يا كبار...

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
يا كبار...

أ.د/جابر قميحة

من الأحكام النقدية المشهورة : " إن القصة هى الفن الجماهيري " , و ذلك لأن كل القراء يميلون إلى قراءة القصة , مهما كانت أعمارهم , و ذلك لما فيها من متعة و تشويق .

و القرآن الكريم فيه قصص حقيقة متنوعة بلغت قمة البلاغة , و هي تهدف الى تحقيق أهداف إيمانية , و تربوية , و عرفانية .

و للحيوان فى هذه القصص حظ وافر . و من هذه الحيوانات : الكلب , والبقره , والفيل , والحية , والنملة , والنحل , و الغراب , والهدهد الذى كان بينه و بين سليمان عليه السلام حوار طويل كما نري فى الآيات الآتية .

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(27) النمل من ( 20 – 27 )

والأدب العربي غني بقصص الحيوان , و كثير منها يهدف إلى تحقيق أهداف تربوية , سلوكية , كما أن كثيرا منها يحمل إسقاطات سياسية . وأقدم في السطور الآتية قصتين قصيرتين تاركا للقارئ إستخلاص ماتعكسه من إيحاءات , و إسقاطات سياسية و اجتماعية فى وقتنا الحاضر :

يحكي أن أحد الصيادين فى الغابة إذا خرج للصيد حبس كلبه في بيته , و لكن الكلب كان يضيق بذلك فيصعد إلى سطح البيت و ينبح كما شاء . و كانت متعته الكبرى إذا رأى الأسد سائرا أمام البيت شتمه بأقذع الشتائم , و الأسد لايستطيع أن يصل إليه : فباب البيت مغلق , و الكلب يقف على السطح , أى فى أعلى مكان من البيت .

وتكررت شتائم الكلب للأسد كل يوم , فنظر إليه الأسد باحتقار و قال له : اسمع أيها الكلب , و الله أنت ما شتمتني , و لكن شتمنى المكان الذى تقف فيه .

وأعتقد أن الإسقاط السياسي واضح جدا فى هذه القصيصة .

ويحكون أن الفيل الطيب كان يعيش في بيته بالغابة الواسعة، لا يؤذي أحدًا , ولا يتعالى على أحد، بل كان يحترم كل حيوانات الغابة , ويعطف على صغارها.

وكانت عادته اليومية أن يغادر بيته في الصباح الباكر، ويمضي في طريقه لتحصيل رزقه، وليتريض في شعاب الغابة، وكان يوزع تحياته على كل من يلقاه من حيوانات الغابة، قبل أن يعود إلى بيته آخر النهار، لذلك كان موضع حب الجميع.

ولكن ثعلبًا حقودًا عز عليه أن يحوز الفيل هذه المكانة في قلوب سكان الغابة، فأعلن أمام إخوانه الثعالب أنه سيضرب الفيل ضربة قاصمة، لا قيامة له بعدها، ولم يستمع لنصح عقلاء قومه بألا يقدم على هذا اعمل العدواني.

وفي صباح اليوم التالي ـ وأمام بقية الثعالب ـ انطلق الثعلب الحقود المغرور نحو الفيل ـ وأمام بقية الثعالب أخذ يخمش خرطومه .. ويحاول أن يغرس فيه أنيابه دون فائدة. فاضطر الفيل الطيب أن يلف عليه طرف خرطومه. ويقذفه إلى أعلى , ويستقبله بنابه الذي مزق مؤخرته. قصرخ الثعلب من شدة الألم , وأخذ يزحف إلى أصحابه وهو ينزف دمًا، وفضلات قذرة، وأصحابه يسخرون منه.

فقال ـ والألم يكاد يمزقه ـ لماذا تسخرون مني لقد انتصرت على الفيل انتصارًا حاسمًا.؟

- انتصرت عليه وهو الذي مزق عجيزتك ؟

- نعم ، فقد نجحت في تلويث نابه وخرطومه بإفرازاتي.

ونظرة ثاقبة للحكاية السابقة تقودنا إلى الحقائق الآتية:

1 ـ أن الثعلب المتهافت لم يعرف قدر نفسه، فدفعه غروره إلى الهجوم على الفيل.

2 ـ أنه استعمل أسلوب المغالطة، وقلب الحقائق، فسمى هزيمته "نصرًا" وهيأ نفسه ليعيش في هذا الوهم المنفوش... وهم نصرمزعوم , وهوفي حقيقته هزيمة نكراء.

3 ـ أنه خلع على نفسه صفة المنتصر، وعلى إنجازه صفة النصر.

وقد أصدرهذا الحكم من نفسه لنفسه، مشفوعًا بتبرير يدعو العقلاء إلى السخرية، وهو أنه "لوث رأس الفيل ونابه بِخَبثِه ونجاسته" وكأن ذلك كان هدفه الأصلي من "الهجوم" الذي شنه على الفيل.

وحتى يبرز نصره "المزعوم" أغفل عامدًا ما أنزله به الفيل من تمزيق مؤخرته، ومن إسالة دمائه.

فنحن أمام ثعلب دعي مغرور لا يعرف قدر نفسه، ولا يعيش واقعه، بل يعيش عالمًا من الوهم المنفوش، وقد حاول أن يوهم ـ بل يقنع ـ الآخرين بأنه واقع بلا شطط أو إسراف.

ترى هل أسرفت على نفسي إذ جعلت عنوان المقال

" يا كبار ,تعلموا من قصص الحيوان " ؟

المصدر:رابطة أدباء الشام