عندما يتفشى في قلب «الجيب الأبيض في الشرق الأوسط» ... الفساد في إسرائيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عندما يتفشى في قلب «الجيب الأبيض في الشرق الأوسط» ... الفساد في إسرائيل

بقلم : أنطوان شلحت

يتزايد الكشف، في الآونة الأخيرة، عن قضايا فساد وفضائح جنسية يبدو أن كبار المسؤولين السياسيين في إسرائيل ضالعون فيها.

وخلال العام الفائت وحده طاول الأمر الرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كتساف ورئيس الحكومة، إيهود أولمرت ووزير المالية السابق، أبراهام هيرشزون ومديرة مكتب رئيس الحكومة، شولا زاكين، ورئيس حزب الليكود ورئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو ووزير العدل السابق، حاييم رامون وغيرهم.

ووصلت فضائح الفساد حدّاً غير مسبوق، إلى درجة يمكن القول، من دون خشية الوقوع في المبالغة، إنها أصبحت تشكل ظاهرة.

وتكاد لا تخلو وسيلة إعلام إسرائيلية، أخيراً، من تقارير حول فضائح فساد سلطوية.

هنا تحقيق ومراجعة للظاهرة:

قال رئيس «الحركة من أجل نزاهة الحكم في إسرائيل»، المحامي إلعاد شراغا، في معرض تعقيبه على الفساد في إسرائيل، إن ظاهرة الفساد أصبحت مقلقة جداً، حتى أنها تهدّد استقرار الحكومة الإسرائيلية.

ويرى أكثر من خبير أن هذه الظاهرة تعكس، من باب أوليّ، التغييرات التي خضعت لها إسرائيل على مدار أعوامها الستين المنصرمة.

ومن هذه التغييرات، على سبيل المثال، أنّ المجتمع الإسرائيلي كله أصبح ماديّاً أكثر من ذي قبل.

وتنتج عن هذه النزعات الماديّة فوارق اجتماعية شاسعة بين الشرائح القوية والضعيفة لا يمكن تحملها.

كما ترافق سيرورة من هذا النوع عملية فساد في القيم والأخلاق لم يعد خافياً أنها أصبحت واجهة المجتمع الإسرائيلي، وهذه الحال لم تكن سائدة في الماضي.

علاوة على ذلك يؤكد خبراء آخرون أن مؤسسة تطبيق القانون في إسرائيل قد تآكلت كثيراً.

ويشمل الحديث في هذا الشأن كلاً من الشرطة والنيابة العامة والمستشار القانوني للحكومة وحتى جهاز المحاكم.

وقد حدث هذا، ضمن أسباب أخرى، لأن الحكومة الإسرائيلية ذاتها ترغب في أن تكون هذه الأجهزة ضعيفة، وأيضاً لا يتمّ رصد الموازنات الكافية، وكذلك لأن أفراد الشرطة الإسرائيلية ينشغلون بـ «الشؤون الأمنية الجارية» أكثر من انشغالهم بمحاربة الفساد والجريمة.

وعندما يكون هناك جهاز ضعيف لتطبيق القانون، وعندما تتغيّر القاعدة الأخلاقية، فإن ما يحدث هو تفجّر الفساد، كما هو حاصل في إسرائيل اليوم.

وليس سرّاً أنّه عندما يُحقق مع رئيس الحكومة مباشرة في قضايا فساد مشتبه بالضلوع فيها، أو يُحقق مع عدد من الوزراء، مثل وزيري المالية والعدل السابقين (الأول بتهمة سرقة الأموال، وقد تقرّر تقديم لائحة اتهام ضده أخيراً، والثاني بتهمة التحرش الجنسي) أن كل هذا يهدّد استقرار الحكومة.

وإذا ما تقرّر تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة في القضية الأخيرة (تلقي رشى مالية من الثري اليهوديّ الأميركيّ موريس تالانسكي) فإنه لن تكون هناك حكومة، لأنّ المتوقع هو أن تُحلَّ مباشرة إثر ذلك.

في واقع الأمر ثمة تداعيات أخرى لتآكل مؤسسة تطبيق القانون مرتبطة، مباشرة، بالفساد.

وقد المح البروفسور شلومو أفينيري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية - القدس، والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أخيراً، إلى أنه على رغم الضجة الكبيرة، التي يثيرها التحقيق مع رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في شأن تلقيه تبرعات من الخارج، فإن سؤالاً واحداً لم يُطرح، ويتعلق بمصادر الأموال وهوية المتبرعين.

وأضاف أن الحديث يدور هنا على مبالغ كبيرة تبرع بها يهود أثرياء في الولايات المتحدة، من أجل التأثير على نتائج الانتخابات في إسرائيل، وبقيت هويتهم مجهولة.

ولا توجد دولة في العالم (باستثناء إسرائيل) تسمح بتلقي تبرعات من الخارج لانتخاباتها الداخلية.

ومنذ بضع سنوات تعاني المؤسسة السياسية الإسرائيلية من تأثير مجموعات معينة لدى يهود الشتات - ليست مستوطنة في إسرائيل ولا تنوي أن تهاجر إليها - على الواقع والخطاب السياسي هنا، بواسطة تبرعاتها.

ورأى هذا الأستاذ الجامعي أن من حقّ جمهور الناخبين في إسرائيل أن يعرف هوية هذه الجهات المتبرعة، كي يدرك ما هي مواقفها ومراميها.

أمّا واجب تطبيق هذا الحق فهو ملقى، برأيه، على عاتق المؤسسة القضائية، وذلك نيابة عن المواطنين في إسرائيل.

أمّا رئيس تحرير مجلة «ذي ماركر» الاقتصادية الشهرية، التابعة لصحيفة «هآرتس»، غاي رولنيك، فقد أكد أن الفساد في إسرائيل بات ممأسساً.

وأضاف أن تصنيف (رئيس الحكومة السابق) أريئيل شارون باعتباره الزعيم الأعظم في إسرائيل، على رغم كونه متورطاً في عدد لا يُحصى من القضايا الجنائية المتعلقة بالفساد، وعلى رغم أنه لم يستبطن في حياته قطّ ما هو الحكم الرشيد وما هي المعايير العمومية، أوجد نمطاً سلوكياً جديداً فحواه ما يلي:

دعوا القيادة السياسية تفعل ما تشاء على المستوى السياسي - الأمني، بغض النظر عن الأحابيل الإعلامية، التي ينتجها المستشارون الإستراتيجيون، وبغض النظر عما إذا كان هذا السلوك يسرق من إسرائيل مستقبلها.

استنفاد المسؤولية الشخصية أصبح في خبر كان

في العام الفائت، 2007، أنهى القاضي أهارون باراك دورة رئاسته للمحكمة الإسرائيلية العليا، التي ينظر إليها الإسرائيليون، في غالبيتهم الساحقة، باعتبارها «فخر الديموقراطية ونزاهة الحكم» في إسرائيل.

وبالتزامن مع ذلك جرى التركيز على أن الدرس الرئيس في ما يمكن تسميته بـ «إرث باراك» هو الحزم في تقصّي واستنفاد مسؤولية كبار الشخصيات والمسؤولين، سواء إزاء ارتكاب مخالفات جنائية أو شوائب أخلاقية، أو بسبب تقصيرات وإخفاقات.

وقد وجد هذا الأمر تعبيراً له، مثالاً لا حصراً، في إصرار باراك - عندما كان يشغل منصب المستشار القانوني للحكومة في سبعينات القرن الفائت - على تقديم شخصيات رفيعة إلى المحاكمة الجنائية حتى إذا كان الأمر سيفضي إلى سقوط الحكومة (كما حدث بالفعل في «الانقلاب السياسي» الأول عام 1977، بعد أن تمّ تقديم رئيس الحكومة آنذاك إسحق رابين إلى المحاكمة بتهمة إدارة زوجته حساباً بنكياً، سريّاً، في أحد بنوك سويسرا).

وقد تجلّى هذا التوجه في سلسلة قرارات وأحكام اتخذها باراك كقاضٍ، وهي الأحكام التي أكد فيها أن على كبار الشخصيات في الزعامة أو القيادة الرسمية، بما في ذلك السياسيون، التخلي عن مناصبهم بسبب شائبة أخلاقية، حتى وإن كانت هذه غير قابلة للإثبات في المحكمة، وذلك على اعتبار أن هؤلاء لم يعودوا مؤهلين لتجسيد «الاستقامة والنزاهة» على المستوى العمومي.

وقد عبّر ذلك عن نفسه عندما أكد باراك (سوية مع رئيس المحكمة العليا في حينه، إسحق كاهان) في تقرير لجنة التحقيق الرسمية في مذابح صبرا وشاتيلا، على وجوب إقالة وإقصاء شخصيات، من ضمنهم مسؤولون في المؤسسة السياسية، إذا ما أخفقوا في قراراتهم وأدائهم.

لم يقبل أ.

باراك الإدعاء أو الطرح القائل إنه لا يجوز إقصاء منتخبين من قبل الجمهور، بدعوى أن هذا الامتياز أو الحق يعود للناخبين فقط، وقد أعلن بنفسه قائلاً: «إن حكم الجمهور ليس بديلاً عن حكم القضاء».

غير أنّ التنكر لهذا «الإرث القيمي» بات واضحاً وجلياً في الوقت الحالي.

ويبرز هذا التنكر في شكل خاص في قضية رئيس الدولة الإسرائيلي، موشيه كتساف، الذي ظلّ متشبثاً بمنصبه الرفيع، على رغم توافر أدلة وإفادات حول ارتكابه مخالفات جنسية خطرة، وعلى رغم إعلان المستشار القانوني للحكومة أن الانطباع الذي كونه من إطلاعه على مجريات التحقيق يُشير إلى أن تلك الإفادات ليست محض افتراء.

وقد اعتبر أكثر من معلق أن كتساف فقد قدرته على تجسيد الاستقامة والنزاهة، غير أنه شخصياً وكذلك الكنيست - المخوّل بإقصائه عن منصبه - لم يستخلصا العبرة المطلوبة من إرث باراك.

إنّ هذا الأمر ينطبق أيضاً على سلوك القيادة السياسية والأمنية التي أخفقت في حرب لبنان الثانية (صيف 2006)، حتى بموجب القراءات الإسرائيلية.

صحيح أن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، صرّح بأنه يتحمل كامل المسؤولية عن الإخفاقات والتقصيرات، وأنه لن يشرك أحداً في تحمل هذه المسؤولية.

غير أنه، كما هو معلوم، لم يستخلص أي استنتاج شخصي من تحمله لهذه المسؤولية، بل عمل على عرقلة وإحباط استنفاد المسألة (سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخرين) برفضه إقامة لجنة تحقيق رسمية موثوق بها وذات صلاحيات، واكتفائه بتشكيل لجنة تقصي وقائع لا تلزم استنتاجاتها أحداً (لجنة فينوغراد).

وذهب أولمرت أبعد من ذلك بادعائه أنه لو استخلص العبر وقدم استقالته لكان قد تنصل بذلك من مسؤوليته! من هنا فإن رفض إقامة لجنة تحقيق رسمية - كان يمكن أن يترأسها القاضي المتقاعد أهارون باراك - يبدو بمثابة «إحباط موضعي» أو «اغتيال» فعلي لإرث باراك.

يؤكد الخبير القانوني الإسرائيلي موشيه نغبي أنه ليس مفاجئاً البتة، وربما ليس من قبيل المصادفة أيضاً، أنه لا يوجد في اللغة العبرية مصطلح قصير، مصيب وملائم لكلمة Accountability (القابلية للمحاسبة).

غير أنه ثبت هذه المرة أن ثمن عدم استنفاد المسؤولية الشخصية قد يكون خطراً وجودياً، وأن استنفاد المسؤولية أمر حيوي، ليس فقط من أجل «معاقبة» المسؤولين و/ أو ردع آخرين عن ارتكاب أخطاء مماثلة، وإنما أيضاً من أجل الحيلولة دون استمرار المسؤولين أنفسهم في التسبب بكوارث ومآس.

قبل هذا الخبير رأت إحدى الصحافيات الإسرائيليات البارزات، شيلي يحيموفيتش التي كانت تعمل في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، والتي أصبحت لاحقاً عضواً في الكنيست عن حزب العمل، أن إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من أن تكون «دولة تسيطر عليها الميزتان الأبرز لجمهورية الموز»، وهما: المستوى المتردي لنزاهة الحكم، والفجوات الهائلة بين الفقراء والأغنياء.

وقد وردت «شهادة» هذه الصحافية في سياق «مونولوج فصحي» (من «الفصح العبري») كان عبارة عن شكوى حادّة، صافية وصريحة، من أداء وسائل الإعلام الإسرائيلية التي باتت تتماشى، إلى حدّ التماهي أحياناً، مع أصحاب الرساميل في تأييد السياسة الاقتصادية - الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة لمصلحتهم، وتنذر بأن تقضي قضاء مبرماً على «دولة الرفاه»، حتى إلى ناحية تجاهل معاناة ضحايا هذه السياسة، من اليهود أنفسهم.

ولا شكّ في أن أداء وسائل الإعلام هذه في ميدان التماثل، حتى لا نقول الامتثال، مع سياسة الحكومة العامة أصبح هو أيضاً من الممارسات المفضوحة.

وعلى صلة بمسألة «نزاهة الحكم» في إسرائيل نشير إلى أن أحد أعداد سلسلة «أوراق إسرائيلية»، الصادرة تباعاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - «مدار»، جرى تخصيصه لهذا الأمر، وفيه عرض الخبير القانوني موشيه نغبي ما اعتبر أنه «فشل ذريع لمنظومة أجهزة سيادة القانون (الإسرائيلية) في حماية الديموقراطية من الذين يحاولون تدميرها وتقويضها من الداخل» لغاياتهم المخصوصة، والتي ليس أبسطها التغطية على الفساد المستشري في القمة.

وقد احتوى هذا العدد على مقالتين مأخوذتين من كتاب لهذا الخبير صدر في خريف 2004 عن منشورات «كيتر» في تل أبيب، مشتملاً على العرض ذاته، إنما بصورة أكثر سعة وشمولية.

وجاء الكتاب تحت عنوان «أصبحنا مثل سدوم: في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز».

النتيجة التي يخلص إليها نغبي في الكتاب عموماً فحواها أن «لا نهضة ترجّى لدولة تخاف سلطاتها من أعداء القانون والديموقراطية، بدل أن يكون سلوكها نقيض ذلك جملة وتفصيلاً».

أما في ما يختص بالفجوات الضخمة بين الفقراء والأغنياء، وهي الميزة الأبرز الثانية لـ«جمهورية الموز» على ما تقول يحيموفيتش، فيمكن استعادة ما سبق أن قاله عالم الاجتماع الإسرائيلي د. شلومو سبيرسكي في شأن كون ذلك أشبه بصيرورة «ثقافة تطوّر» أو «ثقافة تنمية» اقتصادية - اجتماعية انطلقت من «مبدأ» تكريس هذه الفجوات، بداية بين أبناء الطوائف اليهودية المختلفة (أشكنازيون وشرقيون) وبينهم وبين العرب الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، ثم اتسع تطبيق هذا «المبدأ» لاحقاً ليشمل، بعد عام 1967، الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ومن ثمّ غيرهم على مرّ السنوات الماضية وصولاً إلى الزمن الراهن.

وبطبيعة الحال كانت هناك، قبل قيام إسرائيل بفترة طويلة، أجهزة اقتصادية - سياسية غير متساوية (تمييزية) تابعة لقيادة «الييشوف».

وقسم من هذه الأجهزة ساعد أيضاً في تحديد نزعات «التطوّر» الجديدة بعد إنشاء الدولة.

لكن الفارق المبدئي بعد ذلك كمن في أن الذي قاد النزعات الجديدة هو جهاز دولاني مستقل وعظيم النفوذ، نسبياً، وإلى جواره «طبقة وسطى صنيعة الدولة» سرعان ما استأثرت لنفسها بقدر كبير من «الأوتونوميا»، بتغطية دائمة من جهاز الدولة.

لعل ما يعنينا من هذه الحصيلة، على رغم ما تنطوي عليه من مؤدى مثير، هو أن «ثقافة التنمية» هذه ترتبت ولا تنفك تترتب عليها مفاهيم اجتماعية عنصرية، قلباً وقالباً، تجاه الداخل الإسرائيلي وتجاه الخارج أيضاً.

وفي ما يتعلق بالفلسطينيين تحديداً أشار الباحث نفسه إلى أنه لن يكون هناك في المدى المنظور والبعيد جيش احتلال في وسعه أن يفرض على الفلسطينيين جوهر التشغيل وشروطه وظروفه ولذلك ستتطور، في شكل علنيّ أكثر فأكثر، أيديولوجيا تسوّغ وتبرّر الفوارق الطبقية الناشئة بين اليهود والفلسطينيين بمفاهيم ثقافية عنصرية أو قومية - تماماً مثلما أن الأيديولوجيا حول «الاستضعاف الثقافي» تطورت في الخمسينات والستينات من القرن العشرين كتسويغ ومبرّر للفوارق الطبقية التي نشأت بين الأشكنازيين والشرقيين.

ومن الجائز جداً أن تعرض هذه الأيديولوجيا ذاتها اليهود بصفتهم «شعب الأسياد» و/ أو «شعب المجتمع التكنولوجي المتطور»، الذي يُسمح بل ويحقّ له تشغيل «المستضعفين في الأرض» الى الأستغلال.

في واقع الأمر لا تقتصر المفاهيم الاجتماعية العنصرية في الممارسة والتفكير الإسرائيليين على جانب التطوّر الاقتصادي فحسب، وإنما تنسحب أيضاً على المواقف السياسية من الحلول المرتجاة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. وهذا ما سبق أن تطرّق إليه المؤرخ والأستاذ الجامعي، إيلان بابه، في مقاربته «عن العودة والعنصرية» المنشورة في آخر نيسان (أبريل) 2005.

يؤكد الكاتب، ضمن أشياء أخرى، أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي، في العمق، أكثر من سؤال حول حلّ صحيح أو غير صحيح للتطهير العرقي، الذي اقترفته إسرائيل في عام 1948.

فهذه القضية هي الأساس لفهم المشروع الصهيوني كافة، في لبوسه الحالي، وربما هي الأساس أيضاً للبديل الوحيد لوجوده.

ويضيف: إنّ التسويغ الإسرائيلي الأكثر أساسية، الإجماعي، ضد عودة اللاجئين يتمثل في الخوف من فقدان الأكثرية الديموغرافية اليهودية لدولة إسرائيل.

وهذا الخوف يبدو أقوى حتى من الرغبة في إنكار النكبة أو من السعي للتهرّب من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة في 1948.

والموقف الإسرائيلي الأخلاقي وكذلك الدولي تآكل جداً، إلى حد لم يعد معه هناك أي خوف إسرائيلي من الإدانة ولا رغبة يهودية في التكفير عن الذنب.

ويتابع: ثمة في صلب هذا الموقف المأزق الذي أرّق الصليبيين حين اكتشفوا أنهم أنشأوا دولة في لبّ العالم الإسلامي لا في أوروبا، وأرّق الكولونياليين البيض الذين سعوا إلى إقامة دولة قبلية خاصة بهم في أفريقيا ولم يقدروا على القارة السمراء، لكنه لم يؤرّق بالمقدار نفسه الكولونياليين في الأميركتين الذين أبادوا على نطاق واسع البيئة غير البيضاء بمجرّد أن وطأت أقدامهم هناك.

وعلى ما يبدو فإنّ هذا المأزق لا يؤرّق الصهاينة الذين يمضون قدماً في الحفاظ على ما أسماه «الجيب الأبيض» في قلب العالم العربي الذي استوطنوا فيه.

لعل الشيء المهم هو أن مساعي الحفاظ على هذا «الجيب الأبيض» هي التي تحكمت في مبررات آخر البرامج الإسرائيلية المعروضة للتسوية السياسية، وفي طليعتها خطة أريئيل شارون للانفصال عن غزة وشمال الضفة الغربية، وخطة إيهود أولمرت التي عرفت باسم «خطة التجميع» أو «خطة الانطواء»، قبل أن تدفنها الحرب على لبنان.

وعلى ما يبدو فإنها ستتحكم بما قد يأتي، إذا ما أتى، في مرحلة لاحقة.

ومن غير المستبعد قطّ أن تلد مخططات أكثر جهنمية!