قضية الفنية العسكرية 1974م بين الحقيقة والخيال الإعلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قضية الفنية العسكرية 1974م بين الحقيقة والخيال الإعلامي وحقيقة دور الإخوان فيها


مقدمة

منذ انقلاب يوليو 2013م ويحاول الإعلام التابع لسلطة الإمارات والسعودية ومصر تشويه سيرة وتاريخ الإخوان المسلمين، وإظهاره أمام الناس بالتاريخ المليء بالعنف والانقلابات ، بل عمدوا لإلصاق كل تهمة وجريمة حدثت إلى الإخوان المسلمين، على الرغم أنهم لا يملكوا دليلا واحدا إلا كتاباتهم الصحفية، وهو تشويه ممنهج تشرف عليه مؤسسات ومراكز بحثية كبيرة.

فلقد كتب جاسم محمد كتاب بعنوان داعش والجهاديون الجدد، حاول فيه إلصاق تهمة الفنية العسكرية بالإخوان معتمدا على محاضر الشرطة المصرية. كما نجد ماهر فرغلي لا يترك مجال إلا ويحاول لي الحقائق على طريقة لا تقربوا الصلاة، ليثبت أن الإخوان لجأوا إلى إنشاء تنظيم ما يعرف بـ"الفنية العسكرية" في محاولة الانقلاب الفاشلة على السادات في أبريل 1974.

ويضيف:

تبين أن أعضاء هذا التنظيم الذي حمل السلاح في وجه الدولة، هم من الإخوان، وبايع عناصره حسن الهضيبي، الذي كان مرشدا للإخوان آنذاك، وذلك على أن ينكروا صلتهم بجماعة الإخوان في حال اكتشاف أمرهم
"وكأن الباحث فرغلي عاد بالزمن ليعرف ما في وجدان هؤلاء وسرهم خاصة أن هذه الحادثة حدثت في وقت كان بعض الإخوان خرجوا من السجون ومازال البقية داخل السجون، وأن الجماعة لم يكن لها هيكل منتظم ولا تنظيم، بل أكثر من ذلك لو كان للإخوان صلة بالحادث ما كان السادات أفسح المجال للإخوان للعمل وسط المجتمع سنوات، وما كان وجه الدعوة للمرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني

ولكان كتب الصحفيين والكتاب عن صلة الإخوان بهذا الحادث لكن لم يحدث ذلك، ليأتي فرغلي بعد ما يقرب من نصف قرن ليكتشف أن للإخوان صلة بهذه الحادثة خاصة بعد الانقلاب وعدم تمكن الإخوان من الرد عليه، بل هو لم يجرؤ أن يكتب هذه المعلومات وقت مبارك أو الثورة لأن بعض الكتاب كان يحترم عقلية القارئ وليس لإغداف الإمارات أو السعودية بالأموال مثل اليوم".

الغريب أن فرغلي وغيره من كتاب النظام اعتمدوا بعد هذه السنوات على اعترافات وحوارات أجروها مع بعض الطلبة الذين شاركوا في الانقلاب واتهموا الإخوان أنهم كانوا على صلة، على الرغم أن الوثائق والصحف التي صدرت في هذه الفترة نفت تمام صلة من شارك في الانقلاب بالإخوان المسلمين

حيث جاء في وثائق أمريكية أن المسئول المصري

"وصف زعيم التفجير "صالح سرية" بأنه قوى البنية والشخصية، من أصل فلسطيني، ولديه جواز سفر عراقي، وعند سؤاله عن انتماء المتورطين لجماعة الإخوان المسلمين أجاب بأنهم لا ينتمون لهم، ولكنهم ينتمون إلى "اليسار الإسلامي الجديد"، وأنهم مجرد منفذين لا يدركون الهدف الفعلي من وراء التفجير". (1)

وحول هذا التشويه الإعلامي المتعمد نحاول أن نتعرف على الحقائق التي يريد أذناب السلطة أن يضفوا عليها الشرعية.

مصر في الزنزانة

كانت كفة السياسة تميل بشكل واضح تجاه عبد الناصر ذلك الرجل الذي استطاع أن ‬يبني لنفسه زعامة إقليمية وشعبية ‬غريبة ‬، ‬وكان علي جميع الطامحين في الصعود السياسي أن ‬يعلنوا ولاءهم الكامل والتام إلي عبد الناصر شخصيا ‬، ‬وعرفت مصر وقتها ظاهرة كتابة التقارير وإعلانات الولاء والنفاق إلي أقصي درجة . ‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ومع إطلاق الرصاص علي عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية وهتافه وقتها " ‬أنا جمال عبد الناصر ‬، ‬الذي علمتكم العزة والحرية والكرامة " ‬كان من الواضح ان ذلك الرجل اختار الطغيان وتحويل جميع الناس إلي عبيد . ‬

لقد تعجب الكاتب العظيم عباس محمود العقاد من تلك العبارة وقال لتلاميذه ستعيشون لترون هذا الرجل ‬يحول الشعب إلي عبيد . ‬وبالفعل رحل العقاد عام ‬1964 ‬ولم ‬يشهد كافة جرائم العهد الناصري التي افتضحت بعد نكسة ‬يونيو1967 ‬ثم انكشفت تماما بعد وفاة عبد الناصر في سبتمبر عام ‬1970م.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

بصحراء مدينة نصر قبل أن يبتلعها العمران كان هناك حمزة البسيوني والسجن الحربي، أحد أبرز وأشهر رموز القمع السياسي في مصر خلال عهد عبد الناصر.

يقول مصطفى أمين:

كان حمزة هو الملك ، ‬وكلاب السجن هم أصحاب السمو الأمراء، ويضيف بعض من ذاقوا ويلات العذاب في عهد عبد الناصر: الطريقة التقليدية للتعذيب كانت التعليق في الشباك أو السقف أو في ‬سارية والضرب بالسياط ‬بعد دهن الجسد كله بالزيت حتى ‬يكون اللسع أكثر إيلاما، بل وصل الأمر إلي حد تعرية الإناث والتهديد ‬ومحاولة الاغتصاب، مثل زينب الغزالي ونساء الإخوان المعتقلين ونساء قضية كمشيش ونساء قضية كرداسة.‬‬‬‬‬‬
لقد سجنت مصر في سجون العسكر والتي كانت تعتبر بحق أسوء السجون – بل قيل أنها كانت أسوء من سجون المحتل الأجنبي – حتى أصبحت وصمة عار في جبين الدولة المصرية. وهكذا ظلت السجون مكان لمعاقبة المذنبين بل وتعذيبهم وحرمانهم من كافة الحقوق حتى اتسعت الدائرة لتشمل الخصوم السياسيين، وخصوم الرأي.
أصبح السجن الحربي طيلة حكم عبد الناصر مكان موحش مما سمعه الناس عما يحدث فيه، إلا أن هذا السجن خلف وراءه قصص دامية لم يستطع العقل نسيانها ولا نسيان شيطانه الأكبر حمزة البسيوني، وأخرج شباب تبنوا فكر تكفير من عذبوهم تم تطور الحال إلى تكفير كل من شارك في صناعة النظام الطاغية ومن شجعه وفوضه وسكت على ما قام به خلال فترات التعذيب المتعددة.

لقد صور مصطفى أمين حال الدولة من خلال السجن الحربي بقوله:

وأنا أستطيع وأنا جالس في زنزانتي أن أعرف حالة الدولة في الخارج، الظلم الذي أراه هنا، الاستبداد، السرقة، الرشوة، استغلال النفوذ، المحسوبية، الرغبة في إذلال الناس، تحكم القوي في الضعيف، الطلاء الخارجي الذي يخفي الخراب الداخلي، النهب والتهليب، كل هذا صورة مصغرة لما يحدث خارج السجن. (2)

فكر التكفير من رحم السجون

تفاقمت ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب في واقعنا المعاصر لتصبح من أكبر التحديات التي تشهدها أمتنا اليوم بعد أن كانت ردة فعل ساذجة.

كانت السجون تشكل مناخ آخر أكثر سوءًا وظلماً، ويبدو أن هذا المناخ كان يتشكل بوعي من سلطات عبد الناصر، فمعلوم أن عبد الناصر اعتمد سياسة تقوم على افتعال التخريب والتفجير كما أقرّ بذلك خالد محيي الدين، أحد الضباط الأحرار في مذكراته، ومنها حادثة المنشية، وبسبب هذه الجرائم المفتعلة تم حلّ جماعة الإخوان ومن ثم اعتقال الكثير من قادتهم وأفرادهم.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل كان هناك التعذيب المنظم الذي يستهدف - فيما يبدو - تحويل السجناء لقنابل موقوتة تؤمن بالعنف وتمارسه بوحشية، ولما يكفِ التعذيب لذلك، تم تدبير وافتعال عدة محاولات للتمرد في السجون من أجل إقامة مجزرة بحق السجناء.

لقد كان تأثير الظلم والتعذيب في السجن كبيرا على السجناء، ويكفي أن نستمع لما يقوله محمد قطب عن بداية مرحلة السجن وكيف غيّرته رغم أنه لم يُسجن طويلاً:

"أول تجربة من نوعها كانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييرا كاملا، كنت أعيش من قبلها في آفاق الأدب والشعر والمشاعر المهمومة، أعاني حيرة عميقة، وكانت تلك الحيرة تشكل أزمة حقيقية في نفسي استغرقت من حياتي عدة سنوات، غير أن الدقائق الأولى منذ دخولي ذلك السجن، والهول الذي يلقاه نزيله، بدّلت ذلك كل التبديل.
لقد أحسست إذ ذاك أنني موجود، وأن لي وجودا حقيقيا، وأن الذي في نفسي حقيقة وليس وهْما، وهذه الحقيقة هي السير في طريق الله، والعمل من أجل دعوته، وعرفت حينها حقيقة المؤامرة الضارية ضد الإسلام، وانتهت الحيرة الضالة، ووجدت نفسي على الجادة. (3)

لقد رأى المتدينون المسلمون داخل السجون من ألوان العذاب ما تقشعر من ذكره الأبدان، وسقط الكثير منهم أمامهم شهداء بسبب التعذيب، دون أن يعبأ بهم القساة الجبارون. في هذا الجو الرهيب ولد الغلو ونبتت فكرة التكفير ووجدت الاستجابة لها.

في سنة 1967م طلب رجال الأمن من جميع الدعاة المعتقلين تأييد رئيس الدولة جمال عبد الناصر فانقسم المعتقلون إلى فئات:

فئة سارعت إلى تأييد الرئيس ونظامه؛ بغية الإفراج عنهم والعودة إلى وظائفهم وزعموا أنهم يتكلمون باسم جميع الدعاة، وهؤلاء كان منهم العملاء، وثبت أنهم طابور خامس داخل الحركة الإسلامية، وثمة نوع آخر ليسوا عملاء بالمعنى وإنما هم رجال سياسة التحقوا بالدعوة بغية الحصول على مغانم كبيرة. أما جمهور الدعاة المعتقلين فقد لجأوا إلى الصمت ولم يعارضوا أو يؤيدوا باعتبار أنهم في حالة إكراه.
بينما رفضت فئة قليلة من الشباب موقف السلطة وأعلنت كفر رئيس الدولة ونظامه، بل اعتبروا الذين أيدوا السلطة من إخوانهم مرتدين عن الإسلام ومن لم يكفرهم فهو كافر، والمجتمع بأفراده كفار لأنهم موالون للحكام وبالتالي لا ينفعهم صوم ولا صلاة. وكان إمام هذه الفئة ومهندس أفكارهم الشيخ علي إسماعيل قبل أن يتبرأ منها لاحقا، ويقود زمامها شكري مصطفى. (4)

الإخوان والعنف

الإخوان المسلمون جماعة إسلامية إصلاحية شاملة حيث تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، تهدف إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل.

وأن منهج الإخوان يعتمد الدعوة والتربية والتزكية للأفراد والإصلاح الشامل للمجتمعات والنصح للحكومات والنضال الدستوري من أجل التغيير وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، ولا يعتمد العنف كمنهج في التغيير.

يقول الأستاذ البنا:

" ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح".

ويضيف

"ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام و القوة شعاره باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجّه القوة توجيهاً محدوداً".

ويضيف في رسالة المؤتمر الخامس قوله:

أيها الإخوان المسلمون، وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقًا طويلة
ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات. ومن صبر معى حتى تنمو البذرة وتثبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره فى ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة. (5)

ويقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر:

"الإخوان قاموا لتحقيق الإسلام الصحيح بين الناس، والإسلام لا يقر الإرهاب كوسيلة لتحقيق اهدافه، ولا يتصور عاقل أن الإخوان يتحملون ما يتحملون من سجن وتعذيب وتقتيل، ويواصلون سيرهم رغم ذلك في سبيل الإسلام ودولته ثم يخالفون نهج الإسلام الذي لا يقر الإسلام. (6)

ويقول المستشار مأمون الهضيبي:

إن فكر الإخوان المسلمون يحرم الاعتداء على النفس البشرية ومن ثم فإن هذا الفكر المعتدل القائم على الوسطية لا بمكن أن يؤدي إلى تطرف، أو أن يخرج منه جماعات عنف أو إرهاب، كما يدعي البعض، والإخوان يحترمون ويعتقدون حرمة دم المسلم وغير المسلم ويعتبرونها حرمة ضخمة أمام الله سبحانه وتعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32) (7)

ولقد أصدر الإخوان المسلمين بيانات تدين العنف دائما، فقد أصدرت بيانا بشأن أحداث الكشح عام 2000م، كما أدانوا في بيان محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك في أبريل 1995م.

صالح سرية

يعدّ صالح سرية شخصية مركزية في جماعات العنف والتطرف المصرية بشكل خاص، والعابرة للقارات أيضا، فصالح سرية يعد أول من أسس تنظيما ذا خلفية إسلامية للاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية، مما جرف خلفه الكثير من الشباب والطاقات لمسار مدمّر ومهلك دون ثمرة، ولم يتبين ذلك لأغلبهم إلا بعد سنوات طويلة في غياهب السجون كقادة الجماعة الإسلامية وبعض قادة جماعة الجهاد، بينما لا يزال يواصل نهج الفوضى والتدمير آخرون كأيمن الظواهري وأتباعه ومن انشقّ عنهم كالخليفة المزعوم أبي بكر البغدادي.

الدارس لسيرة صالح سرية يجد فيها تنوعا وتعددا وتبدلا وتقلبا وجمعا بين المتناقضات، وأعتقد أن ذلك يرجع لشخصيته القوية من جهة، ولذكائه ونزعته القيادية وصغر سنه وفرط نشاطه، وأظن أن هذا كان المدخل الذي تم فيه التلاعب بصالح سرية أيضا من قبل آخرين متعددين!. (8)

فرّ إلى سوريا فالأردن وأرتبط بحزب التحرير الإسلامي بعض الوقت الذى أسسه "تقى الدين النبهانى" عام 1950 ثم جاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972 وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم (الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.

تعرف على الحاجة زينب الغزالي غير انه سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة مع نظام السادات وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق، فعمل علي تأسيس تنظيم مستقل يهدف للخروج علي السادات.

كون مجموعة الفنية العسكرية حيث جمعت قادة المجموعات الشبابية الجهادية في ذلك الوقت ، فمنهم من كان اتجاهه سلفيا مثل "إسماعيل الطنطاوي" ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكري ويدعو الى حرب عصابات طويلة الأجل مثل "يحيى هاشم".

وصفه أيمن الظواهري بقوله:

إن صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متطلعاً في علي (العلوم الشرعية)، وانه إلتقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب. و"بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت إن لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح".
قاد صالح سرية وثمانية عشر من أنصاره محاولة السيطرة على الفنية العسكرية بالسكاكين في يوم الخميس الثامن عشر من شهر أبريل للعام 1974م غير أن الأمر فشل. قبض بعدها على صالح سرية وبعض رفاقه حيث قدموا للمحاكمة وأعدموا عام 1975م. (9)

الإخوان والفنية العسكرية

احتوت تحقيقات النيابة اعترافات لصالح سرية بعلاقته بالإخوان، حيث ذكر في التحقيقات هذه العلاقة بقوله:

أول اتصال كان بزينب الغزالي في أواخر 1971 أو بداية 1972 وكانت جايه لزيارة الشيخ "الحافظ التيجاني" وهو زوجها السابق وقابلتها عنده وأنا كنت عاوزه باعتباره شيخاً للطريقة الصوفية وكان شيخ بلدنا اخبرهم في فلسطين من أتباعه وكنت أنا عند ترزي اسمه "عبد السلام حامد عبس" في شارع القاضي الفاضل المتفرع من شارع قصر النيل لزيارته لأني عرفته عن طريق أحد العراقيين أثناء وجودي هناك واسمه "لقمان السامراني" واتصل الترزي ده الشيخ ب"الحافظ التيجاني" أثناء وجودي عنده فطلبت منه أن يعرفني به ورحنا له سوا وعرفته بنفسي.
وبدأنا نتناقش في علم الإسلام وخاصة علم الحديث وتوطدت العلاقة بيننا وكنت باتردد عليه باستمرار في زاوية عنده وفي أحد الأيام كنت عنده في تاريخ لا أذكره كله في أواخر 1971 أو أوائل 1972 وجت "زينب الغزالي" لزيارته فأحببت أن أتعرف عليها لأني كنت أعرف إنها من زعماء الإخوان وكنت معجباً بشخصيتها وبدأت تتحدث عن ذكرياتها في السجن وأنها عذبت في السجن وأن الإسلام مظلوم في مصر لأن الناس الذين كانوا يدعون إليه وتقصد الإخوان المسلمين كانوا يوضعون في السجون. (10)

ويضيف أيضا:

قابلت أيضاً "عبد الرحمن البنا" و الشيخ "محمد الغزالي" مدير إدارة الدعوة بالأوقاف و"سيد سابق" و "صالح أبو رقيق" و"هارون المجددي" وهو إخواني ومسئول الإخوان خارج مصر ومقره بيروت ولكني قابلته في مصر وقد سعيت للتعرف بهم وكنت أقابلهم في منازلهم أو مكاتب عملهم وكانت زيارات تعارف فقط
وكنت أتبادل الزيارات مع "صالح أبو رقيق" باعتباره زميل عمل في الجامعة العربية وآخر مرة شفته فيها قبل القبض عليّ بأسبوعين ولكني لم أتحدث مع أي منهم إطلاقاً في أي أمور تنظيمية عن التنظيم اللي أنشأته ولكن كانت أحاديثي معهم عن الإخوان بصفة عامة وكنا نتكلم عن أوضاعهم لكن لم نتفق على شيء نقوم به في سبيل إصلاح حالهم وكنت من جانبي أعزمت القيام منفرداً بواسطة التنظيم الذي شكلته بقلب نظام الحكم الحالي والاستيلاء عليه بالقوة لتطبيق مبادئ الإسلام.

ومما جاء في أسئلة المحقق:

  • س: هل معنى ذلك إنك قمت بإنشاء التنظيم وإجراء المحاولة التي قمت بها لقلب الحكم بالقوة كبديل عن قيام الإخوان المسلمين بهذه العملية ؟
ج: أيوه .
  • س: هل معنى ذلك أيضاً إنك قمت بهذا العمل انطلاقاً من رغبتك في إعادة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتمكينهم بالقوة من الاستيلاء على الحكم ؟
ج: لأ مش كده بالضبط إنما أنا أنشأت التنظيم ومحاولة قلب نظام بالقوة لإقامة الدولة الإسلامية بصرف النظر عن موافقة هذا الإخوان أو عدم موافقته لها. (11)

يقول رياض حسن محرم:

تعرف على الحاجة زينب الغزالي وزارها أكثر من مرة في منزلها، وسرعان ما عرفته بالمرشد العام المستشار "حسن الهضيبي" وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم "طلال الأنصاري" و"إسماعيل طنطاوى"و"يحيى هاشم".

سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق.

ويمكن التماس العذر لهؤلاء القادة الذين كان يهمهم فى الأساس الأول بقاء الدعوة واستمرارها وحماية أعضائها وهم ليسوا بعيدين من محنة قاسية ألمت بهم فى العام 1965 وما زالوا يرممون نتائجها ويضمدون جراحها. (12)

الخلاصة

ربما تكون قضية "الفنية العسكرية" هي القضية الأولي التي يستخدم فيها "فريق يتبني فكر الجهاد" الأسلحة ومحاولة السيطرة على الحكم بالقوة (رغم سذاجة التخطيط والعدد)، وقد نتج هذا الفكر من خلال تواجد رأس المجموعة (صالح سرية) بحزب التحرير بفلسطين، كما زاد من الأمر متابعته لما حدث للشباب في مصر من تعذيب وقتل للعلماء، فترسخت فكرة الانتقام لدى سرية.

ساعد سرية أيضا خبرته العسكرية والتي أهلته للتدريب على جميع فنون القتال ونقل هذه الخبرة للشباب الطيب، حيث كان من الواضح أن عنصر الطلبة هم أكثر عنصر في جماعة صالح سريه حيث استطاع بأسلوبه أن يقنعهم بفكره المتطرف.

كان واضح أن صالح سرية يعرف جماعة الإخوان المسلمين جيدا، مما أهله أن يتعرف على السيدة زينب الغزالي، حيث كان معجبا بشخصيتها ككونها امرأة تحدت الطاغوت داخل المعتقل في عهد عبد الناصر، والتي عرفته بالأستاذ الهضيبي والذي كان في أواخر حياته، وحينما عرض سرية على المستشار الهضيبي استخدام القوة رفض المستشار هذا الكلام وهذا الفكر، وأخبره بحقيقة دعوة الإخوان الذين تحملوا من أجلها عشرين سنة اعتقال للحفاظ على سلميتها ومنهجها التدريجي السلمي في التغيير.

أدرك صالح سرية أن جماعة الإخوان لن تنصفه في قضيته ومن ثم ملك على وجدانه فكرة حمل السلاح، فاندفع لها دون تخطيط، ودون تقدير للقوة التي أمامه، ودون تخطيط استراتيجي على أرض الواقع حيث تصور أنه ومعه 18 عضو يستطيعون أن يسيطروا على مقاليد حكم بلد كبيرة بأجهزتها.

ويؤكد ذلك ما جاء في الوثائق السرية الأمريكية والتي أرسلها السفير الأمريكي بمصر إلى الخارجية الأمريكية وبعض سفارات أمريكا بالسعودية ولبنان وليبيا – معتمدا على ما ذكره السفير السعودي فؤاد نظير - يوضح فيها هوية منفذ حادث الفنية العسكرية

حيث يوضح السفير أنه لا يوجد سوى تقرير واحد يوضح أن سرية كان عضوا قديما في جماعة الإخوان، وعدا ذلك فليس هناك ما يؤكد اتصال تنظيم الإخوان الحالي بالهجوم، مثلما جاء في الوثيقة رقم 1974CAIRO02568_b بعنوان "السنة المحمدية وشباب محمد والإخوان: رؤية سعودية" المؤرشفة بيوم 24 أبريل 1974م أن المسئول السعودي استبعد تورط الإخوان المسلمين في الحادث. (13)

بل مختار نوح المحامي يؤكد ذلك في كتابه موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة:

خمسون عامًا من الدم من أن من يروج أن للإخوان صلة بالفنية العسكرية هو اللواء فؤاد علام، وأن المستشار الهضيبي وزينب الغزالي رفضوا طلب صالح سرية بإقامة الدولة الإسلامية بالقوة.

ويضيف مختار:

فالمتأمل للأوراق يجد أن نصف الأوراق أعدت للتحقيق مع المتهم وهي بالمئات قد دارت خول علاقة المتهم بالإخوان المسلمين، بل إننا نلاحظ أن هناك رغبة مع التجاوز في القول لدى النيابة لإثبات وجود ذلك ولقد كان هذا واضحا في الأوراق. (14)

ومن ثم تضح الحقائق وتنجلي وسط التشوية الإعلامي المتعمد من صحفي وكتاب تابعين لنظام السيسي والأنظمة الإماراتية والسعودية، وهو ما يجعلنا أن نؤكد أن فكر الإخوان ينبذ العنف وليس في منهجهم ولا مبادئهم استخدام العنف في التغيير لكن منهجهم سلمي يعتمد على التدريج في تغيير المجتمع، وستظل سلميتهم أقوى من الرصاص.

المراجع

  1. أماني عبد الغني: ويكيليكس: 5 برقيات أمريكية عن علاقة "الإخوان" بهجمات "الفنية العسكرية" عام 1974م، المصري اليوم، السبت 27-4-2013م
  2. مصطفى أمين: سنة ثالثة سجن، دار أخبار اليوم، القاهرة، 1976م، صـ173.
  3. محمد المجذوب: علماء ومفكرون عرفتهم، طـ4، دار الشواف، الرياض، 1992م، 280م.
  4. جماعة التكفير والهجرة: الموسوعة الميسرة (1/336)، 1/1/2002م
  5. حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس
  6. عامر شماخ: الإخوان والعنف، السعد للنشر والتوزيع، ط 1، 2006، ص 161.
  7. المرجع السابق: صـ162.
  8. أسامة شحادة: حكايات جماعات العنف من الانحراف إلى فكر الخوارج (2)، 25 مايو 2017م
  9. رياض حسن محرم: الجماعات السلفية الجهادية.. وفقه التكفير (1)، موقع الإمام الشيرازي
  10. مختار نوح: قضية الفنية العسكرية 1974م، مركز المحروسة، 2006م، 104.
  11. مختار نوح: مرجع سابق، 106
  12. رياض حسن محرم: مرجع سابق.
  13. أماني عبد الغني: مرجع سابق.
  14. مختار نوح: موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة: خمسون عامًا من الدم، طـ1، دار سما للنشر، القاهرة، 2014م، صـ125 وما بعدها