د. "العريني": الثورة نجحت بـ(الإخوان)
اذهب إلى التنقل
اذهب إلى البحث
[06-04-2004]
مقدمة
• الإمام الشهيد كان يرفض أيَّ تبرعات من خارج الجماعة
• "عبدالناصر" عرض الوزارة على (الإخوان) فرفضوها
• الملك أعطى "الهضيبي" صورته ليعلقها فوضعها في المطبخ!!
الدكتور "محمود العريني" من مواليد مركز (ملوي) بمحافظة (المنيا) عام 1924م.. تعرف على (الإخوان المسلمون) في الأربعينيات.. وحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة (عين شمس) عام 1947م، ثم عمل مُعيدًا بالكلية، وحصل على (الماجستير) في علوم الأراضي، وعمل أستاذ كرسي أراضي بجامعة الأزهر عام 1969م، وسُجِن عام 1948م لمدة عام، وسُجِن عام 1954م ثلاثة أشهر، ثم سُجن في محنة 1965م سنةً كاملة، وسُجِن عام 1996م ثلاث سنوات في قضية حزب (الوسط).
ارتبط بدعوة (الإخوان المسلمون) بعد دخوله الجامعة، وعمِل في قسم الطلاب، وتقابَل مع الإمام الشهيد عدة مرات، وقد ورد في كتاب (عرفتُ البنَّا) قوله:
- "كنا ننتظر الإمام الشهيد في المركز العام كل صلاة مغرب، وذات مرة كنت مسافرًا إلى (شبين الكوم)، وعندما دخلت القطار وجدتُ الإمامَ الشهيدَ وقد اصطحبه بعض الإخوان"،
- وأضاف:
- "جلست معه، وكان في الدرجة الثانية، وكنت قد حصلت على تذكرة درجة ثالثة وجاء (الكمسري)، وقال الإمام الشهيد، نرجع معًا إلى الدرجة الثالثة، وكان (الكمسري) يعرف الإمام الشهيد فقال لي: خلاص يا أستاذ خليك، وجلست مع الإمام الشهيد ساعتين كاملتين.وأثناء الجلوس- وكنا في شهر رمضان- سألني عن اسمي، قلت له: "محمود العريني"، فقال: هل الشيخ "العريني" والدك؟ فقلت له: وكيف عرفته؟ فقال لي: أول من قابلته بالمنيا، وطلبت منه أن يعرفني بالإسلاميِّين في المنيا، وبالمناسبة ذات مرة صلَّى في مسجد (الفولي) بالمنيا "جمال عبدالناصر" و"عبدالحكيم عامر" وكان والدي شيخَ المسجد (الفولي) فقال لي: أنا قابلت أناسًا كثيرين، وقال لي: قابلت "عبدالناصر" وعبدالحكيم"، فقلت له: هل قابلت "حسن البنا"؟ قال: نعم.. هذا رجل فاضل، قلت له: وما رأيك في "عبدالناصر" و"عبدالحكيم عامر"؟ قال لي: "شوية عيال"!!
- وعندما حصلت على البكالوريوس وتم تعييني، وذات يوم كنت أجلس على مدخل المركز العام، ودخل الإمام "البنا"، ونادى يا "محمود العريني"، ما أخبارك؟! هل عملت؟! قلت له: أعمل بتعيين مؤقت، فقال لي: خذ هذا الكارت لوزير الزراعة "أحمد عبدالغفار" باشا، فقلت له: "عبدالغفار" باشا؟! لأني كنت أعلم أنه رجل سعدي وفظٌّ في التعامل مع الناس، وقلت له: يا فضيلة المرشد.. مديروه يخافون منه، قال لي: لا تشغل بالك، خذ هذا الكارت واذهب إليه، وكتبَ فيه: سيدي وزير الزراعة، وذهبت بالكارت، وفورَ تسليمي الكارت لـ(سكرتير) الوزير أرسل على الفور في طلبي، وقال لي: أهلاً يا ابني، كيف حالك؟ وكيف حال الأستاذ؟ هل صحتُه جيدة؟ ثم قال: إن شاء الله سوف نعيِّنك قريبًا، وقال لي: سلِّم على الأستاذ كثيرًا وبلِّغه تحياتي.
ظروف النشأة
- بعد هذا التاريخ الطويل مع الجماعة.. ما هو الأثر الذي نجحت الجماعة في إحداثه في المجتمع المصري؟
- في الفترة التي ظهرت فيها الجماعة كان المجتمع مغلقًا والاستعمار متسلطًا، والأحزاب الموجودة متفرقةً ومنقسمةً على بعضها، وفي هذا الوقت كان يستهوينا (الوفد)؛ حيث كانت له شعبية قوية في الثلاثينيات؛ لكنَّ اتجاهي الإسلامي جعلنا نتَّجِه إلى (الإخوان)، خاصةً بعد أن اعتنقنا الطرقَ الصوفيةَ لفترةٍ، وكانت طبيعتي عندما أتَّجِه إلى المولد النبوي أذهب لأصحاب الطريقة (الميرغنية) فكانت أكثر الطرق اعتدالاً، وكل جلساتهم يقرأون فيها القرآن الكريم، ويحاوِلون جمعَ الشباب، وكنت وقتَها أرى جوَّالة (الإخوان المسلمون) عام 1943م، وأخذ (الإخوان) في هذه الفترة ينتشرون ويؤثرون في المجتمع لدرجةِ أنهم سحبوا البساط من تحت أقدام (الوفد)، وذلك بجهد وإخلاص الإمام الشهيد، وجهود من ربَّاهم.
- وبدأ المجتمع تسود فيه السلوكيات الإسلامية، فعلى سبيل المثال كان شرب الخمر عادةً مألوفةً، فبدأتْ هذه العادة في التقلُّص، ورغم تضييق الإنجليز الخناق على مصر إلا أنه كانت هناك حرية، ولم يضيقوا الخناق على (الإخوان) إلا فترة الحرب العالمية الثانية، بعدما أصبح (الإخوان) منتشرين في كل مكان.
(الإخوان) والإنجليز
- لكنَّ تضييق الخناق على مصر، وعدم تضييقه على (الإخوان) هو الذي دفع البعض إلى الادِّعاء بأن هناك علاقةَ تعاون سرية بين (الإخوان) والإنجليز؟
- الإنجليز كانوا يرصدون تحركات (الإخوان)، وكانوا يعملون لهم ألف حساب؛ لكن لم يحاولوا استفزاز (الإخوان) في أي وقت من الأوقات؛ لأن الإنجليز- بطبيعتهم- يفضلون العمل في جوٍّ هادئ، فكانوا مع (الإخوان) متحفِّظين.. حاولوا الاقتراب من الإمام الشهيد وإغراءه بالمال، فقال لهم: "إن الله آتاني خيرًا مما آتاكم"، فضلاً عن ذلك فإن الإمام الشهيد كان يرفض أيةَ تبرعات من خارج الجماعة، وليس صحيحًا أنه تلقَّى تبرعات من شركة (قناة السويس)؛ حيث كان يعتمد على جيوب (الإخوان).
- ولماذا إذن كثر اللغط حول دعم الإنجليز للإخوان بالمال؟
- كل ذلك مجرد دعاية كانوا يروِّجون لها؛ بهدف إلحاق الضرر بـ(الإخوان).. هذا بالإضافة إلى الدور الذي لعبَه (الوفد) و(مصر الفتاة)؛ للترويج لمثل هذه الأقاويل، وذلك بعد بروز قوة (الإخوان المسلمون)، فـ"أحمد حسين" عندما شاهَد (الإخوان) بهذه القوة كان ينتقدهم، وكان فضيلة المرشد يعرف كل شيء، وعندما قال له "أحمد حسين" ذات مرة إن (الإخوان) يأخذون أموالاً من الإنجليز، قال له الأستاذ "البنا": (الإخوان) لم يمدوا أيديهم لأحد، ومن يتكلمون هم الذين يمدُّون أيديَهم، وذكر الإمام الشهيد وقتَها حادثةً معينةً، قال فيها: إنه يوم كذا وشهر كذا حصلت (مصر الفتاة) على أموال كذا..
(الإخوان) والقصر
- وماذا عن علاقة (الإخوان المسلمون) بالقصر؟ وهل كان فعلاً (الإخوان) يصفون "فاروق" بأنه خليفة المسلمين؟
- (الإخوان) لم يروِّجوا لذلك؛ ولكنَّ شيخ الأزهر الشيخ "المراغي" كان يروِّج إلى أن الملك هو خليفة المسلمين، وكان ذلك في بداية توليه العرش، وقبل أن تلتف حوله البطانة السيئة، وكان في بداية توليه قد سلك طريقًا يأمل فيه أن يكون خليفةَ المسلمين، وأوعزوا لشيخ الأزهر أن يؤيده؛ لكن (الإخوان) لم يفعلوا ذلك؛ لأن الإمام "البنا" كان يبعد عن الاحتكاك بأصحاب السلطة.
- وحتى تسوء سمعة (الإخوان) ادعوا أن (الإخوان) على صلة بالملك تارةً، وعلى صلة بالإنجليز تارةً أخرى، وحتى عام 1951م عندما دعا الملك المستشار "حسن الهضيبي"- رحمه الله- لمقابلته، وكانت مقابلة الملك تتم ببدلة التشريفة، فعندما أرسلوا إلى الأستاذ "الهضيبي" قال له السكرتير: لابد أن تلبس بدلة التشريفة، قال له: ليس لديَّ بدلة تشريفة، فقال له: سوف نحضرها لك، فقال: لن أرتديها، فقال: الملك يأتي بأي شيء، وعندما وصل لمقابلة الملك استقبله الأخير، ولم ينحنِ الأستاذ "الهضيبي" لتحية الملك، وكان الملك في ذلك الوقت يرتَجِف من (الإخوان)؛ لأنه كان متَّهمًا بقتل الإمام الشهيد "حسن البنا"، وبالتالي يريد نفيَ هذه التهمة؛ لذلك عندما جلس مع "الهضيبي" قال له: الذي قتل الإمامَ (السعديُّون).. فقال له الأستاذ: نحن نعرف كل حاجة، وعرض الملك على الأستاذ "الهضيبي" بعض الخدمات، وألمَحَ له إلى تشكيل وزارة لإرضاء (الإخوان)، وخرج الإمام "الهضيبي" ورافَقَه الملك، وأحضر السكرتير صورةً تذكاريةً للملك، فأخذها "الهضيبي" ووضعها في المطبخ.
الحوار مع الأمريكان
- بعد قيام الثورة كان هناك اتهامٌ آخر بأن (الإخوان) يتحاورون مع الأمريكان؟
- (الإخوان) لم يتَّصلوا بأحد، وقد اتصلوا بالإنجليز فقط بعد حرب القناة؛ حيث رغب الإنجليز في الخروج من مصر، وأرادوا التفاهم مع (الإخوان)، وقد قال جنرالهم في الإسماعيلية: "طالما أن هناك (الإخوان المسلمون) فليس لنا وجود في مصر"؛ ولذلك بدأ الإنجليز الاتصال بـ(الإخوان) أواخر 1953م؛ ولكنهم شعروا أن "عبدالناصر" يعمل ضد (الإخوان) فأخَّروا هذا القرار.
- وطلب "أفنز"- مسئول السفارة الإنجليزية في القاهرة- من "محمد نجيب" و"عبدالناصر" أن يتحاوروا مع (الإخوان)، ووافقَ "نجيب" و"عبدالناصر" على هذا اللقاء، واتخذ "عبدالناصر" من هذه الواقعة تكأةً لإلصاق تهمةِ اتصال (الإخوان) بالإنجليز، رغم أن الإنجليز كان من مقدورهم أن يقبضوا على الثورة، لولا وجود (الإخوان المسلمون)، فالثورة نجَحت لأن (الإخوان) كانوا موجودين في القاهرة، ونجاح هذه الثورة كان يكمُن في عدم تدخل الإنجليز.
(الإخوان) والثورة
- هذا ينقلنا إلى الحديث عن الثورة، وما أثاره البعض من أن (الإخوان) يزعمون أنهم أصحاب الثورة في حين أنه لم يكن لهم دور يذكر؟
- من قال ذلك؟! (الإخوان) كان لهم دور فعَّال.. فالإنجليز أنفسهم قالوا: طالما أن هناك (إخوان) فلن ندخل القاهرة؛ فضلاً عن ذلك كان للصاغ "محمود لبيب" ومجموعة من ضباط (الإخوان) في الجيش دورًا فاعلاً في نجاح الثورة، والصاغ "عبدالمنعم عبدالرءوف" أحد ضباط (الإخوان) كان لهم جميعًا دور بارز في نجاح الثورة، فهو الذي قام بالسيطرة على قصر (رأس التبِّين) بالإسكندرية، وأثناء حصاره لقصر (رأس التبين) أطلق "عبدالمنعم عبدالرءوف" النارَ على القصر إلى أن طلبوا أن يسلموا السلاح ويستسلموا، ودخل "علي ماهر"- رئيس الوزراء في ذلك الوقت- على الملك وطلب منه أن يستسلم.
- الخلاف مع الثورة يرجعه البعض إلى سعي (الإخوان) للسيطرة على الحكم..؟!
- (الإخوان) لم يطمعوا في الحكم، ولو كانوا يريدون الحكم لأخذوه أيام الملك، بعد أن عرض عليهم الوزارة ورفضوها.
- ولماذا رفضوها؟
- لأن (الإخوان) حركة إسلامية لا يمكن أن تأتي في مجتمع لا يطبق الإسلام، وبالتالي لم يحِن وقتُه، وإذا حدث فسوف تكون هناك مذابح.
- لأنه كان يعلم قوة (الإخوان) وتأثيرَهم في الشارع المصري، فـ"عبدالناصر" كان يمكُر لـ(الإخوان) منذ أول يوم للثورة، و(الإخوان) كانوا يعلمون ذلك، و"الهضيبي" أدرك ذلك، وقال: إن "عبدالناصر" ليس من (الإخوان).. نحن بايعنا على العمل للإسلام و"عبدالناصر" بايع، إلا أنه لم يلتزم بهذه البيعة.
غدر "عبدالناصر"
- "عبدالقادر عودة" و"عبدالمنعم عبدالرءوف" من الشخصيات التي كان لها فضل على "عبدالناصر".. لماذا غدر بهم؟!
- لأنه كان رجُلاً يهمُّه شخصُه، وكيف يسعى للقمة، ويكون له دور بارز في العالم، وكان (ديكتاتورًا)، ولم يوفَّق في أيِّ شيءٍ.. فبدأ بالوحدة مع سوريا، وفشل خلال عامَين؛ لأنه استعمل طريقةَ مصر القائمة على قبضة المخابرات، ولم يكن هناك أيُّ أساس لهذه الوحدة، "فشكري القوَتلي" نفذ هذه الوحدة حتى يتخلَّص من الشيوعيين، ولم يكن لدى "عبدالناصر" إخلاص لهذه الوحدة، فكان يعمل لشخصه وليس هناك شخص وثِق فيه إلا حَكَم عليه بالإعدام.
- على سبيل المثال في عام 1954م قال "عبداللطيف البغدادي" لابن عمه: إن ضباط الثورة انسحبوا فعلاً إلى أن قام "عبدالقادر عودة" بالتوفيق بين "عبدالناصر" وبين "محمد نجيب"، وهذه هي طبيعة المسلم الذي لا يفعل سوى الخير..!! و(الإخوان) لا يستبيحون القتل، وكان من كلام الإمام الشهيد أنه عندما نختلف في هذه الأمور يحدث الفراق بيننا، وهذه دعوة الله، وطريقنا واضح، ونحن لا نتعجل الأمور ولا نطمع في هذه الدنيا أكثر مما يرضاه الله لنا، وقضية السلطة والتمكين تأتي بعد أن يصبح المجتمع كله مسلمًا.
منهج (الإخوان)
- لكن يعاب على (الإخوان) أن منهجهم منذ 76 عامًا لم ينجح في تحقيق الأهداف التي وضعوها حتى الآن؟
- منهج (الإخوان) موضوع منذ أكثر من 1400 سنة.
- أتحدث عن آلية التغيير نفسها؟
- نحن لسنا أصحاب دنيا، و(الإخوان) يعملون ولا ينتظرون النتائج، فهي على الله- سبحانه وتعالى- و(الإخوان) كان لديهم بصمات واضحة في المجتمع فانتشر هذا الدين وكان لـ(الإخوان) دورٌ فاعلٌ حتَّى إن رؤساء الوزراء كانوا- قبل أن يتحركوا- يستشيرون الإمام الشهيد "حسن البنَّا"، وكان منهم "صدقي" باشا الذي قال لـ(البنَّا): "سوف أسافر لإنجلترا لمقابلة الإنجليز، وإجراء معاهدة معهم"، وقال له "البنا" مطالبه وعقدت معاهدة (صدقي- بيفين)، وكانت مخيبةً للآمال، فقال له "البنا": إنك لم تلتزم بالاتفاق، فردَّ عليه "صدقي": إذن أستقيل.. فـ(الإخوان) كان لهم تواجد فعلي.
- وأين (الإخوان) الآن؟
- (الإخوان) موجودون، فهي دعوةٌ ربانيةٌ، ولا تنتهيَ أبدًا، وستظلُّ حتى تقوم الساعة، فالدعوةُ تعتمدُ على الأصول الثابتة، وبعض المتغيرات التي تنبع من هذه الأصول تتوافق مع متغيرات العصر، والبشر هم الذين ينتهون.. و(الإخوان)- حتى داخل السجون وشدة المحن- كان الله سبحانه وتعالى يوفقهم.
المحن والجماعة
- ألم تؤثر هذه المحن على الجماعة؟
- أبدًا.. أثرت فقط على الضعفاء.
- لكنَّ محنة (65) أضعفت وجود (الإخوان)؟
- أريد أن أقول كلمة: إن "عبدالناصر" كان يَكيد لـ(الإخوان)، وفي لقاءاته مع المرشد "حسن الهضيبي" كان يهدِّد (الإخوان) بـ"جمال سالم"، وعندما ذهب إلى (الحوامدية) كبَّر (الإخوان) في مؤتمر جماهيري (الله أكبر ولله الحمد) لم يُعجِب "جمال عبدالناصر" هذا التكبير، وكان يرغب في أن يهتفوا (بالروح بالدم.. نفديك يا "عبدالناصر")، وقال لهم: لا تكونوا كالببغاوات، فردَّ عليه أهل الحوامدية: لسنا ببغاوات يا "عبدالناصر"، وذات مرة قال لـ(الإخوان) قبل الثورة: "نفسي ييجي يوم أدوس على الزِّر أمشِّي البلد كلها، فكان يعمل لشخصه دون قيم".
- ولماذا صدر حكمٌ بالإعدم على "عبدالمنعم عبدالرءوف"؟
- لأنه كان من الشخصيات القوية، وكان يقضي على كل شخصية قوية يشعر أنها تنازعُه الزعامة، رغم أن "عبدالمنعم عبدالرءوف" هو الذي حمَى الثورة، وفوق كل ذلك فإن (الإخوان) استفادوا من المِحَن؛ حيث خرجت أجيال قوية، والله- سبحانه وتعالى- كان ينصر هذه الدعوة في كل محنة، وهناك العديد من الآيات التي تؤكد ذلك.
- مثل ماذا؟
- كان بيننا أخ أوشك أن يموت لمرضه بالقلب، ولم نجد طبيبًا في هذا اليوم وطلبنا من العسكري إحضار الطبيب فرفض، وقال: انتظروا للغد، فبدأ (الإخوان) يدعون له ويقرأون القرآن، فأخذت حالتُه تتحسَّن حتى نام، وجاء الطبيب في الصباح ووجد حالتَه مستقرةً تمامًا.
- لكنَّ هناك من يشكِّك في وقائع التعذيب، وهناك من يقول: إن "عبدالناصر" كان لا يعلم بوقائع التعذيب؟
- هذا كلُّه كذب ومبررات كاذبة.. كان "عبد الناصر" يمسك بتليفون السجن الحربي ويسمع التعذيب بنفسه، وكان "جمال سالم" و"صلاح سالم" يتواجدون باستمرار في السجن لمشاهدة التعذيب.
- هناك بعض المحطات التي أثيرت حولها التساؤلات مثل "عبدالرحمن السندي" والتنظيم الخاص، واختيار الأستاذ "حسن الهضيبي"..؟
- التنظيم الخاص كان مسئولاً عن نشأته "محمود عبدالحليم"، وكان له دور فاعل في حماية الدعوة، وعندما هاجم الإنجليز الشعبَ كان للتنظيم دورٌ في حماية الحركة، فضلاً عن ذلك فقد حارب التنظيم في حرب فلسطين، وعندما ذهب "محمود عبدالحليم" لبلده تمَّ ترشيح "السندي" مكانَه، وسلك بعض التصرفات غير المنضبطة، فكانت (حادثة الخازندار) وكان (مقتل النقراشي)، وهي حوادث ارتُكِبت دون علم الإمام الشهيد "حسن البنا".
- وماذا عن الخلاف حول تولي "الهضيبي" موقع المرشد؟!
- الأستاذ "الهضيبي" كان على علاقة بالإمام الشهيد، ومنذ أن قابله الأستاذ "البنا" أدرك قيمته.. فـ"الهضيبي" من (الإخوان)- معجون إخوان- وقد لفت نظر الإمام عندما علم أنه يَحكُم بالشريعة، وعندما قابله شعر بأنه رجل نوراني، وأن الله- سبحانه وتعالى- أراد أن يتولَّى هذا الرجل المسئوليةَ في فترة المحنة، فكان أثبت (الإخوان)، وأراد "عبد الناصر" أن يهزَّه فلم يستطع، وكان الأستاذ "الهضيبي" في المحنة يقول للإخوان مَن أراد أن يؤيِّد "عبدالناصر" فليؤيده لكنَّ "حسن الهضيبي" لن يؤيِّد.. وكان اجتماع الهيئة التأسيسية عام 1951م ورشَّح "الهضيبي" لموقع الإرشاد "منير الدلة" و"حسن عشماوي".
- ما هي علاقة "الهضيبي" بالتنظيم الخاص؟
- عندما جاء "الهضيبي" لم يكن مقتنعًا بقيادات الجهاز الخاص؛ لأن النظام واضحٌ، وهدفه واضحٌ، وكان من بين من تغيَّروا "عبدالرحمن السندي"، الذي استغلَّه "عبدالناصر"، وبدأ يحصل على كل شيء عن النظام حتى إنهم اغتالوا رئيس النظام في القاهرة المهندس "سيد فايز".
- عبد الناصر اغتاله؟
- لا أستطيع أن أقول ذلك.. بل بالعكس اتهموا أحد الإخوان، وأراد "عبدالناصر" أن يُحدث وقيعةً بين (الإخوان).
- بالطبع المحن تؤثر على البشر.. فكيف أثرت المحن على الإخوان؟
- كل محنة قابلتنا استفدنا منها كثيرًا، وكان على رأس هذه الاستفادة انتشار الدعوة عالميًا، فالله- سبحانه وتعالى- لم يحقِّق نصرًا لـ"عبد الناصر" على (الإخوان)، وفي عام 1954م ذهب كل إخوان الجامعة إلى بعثات خارج مصر، فانطلق نشاطهم بعد أن كان مقيَّدًا وأسسوا جمعيةً إسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولها تأثير كبير على طلاب الدول الإسلامية الذين يدرسون في أمريكا، وذهب البعض إلى إستراليا والبعض إلى أوروبا.. فكانت هذه المحن تمكينًا وتمحيصًا وانتشارًا للدعوة، والحمد لله رب العالمين.
المصدر
- حوار: د. "العريني": الثورة نجحت بـ(الإخوان) موقع اخوان اون لاين