آخر إصدارات العلامة الشيخ فيصل مولوي حفظه الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
آخر إصدارات العلامة الشيخ فيصل مولوي حفظه الله


عرض: الشيخ وليد سروجي

آخر إصدارات العلامة الشيخ فيصل مولوي حفظه الله

خيرُ المبشِّرات ببقاء الدِّين وحفظه وجودُ علماء أثبات يتحلَّون بصفتَي التقوى والعلم، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم» «يحمل هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ عُدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» رواه البيهقي.

ولقد كان تكريمهم السلوكَ النَّبيل من سلفنا الصالح مع كبرائهم وعلمائهم؛ فهذا «مجاهد» العَلَم الشهير يأخذ ابن عمر له الرِّكاب، ويسوِّي عليه ثيابه إذا ركب الدابة، بل إنَّ ابن عباس أخذ بركاب زيد بن ثابت حين همَّ بركوب دابته، فقال له زيدٌ: «خلِّ عنك يا ابن عم رسول الله»، فقال ابن عباس: «هكذا يُفعَل بالعلماء والكُبراء».

هذه المعاني مغزاها عند السَّلف أنَّ في تعظيم شأن العالم (من غير غُلوٍّ أو تزلُّف) تعظيماً للدِّين نفسه؛ ليبقى أهله العُدول الناشرين له، والمنافحين عنه، حتى لا يزهد المُحسِن ولا يطمع المسيء كما كان يقول عليٌ رضي الله عنه.

وإنَّ أدنى تكريم لأحد أعلام لبنان والعالم الإسلامي العلامة الشيخ فيصل مولوي أن ننشر علمه، وهو الفقيه الحريص على إذاعة فضائل الإسلام وتيسير فهمه وتطبيقه، فكان من المُبرِّزين في نشر الفقه المقاصدي، وإبراز مرامي الإسلام في رفعة الإنسان وإحسان علاقته بالله، وبناء المجتمعات على أُسُس الحق والعدل.

وما كتابُه المنوَّهُ به إلا صرخة أرادها حفظه الله لإخراج هذه الأمة من ويلات التمزُّق؛ وإذا كان تفرُّقها منشؤه الدنيا، فلا ينبغي ربطه بأمرٍ تعبُّدي كصوم شهر رمضان الذي يختلف المسلمون في أقطارهم في إثبات دخوله أو الخروج منه، فكان عنوان الكتاب سؤالاً تتكفَّل الإجابة عنه بإخراجهم من تباينهم للشُّروع في عبادة الصيام بقلوب مطمئنة وقناعة راسخة أنهم ليسوا ضحية خلافات السياسة ومفاسدها.

جاء الكتاب دراسة تأصيلية وافية مستغرقة لجميع نواحي الموضوع؛ فقد وصَّفَ الشيخُ الواقع، وذَكَرَ منشأ الخلاف، وأسبابه، وقارنَ أقوال الفقهاء، ووازَنَ الأدلة وناقشَها، ثم أفضى إلى نتيجة صريحة مفادها أنَّ الحكم الشَّرعي المتَّفق عليه هو وجوب صيام رمضان بدون زيادة أو نقصان، وأنَّ سبب الصيام هو دخول شهر رمضان، لا رؤية هلاله.

ولفَتَ إلى أنَّ وجوب اعتماد الرؤية كان بياناً نبوياً حدَّد وسيلة تتناسب مع معارف العصر؛ وحذَّر من التفريق بين الشهر «الشرعي» والشهر «الفلكي»، حيث إنَّ الشهر ظاهرةٌ فلكيَّة ناتجة من حركة القمر، والرؤية هي الوسيلة المقدورة لجميع الناس، ولذلك فلم يعُد هناك مبرِّر للإصرار عليها، والعلة المذكورة في الحديث وهي (إنَّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) قد زالت اليوم، وأصبحنا نكتب ونحسب، فيجب أن يزول الحكم المبني عليه؛ وذلك لأن الوسائل القابلة للتغيُّر تابعة في حكمها الشَّرعي للمقاصد والأهداف، بحيث إذا ظهرَتْ وسيلة جديدة أَقدَر على تحقيق الهدف وجَبَ اعتمادُها، وعِلْمُ الحساب والفلك اليوم وسيلةٌ قاطعة لتحديد بداية الشهر ونهايته، ولتمكين المسلم من أداء عبادته على أكمل وجه، فطَلَبُ هذا العلم يدخل في فروض الكفاية، والعمل بمقتضاها مطلوب أيضاً.

أما العلماء السَّابقون الرافضون اعتماد الحساب الفلكي، فلم يكن رفضهم مبدئياً لهذا العلم، وإنما باعتبار أن نتائجه غير يقينية (فضلاً عن التباس الحساب بالتنجيم عند بعضهم)؛ فإذا أصبحَتْ يقينية فلا مسوِّغ لرفضها، ويجب الرجوع إلى المبدأ الأساس، وهو وجوب طلب العلم والعمل بنتائجه.

أما جوهر البحث، فهو الإجابة عن سبب وجوب الصيام، حيث انتهى شيخنا عقبَ بحث متفرِّد، إلى أنَّ الرُّؤية وسيلة لا سبب (خلافاً لرأي الجمهور) لأن السبب «وصفٌ ظاهر منضبط دلَّ الدَّليل على كونه معرِّفاً لحكم شرعي»، فهو علامة على الحكم وجوداً وعدماً، ودخولُ الشَّهر يصلح ليكون سبباً، بخلاف الرُّؤية، فهي ليست وصفاً ظاهراً لأنها لا تتحقَّق في كثير من الأحيان..

وهو إذ يلفِت إلى أنَّ المقصود في تحديد المواقيت اتفاق الناس عليها لا اختلافهم حولها، فإنه يرى أنَّ ذلك لا يكون إلا باعتماد لحظة ولادة الهلال؛ فهي لحظة واحدة في جميع الكرة الأرضية، بينما لحظة الرؤية البصرية تختلف اختلافاً كبيراً، ولا يتعارض ذلك مع حقيقة مسمَّى الهلال؛ لأنه يُسمَّى هلالاً منذ ولادته وحتى يُرى، وإلى ليلتين أو ثلاث.

ونختم بما بدأ به الشيخ في مقدمة كتابه إذ يقول: «مضى عليَّ سنوات طويلة وأنا أُعمِل الفكر في هذه المسألة، وأتردَّد في إعلان هذه الأفكار، لكنِّي أخيراً عزمْتُ على ذلك التزاماً بواجب (عدم الكتمان)». جزى الله الشيخ عن أمته خيرَ الجزاء، ونفعَنا بعلمه، ومتَّعه بالشفاء والعافية.

صدر الكتاب عام 2008 عن دار الرشاد الإسلامية في بيروت, (هاتف: 791271 1 00961).

المصدر