عندما قرر الاستقرار في وطنه.

أما اللواء "فاروق المقرحي"- نائب الحزب الوطني- فقال: إنني أعترض على موقف المجلس الذي قبل الاستقالة بهذه السرعة، وكأنه يرفع شعار "خلصنا منه"، وكان يجب أن يمنح له فرصة أسبوع أو أكثر ليراجع نفسه، خاصة أن قبول الاستقالة بهذه السرعة ترسَّخ في الأذهان فكرة أن الحكومة والحزب الوطني لا يريدون معارضة؛ لأن نفس المجلس بنفس الأغلبية هو الذي أعطى الفرصة تلو الأخرى لنواب الشيكات، وقبلهم نواب القروض؛ بل إنه رجع في قبول استقالة النائب "عبدالرحمن راضي" عندما قدَّم استقالته منذ أربعة أشهر؛ ولذلك كان يجب على المجلس أن يتروى في هذا الأمر؛ لأن النائب قد يكون واقعًا تحت تأثيرات عصبية من الأحداث الجارية، وهي التي دفعته لما قام به.

وأبدى الدكتور "أيمن نور"- صديق النائب "فريد حسنين"- دهشته من إسراع المجلس في قبول الاستقالة وليِّ الحقائق، والقول بأنها استقالة غير مسببة، وعدم مناقشة ما جاء فيها من أسباب، مؤكدًا أن هذا الأمر- وإن كان ليس بعيدًا عن مجلس- تسيطر عليه الحكومة إلا أنه مع دعاوى التغيير والإصلاح التي يرددها الحزب الحاكم وحكومته، فإن الوضع يختلف.

وقال "نور": إن المناخ السياسي هو الذي يتحمل نتيجة ما حدث، مشيرًا إلى أن "فريد حسنين" كان صادقًا مع نفسه ومخلصًا مع أبناء دائرته الذين منحوه أصواتهم عندما وجد نفسه غير قادر على إيصال أصواتهم وتنفيذ مطالبهم، مشيرًا إلى أن ما قام به "حسنين" قد يراود كثير من النواب والشرفاء الذين يحزنون على حال وطنهم، إلا أن اقتناعهم بأن الوجود في قلب الأحداث أفضل من المشاهدة من الخارج هو الذي يدفعهم إلى البقاء والاستمرار في محاولة منهم للتغيير أو حتى تقليل الخسائر.

ولم ينفِ "نور" أن يكون لرفض لجنة شئون الأحزاب لتأسيس حزب الغد دور فيما حدث، وعاد ليؤكد أن المناخ السياسي العام السبب الأساسي، موضحًا أن تعامل حزب الأغلبية مع الاستقالة بهذا الشكل ومع الأسباب التي أوضحها "حسنين" بفشل أية خطوات للإصلاح قد يدفع جهات أخرى لاستغلال هذا الحدث، والترويج لمبادرة الشرق الأوسط الكبير والصغير والتغيير من الخارج، وغير ذلك من تدخلات.

تهديد

وإذا كان مجلس الشعب- كما أشرنا- لم يشهد ظاهرة النائب المستقيل طواعيةً قبل "فريد حسنين"، فإن الوزارة في مصر شهدت حالات نادرة لوزراء بارزين، قدموا استقالاتهم اعتراضًا على السياسات القائمة، ويُعَدُّ الدكتور "محمد حلمي مراد"- وزير التعليم الأسبق- هو الحالة الأولى بعد الثورة؛ حيث قدَّم استقالته للرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، اعتراضًا على تدخل منظمات الشباب والاتحاد القومي في العمل الجامعي، وبعد حرب أكتوبر كانت الحالة الأبرز للدكتور "إسماعيل فهمي"- نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بعد حرب أكتوبر- الذي استقال بعد قبول الرئيس "السادات" دعوة "مناحم بيجن" زيارة تل أبيب، ثم موقف الدكتور "إبراهيم كامل"- وزير الخارجية أثناء مفاوضات السلام- الذي استقال اعتراضًا على اتفاقية كامب ديفيد أيضًا، ثم الدكتورة "عائشة راتب"- وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية في عهد الرئيس السابق "السادات"- اعتراضًا على موقف الحكومة من انتفاضة الخبز، وباستثناء هذه الحالات تقريبًا لم يقدم وزير أو مسئول بارز استقالته من منصبه؛ سواء لفشله في مهامه، أو لاعتراضه على الأوضاع السياسية.

ورغم أن هناك حوادث خطيرة مرت بها مصر، مثل: حوادث الطرق والأمن المركزي، وحادث الأقصر، والأغذية الفاسدة، والبذور المتسرطنة، وبسكويت المدارس الفاسد، وخراب الرياضة المصرية، وانهيار التعليم والاقتصاد، فإن أيًّا من هؤلاء المسئولين لم يقدم استقالته، وفي حوادث أخرى كان قرار الإقالة سابقًا على قرار الاستقالة، والمثال الأبرز لذلك اللواء "حسن الألفي" واللواء "أحمد رشدي" وزيرا الداخلية السابقين، والدكتور "إبراهيم الدميري" وزير النقل والمواصلات بعد حادث قطار الصعيد، وحالات أخرى متفرقة.

وعلى المستوى الأقل من الوزراء كانت استقالة الدكتور "عبدالله الأشعل"- مساعد أول وزير الخارجية- التي جاءت اعتراضًا على السياسة التي تدار بها وزارة الخارجية، والتي وصفها "الأشعل" بأنها بعيدة كل البعد عن الموضوعية والخبرة والدقة.

المصدر