مذبحة سجن " أبو زعبل" 1965م

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مذبحة سجن " أبو زعبل" 1965م

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

بقلم:جابر رزق

مذابح الإخوان في سجون ناصر

كان احد أسباب مذبحة الإخوان المسلمين سنة 1965 كان الصراع الذي قام بين أجهزة الأمن المصرية وبالذات بين جهاز الشرطة العسكرية الذي يسيطر عليه شمس بدران وبين جهاز المباحث العامة الذي كان يرأسه اللواء حسن طلعت ووزير الداخلية وقتئذ هو عبد العظيم فهمي, وكان اكتشاف تنظيم سنة 1965 حاسما للصراع لصالح الشرطة العسكرية وشمس بدران ووقعت البلد في قبضتها , في بداية عملية الاعتقال كان رد الفعل عند ضباط المباحث العامة غير متجاوب مع الشرطة العسكرية ولصالح الإخوان , فكانت عمليات القبض والتفتيش التي يقوم بها ضباط المباحث العامة قبل اكتشاف التنظيم لا تتجاوز حدودها بمعنى أنهم يذهبون للقبض على الأخ ويفتشون بيته تفتيشا عاديا روتينيا , و سبق أن تحدثت عن كيفية اعتقالي وأدب ضابط المباحث العامة معي , ولكن بعد اكتشاف التنظيم يوم 17 أغسطس سنة 1965 وسخرية ضباط الشرطة العسكرية من ضباط المباحث انقلب الأمر وصار ضباط المباحث العامة كالوحوش الكاسرة , فاقوا بكثير ما فعله ضباط الشرطة العسكرية في ساحات التعذيب في السجن الحربي بالإخوان , ولم تكن " القسوة " في التعذيب هي الوجه الوحيد لإجرام ضباط المباحث العامة ولكن كانت هناك صورا من الخسة والنذالة والفجر وامتهان كرامة الإنسان وإهدار كرامته وانتهاك عرضه وسحق إنسانيته وشهدت ساحات التعذيب في سجني " القلعة " و " أبو زعبل " صورا من التعذيب يندى لها جبين الإنسان وتبقى على مر الأيام وصمة عار لكل الذين شاركا في هذا العهد . . واكتفي بإعطاء صورة لما كان يجري في مذبحة " أبو زعبل " معتمدا في هذا على رواية شهودها كمنهجي في الكتاب منذ بدأته .

يقول الدكتور أحمد الملط :

_ بعد اعتقالي بأسبوع واحد قضيته في معتقل القلعة رحلت إلى معتقل سجن " أبو زعبل " . . وكان المبنى حديثا وكنا أول من دخله بعد أن سلمه المهندسون لمصلحة السجون . . كان المعتقل عبارة عن مبنى مستطيل طوله حوالي أربعمائة متر وعرضه حوالي 60 مترا والزنزانات والعنابر على الجانبيين الطوليين وفي الوسط فناء بطول المبنى وعرضه محاط بسور من القضبان الحديدية وكان هذا الفناء هو أرض المذبحة وكان يطلقون عليه اسم " المحمصة " أدخلنا إلى " المحمصة " مجموعات أثر مجموعات كان الدوران الثاني والثالث مقسمين إلى عنابر كل عنبر مساحته 8 متر عرض و16 متر طول به دورة مياه مكونة من حمامين وعدة حنفيات كان يوضع في العنبر ما بين المائة والمائة وعشرين معتقلا وكنا ننام " كالسردين " في صفائح السردين . . بمعنى أن كل واحد يضع رأسه بجوار قدمي أخيه ولا يستطيع أحد أن ينام على ظهره . .

في البداية كان استقبالنا في المعتقل بدون تعذيب لأنه لم يكن قد اكتشف تنظيم الشهيد عبد الفتاح إسماعيل بعد , ولكن بعد اكتشاف التنظيم صار هناك تنافس شديد بين الشرطة العسكرية وبين مباحث أمن الدولة كل منهما يريد أن يثبت لعبد الناصر أنه قادر على تطويع الإخوان وغسل مخهم فأخذوا يتبارون في التعذيب . . وازداد أفراد المباحث العامة سعارا وجنونا وفجرا في التعذيب بعد اكتشاف التنظيم فأرادت أن تكتشف هي أيضا قضية حتى تثبت وجودها . . فكان التعذيب في سجن أبو زعبل لا يقل في ضراوته ووحشيته وإنسانيته عما كان يجري في السجن الحربي : بل كان هناك نفس الأسلوب طريقة التعذيب كالذبيحة بحيث يكون الشخص معلق من يديه ورجليه في قضيب حديد ويوضع القضيب بين كرسيين ويكون الشخص رأسه إلى أسفل ويديه ورجليه إلى أعلى . . واخترع زبانية المباحث العامة طريقة أخرى وهي التعليق على قضبان الحديد في فناء السجن حيث يؤمر الشخص بالصعود على القضبان إلى أعلى وهو عار تماما كما ولدته أمه ثم يربط " بالكلبش " من يديه ورجليه في القضبان ويضرب بالعصي على آليته أحيانا حتى تسقط . . وبصورة أقسى يعلق الشخص على القضبان بحيث يكون رأسه إلى أسفل ورجلاه إلى أعلى وهذه التعليقة إذا زادت عن وقت معين يقضى على الشخص وفعلا توفى الأخ عبد الحميد البورديني بسبب هذه التعليقة . . وكان الضرب يتم بالكرابيج . . وبأغصان الشجر الخضراء التي كانوا يقطعونها من الأشجار المحيطة بالسجن . . أو كانوا يلقون الشخص في حفرة ويوهموه أنهم قرروا دفنه . . وقد استخدموا معي أنا في تعذيبي طريقة التعليقة فربطوا يدي ورجلي ثم أخلو قضيب الحديد بين يدي ورجلي وحملت حملا ووضعت على كرسيين واستمروا في تعذيبي قرابة أربعة أيام . . وبعد أن يئسوا من الحصول مني على شيء قالوا لي :

_ أنت لن يجدي معك إلا إرسالك إلى السجن الحربي . .

وفعلا رحلوني إلى السجن الحربي وفي الحربي لم يسألني أحد , قضيت أسبوعا في الزنزانة وبعد أسبوع أخذوني إلى مكاتب التحقيق حيث كانت هناك ساحة التعذيب وبقيت في هذا المكان من العاشرة صباحا إلى الثانية من صباح اليوم التالي وأنا جالس مكاني لا أستطيع التحرك وكانت الصورة تمزق القلب . . كانت الساحة مثل المذبح واحد معلق من رجليه والثاني معلق من يديه . . وثالث معلق من يد واحدة ورابع السياط تمزق جسده وخامس يحاولون دفنه . . وسادس يغرقوه في الفسقية الموجودة أمام المكاتب وهكذا . . وفي هذا اليوم رأيت الشهيد محمد عواد سليمان عندما كان يعذبه الملعون صفوت الروبي وكان شمس بدران في هذا الوقت يقف أمام المكاتب . . ثم أعادوه إلى السجن في آخر النهار وأنا لا زلت جالسا مكاني . . شاهدت عواد يسوقه الجلاد صفوت الروبي تحوطه زفة من العساكر يضربونه بالسياط وعواد في حالة إعياء شديد . . رأيتهم يحملونه حملا . . حتى الفسقية وألقوه فيها ورأيت صفوت يمسك رأس عواد ويخبطها في الفسقية ويقول له :

_ تكلم يا ابن الكلب . . .

فلا يتكلم عواد .

ويغطسه صفوت في الفسقية . . ثم يخرجه ويقول له :

_ تكلم يا ابن الكلب . .

وعواد لا يتكلم . .

وفجأة رأيت عواد قد انتهى . . سكت . . حركته انتهت خالص وصار جثة هامدة بجانب الفسقية . . وسمعت صفوت يقول لشمس بدران:

_ الولد بلغ فرار يا سعادة البيه ! !

فقال له شمس بدران:

_ خذه . . ولفه وارميه . . كلب ومات ! !

وبسرعة العساكر أتوا ببطانية ولف فيها عواد وحملوه ولا أدري إلى أين ؟ ! إلى أرض الله طبعا . في الساعة الثانية من صباح اليوم التالي أعادوني إلى الزنزانة لا أدري لماذا أتوا بي إلى ساحة التعذيب ولماذا أعادوني في هذه الفترة لم يسألوني شيئا إطلاقا . بعد أسبوع جاء أحد العساكر ينادي :

حملت أشيائي وذهبت إلى المنادي . . وإذا بي أرحل إلى معتقل أبو زعبل مرة ثانية . . رجعت أبو زعبل وجدته مذبحة فعلا . . الفناء عبارة عن سوق من الناس معلقون . . ويعذبون دخلت على هذا المنظر . . لم يدخلوني إلى عنبر من العنابر ولكنهم أدخلوني إلى هذا المجزر . . إلى الحوش الذي كانوا يسمونه المحمصة كانت دوامة التعذيب تبدأ من العاشرة صباحا وتنتهي في الساعة الثانية أو الثالثة حسب مزاج زبانية المباحث العامة وكان يقوم عليها مجموعة من رجال المباحث أذكر منهم أحمد رشدي وفؤاد علام . . وجمال زاهر وطوسون .

كانت المحمصة تضم عددا يقدر بحوالي مائة وخمسين معتقل من الإخوان الذين يعذبون بالدور غير العذاب الجماعي العذاب الجماعي كان الإخوان يبقوا يجرون داخل الحوش في طابور لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات وزبانية المباحث يهوون عليهم بالعصي وأغصان الشجر حتى ينهكوا تماما وكان الملعون الجوهري هو المسئول عن التعذيب الجماعي في المحمصة كان يعطي لكل واحد رقما ويأمره أن يردده بصوت عال . . فمثلا يعطيني رقم سبعة وخمسين أردده بصوت عال وكل واحد رقم . . + رقم واحد يقول بصوت عال واحد . . واحد . . واحد ورقم اثنين يقول بصوت عالي اثنين . . اثنين . . اثنين ورقم ثلاثة يقول بصوت عالي ثلاثة . . ثلاثة . . ثلاثة كل الذين في المحمصة كل يردد رقما بصوت عال في وقت واحد وهذه عملية إنهاك عصبي رهيبة . . ينتهي التعذيب الجماعي بوصول ضباط المباحث حيث يبدأ التعذيب الفردي أثناء التحقيق .

أدخلوني المحمصة بعد عودتي من السجن الحربي أدخلوني في دوامة التعذيب المستمر . . الجماعي وبقيت أياما على هذا . . وذات يوم فوجئت ينادي فؤاد علام علي وجردني من ملابسي ويقول لي هازئا :

_ أنت ملط . . فكن ملطا حقيقيا . . وأمرني بخلع ملابسي . . وأبقيت السروال وأمرني بالصعود على قضبان الحديد وصعدت تحت الضرب بالعصي ولما صعدت إلى ارتفاع ثلاثة أمتار وأنا أمسك في القضبان بيدي نزع سروالي فكشفت عورتي . . وبقيت في المحمصة مع من فيها ليمارس علينا التعذيب الجماعي الذي كان يبدأ يوميا من الساعة السادسة صباحا ويستمر حتى يبدأ ضباط المباحث في المجيء إلى السجن ليبدأ التحقيق والتعذيب الفردي .

ظللت في المحمصة شهرا ونحن نفترش الأرض ونلتحف السماء تعطى لنا بطانية الساعة الثانية صباحا وتؤخذ منا في الساعة السادسة صباحا .

ولا أنسى صورة أحد الطيارين الذين كانوا يعذبون معنا ومن قسوة التعذيب فقد ثقته برحمة الله . . أتذكر هذا الطيار وكنا جالسين مثل الفراخ . . كل واحد جالس في ركن من أركان الحوش رأيت هذا الطيار يخبط رأسه في الحائط من شدة أمه النفسي وهلهلته . . وهلهلة ملابسه . . وجسمه الممزق رأيته يخبط رأسه في الحائط فقلت له :

_ يا أخي أدعو الله . . تذكر أن الله وصانا بالصبر يجب أن تصبر على هذا . . كل شيء له آخر . . وبينما أحدثه عن الصبر فكأنني فجرت دملا فإذا به ينفجر في البكاء ويقول :

_ هو فين ربنا ؟ ! ! أنا بقى لي شهر ونصف وأنا أنادي عليه . . وهو لا سمعني ! ! – ( سبحانه ) – هو راح فين ربنا . . أنا خلاص مش راح أقول يا رب . . أنا بقول طوال شهر ونصف مش سامع الاستجابة وسقط مغشيا عليه .

والتففت حوله . . وأخذنا نقرأ قرءانا حتى أخذ الله بيده . . ومن حسن تدبير الله أنه رحل في اليوم التالي إلى السجن الحربي .

من الأمور المؤلمة والتي لا تنسى كان الجلادون من رجال المباحث يأتيهم الطعام يوميا في سيارة من محلات جروبي . . ويوضع الطعام أمامهم ويجلسون يأكلون ويشربون الخمور ونحن نراهم لا يفصلنا عنهم سوى قضبان الحديد التي تحيط بالمحمصة . . كانوا يأكلون ويشربون ويديرون عملية التعذيب .

ولك ليس معنى هذا أن رحمات الله لم تكن تحيط بنا لقد كان هذا التعذيب في هداية الكثيرين . . أذكر من اللطائف الحلوة قصة أحد المعتقلين اسمه الحاج عبد المجيد رضوان هذا الرجل كان تاجر جلود في الحمزاوي ولم نكن على معرفة سابقة يبعضنا ولكن جيرته لي هي التي عرفتني به وعرفته بي . . كنت أنا وهو نتقاسم ما يسمى " بالمجور " داخل المحمصة وكنا نتخذه " مخدة " لم يكن الحاج عبد المجيد من الإخوان ولكنه اعتقل بسبب ابن أخته الذي كان أحد الطيارين الذين اعتقلهم جمال عبد الناصر فأتوا به ليدل على أخته وظل في المعتق ل ونسي وظل في المعتقل وعندما أفرج عنه كان من الإخوان المسلمين خرج وهو يحفظ نصف القرءان , ويداوم على قراءة المأثورات وتلاوة ورد القرءان اليومي .

ويقول الأخ إسماعيل حسونة من مدينة الإسماعيلية ويقيم الآن في مدينة الزقازيق ويعمل أمام مسجد غريب :

_ في يوم 12 / 8 / 1965 اعتقلت بواسطة المباحث العامة بمدينة الإسماعيلية , وأبقيت أربعة أيام بالإسماعيلية ثم رحلت إلى معتقل القلعة . . قضيت في معتقل القلعة حتى يوم 28 / 8 / 1965 حيث حقق معي وكان التعذيب في معتقل القلعة بالعصي الغليظة ويضرب الإنسان على كل جسمه دون مراعاة لما يمكن أن يترتب على ذلك ثم رحلت في نفس اليوم إلى معتقل أبو زعبل حيث قضيت قرابة الخمسين يوما طلبت بعدها إلى السجن الحربي لصلتنا بالأستاذ سيد قطب. . قضيت أسبوعين في السجن الحربي بدو ن أي تحقيق رحلت بعدها إلى معتقل أبو زعبل .

عندما وصلت إلى باب المعتقل استقبلني أحمد رشدي الذي كان رئيسا للتحقيقات وكان وقتئذ مفتشا لمباحث القاهرة , وكان يشاركه في التحقيقات الضباط : احمد راسخ . . وفؤاد علام . . وعصمت الرخاوي الذي كان أركان حرب المعتقل وقتئذ وعلى بوابة المعتقل الكبيرة وضعوا العصابة على عيني وسحبوني إلى مكتب أحمد رشدي الذي رفع العصابة من على عيني وقال لي :

_ أخلع ملابسك . . وكان معه احمد راسخ ويمسك كل منهما عصا , فخلعت ملابسي ما عدا " السروال " . . فانهالا علي ضربا بالعصي وأمراني أن أخلع " السروال " وتحت ضغوط التعذيب خلعت " السروال " ووقفت عاريا تماما كما ولدتني أمي . . وقالا لي :

_ اجري وأنت واقف . . فأخذت أجري في مكاني أمامهما وأنا عار تماما . . ثم نادي علي أحد المخبرين وقالا لي :

_ علقه . . وعلقت التعليقة " المشهورة " . . وأنا عار وأخذا يضرباني في وقت واحد بالعصي وأثناء الضرب قال لي أحمد رشدي  :

_ أين السلاح ؟ !

قلت :

_ لا يوجد عندي سلاح .

قال :

_ أنا ذهبت إلى منزلك وفتشنا بيتك واعتقلنا زوجتك . . وأثناء تعذيبي عملوا مكالمة تليفونية لرئيس مباحث الإسماعيلية وسأله أحمد رشدي :

_ امرأة إسماعيل حسونة عندك ؟ !

فرد عليه رئيس مباحث الإسماعيلية :

_ نعم . .

فقال له أحمد رشدي :

_ ما حدش نام معها ! !

قال له :

_ لا . .

قال احمد رشدي :

_ ائت بشخص . . وعشيه كويس وخليه ينام معها !

حدث هذا وأنا معلق ويواصل أحمد راسخ ضربي بالعصا . .واستمر التعذيب لمدة أسبوع الضرب بالعصي والحرق بالنار كانا يشعلان " الولاعة " ويحرقان جسمي بها . وقد اثبت الطب الشرعي هذا .

بعد استمرار التعذيب أسبوعا دون أن يحصل مني على اعتراف بما يريدان وتبين فشلهما في ذلك أوقفا تعذيبي . . وأنزلاني من التعليقة وأخذاني وأنا عار إلى القضبان الحديدية وأمراني أن أتسلقها إلى أعلا ثم ربطا يداي " بالكلبش " الحديدي مع القضبان وبقيت هكذا ساعتين أو أكثر .

بعد ذلك أبقيت في الحوش " المحمصة " ليلا ونهارا . . وكانت وسائل التعذيب العامة التي يمارسها كل من في المحمصة عبارة عن تمرينات رياضية تؤدى على مدى ساعات طويلة لم أكن استطيع أن أمارس تلك التمرينات لأني أصبحت مثل المشلول استمر هذا الوضع حوالي شهرين . . كانت هناك أصناف أخرى من التعذيب . . كانوا يصفوننا طابورا ويأمروننا أن يضرب كل منا الذي أمامه لقد قتل أثناء التعذيب الأخ أحمد شعلان من الخانكة وزميله زكريا المشتولي ومن محافظة الغربية بدر الدين القصبجي . .لقد هدموا بيتي . . ونهبوا ما فيه واعتقلوا زوجتي وجردوها من ملابسها وكانت " حاملا " في ستة أشهر فأسقطوها وأبشع من هذا كله كان لي أبنه اسمها عواطف وعمرها وقتئذ كان أحدى عشر سنة توفيت بعد اعتقال ي بيومين , فلما ذهب رجال المباحث العامة إلى العزبة واعتقلوا زوجتي ذهبوا إلى قبر بنتي ونبشوه وأخرجوا الجثة من القبر بحجة أنهم يبحثون عن سلاح ! !

وقد شهد بذلك شهود قريتي ورووا ذلك أمام النيابة .

ويقول الشيخ محمد الغزالي الجبيلي . . اعتقلوا محمد ابني والحاجة زينب أختي . . ولم نكن نعلم أين مكانهم ؟ ! . . وقبل اعتقالي بيوم سألوا عني . . وقالت لي زوجتي أن المباحث العامة تريدك . .فعرفت أنهم سيعتقلونني فجهزت حقيبتي . . ووضعت فيها بطانية . . والمصحف ورسالة الإمام البنا بين الأمس واليوم . . والرسائل الثلاث . . وقفت أصلي . . وأثناء صلاتي حضر ضابطان من مباحث أمن الدولة . . بعد الانتهاء من صلاتي اصطحبوني إلى مبني المباحث العامة بشبرا الخيمة . . عندما وصلت قالوا لنا . . اذهبوا به إلى سجن أبو زعبل .

وصلت بنا السيارة الثامنة مساء . . لم أجد أحدا بالمعتقل . . وضعوني في حجرة وحيدا لمدة ليلة واحدة . . في الصباح جاءوا بأناس من المحلة . . ومن جماعة الدعوة والتبليغ . . وصل عددنا ثلاثين معتقلا . . يوم ثلاثين أغسطس نادوا علي . . نزلت تحت . . عصبوا منديلا على عيني . . وسحبوني إلى مكاتب التحقيق وأجلسوني فترة من الوقت ثم أعادوني إلى الحجرة . . ثم أخذوني أثناء الليل وعصبوا منديلا علي عيني وأنزلوني إلى فناء السجن . . وكانوا يطلقون على الفناء كلمة " المحمصة " وجدت الفناء مليء بالمعذبين . . كان قد صدر قرار جمهوري باعتقال كل من سبق اعتقاله . . وخطب جمال عبد الناصر في موسكو . . وأعلن أنه لن يعفو عن الإخوان المسلمين بعد الخطاب امتلأ السجن بالمعتقلين . . بلغ العدد أكثر من خمسة آلاف معتقل . . مر على الضابط أحمد رشدي . . سألني :

_ أنت الغزالي ؟ ! !

استنكر عصب عيني بالمنديل فقط . . قال :

_ ده يخرب الدنيا . . ضعوا جاكت بدلته على رأسه أيضا . . كان معي الدكتور أحمد الملط . . وأنور العزب . . ورشاد المنيسي , ومأمون الهضيبي , وأحمد ثابت وصديق عسل . . والحاج علي رزة من الإسماعيلية . . كنا جميعا لا نرتدي من ملابسنا سوى الفانلة والسروال . . وقينا في " المحمصة " حتى رحلونا إلى السجن الحربي . كان التعذيب يتم ليلا . . وكان لكل ضابط طريقته في التعذيب . . كانوا يبدءون التعذيب بالضرب بعصي مأخوذة من شجر الكافور المزروع على الترعة الحلوة القريبة من سجن أبو زعبل . . كانوا يضربون على الجسم كله حتى يعترف الشخص بما يريدون منه . . وإذا لم يستجب للتحقيق يعلق تعليقة السجن الحربي ! !

بدءوا التحقيق معي . . وبدءوا يعذبوني . . علقوني . . حضر أحمد رشدي . . وأوصى بالذين يعذبوني بأن يخلصوا علي . . كان هناك أيضا فؤاد علام . . والسنباطي . . جابوا سيخ حديد . . وعلقوني . . وأخذوا يعذبونني وأنا أصرخ بأعلى صوتي . . يا مغيث . . يا ظلمة . . الله أكبر . . ولله الحمد . . الله غايتنا . . يا ظلمة . . يا ظلمة . .أغمى علي . . فحملوني وألقوا بي في مكان فيه " حلفا " .

وكان حول الفناء سور من القضبان . . كان الزبانية من رجال المباحث العامة يأمرون الشخص الذي يريدون تعذيبه بأن يتخلى عن ملابسه كلها ويقف عاريا كما ولدته أمه ثم يأمرون ه أن يتسلق الق ضبان ويربطون يدي ه " بالكلبشات " الحديدية في القضبان وكذلك قدميه . . في ليلة من الليالي أخذوني . . وقالوا لي :

_ الضرب لم يعد يجدي معكم ! !

قلت لهم :

_ دي عقيدة . . أحسن طخونا . . وموتونا . . قالوا  :

_ أنت سترحل إلى السجن الحربي وسوف تموت هناك . . بقيت في المحمصة 45 يوما مع من فيها ننام . . ونأكل . . ونتبرز . .ونعذب في هذه المحمصة . . كانوا لا يعطوننا أي وقت لقضاء الحاجة . . كانوا يتركوننا حتى يبول الإنسان على نفسه . . لم يكن مسموحا لنا بالذهاب إلى دورة المياه . . كلنا نتبرز في البلاعة نصبت بطانية على البلاعة لتستر من يريد أن يتبرز من الإخوان . . كانوا يوقفونا طابورا على هيئة دائرة ويعاملوننا معاملة القرود . . نقف معصوبي العينين . . وجوهنا إلى الحائط . . يطلبون مننا أن نعد كل واحدا له رقم . .يكرر رقمه بصوت عالي . . الجميع يصيحون في وقت واحد كل واحد يقول الرقم الذي يمثله .

في ليلة أخرى جردونا من ملابسنا تماما وشكلوا منا طابورا وأمرونا بالجري ونحن عرايا كما ولدتنا أمهاتنا وكان المخبرون يقفون والطابور يدور حولهم وهم يحرقوننا بالسجائر في أماكن حساسة من أجسامنا . بمرور الأيام طالت لحيتي فجاء واحد من المخبرين وأشعل عود كبريت في لحيتي فتضايقت وضربت المخبر بيدي في صدره فأخذوني وأعطوني علقة . . في يوم آخر رأيتهم يحضرون واحدا من الإخوان ليس عليه سوى " الفانلة " و " السروال " فجردوه منهما واحضروا جريدة خضراء من نخله وشقوها ووضعوا فيها " ذكره " بعد عشرة دقائق أغمى عليه ! !

أحيانا كانوا يأمروننا بالانبطاح على بطوننا ويأمروننا بالزحف على بطوننا . . ويقول الكابتن الطيار محمد ضياء الدين الطوبجي :

_ أخذوني من منزلي إلى احمد صالح داود بالمباحث العامة , أثناء تحقيقه الأولى معي دخل علينا أحد الضباط وقال لي : ليتك كنت شيوعيا كنت نفدت بجلدك من هذه العملية ! ! لم يكمل أحمد صالح داود تحقيقه معي . . وسبني بأقذع الشتائم وقال :

_ خذوه . . وطلب أحمد راسخ تليفونيا وقال له :

_ أجعله يتكلم على الصبح . . أخذوني وحدي . . دخلت سجن القلعة . . سمعت صوتا رهيبا . . مزيجا من العواء والصراخ . . سلمت أماناتي . . بعدها انهالوا على بالضرب بالعصي . . جريت في طرقة طويلة . . وهم يجرون خلفي . . ويضربونني بالعصي والكرابيج حتى وصلت إلى غرفة التعذيب وجدت زميلي الطيار خالد عشري هو مصدر الصوت الرهيب المزيج من العواء والصراخ يصدر منه . . لم يكن خالد العشري من الإخوان فقط لأنه طيار زميل الطيار يحيي حسين الذي هرب إلى السودان وزميلي . . وجدت خالدا معلقا كالذبيحة وعاريا كما ولدته أمه وهم ينهالون عليه بالضرب . . كان الصاغ أحمد راسخ هو المشرف على تحقيقات القلعة . . رأيت الزبانية يطفئون أعقاب السجائر في دبر خالد عشري وكان عنده " بواسير " فشفى منها بسبب هذه الوسيلة من التعذيب ! !

أول شيء فعلوه معي هو تجريدي من جميع ملابسي حتى صرت عاريا تماما . . ثم وقف الزبانية حلقة . . وأخذت أجرى وسط هذه الحلقة وهم يضربونني . . وهذه مجرد عملية تسخين أولية دون أن يسألوني أي سؤال . . بعد علقه التسخين أخذني ضابط على ناحية وقال لي ينصحني :

_ يا بني هنا كل واحد لازم يتكلم بعد التعذيب . . هناك من يتكلم بعد ساعة . . وهناك من يتكلم بعد عشر ساعات . . وهناك من يموت من التعذيب ولا يتكلم . .ونحن لا نترك أحدا حيا إلا بعد أن يتكلم . . وهنا فكرت بسرعة . . قلت لنفسي لو كان الواحد ضامنا أن يقتل فورا كانت الحكاية سهلة ولكني خفت أن أفقد السيطرة على عقلي بعد ساعات من التعذيب فأهلوس وأكون سببا في القبض على أبرياء آخرين فقلت لنفسي أتكلم الآن وأنا في كامل وعي أحسن حتى استطيع أن أتحكم فيما سأقول فقلت للضابط : _ أنا أعرف علي عشماوي . . و عبد الفتاح إسماعيل . . فكأنني قلت لهم مفتاح الكنز . . فتركوني حتى الصباح أشاهد تعذيب باقي الإخوان .

كان التعذيب في سجن القلعة هو التعليقة والضرب بالشوم المفضي إلى الموت . . والتجريد الكامل من الثياب . . والانحطاط في وسائل التعذيب كوضع العصي في دبر المعذبين وإطفاء السجائر في الأماكن الحساسة .

في اليوم التالي بدأ التحقيق معي . . تكلمت عن نفسي وعن زميلي الطيار يحيي حسين فقط لا غير دون ذكر أسماء أخرى . . كان الضرب أثناء التحقيق معي للتسخين فقط . . وكانوا يعرضون على زملائي الطيارين من شركة مصر للطيران وكنت أبرئهم على أساس أن احمل القضية وحدي .

ورأيت زكريا المشتولي الذي عذب حتى الموت وسائق جرار من كفر البطيخ مضروبا ضربا رهيبا وكان يعرف زكريا المشتولي معرفة شخصية ويعرف أيضا أحمد شعلان الذي قتل أيضا أثناء التعذيب . . تحت وطأة التعذيب الرهيب اعترف سائق الجرار أنه سلم زكريا المشتولي و أحمد شعلان جوالا من الأسلحة وعندما اشتد تعذيبه صار الجوال أحد عشر جوالا من السلاح وبطبيعة الحال كان لا بد من الحصول على هذه الأجولة من السلاح وإلا التعذيب حتى الموت . . وقد كان . . فقد مات زكريا المشتولي . . وأحمد شعلان . وآخر منظر محفور في ذاكرتي هو منظر زكريا المشتولي عاريا تماما ملقى به على الأرض لا يوجد مكان في جسمه دون تمزيق . . وفي حالة احتضار وأحد ضباط المباحث العامة راكزا على ركبتيه ومقربا أذنه من فم زكريا المشتولي ليعرف منه مكان السلاح المختلق ! ! بعد ثلاثة أيام . . قالوا لنا :

_ كل معتقلي القلعة سيرحلون . . فظننا سنرحل إلى معتقل الطور وان التعذيب قد انتهى .

ولن أنسى ما حييت منظرا رأيته أثناء تجميعنا للترحيل كان المشتول قد مات أمامنا . . وكان زميله أحمد شعلان ملقى على محفة وفي حالة احتضار أيضا . . وقالوا إن الطبيب جاء ليراه . . وجاء الطبيب فعلا وخلفه شخص آخر من ضباط المباحث العامة هو أحمد رشدي .

ركبنا سيارات ترحيل المساجين بعد بعض الوقت وجدنا أنفسنا في معتقل " أبو زعبل " دخلنا المبنى الجديد الذي كان يتكون من ثلاثة أدوار , الدور الأول يضم عددا من " الزنزانات " الانفرادية . . والدور الثاني والثالث عبارة عن عنابر كل عنبر يتسع لثلاثين شخصا على الأكثر . . وصل عدد المعتقلين في كل عنبر إلى مائة وعشرين شخص . . كانت هناك أيضا حديقة خارج المبنى هي ساحة التحقيق والتعذيب الفردي أما التعذيب الجماعي فكان في حوش المبنى الذي كانوا يسمونه المحمصة .

وضعونا في العنابر . . فرحنا جميعا على أساس أن تحقيقنا قد انتهى . . وهنا مجرد معتقل . في الليلة الأولى . . وقرب منتصف الليل سمعت من ينادي على اسمي . . وكان أول اسم ينادى عليه من المجموعة التي رحلت من القلعة إلى " أبو زعبل " .

فأجبت عليه . . وعرفته رقم العنبر الذي أقيم ف ي ه . . فحضر إلى وقال لي :

_ هل معك منديل ؟ !

فدهشت جدا . . وبعد خروجي من العنبر أخذ المنديل وعصب به عيني ثم سحبني خارج المبنى ووجدت نفسي في حديقة التحقيق . . سمعت من يقول لي :

_ يا ضياء المشير مهتم بأمرك . . ونريدك أن تتكلم لأن ما قلته في القلعة غير كاف . . وأخذ يغريني بالإفراج عني .

فقلت له :

_ أنا قلت كل ما عندي وليس عندي شيء آخر .

وعندما لم يجد مني استجابة انقلبت اللهجة ووجه لي أقذع السباب ونسى ما قاله عن اهتمام المشير بي . . وحاجة البلد لي كطيار . . وقال :

_ إما أن تتكلم . . وإما أن نشنقك ؟ !

وأحضر فعلا حبلا ولفه حول رقبتي وأوقفني على حافة بلكونه وحاول أن يلقيني منها . . بعد ذلك قال لي :

_ ارقد . . سنصعقك بالكهرباء . . واحضر سوسته سرير وقال لي :

_ امسك السوسته علشان توصل الكهرباء . . فمسكتها من طرفيها فلم أجد بها أسلاكا فسبني بأقذع الألفاظ وقال :

_ دعها . . ثم اجلس على ظهري وأنا راقد على بطني ثلاث عساكر لكي يمنعوني من الحركة وأمسكوا بقدمي وانهال على قدماي ضربا بالشوم . . وطال الضرب بالشوم على قدماي قال :

_ راح نعطيك مائة شومة . . وطلب العسكري مني أن أعد وأخذت أعد حتى إذا وصل العد إلى رقم عشرين . . قال :

_ لا . . ثمانية عشر فقط . قلت :

_ عشرون . .

قال :

_ مش عاجبك ؟ ! طيب عد من أول واحد . . كانت عملية التعذيب عبارة عن عملية تعصير لأي معلومات عند الإنسان الذي يعذب .

بعد الانتهاء من التحقيق معي بدأ التعذيب في " التعذيب " كان جميع من في المحمصة معصوب العينين وهذا عذاب شديد لأنك لا ترى أحدا . . وقد يمكث الأخ في المحمصة يوما أو أسبوعا أو شهرا . . حسب فترة التحقيق معه

وهناك مجموعة من الإخوان استقرت في المحمصة حتى بعد انتهاء التحقيق معها . . وفي كلمة استطيع أن أقول :

_ " لقد كانت أساليب التعذيب في " أبو زعبل " تتسم بالخسة . . والنذالة . واللؤم " .