رياسة بلا مؤهلات تساوي خرابًا وضياعًا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رياسة بلا مؤهلات تساوي خرابًا وضياعًا
توفيق الواعي.jpg

بقلم الدكتور. توفيق الواعي

هل ترى أحدًا في عالمنا الثالث يرفض رياسةً، أو يتركها طوعًا، إلا من رحم ربك؟! وهل تراه يعفُّ عنها، ويحسبها حملاً ثقيلاً ينوء بها ظهرُه، ويضعُف عنها كاهلُه؟ لا أظن، بل يعدها كنزًا ومغنمًا ووجاهةً، تحقق له الثراء، وترفع منه الخسيسة، وتورثه التسلط الذي يحب، والتصعُّر الذي يطلب، مع فقر في المواهب والصفات، وخلوٍّ في العزائم والمؤهلات، ونهم بالشهوات والملذات، فتراه تتمتَّع نفسُه بكبر إبليس، وحسَد قابيل، وعتوِّ عاد، وطغيانِ ثمود، وجرأةِ نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، ووقاحة هامان، وهوى بلعام، وحِيَل أصحاب السبت، وتمرُّد الوليد، وجهل أبي جهل.

وفيه من الأخلاق الحيوانية حرصُ الغراب، وشَرَهُ الكلب، ورعونةُ الطاووس، ودناءَةُ الجُعل، وعقوقُ الضب، وحقدُ الجمل، ووثوبُ الفهد، وصَولةُ الأسد على الناس، وفسقُ الفأرة، وخبثُ الحية، وعبثُ القرد، وجمعُ النملة، ومكرُ الثعلب، وخفةُ الفراش، ونومُ الضبع.

وهذه صفات أقل ما يُقال فيها بأنها تحرق الأخضر واليابس، وتورث الخراب والدمار، وتدع الديار بلاقع، وتُبدلها الغضب والشقاء، كما قال القرآن في قوم سبأ: "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّنْ سِدْرٍ قَلِيْلٍ* ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَهَلْ نُجَازِيْ إِلاَّ الْكَفُوْرَ" (سبأ:17،16).

هذا في العامة، فما بالنا إذا كان هذا في القمة، وفي العَرَبة التي تجرُّ القاطرة، وفي المثال الذي يُقتدَى به؟! لا شك أنه سيكون حاطبَ ليلٍ مصابًا بالعمى البصري والقلبي:

وحاطب الليل في الظلماء منتصبًا لكل داهية تدني من العطب

ترجو الشفاء بأحداق بها مرض فهل سمعت ببرء جاء من عطب؟!

إن الأمة اليوم يُضرب بها المثل في التعاسة والهوان، ومن أراد أن يبرهن على مرض ما أو على شعب مستباح، فإنه يجد ذلك واضحًا فيها، ومن أراد أن يضرب المثل في الظلم والبغي والدكتاتورية السوداء البغيضة، فليدرس الأحوال عندنا ويمتِّع نظرَه في ديكتاتورياتنا!!

مما يروُون من نكات الجاحظ- الكاتب والأديب العربي المشهور- أنه كان قبيح الوجه، لكنه كان مرِحًا، يحكي عن نفسه فيقول: "كنت أقف على باب داري، فاقتربَت مني امرأةٌ، وقالت: أنا في حاجة إليك، وأريد أن تمشي معي لقضاء هذه الحاجة، فقُمتُ معها حتى وصلنا إلى دكان صائغ، فقالت له: مثل هذا!! وأشارت إليَّ، ثم تركتني وانصرفت، فسألت الصائغ: ماذا تقصد هذه المرأة بقولها؟! فقال: لقد أحضرَتْ لي فصَّ خاتم، وطلبت مني أن أنقِش عليه صورةَ شيطانٍ، فقلت لها: يا سيدتي، ما رأيت شيطانًا قط، فجاءت بك، وقالت: مثل هذا".

فمن أراد أن يرى التعاسة والهوان فها هنا!!

ينبغي على الأمة أن تنظر إلى حالها، وتسير إلى ما ينقذها، فكما يقول الفقهاء: أعمال الفجور تُثْمِرُ الضلال، قال تعالى: "يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِيْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِيْ الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِيْنَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ" (إبراهيم: 27) "كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوْبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُوْنَ" (المطففين: 14)، نعم غطَّى كسبُهم على قلوبهم وأعمالهم، وتوجهاتهم، وحالَ بينهم وبين الرقي والفلاح؛ لأن الهدى قرين العمل الصالح، والضلال قرين البغي والشقاء، وقد جعل الله للضلال أهلاً من الحثالات، وكناسات الناس، الذين لا يفقهون ولا يعقلون ولا يحسُّون، ولا يبصرون؛ لأنهم تخلَّوا عن صفات الخير، ونهدوا إلى بؤر العفن والضياع، قال تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيْرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوْبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُوْنَ بِهَا وَلَهُمْ أعَيُنٌ لاَ يُبْصِرُوْنَ بِهَا" (الأعراف: 179).

وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى فإن طمعت تاقت وإلا تسلت

وكانت على الأيام نفسي عزيزةً فلما رأت صبري على الذل ذلت

فقلت لها يا نفس موتي كريمةً فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت

لقد كان الامتهان الذي تعرضت له الأمة، والاستهتار الذي عوملت به شيئًا يدعو إلى العجب، وكانت أسبابها كلها ادعاءات واختراعات ثار لها العالم ولم نَثُر، وضجَّ ولم نَضِجُّ، وتألم ولم نتألم، وانكشف ذلك كله ولم نحتجَّ أو نرفع لذلك صوتًا، حتى إن كولين باول- وزير خارجية أمريكا- قد اعترف صراحةً بأن وكالة المخابرات المركزية أخطأت بشأن مختبرات الأسلحة العراقية البيولوجية، وأن الحكومة الأمريكية كانت معلوماتها مضللةً حول الترسانة المزعومة للرئيس العراقي صدام حسين ، وحاولت إقناع العالم بذلك دون التحقق منها بشكل جدي.

ومن المضحكات أن دولةً صغيرةً مثل دولة (الكيان الصهيوني ) التي كانت تسمى "إسرائيل المزعومة" هي التي تحرك الشرق الأوسط وتطأطئ لها الهاماتُ لتركب من تشاء، وتركل من تشاء، وتسلط الدول الكبرى على من تشاء، يقول السيناتور الديمقراطي أرنست هولنجز في مجلس الشيوخ: إن حرب العراق قد شُنَّت من أجل "إسرائيل"، وبضغط من اللجنة الأمريكية الصهيونية للشئون العامة "إيباك" أقوى لوبي يهودي في أمريكا، تُرى ما الذي يتمتعون به من صفات؟!

هذه الحرب التي تُشَن على أمتنا قذرة في كل شيء، استعملت أمريكا فيها كل شيء قذر حتى مع المعتقلين الذين تعرضوا لأكبر فضيحة أخلاقية ولم تكن سرية، بل كانت مصورةً وعالميةً أُذيعت حتى في التلفاز والجرائد والمجلات، شملت تصوير النساء العراقيات المعتقلات عرايا، وممارسة جندي من الشرطة العسكرية الجنس مع سجينة في سجن أبو غريب، ووضع عصا مكنسة ومصباح كيماوي في فتحات شرج المساجين، وغير ذلك من الأساليب التي طلبها محققو المخابرات العسكرية لتهيئة الظروف العقلية والجسدية للاستجواب وأخذ الاعترافات، كما لم يدوَّن هؤلاء السجناء في سجلات أو بطاقات هوية، يحرَّكون من مكان إلى آخر عندما تكون هناك عمليات تفتيش دولية من الصليب الأحمر.

كل هذا ولم تتحرك السلطات العراقية الجديدة باحتجاج واحد على تلك الممارسات للحفاظ على كرامة الشعب الذي يُدَّعى تحريره، أظن أنه ينقصنا الكثير والكثير من الصفات الإنسانية، فضلاً عن القيادية حتى نكون مؤهلين لريادةٍ ما، أو نهضةٍ ما، وإلا فالخراب والضياع مستمران حتى إشعار آخر.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى