سليم عزوز يكتب: «السد» و«قطر» التي هزمت العالم.. قالت له: «بخ»!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سليم عزوز يكتب: «السد» و«قطر» التي هزمت العالم.. قالت له: «بخ»!


سليم عزوز.jpg

( 18 نوفمبر 2017)

لم يكد وزير الري المصري، يعلن فشل مباحثات سد النهضة، حتى بدا الإعلام السيساوي وكأنه فوجئ بذلك، ومن ثم تصرف وكأنه في «زار» منصوب، حيث الأداء الهستيري تعبيراً عن ركوب الجن للبني أدمين، تنفيذاً لدعوة مستجابة: «جن لما يركبك»!

لم يتابع الإعلام الجلسات السابقة على هذه الجلسة، فقد كان مشغولاً بالاحتفال بوزير الخارجية الذي وصفوه بـ «الأسد»، الذي انتصر على «ميكروفون الجزيرة». فعقب كل جولة مباحثات، يصبح «ميكرفون» القناة القطرية هو الموضوع، ولا شيء عن ما جرى، مع أن الفشل كان متوقعاً منذ اللحظة الأولى التي وقع فيها عبد الفتاح السيسي اتفاق المبادئ، والذي أعطى موافقة مصرية مكتوبة على بناء السد، واستضاف «أحمد منصور» في قناة «الجزيرة» خبير السدود «أحمد المفتي» ليقول إن الاتفاق لا يضمن لمصر أو للسودان قطرة مياه واحدة، لكن إعلام «الزار»، احتفل ليلتها بالانتصار العظيم الذي حققه السيسي، وصدرت إحدى الصحف بمانشيت باللون الأحمز الزاعق: «السيسي حلها»!

ولأنها «دقة زار»، فقد كان الإعلام السيساوي في يوم الاعتراف بالفشل، يريد أن يبحث عن متهم يعلق في رقبته الاتهام، فلم يكن سوى قطر، التي يجري تزوير دور لها لتبدو أنها هزمت العالم، بمجرد أن قالت لهذا العالم «بخ»، وذهب «أحمد موسى» بعيداً وأتهم ثورة يناير بأن السبب في هزيمتهم في موقعة سد النهضة، مع أن هذه الثورة وقعت قبل ست سنوات، وكانت «بنت موت»، حيث رقدت على رجاء القيامة عن عمر ناهز السنتين، وقد جرى تعديل المسار، فعادت ريمة لعادتها القديمة، وتمكن العسكر قبل أربع سنوات من أن يحكموا البلاد، وفي عهدهم التليد تم الانتهاء من بناء (60) في المئة من سد النهضة، وقد تولى عبد الفتاح السيسي الحكم وأثيوبيا ليس في حوزتها موافقة مصرية على بناء السد، لكن «الدكر»، الذي تخرج في «بيت الوطنية المصرية»، بحسب صياغة عبد الحليم قنديل، منح الأثيوبيين موافقة مصر كتابة، ووقف مع الرئيسين الأثيوبي والسوداني يحتفل بالنصر، وكانت فرحته تفوق فرحة الرئيس الأثيوبي نفسه، ثم أعلن في خطاب عام، أنه لم يضيعنا من قبل ليضيعنا هذه المرة، في معرض طلبه ألا نستمع إلا له، وألا نسمع إلا منه، فلما وقف الحجر والشجر على الجريمة، اختفى في ظروف غامضة، وترك أدواته تحاول ممارسة سياسة الإلهاء ليجد ظرفا مواتياً فيظهر من مخبئه، بعد عملته هذه! أزمة سد النهضة بدأت في عهد المخلوع حسني مبارك، بيد أن مبارك كان حتى في أوقات ضعفه يملك أوراقاً للعلب، وبدا أن أثيوبيا ستشرع في بناء السد وهي تنتهز ثورة يناير، وحالة الفوضى، التي تعيشها مصر، وهى فوضى قام بها من أطلقنا عليهم الطرف الثالث، ولم يكن سوى العسكر، لأن الثوار انتهوا من ثورتهم وذهبوا ينظفوا الشوارع، ويقوموا بطلاء الأرصفة، وعز علي قادة المجلس العسكري (الاختيار الحر المباشر للمخلوع) أن يتحدث العالم عن عظمة الشباب المصري، ونبل ثورته، فعملوا كل ما في وسعهم من أجل إشاعة الفوضى، وتشويه الثورة!

ومهما يكن، فالثورة هزمت الشرطة، ولم تقترب من الجيش، ومبارك غادر وأستلم الحكم المجلس العسكري بقرار منه، وإذا حدث أي استغلال أثيوبي للثورة، فهو استهانة بسلطة الحكم ممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان عبد الفتاح السيسي عضواً فيه، كما أن الجريمة الحقيقية بدأت بالتوقيع الجريمة على اتفاق المبادئ، بدون عرض الأمر على المختصين في مصر، أو طرحه على الرأي العام، وهو اتفاق جريمة، ليس فقط لأنه لم يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، ولكن لأن نصوصه إنشائية، تتطرق إلى موضوع وقوع المخاطر، لكنها لا ترتب أمراً إذا وقعت، ولا ينص على اللجوء للتحكيم الدولي!

وعندما يحتشد أحمد موسى وباعتباره لسان السلطة الحاكمة، فيحمل الجريمة على ثورة يناير، فإنه يكون في مرافعة بائسة، لتمرير الجريمة، وتخليص المتهم الأول، بتعليق الاتهام في رقبة الثورة، التي لم تتآمر ولم توقع، فالمؤامرة بدأت باتفاق المبادئ، والجريمة ارتكبت بالتوقيع عليه. ولم تتوقف محاولة تقديم عبد الفتاح السيسي المختفي في ظروف ليست غامضة، على أنه ضحية ومجني عليه وليس فاعلا أصليا في القضية، باتهام ثورة يناير بالمسؤولية عن بناء السد، ولكن اتسع الاتهام ليشمل قطر، بإعلان إعلام السيسي أن الدوحة مولت سد النهضة بـ (86) مليار دولار!

التمويل القطري

في قناة «دريم» شاهدت مذيعة «ملبوسة»، تتحرك بكل مشتملاتها، لتذكرني بمذيع قديم في التلفزيون المصري، اسمه «إبراهيم الكرداوي» كان يتحدث بكل حواسه وأيضا برموش العين، فلما دفعوا به ليحاور مبارك، نهره ووصف تصرفاته بوصف لا يقوله إلا «فلاح قديم».

كانت المذيعة لتثبت تمكنها من اللغة تخرج لسانها، عند نطق الحروف التي يستوجب إخراجه، لكن بطريقة مبالغا فيها، حتى يوشك اللسان عند خروجه أن يؤدي فعلاً مؤذيا للضيوف والمشاهدين على حد سواء، فما هكذا تخرج الألسن لتنطق الثاء، أو الذال! كانت تجلس ومعها نصف دستة من الضيوف، لكنها كانت مشغولة بإقحام اسم قطر في موضوع الحلقة الذي هو عن أزمة سد النهضة!

عندما مررت على «دريم» كان المتحدث هو «هاني رسلان»، وهو متخصص في المجال، لكنه دائماً ما يلقي باللائمة على وزير الري ويستبعد المتهم الحقيقي عبد الفتاح السيسي. حاولت «الملبوسة» أن تقحم اسم قطر، وعلى طريقة «الوشوشة»، لكنه لم يطاوعها، فوضعت على الشاشة صورة تجمع الشيخة «موزا» والدة أمير قطر، والرئيس الأثيوبي، وبدا الأمر يعبر عما في بطن الشاعر، ولا نعرف ما إذا اللقاء حدث في زيارة الرئيس الأثيوبي مؤخراً للدوحة، أم أنها صورة مفبركة من إعلام لا يتورع عن القيام بمثل هذه الأمور.

لست متأكداً أن الصورة حقيقية، كما لا أستطيع أن أجزم بأنها مزيفة، لكن ما أرصده منذ الحصار المفروض على قطر، هو تراجع حضور والدي الأمير، ليسمحما بتأسيس شرعية جديدة له، هى الشرعية التي تنتجها التحديات، ويفرضها تربص الأعداء، لاسيما إذا تجاوز الأشخاص إلى الأوطان ذاتها. ومؤخراً زار الرئيس أردوغان الدوحة، فكان دور الأم هو الاحتفاء بحرمه بعيداً عن السياسة، من خلال المشاركة في مؤتمر عن الابتكار في التعليم. لا يهتم القطريون بما يبثه إعلام السيسي، ربما ترفعاً، وربما ظنا منهم أن الشعب المصري يعرف الحقائق، وهو خطأ وقع فيه الإخوان، فالرد على الأكاذيب مطلوب حتى لا يؤثر هذا الإعلام في الناس والبسطاء منهم على وجه التحديد! لا بأس، فما هى الجريمة في تمويل قطر لسد النهضة؟ هل لأنه يمثل خطراً على مصر؟.. فما رأيكم إذا كان هذا السد الذي يمثل خطراً على المحروسة وافق السيسي على بنائه، فهل نلوم قطر إذا مولت سداً احتفل السيسي بمنحه الموافقة المصرية كتابة على الشروع في بنائه، وبدا في كل الصور سعيداً سعادة كبيرة تفوق سعادة الرئيس الأثيوبي ذاته؟! البأس الشديد، أن قطر لم تمول سد النهضة، الذي تم الانتهاء من عملية تمويله بعد أن اطمئن الجانب الأثيوبي إلى أن عبد الفتاح السيسي نفسه صار في الحكم، وذلك في سنة 2014. وقد أعلن رئيس الوزراء الأثيوبي بأنه لا علاقة لقطر بتمويل سد النهضة، وهو التصريح الذي أخفاه إعلام الثورة المضادة في مصر، لحاجة في نفس يعقوب، تتمثل في البحث عن عدو لتعليق الاتهام في رقبته، لتحرير المتهم الأول والفاعل الرئيس وهو عبد الفتاح السيسي شخصيا!

الحل

وبعيدا عن قطر وثورة يناير، فقد كان العزف في الليلة الأولى على اسطوانة ماذا في أيدينا أن نفعل؟..حيث صرخ «عمرو أديب»، بالصوت الحياني، وهو يقول «اللي حصل حصل»، وفي تصور يستهدف إصابة الناس باليأس، ليتمكن السيسي من الإقدام على الخطوة التالية، المقررة منذ توقيعه على اتفاق المبادئ، وهى البحث عن وسيط، وليس هناك سوى إسرائيل، لكي يتحقق المخطط الذي رسمه السادات، وكشفه كتاب «النيل في خطر»، للراحل كامل زهيري، والذي يدور حول إقدام مصر على توصيل مياه النيل إلى الأرض المحتلة. والإيعاز بأنه لا حل في يد مصر، وهى جريمة تضاف إلى جريمة عبد الفتاح السيسي بالتوقيع على اتفاق المبادئ، فأمام مصر خيارين على درجة كبيرة من الأهمية، لن يلجأ إليهما قائد الانقلاب العسكري، لأنه في الواقع هو جزء من المؤامرة، وليس جزءاً من مواجهتها.

الأول: هو أن يلغي البرلمان موافقة عبد الفتاح السيسي، وهذه سلطته، وبالتالي يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي. الثاني: هو ضربة جوية تنهي هذا العبث، وليس هذا بدعاً فكثيرا ما قامت العسكرية المصرية وعلى مر التاريخ، بحملات إلى أعلى البحار للحفاظ على ماء النيل. فإذا لم يكن هذا دور الجيش المصري، فما هو دوره؟ على قناة «أون» بشرنا الجنرال كامل الوزيري رئيس الهيئة الهندسية للجيش، بأن القوات المسلحة تعمل على إنشاء أكبر محطات تحلية في العالم!

وليس دور الجيوش تحلية مياه البحر أو مياه المجاري، وإنما دوره هو الحرب للحفاظ على النهر والأرض. بيد أن المخطط سلفاً هو ما يحدث الآن. فليس للانقلاب العسكري أن يلعب دور الضحية.

صحافي من مصر

المصدر