على قدر أهل العزم تأتي "الهزائم"!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
على قدر أهل العزم تأتي "الهزائم"!!
توفيق الواعي.jpg

بقلم الدكتور/ توفيق الواعي

كمْ رأينا كثيرًا من أهل العزم عندنا يصوِّرون أنفسهم بأنهم الأساطير التي ظهرت لتُنقذ البلاد والأوطان مما ألمَّ بها من نكسَات ودواهٍ، وتنتشلها مما حلَّ بها من الجهل والتخلُّف والفقر، فسعِد الناسُ واستبشروا خيرًا، وطارت الأماني هنا وهناك، ونامَ الناس على إيقاعِ البُشريات، واستيقظوا على أنغام الأشواق وتغريد البلابل، وظنَّ الناسُ أنهم مع ذلك أُسود الشَّرى وأبطال النزال، فمنُّوا أنفسهم بالأمن والنصر والعز والسؤْدد.

ولكن سرعانَ ما انكشف السِّحر، وظهر المخبوء، وبدت السوءة، وانفضح أهل العزم الكاذب، فتهافتوا أمام العدو، وتخاذلوا أمام الغزاة، وتضعضعوا أمام إسرائيل (الكيان الصهيوني )، وخاروا أمام تهديدات الأمة من هذا وذاك، وظهر توحش الواحد منهم، واستبداده أمام أمته؛ فخاض في الدماء، ومنع الحريات، وكمَّم الأفواهَ، ودبَّج الاتهامات ليسترَ عورتَه، وضاعَ منه الخطاب السياسي والاقتصادي والاجتماعي النافع، واستند في ذلك إلى مُفردات اخترعها ليواري سوءَته، من مثل: (مؤامرات، عمالات، انحراف، مخطط رجعي "إمبريالي"، أعداء الشعب، الرأسمالية المستقلة، استغلال الدين للوصول إلى الحكم، ازدراء الدولة).. إلى آخر تلك الأسطوانات المشروخة، التي ملَّ الناس من سماعها، وصارت علامةً بارزةً على الاستبداد لإرهاب أي صوت حرٍّ يريد الخير لبلده وأمته.

كما شكِّلت ساحة للحرب والإقصاء؛ مما حول الداخل إلى جحيم، وجعله "مقصلة" لذبح كل ذي رأي حرٍّ وباحث منصف:

وما لي من ذنب إليهم علمتُه سوى أنني قد قلت يا بلدي اسلمي

ثم حوِّل المجال السياسي العام إلى مجال خاص بالسلطة الحاكمة، فاحتكر الوطن، وأصبح الانتماء إليه لا يكون إلا من باب السلطة الحاكمة أو أحد أجهزتها الأمنية، وهمَّش المجتمع وجعله إما منافقًا أو سلبيًا أو عدوًا، فقزم بذلك الوطن، واختصره في تمجيد القائد ومدحه، والسير في ركابه بما يريد وما يشتهي، ووُئِِِِِِِِِدت الحريات العامة، وضاعت الديمقراطية، وماتت التعددية السياسية، ودُفنت حقوق الإنسان، وسيادة القانون.

وأوصلنا هذا الوضع البئِيس إلى ما نحن فيه، وإلى محصلةٍ نعيش مناخها الآن: مزيدٍ من الفقر والمديونية الخارجية.. مزيدٍ من الفساد والضعف والإذلال والمهانة، ومن ضياع الكرامة والعزة.. مزيدٍ من الغطرسة الإسرائيلية (الصهيونية)، التي كان يسميها الأباطرة العرب (إسرائيل المزعومة).. مزيدٍ من تحيُّز الصديق الأمريكي لإسرائيل (الكيان الصهيوني)، واحتلالٍ عسكري لأجزاءٍ عزيزةٍ من الأمة، وتهديدٍ للبقية الباقية.. مزيدٍ من تهميش الشعوب وضياع الهوية حتى وصل الأمر إلى تغيير المناهج بالأمر، ومصادرةِ الأموال، والتحكمِ في مقدرات الأمة.. مزيدٍ في بلاهةِ بعض القيادات، وتعرضها للمكر والخديعة من قِبل أعدائها وأعداء الأمة، حتى صارت ملعبةً في يد إسرائيل (الكيان الصهيوني ) وحليفتها أمريكا، وذلك في مثل (أوسلو) وفي (واي بلانتيشن)، وفي (خريطة الطريق) وفي العراق ، وفي التورُّط في كثير من الأزَمَات، مثل تهويل قوة العراق وحيازتها لأسلحة الدمار الشامل، وخطرها هنا وهناك، حتى تأتي أمريكا إلى قلب الأمة خدمةً لمصالحها وخدمة لإسرائيل (الكيان الصهيوني )، وما أخذ ضعفاؤنا الأبطالُ إلا الخداعَ والأماني الكاذبة:

رضوا بالأماني وابتُلوا بحظوظهم خاضوا بحار الجدِّ دعوى فما ابتلُّوا

كل هذا زاد في حيرة الأمة، وضياع قوتها الحربية والنفسية والاجتماعية، فإذا نظرتَ إلى تلك الأمة أنكرتَها، وحسبتَ أنها أمةٌ أخرى من العبيد والإماء:

تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبَر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون وقلَّ بشاشة الوجه الصبيح

أصحاب العزم الكاذب عندنا أشبَعونا شعاراتٍ خدَّاعة من أمثال: رائد القومية، بطل العروبة، القائد الفذّ، الزعيم الملهَم، حتى أُحصِي لأحدهم حوالي مائة لقب، وملأوا الساحات والميادين بصورهم وتماثيلهم التي صنعوها بدماء الشعب وأموالِه، وكادوا يُعبِّدون الناس لها.

والحقيقة أن معظم هزائم الأمة الكبرى ما وقعت إلا في عصورهم وعهودهم السُّود.. هزائم فلسطين، وهزائم سيناء والجولان، وهزائم العراق، وهلم جرا، وقد رأينا أحدهم يبكي وينتحب أمام الناس، ورأينا الآخر يُسحب كما تُسحب الجِيَف، ويُجر كما تُجر الخراف، ورأينا الآخرين يهرولون، مفضوحي العمالة، يرتعدون كما ترتعد الشاة، ويتنازلون عن كل شيء.

إنها أكبر جرائم العصر بلا منازع: أن يتنازل قائد عربي صاحب ألقابٍ وشعاراتٍ عن كل شيء بهذه الطريقة المهينة، فهذا شيء لا يقبله عقلٌ، ولا يستسيغه منطقٌ، ولن يغفره التاريخ أو الشعوب، لقد جاء هذا الهول في وقتٍ ما زال الوجدان العربي والإسلامي يضمد جراحه، ويعيش أجواءَ الهول في فلسطين و العراق ، وآثار الانهزام النفسي والحربي، وفجيعةَ الخديعة في الزعماء، وأحدهم يُفعل به الأفاعيل، وشعبه يستخير الله ويحمل الراية، ويُجاهد بعدما سقط الرمز الكاذب، والوهم الخادع، وترجو الشعوب ألا تتكرر المهزلة، وتفجع في الآخرين، ولكن يظهر أنه على قدر ما ادعى هؤلاء من عزم تكون الهزائم.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21).


نقلاً عن مجلة المجتمع - العدد 1587 – 9 ذو الحجة 1424هـ= 31/1/2004م.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى