لو أن ضجة الحجاب كانت من أجل التعذيب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لو أن ضجة الحجاب كانت من أجل التعذيب


بقلم:القاضـي/محمود رضا الخضيري


ما أسعد وزير الداخلية وهو يرى الضجة التي ثارت من أجل تصريحات الوزير فاروق حسني الخاصة بالحجاب والصمت الذي يلف الشعب رغم ما يقرأ ويسمع من وقائع تعذيب الناس في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة وهتك الأعراض في التجمعات الصغيرة التي تتجمع أحياناً للمطالبة بالحرية والعدل والمساواة ، ما أسعده وهو يشعر أن جرائمه وجرائم أتباعه ومعاونيه يلفها هذا الصمت الرهيب ومحاولة الالتفاف عليها وطمسها والخوف من الحديث عنها لدرجة أن أكبر الصحف القومية تخاف من نشر مقال يفضحها فتقوم جريدة المصري اليوم بنشره .

هل يستطيع أحد أن يخبرني لماذا هذا الصمت على هذه الجرائم التي تكاد تصبح ممارسات يومية في حياتنا ، وماذا ننتظر حتى نثور في وجه هذه الممارسات ، وماذا ينقصنا حتى نقف في مواجهتها ونحاسب المسئولين عنها وتمنع وقوعها في المستقبل ، لقد جعل الدستور في المادة 57 منه الجرائم التي تقع على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطن وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جرائم لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم مع تعويض صاحبها تعويضاً عادلاً ، وهذا معناه أن وقائع التعذيب التي وقعت منذ خمسين عاماُ يمكن إقامة الدعوى الجنائية والمدنية عنها لمعاقبة أصحابها في حالة ما إذا أمكن إثباتها ، ولا شك أن بعض من قام بذلك قد زالت عنهم السلطة وخرجوا إلى الشارع وأصبحوا من عامة الناس ويمكن مقاضاتهم دون عقبات فلماذا يسكت الناس عنهم ، لماذا الخوف وعدم استنكار التعذيب والاعتقال وعدم تنفيذ أوامر الإفراج التي تصدر عن القضاء ، هل أصبحت الأعراض والحريات في مصر أقل أهمية من الوقوف ضد رأي غير مدروس خرج من إنسان غير متخصص ويعبر عن رؤية شخصية لا قيمة لها ولا وزن ، هل هانت علينا أعراضنا وحرياتنا حتى أصبحت لا تستحق منا مجرد السير في مظاهرة تطالب محاسبة المسئولين عن التعذيب والاعتقال وإلغاء حالة الطوارئ التي تشعر كل مواطن حر أنـه يعيش في سجن ، ما قيمة العيش في بلد الحرية فيه مستباحة والأعراض لا قيمة لها ، والكرامة لا ستستحق الدفاع عنها .

ترى هل لو أن الحكومة قامت اليوم برفع سعر رغيف العيش أو إجراء تخفيض في المرتبات والأجور ، هل سيقابل الناس ذلك بالصمت أم أن الشارع سينتفض غضباً من أجل لقمة العيش كما فعل في مرات سابقة أجبرت الحكومة على التراجع عن قراراتها في الحال ، ترى لو أن كل من يقوم بالتعذيب والاعتقال وجد نفسه في مواجهة مع الشعب وعرضه للمحاكمة كان يمكن أن يكون هذا حالنا من إدمان التعذيب والاعتقال.

يقولون أن ضجة الحجاب قامت لأن الوزير فاروق حسني أهان كرامة المرأة المحجبة ، وأنا أقول هل أصبحت كرامة المرأة أهم من عرضها وشرفها ، هل إذا قلت لامرأة إنك قبيحة أكون قد اقترفت إثماً أكبر من أن أمزق ملابسها أمام الناس في الشارع وأمس عورتها ، أليس هذا انقلاباً في الأحاسيس والقيم والأخلاق أصاب مجتمعنا فنثور في غير قضية ونصمت في أعظم وأضخم القضايا ، إن هذا يذكرني بواقعة عشتها في القطار الفاخر المتوجة إلى أقصى الصعيد والمسمى بالمجري منذ حوالي عشرين عاماً كنت وقتها متوجهاً إلى أسوان في رحلة عمل ، وكان يجلس في المقعد المقابل رحل من أقصى الصعيد وبجواره ابنته فتاة في مقتبل العمر تلبس ملابس لا تستر الكثير من جسدها الممتلئ وترخي الكرسي حتى يكاد يصبح سريراً وهذا ما نعتبره في الصعيد عيباً أن تجلس شابة على هذا الوضع وبهذه الملابس في مكان عام وتذكرت يوم كانت أمي وأختي تسيران في الطريق لا أكاد أعرفهما من فرط الملابس التي تلفها واتساعها وعدم ظهور أي شيء منها حتى العينين وترحمت على هذه الأيام والغريب في الأمر أنه حدثت مشادة بين هذا الرجل وراكب آخر بسبب الخطأ في أرقام المقاعد وهنا قال الراكب للرجل الصعيدي يبدو أنك لم تركب القطار المجري قبل ذلك وكان الصعيد حديث العهد بهذا القطار الفاخر ، وهنا قامت الدنيا ولم تقعد وكاد الراكب يفقد حياته ثمناً لهذه الكلمة التي اعتبرها الرجل الصعيدي الجالس إلى حوار ابنته الشابة المضجعة على المقعد وأخوتها اللذين بجوارها إهانة لا تغتفر لوالدهم ، وعجبت لذلك أشد العجب إذ لم يغضب الرجل الصعيدي وأبناؤه الشبان لمنظر أختهم الشابة التي تكشف عن كثير من مفاتنها للناس وجلوسها على المقعد شبه نائمة وثاروا وغضبوا ثورة كادت تؤدي إلى ارتكاب جريمة لمجرد كلمة قالها الراكب عفواً دون أن يقصد الإساءة .

ما هذا الانقلاب الذي أصابنا وأصبحنا نتحرك بشدة لأمور قد لا تستحق التحرك ونصمت إزاء أمور تستحق الغضب بل والثورة ، الأمر يحتاج يا سادة إلى علماء في النفس والاجتماع لتحليل هذه الظاهرة المهمة ، لقد أصبحنا خبراء عالميين في التعذيب نقوم به لحسابنا ولحساب غيرنا من الحكومات التي تخاف من شعوبها إن هي قامت به بنفسها وأحسبه صار أو على الأقل سيصير مستقبلاً مورداً من موارد الدولة بالعملة الحرة ، وعندها ستجد المدافعين عنه باعتبار أن الإقلاع عنه سيحرم البلاد من هذه العملة الحرة والتأثير على الدخل القومي .

لقد قرأت في الصحف منذ فترة أن وزيراً من وزراء الداخلية السابقين ممن عرف عنهم التفنن في أساليب التعذيب يجوب البلاد العربية كخبير أمني ، وطبعاً لن تكون هذه الخبرة سوى في التعذيب وأساليبه والاعتقال وطرقه وبذلك نكون قد اكتسبنا شهرة نفاخر بها في هذا المضمار .

إن من يقومون بالتعذيب هم أبناؤنا وإخوتنا وهم يعذبون أيضاً أبناءنا وإخوتنا فكيف لنا السكوت عن ذلك ونحن نرى الشعب يأكل بعضه بعضاً وهل سنسكت حتى يقوم الأخ بالانتقام من أخيه الذي سخرته الحكومة وأفهمته أن أخيه خائن يستحق العقاب والتعذيب وأن الوسائل القانونية قصرت دون معاقبته ولذلك يجب على الحكومة ورجالها أن تقوم به بنفسها ، تماماً كما استطاعت الحكومة أن تقنع فئة من الناس بأن الشعب المصري لم ينضج بعد وأنه لا يستحق الديمقراطية وأن الحرية ونزاهة الانتخابات ستأتي إلى الحكم برجال يجلبون على البلد المشاكل ويحرمها من عطف وحنان الخارج ويضاعف من مشاكلها ولذلك يجب تزوير الانتخابات حتى نحول دون ذلك ونمنع وصول أعداء الخارج إلى الحكم وأحياناً يستشهدون بما حدث في فلسطين ، مع أن ما حصل في فلسطين لم يكن ليؤدي إلى أزمة لو أن البلاد العربية وقفت إلى جوار الشعب الفلسطيني تمد له يد العون ، ولكن كيف تفعل ذلك وفي نجاح التجربة الفلسطينية تشجيع على نجاحها في كافة البلاد العربية وبذلك تزول هذه الحكومات التي ترغب في البقاء في الحكم إلى آخر نفس مهما كان ذلك على حساب مصلحة شعوبها .

ألم تر كيف كان موقفها من حزب الله وهو يحارب إسرائيل ، لقد كانت عكس شعوبها تماماً تتمنى الهزيمة لحزب الله والخراب للبنان حتى تستطيع أن تعلل فشلها في محاربة إسرائيل وتقول أنها على حق في مهادنتها وعقد معاهدات الصلح والخضوع لها .

يا شعب مصر الأبي أخوك يستغيث بك وأختك تصرخ وتبكي لأن أخوها العاق يتحرش بها ويهتك عرضها وأمك مصر تقول لك لن تكون أبني بعد اليوم إن لم تتحرك لنجدة أختك وشقيقك وسيعلم الذين ظلموا غداّ أي منقلب ينقلبون .