من ستين عاما كتبت

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من ستين عاما كتبت

أ.د/جابر قميحة

(من خمسة وستة عاما – وأنا جندي جندي صغير في الصف الإخواني – تعودت أن أسجل يومياتي ,وهذه يومية منها).

الجهاد سبيلنا.. إنه شعار ومبدأ أخذ الإخوان أنفسهم به من بداية دعوتهم، جهاد بالكلمة..وجهاد بالتوعية.. وجهاد بالمال..وجهاد بالنفس.. وقدموا الشهداء في خط القناة وهم يحاربون الإنجليز.. وقدموا العشرات من الشهداء، وهم يحاربون الصهاينة في فلسطين. بل كان اهتمامهم بالقضية الفلسطينية وتوعية الناس بها، وجمع المال من أجلها:

في الثلاثينيات كتب مصطفى صادق الرافعي مقالاً بعنوان: "قصة الأيدي المتوضئة" عبر فيه بدقة وبفن أصيل عن مشهد من مشاهد جهد الشباب المسلم في جمع المال من أجل فلسطين في يوم من أيام الجمعة بأحد المساجد.. ومما جاء فيه: "..

ولما قضيت الصلاة ماج الناس إذ انبعث فيهم جماعة من الشبان يصيحون بهم يستوقفونهم ليخطبوهم؛ ثم قام أحدهم فخطب، فذكر فلسطين، وما نزل بها، وتغير أحوال أهلها، ونكبتهم وجهادهم واختلال أمرهم، ثم استنجد واستعان، ودعا الموسر والمخف إلى البذل، والتبرع، وإقراض الله تعالى، وتقدم أصحابه بصناديق مختومة، فطافوا بها على الناس يجمعون فيها القليل من دراهم هي في الحال دراهم أصحابها وضمائرهم...

وأنصت الشيوخ جميعًا إلى خطب الشبان، وكانت أصوات هؤلاء جافية صلبة حتى كأنها صخب معركة لا فن خطابه، وعلى قدر ضعف المعنى في كلامهم قوى الصوت؛ فهم يصرخون كما يصرخ المستغيث في صيحات هاربة بين السماء والأرض...".

وكان الإخوان قد كونوا لجنة لمساعدة فلسطين برياسة المرشد العام في 25 من صفر 1355هـ. ولا يتسع المقام لبسط الحديث عن هذه اللجنة. غير أن أهم ما قام به الإخوان هو القيام ب الجهاد العملي سنة 1947 م بإرسال كتائبهم لقتال الصهاينة في فلسطين، وتطوع من المنزلة الأخ عبد الحميد الزهرة، ومن المطرية دقهلية الأخ محمد جادو السويركي.

وبالنسبة للقضية المصرية والاستعمار الإنجليزي، كانت المظاهرات الإخوانية هي الأعلى صوتًا، والأقوى نبرًا. وكان الإخوان يؤيدون كل كبير، أو وزير، أو رئيس وزارة يطالب بجلاء الإنجليز عن مصر، بصرف النظرعن هويته الحزبية.. وكان أنبل المواقف موقف للإمام الشهيد يتلخص فيما يأتي:

"في يوليو سنة 1947 م سافر محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية إلى أمريكا ليلقي خطابًا في مجلس الأمن دفاعًاعن قضية مصر الوطنية، ولكن مصطفى النحاس باشا زعيم الوفد بعث ـ للأسف ببرقية إلى مجلس الأمن يندد فيها بالنقراشي وحكومته، ويتهمه بالدكتاتورية وانعدام الديموقراطية، وعدم شرعية هذه الحكومة؛ لأنها لاتمثل الشعب المصري. وكانت هذه سقطة مخزية للنحاس لا يقره عليها عاقل؛ لأن النقراشي ذهب مطالبًا باستقلال مصر، وجلاء القوات البريطانية عنها. فما كان من الإمام إلا أن أرسل البرقية الآتية:

إلى جناب رئيس مجلس الأمن، وسكرتير هيئة الأمم المتحدة:

يستنكر شعب وادي النيل البرقية التي بعث بها إلى المجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصري، ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها، وسواء كانت حكومة مصر ديموقراطية أو دكتاتورية، فإن الشعب المصري يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة أن ذلك أمر يعنيه وحده، وأنه لا يسمح لأية دولة أجنبية بالتدخل، فله وحده الحق في أن يختار نوع الحكم الذي يريده، طبقًا لميثاق الأطلنطي، ومبادئ هيئة الأمم، وله وحده الحق في أن يعرض على حكومته ما يريد، وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه.

كما يعلن كذلك أن حقوقه الثابتة عن مصر وسودانه، والحرص الكامل على استقلاله أمر لا يقبل جدالاً ولا مساومة، وأن الوحدةالدائمة بين شماله وجنوبه حقيقة واقعة وضرورة لا محيص عنها، ولا يحول بينها وبين الظهور على حقيقتها وروعتها إلا هذه الإدارة الثنائية التي فرضتها بريطانيا عليه بالإكراه، والتي طلبت الحكومة المصرية في عريضة دعواها إلغاءها، وأشارت إلى بطلان المعاهدة التي سجلتها بريطانيا، والتي لم يرض عنها الشعب المصري، ولم يسلم بها يومًا من الأيام.

وأنتهز هذه الفرصة فأؤكد لأعضاء المجلس والهيئة: أن شعب وادي النيل عظيم الأمل في يقظة الضمير العالمي، وأنه لن يستقر سلام في الشرق، ولن تهدأ ثائرة شعوب العروبة وأمم الإسلام حتى ينال وادي النيل حقه كاملاً، وليس إرضاء مجموعة من البشر قوامها أربعمائة مليون بالشيء الذي يستهين به الحريصون على الأمن والسلام".

وفي أثناء ذلك قامت شعب الإخوان في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء وسقوط الإنجليز.. وقمنا نحن في المنزلة بعدد من المظاهرات كان من أقواها المظاهرة التي اندلعت بعد سماعنا لخطاب النقراشي في المنظمة الدولية، وكانت بقيادة الأخ أحمد سليمان زين الدين رحمه الله.

ثم كانت المظاهرة الجامعة في مدينة المنصورة بعد صلاة الجمعة.. وحضرها إخوان من كل الشعب: فمن المنزلة: عبد الحميد الزهرة، ومحمد حسن عساسة، وكاتب هذه السطور (ولم أكن قد تجاوزت الثالثة عشرة من عمري آنذاك). ومن المطرية دقهلية الحاج عبده البسيوني رئيس الشعبة، والأخ فهمي الخضيري ، و الأخ محمود إبراهيم الجميعي ، والأخ محمد جادو السويركي ، (وقد جمعنا أتوبيس واحد متجه إلى المنصورة).

المظاهرة ضمت آلافًا من المتظاهرين حضروا - كما ذكرت - من شعب مختلفة، وكانت بقيادة الشيخ مصطفى العالم ـ رحمه الله ـ وكأني أراه هذه اللحظة، وهو يهتف "الحرية .. الحرية.. يا أعداء الإنسانية، يسقط مجلس اللصوصية" (يقصد مجلس الأمن والمنظمات الدولية).

ثم كان الجهاد المسلح ضد الإنجليز في خط القناة أواخر الأربعينيات، وأوائل الخمسينيات، فعن طريق المنزلة يجتمع الإخوان الفدائيون في شعبة المطرية.. ومنها في السفن الشراعية إلى مواقع الإنجليز في بورسعيد، وأطرافها.

ولعل أضخم وأهم عملية قاموا بها هي نسف القطار الإنجليزي الذي كان يحمل شحنة ضخمة من الأسلحة، والذخائر قيمت بعشرات الملايين من الجنيهات، عدا الضحايا من الجنود الإنجليز.

وعادت المجموعة بكاملها سالمة إلى شعبة المطرية، وأذكر منهم الإخوة: علي صديق، و يوسف علي يوسف ، و ... هويدي، (وقد نسيت اسمه الأول) وربما كان أحد أشقاء الأستاذ فهمي هويدي.

ومن قبيل استيفاء الحديث أذكر أنني كنت طالبًا في مدرسة أحمد ماهر الثانوية بالمطرية في الصف الرابع (الثقافة وبعده يكون التخصص في الصف الخامس) وكنت أسكن في حجرتين في الدور العلوي من منزل والد الأخ زميلي في المدرسة عبد الرحمن عرنوس.

..وأذكر أن الحاج عبده البسيوني ـ رئيس الشعبة ـ كان شعلة نشاط في خدمة الإخوة الفدائيين.

وأذكر أن الأخ علي صديق كان مغرمًا بسماع "لهجة المطرية" الأصيلة من الأخ الزميل محمد عبد الرازق الغوابي.

وكان الإخوان الفدائيون بعد كل عملية، - وكلها ناجحة بعون الله - يعودون إلى شعبة المطرية، وهم في نشاط دفاق، كأنهم ولدوا من جديد (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (سورة الأنفال: 17)

المصدر:رابطة أدباء الشام