ذكرى اغتصاب فلسطين.. هل تكون بدء التحرير؟‍

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ذكرى اغتصاب فلسطين .. هل تكون بدء التحرير؟‍
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د/ توفيق الواعي

لا تُغتصب ديار أمة إلا إذا وهنت قوتها، وضاعت هويتها، وتفرق شملها، وانحلَّ عزمها، وطمست بصيرتها، وتحكمت أهواؤها، وضاع طريقها، وفُقدت غايتها؛ ولهذا أراد الله سبحانه لأمة الإسلام أن تتخطَّى تلك العقبات بأن تكون:

1- قوية عزيزة أمام أعدائها وأمام المتربصين بها، الذين لا يردعهم حق ولا يعصمهم خلُق أو دين، فقال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال:60)؛ لأن القوة هي أكبر ضمان لردِّ الطامعين والغاصبين، وأعظم سبيل لحماية القاطنين والآمنين.

2- أن تكون لها هوية وشخصية مميزة، بأفعال وأعمال ومناهج ورسالة عامة، وصدق الله: (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقََّ جِهَادِهَ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّيْنِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيْكُمْ إِبْرَاهِيْمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ شَهِيْدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُوْنُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيْمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَولَى وَنِعْمَ النَّصِيْرُ)(الحج:78) (يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اتَّقُوْا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوْتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ)(آل عمران: 102)، فهوية المسلم هي ذاته، وشرفه، وعنوانه، إذا تخلى عنها انحلَّت شخصيته، وضاع شرفه، وضلَّ سبيله، وهذا ما لا يقدُم عليه مسلم.

3- لزوم الاتحاد والاعتصام والالتفاف حول مبدأ وغاية تجمع الشمل وتوحِّد الهدف، قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَّلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوْبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا وَّكُنْتُمْ عَلََى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103)، وهذا من قواعد الفلاح.

تأبى الرماح إذا اجتمعْن تكسُّرًا وإذا افترقْن تكسَّرت آحادًا

4- اتخاذ العزم سبيلاً لنَيل المقاصد وبلوغ الأهداف الكبار، والعزم يوجب الصبر والثبات ورباطة الجأش حتى تتحقَّق المقاصد: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِيْنَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِيْنَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيْرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (آل عمران: 186) (طَاعَةٌ وَقَولٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)(محمد: 21)(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل َّلهُمْ) (الأحقاف:35) فإذا صدقت العزائم انهارت السدود، وأزيلت العقبات، وأضيئت الدروب أمام القاصدين والسالكين لدروب الحياة، وإذا انهارت تلك العزائم جاءت الكوارث، وحلَّت النكبات، وضاع العباد، واحتُلت البلاد.

5- الابتعاد عن الأهواء المُضِلَّة، والشهوات المُذِلَّة، وعن الانصياع للشياطين والأبالسة.. (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ) (القصص:50) (وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوْا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوْا كَثِيْرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَآءِ السَّبِيلِ)(المائدة: 77)، وما تضيع الأمم إلا باتباع الشهوات والمَيل إلى الفجور، وهذا ما يريده لنا أعداءُ الإسلام حتى ينحلَّ العزمُ، ونبتعد عن الجادة.. (وَاللهُ يُرِيْدُ أَنْ يَتُوْبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيْدُ الَّذِيْنَ يَتَّبِعُونَ الْشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيْلُوا مَيْلاً عَظِيْمًا) (النساء: 27) وهذا ما انحدرت الأمة إليه أفرادًا وجماعات وسلطات، فظهَر عليها عدوُّها، ودخل عليها في بلادها، وملك ما بحوزتها وفعل بها الأفاعيل.

6- بُعد النظر، وإدراك عواقب الأمور ومآلاتها، أمة لا تخدعها الأقوال ولا المظاهر، لها في الأقوال تمحيص، وفي النيات بحوث ودلائل، وفي الأعمال عِبَر وقياسات ومدارسات، ومن ذلك ما رواه الترمذي أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله".. ثم قرأ: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِيْنَ) (الحجر:75) (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيْمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)(محمد:30)، ولقد ذهبت فراسة الأمة بذهاب الإيمان، وضاعت حلومها بطمس البصائر، وحلول الجهالة، واستمرار الغباء.

7- عدم الخضوع للأعداء، والنهي عن موالاتهم، والركون إليهم، خاصةً عند تربصهم بالمسلمين.. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُوْنَ)(آل عمران: 118) (يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَ تََتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيآءَ تُلْقُوْنَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الْحَقِّ)(الممتحنة:1) (يَآ أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَّتَولَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ* فَتَرَى الَّذِيْنَ فِي قُلُوْبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيْهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيْبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أن يَّأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَآ أَسَرُّوْا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِيْنَ)(المائدة:52،51)، وهل أَذلَّ المسلمين اليوم إلا الخضوع والعمالة لأعدائهم، حتى صار العدو هو الذي يتحكَّم في كل شيء، حتى في ثقافتهم وتعليمهم وزراعتهم ومقدراتهم؟‍

وبعد: إن تاريخ اغتصاب فلسطين معروف ومحفوظ، وأطماع أعدائنا في ديارنا معلوم ومكرور، وأهدافه ظاهرة وواضحة للعيان، وأعماله على أرضنا وساحتنا تقشعر منها الأبدان، وتسير بها الركبان، ونحن لا نرفع رأسًا أو نحرك ساكنًا.

ولكن حسبنا اليوم الملحمة الفلسطينية، التي جدَّدت الأمل، وقتلت اليأس، وأعادت الحياة والروح إلى الأمة؛ بما كتبت وحدها من صفحات مشرقة في الصمود والجهاد البطولي، في ظلِّ أسوأ الظروف وأقساها، فأخرجت كوكبةً من الأبطال، ووعَت دروسَ ربِّها، وعاهدت نبيَّها على الكفاح والجهاد، وتخلَّت عن حظوظ نفسها، فلم تبحَث عن مكانةٍ أو منصبٍ أو دورٍ تاريخيٍّ، وإنما كان الدور التاريخي هو الذي يبحثُ عنها، والجماهير الحائرة تتوق إليها لتلتفَّ حولها ولتُعيد للأيام بهجتها، وللحياة طعمها، وللإسلام انتصاراته وشموخه.

هؤلاء القادة جاءوا نتاج تربية إسلامية رصينة، ولم يركبوا موجَ الصدفة، أو يتسلقوا جبال العشوائية، وإنما كانوا على موعد دقيق مع أقدارهم؛ حيث كانوا على أهبة الاستعداد لأداء دورهم في حيِّز الوجود الصعب، ومَن رحل منهم أو استُشهد فقد فارق الكفاح والشموخ، وأسلم الراية لمن بعده متمثِّلاً قول من قال:

إذا مات منا سيد قام سيد قؤول بما قال الكرام فعول؟

ولئن كنا اليوم في ذكرى النكبة، فقد أبت هذه الذكرى إلا أن تضعَنا ببطولات هؤلاء الرجال على درب التحرير، وأن تزرع في شعب فلسطين سهامًا ورماحًا وعزائم، ستجهز على الباطل، وتطلع شمس الإسلام ، وصدق الله: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(الإسراء:81) (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ الْنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(يوسف:21).

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى