من يحمي شياطين الاستبداد؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من يحمي شياطين الاستبداد؟!
الواعىىىىىىىىىىىىىىىى.jpg

بقلم د. توفيق الواعي

لا أحدَ من شياطين الاستبداد يعتبر أو يتذكر؛ لأن العبرة تحتاج إلى قلب، والتذكر يتطلب عقلاً، وصدق الله: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ (الرعد: 19)، ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ﴾ (غافر: 13)، وهذا يقتضي أن يكون المتذكر سليم الطبيعة، صادق النظرة، نيِّر البصيرة؛ حتى يستطيع تحليل الأمور، وترتيب المقدمات، واستخلاص النتائج، وذلك بعيدٌ عن طبيعتهم الشيطانية ونفوسهم الشرِّيرة، التي تخضع دائمًا للأوهام وللأحلام الدخانية.

ومع ذلك فهناك من يغذي ذلك ويثيره ويبهرجه ويُلبسه ثوب الحقيقة البرَّاقة، التي تُعمي وتصم وتخدع.. فمثلاً هل يتصور أحد- مهما كان تافه العقل- أن الشعوب تولِّي عليها من يظلمها ويستبيحها، ثم تحبه وتحافظ عليه، وترضى به وتفرح؟! حقيقة لا، وألف لا، وهل يتصور إنسان أنها تسمع له وتطيعه وتؤيده وتفديه بالروح وبالدم؟! وهل يتصور كائن من كان أن يسرقها ويبدد ثروتها، ويدع شعوبها فقيرةً معدمة، ثم تسبِّح بحمده، وترضى بخرقه وجنونه وتزيد له في الإنتاج، وتبني له أمةً؟! هذا ومثله يتصوره ذلك المستبد الأخرق، ويظنه هذا المجنون الأرعن.

فمثلاً:

ولد الطايع في موريتانيا - الذي جاء بانقلابٍ وذهب بمثله- لم تستقر البلاد مدةَ حكمه التي زادت على العشرين سنة، استمر فيها الصراع بينه وبين القوى المختلفة في البلاد، وكان ذلك على حساب استقرار الأوضاع في ذلك القطر المبتلى، واستمر التدهور والشقاق حتى عمَّ الداخل والخارج.

أما في الداخل فقد سلك مع خصومه خطط الاستئصال والانسداد السياسي والمداهمات الأمنية، والاعتقالات التي طالت كل الفئات، خاصةً في صفوف التيار الإسلامي وقياداته البارزة التي لها رصيدٌ طيبٌ في الأمة مثل: الشيخ محمد الحسن ولد الددو، والدكتور مختار ولد محمد موسى، والعالم الإسلامي محمد الأمين ولد الحسن، والسيد محمد جميل ولد منصور.

ولم يكتفِ النظام الخاسر باعتقال القيادات الدينية والوطنية الفاعلة، بل قصد إلى اعتقال النساء؛ حيث اعتقل السيدة أم المؤمنين من بيتها، وتوجه بها إلى قيادة الشرطة، ويُذكر أن زوجة ولد منصور هي ثاني امرأة يطالها الاعتقال الذي استهدف الكوادر الإسلامية النسائية، بعد الأستاذة الجامعية الدكتور طفيلة بنت أشنغ المختار، التي قضت قرابة شهر في المعتقل، وتعتبر هذه الاعتقالات منعطفًا جديدًا في التصعيد الأمني الذي استهدف علماء الدين وعلماء المساجد والكوادر النسائية من التيار الإسلامي المتصاعد، كما يعتبر عملية التعذيب التي تعرض لها المعتقلون جريمةً أوقدت النار في الهشيم، خاصةً أن المعتقلين من عائلات معروفة ومحترمة، ولهم مكانة في صفوف الشعب المسلم والأوساط الشعبية والوطنية.

هذا وقد كشف النظام السيئ عن سريرته الشريرة بإعدادِه لمحاكمات هزلية واتهمات ملفقة، يحكم فيها قضاء مسيَّس معدوم الذمة والكرامة، فحملت الأخبار أن المجلس الأعلى للقضاء عيَّن القاضي ولد محمد محمود، المعروف بنشاطه لصالح الحزب الحاكم رئيسًا لمحكمة الجنايات بنواكشوط، التي يتوقع أن تتولى محاكمة المحتجزين في السجن المركزي من الإسلاميين، وهذه تعتبر إضافةً جديدةً إلى الأزمة المستحكمة في البلاد، وقد يتساءل الإنسان عن سر هذا الصراع المتنامي والوقح في نفس الوقت، خاصةً مع خيرة المثقفين والوطنيين الذين لهم الكلمة الطولى في الأمة، ولا يحار الإنسان طويلاً حتى يجد الجواب فيما يلي:

أولاً: أن النظام فقد صلاحيته؛ لأنه أفلس وفشل في الإصلاح، وجرَّ البلاد إلى فقر مدقع، يحتاج إلى جهد وفكر وعمل إنقاذي، وهو ما لم يوجد في تلك القيادة.

ثانيًا: إرادة الاستمرار في الحكم رغم هذا الضياع والإفلاس وفقدان الصلاحية..!!

ثالثًا: الفساد المالي والإداري لرأس السلطة وحاشيته المساندة له التي ترتزق من وجوده.

رابعًا: المعارضة التي ترى وتسمع وتحاول أن تتكلم وتوجِّه، بل وتعترض على هذه الأوضاع وعلى تزوير كل شيء، بدءًا بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتهاءً بالمجالس المحلية والقيادية والحزبية، فكانت هذه المعارضة أمرًا مزعجًا لا بد من إزالته.

خامسًا: شعب يذوق الهوان ويتعرض للفقر والضياع وامتهان أدنى حقوقه، ويخشى أن يثور أو يميل إلى المعارضة فيتمرد، فلا بد من سياسة العصا الغليظة، والعبد يُقرع بالعصا.

سادسًا: بعد الانفصال عن القوى الفاعلة وعن المثقفين وعن الشعب لا بد من اللجوء إلى قوى أخرى تحقق له طلباته ويحقق لها طلباتها، فوجد ذلك النظام تلك القُوى وسعِد بها، وصار لا حاجةَ له بعد ذلك إلى شعب أو دستور وقانون، أو عدالة أو حتى تنمية.. إلخ.

واطمأن ولد الطايع اطمئنانًا مضاعفًا، وظن أن ما فعله لأمريكا وللكيان الصهيوني كفيل بحمايته من غضب الداخل، وأن ضمانه لمصالحهما كفيلٌ بضمان بقائه، خاصةً وقد ذهب في هذا مذهبًا بعيدًا، وفعل ما لم تفعله أية دولة عربية أخرى، أو ربما زاد من حد التباهي بما فعل، ويبدو أن عناصر الاستخبارات الأمريكية والصهيونية الخاصة والمقيمة بكثافة في نواكشوط وجميع عملائهما لم يغنوا نفعًا أمام الشعب المصمِّم على إزالة هذا الركام، وهل أغنى ذلك في العراق شيئًا عن أمريكا أمام تصميم الشعوب؟!

كذاك الذي يبغي على الناس ظالمًا تصبْه- على رغم- عواقبُ ما صنع

على كلٍّ.. فكم من عِبَرٍ تمرُّ وأيامٍ تكرّ، وللحقيقة والواقع ما رأيت أو سمعت عن شيطان ومستبد قد اعتبر أو تذكر أو أقلع عن مظالمه وجنونه إلا بقارعة حربية أو شعبية.. هل يعي ذلك هؤلاء أو يعقلون؟! وصدق الله: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: 46).

وبعد.. نقولها كلمة أخيرة: من أراد الملاذ والأمان فالشعوب الشعوب، وقبل ذلك التوكل على الله سبحانه والاعتصام به: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الحديد: 17) فهل يعقلون؟! نسأل الله ذلك.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى