أميرُ الدعاةِ سلامٌ عليك
بقلم: أ.د/ توفيق الواعي
سلامٌ عليك يا حافظَ القرآن الكريم، وعالم الشريعة الفقيه، وداعية الرسالة الفذ، وعالم الأمة الهمام، ولسان الهداية الفصيح، ومربي الأجيال القدوة، وموجه الشباب الكريم.
سلامٌ عليك يا صاحبَ الحجة الواضحة، وأمير البيان البليغ، ورائد الدعوة الفاقه. سلامٌ عليك يا صاحبَ الخلق الفاضل، والحياء الجميل، والأدب الجم، والنفس الطاهرة، والصدر السليم، والأخوة الحانية، والجهد العظيم.
سلامٌ عليك كريمًا في عطائك، سمحاً فيه بذلك، حانيًا على إخوانك، نبيلاً في عشرتك، عزيزًا في نفسك، عفيفًا في يدك.
سلامٌ عليك من الجمهور المحبِّ لك، ومن السائرين في ركابك، والمتفقهين عليك، والعاشقين لحديثك، ومن إخوانك المكلومين لفراقك، الفاقدين لعلمك، ورجولتك وهديك، وجهادك، وعاطفتك، وسندك، وتوجيهك، وحنانك.
سلامٌ عليك يا أميرَ الدعاة، وعالي الهمة، جوالاً بكلمة الحق، فما مالأت ظالمًا، أو مدحت سلطانًا، أو نافقت حاكمًا، أو هادنت فاسقاً، بل كنت دائمًا سندًا للحقِّ وسيفًا على الباطل، ومعينًا لأصحاب الصواب، ومساعدًا للمحتاجين والمكلومين، فأنت بحقٍّ دائمٌ بذكراك ومآثرك، حيٌّ بعلمك وآثارك.
يموت الصالحون وأنت حيٌ
تخطّاك المنايا ولا تموت
وصدق رسول الله- صلي الله عليه وسلم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علمٌ ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له".
سلامٌ عليك مجاهدًا في سبيل الحق، ومرشدًا لدروب العلم، وموجهًا لأنوار المعرفة، وماحيًا لظلام الجهالة، ومصلحًا لاعوجاج الطبائع، ومداويًا لنزعات الشياطين، وباعثًا للنهضة الثقافية الحقة، التي تزود الأمة بالرجال الصالحين والشباب العاملين.
ولا يُصْلُحُ الفتيان لا علم عندهمُ
ولا يجمعونَ الأمر أنصاف جُهَّال
وليس لهم زادٌ إذا تزودوا
بياناً جزاف الكيل كالحَشَفِ البالي
سلامٌ عليك يا عَلَمَ الهداية، وقدوة الدعاة، ومبعث النور، ومصدر التوجيه للإصلاح والصلاح، وباني العقول والأفهام، وقائدًا للغر الميامين، وإمامًا للركع السجود، وقائمًا للسنن والفروض، ومعينًا للمسرفين إلى التوبة والإنابة، والعمل لليوم الموعود.
تلقى الأمور بأهل الرشد ما صلحت
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
كيف الرشاد إذا ما كنت في نفرٍ
لهم عن الرشد أغلال وأقياد
أعطوا غواتهم جهلاً وقادتهم
فكلهم في حبال الغي منق
حان الرحيل إلى قوم وإن بَعُدوا
فيهم صلاحٌ لمرتادِ وإرشاد
سلامٌ عليك جبلَ الثقافة السامق الذي تتحطم على جنباته أموار الغزو الثقافي الذي كان بدهاقينه أن يطبق على خناق العامة، ويلف أهواء مثقفي الأمة إليه بحيله وأفانينه ومصطلحاته وأضاليله، تارةً باسم التنوير، وأخرى باسم العالم المتحضر أو قل) العالم المستوحش (أو باسم العالم الحر، وهي أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان وما لها من أصلٍ في الحقيقة، ولكنها صيحات وطُرُّهاتُ يطلقها استعماريو الأمس واليوم، ويرددها أذنابهم وعملاؤهم، تلك التي أذاقت الناس الشر والوبال وأرهبتهم وسفكت دماءهم ونهبت ثرواتهم، وشجعت البغي والتطهير العرقي، وحمت الدكتاتوريات والظلمة وسُرَّاق الشعوب.
فإذا وجدت معك مكافحًا لهذا الغثاء، ومحاربًا لهذا الخبال أفلا تَسرُ وتفرح وتسعد وتهنأ، وإذا فقدت سندك وعضدك في مواجهة هذا الزحف أفلا تحزن وتبتئس، وتجزع وترتعد.
هكذا كان سيد نوح.. الداعية المتفتح الذي يفهم عصره، ويعرف زمانه ويخبر عدوه، ويجاهد ضلاله وبهتانه، سلامٌ عليك سلامٌ عليك.
سلامٌ عليك مبكي الجموع على حال المسلمين، وموجه الجماهير إلى الطريق المستقيم، في زمانٍ نادى في الدم المسفوح، والأشلاء المتناثرة الهلكى وما يسمعها أحد، وصاح فيه الشيخ الواهن فلم يجبْه إنس، وبكى الصبي البائس المقروح، وندبت فيه الأسيرة المنهوكة الهلكى فما يلبيها مسلم، نادوا بحقِّ الدم، بحقِّ القربى، بحقِّ الإنسانية، بحقِّ الدين، بحقِّ محمد، وربِّ محمد، بحقِّ الله الأعظم، نادوا وآإسلاماه، فما أسمعوا أحدًا وما تحرَّك قلبٌ؟!!
لقد كان فقيدنا الدكتور السيد نوح يتمزق كمسلمٍ غيور، وداعية مخلص من كمدٍ، ويتفطر قلبه من حسرة، وتتقرح كبده من لوعةٍ لما آلت إليه حال الأمة، وكان ينادي مع المخلصين، يا أهل القرار، وأصحاب أمانة الحكم، وأصحاب الفخامة والجلالة والمعالي، والمهابة والعزة، فما كان يُسْمَعُ لمخلص نداءٌ ولا لقصيرٍ أمرٌ، ولكنه ما كان لييأس، ويقول حسبنا أن تتيقظ الشعوب، ولا تيأس الأمة من الإصلاح.
فها أنت اليوم قد ودعتنا والحمل ثقيل والطريق وعرة والكفاح مرير والحرب ضروس، ولكن يكفيك ما قدمت لتضرب المثل لأمة تنهض إن شاء الله وتحفظ الود والعهد وإن روَّعها الأسى وانتحب المخلصون لفراقك.
لو أن أوطانًا تُصَوْرُ هيكلاَ دفنوك بين جوانح الأوطان
أو كان يُحْمَلُ في الجوانح ميتٌ حملوك في الأسماع والأجفان
سلامٌ عليك من قلوبٍ تفطَّرت لفراقك؛ لأنها تعرف قدرك، ومن مُهَجٍ إلتاعت لرحيلك لأنها آخت معك وسعدت بقربك.
سلامٌ عليك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقًا.
سلامٌ عليك ورحمة الله وبركاته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المصدر
أميرُ الدعاةِ سلامٌ عليك]إخوان أون لاين