د. جمال حشمت: ممكن أن نتفهم.. ولكن!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. جمال حشمت: ممكن أن نتفهم‏..‏ ولكن‏!‏

بتاريخ : الأربعاء 19 يونيو 2013

بقلم: د. محمد جمال حشمت

الرئيس البرازيلي الذي قفز ببلاده من الديون والفقر الي التنمية والترتيب العالمي اقتصاديا لاقي صنوفا من الحرب والتشكيك من ابناء بلده لمدة لاتقل عن عامين‏!‏

ورئيس الوزراء التركي الذي فاز في الانتخابات البرلمانية وشكل حكومته لأول مرة تحت قصف إعلامي, وتربص قضائي, وغضب عسكري, ومظاهرات ليل نهار تندد به وترفض سياساته, وظل صامدا طوال أكثر من ثلاث سنوات حتي حقق التنمية لبلده وسدد كامل ديونها وتبوأ مكانة اقتصادية علي مستوي العالم!

وأمثلة أخري كثيرة تؤكد أن التغيير مرغوب ومرهوب في نفس الوقت لأن الإلف والخوف من الجديد دائما ما يسيطر علي النفوس, ومقاومة التغيير أيضا هو ديدن المتضررين منه, ولأن مناخ الفساد الذي ساد في مصر طوال عشرات السنين الماضية منح هؤلاء كما من المصالح والمكاسب لم يكن أحد يحلم به دون حساب أو رقابة, لذا عندما تتهدد مصالحهم ومكاسبهم تلك فلن يهدأ منهم أحد بل سينفقون جزءا مما اكتسبوه لحماية ماتبقي, وعلي أمل إفشال محاولة التغيير والإصلاح الجارية, وهناك من يري أن أي تغيير يحقق لمصر تنمية حقيقية برغم آلام المخاض التي لزما سنمر بها سترسخ أقدام القائمين والداعين بإصرار لإتمام هذا التغيير مما يصعب فيما بعد أي محاولة لإبعادهم عن طريق صندوق الانتخاب.

لذا أجد أن ما يلاقيه الرئيس المصري المنتخب من معارضيه علي كل الأصعدة وبمختلف انتماءاتهم هو وضع طبيعي ورد فعل متوقع لوضع غير متوقع أو متصور حدوثه من جانبهم!! ولابد أن يتفهم نظام الحكم في مصر ذلك, ولا يتأثر بحجم المعارضة الشرسة التي تخطت في كثير من مفرداتها الآداب العامة والأخلاق والصدق والأمانة في عرض الحقائق والوقائع! وعليه أن يشجع المعارضة البناءة الحقيقية فقد أثبتت الدراسات التي أجرتها بعض المؤسسات المحايدة أن كثيرا من الصحف كذبت وحرضت علي الكراهية بل وهددت أمن البلاد بالدعوة الي العنف والفوضي في أوقات كثيرة طوال24 مليونية اندلعت منذ تولي الرئيس مرسي السلطة في البلاد! وكذلك شاركت بعض الفضائيات المملوكة لبعض رجال الأعمال الذين تضرروا من إجراءات التغيير والإصلاح التي تنتهجها حكومات الرئيس المنتخب!

وأعتقد أن ما يحدث هو شهادة لهذا النظام لأنه لولا أنه يتحرك بقوة وبإصرار علي طريق مكافحة الفساد ليحقق العدالة الاجتماعية المنشودة ما كانت هذه المعارضة لو أن هذا النظام رغم النقد الموضوعي الموجه له ورغم الخسائر التي يسببها لنفسه ببعض المنتسبين اليه وبعض البطء في حركته وبعض الفرص الضائعة منه! لو أنه نظام فشل في هذا العام ولم يحقق شيئا لكان هؤلاء الكارهين له أول من سيتركه يغرق ثم ينصبون له المشانق!!

لو أنه رغم السباب والتخوين والاستهزاء والسخرية المصاحب للحصار والعنف والمولوتوف والدعوة الدائمة للانقلاب عليه لم ينجز شيئا علي المستوي الخارجي والدولي والمستوي الداخلي من جلب للاستثمارات وتهيئة لمشروعات كبري, وإعداد خطة لمكافحة الفساد, ووقف إهدار المال العام ومراجعة للموازنة في مجلس الشوري التي وفرت علي الأقل20 مليار جنيه بعيدا عن الصناديق الخاصة التي يتم حصرها, ووضع تصور للتعامل معها, لو لم يتحرك النظام في اتجاه هذه الإجراءات ما كانت الدعوة الي30 يونيو لإسقاط الرئيس بعد عام من توليه بحجة أنه لم ينجز شيئا, ولم يحقق أهداف الثورة التي قامت لإزالة عدوان عشرات السنين علي مصر وشعبها.

والعجيب أن المنادين بهذا هم من استمروا في الحكم عشرات السنين بعد إقصاء وتغييب وتعذيب الإسلاميين أصحاب الأيدي الطاهرة في مجملهم والتاريخ النظيف, ولم يتحملوهم لمدة عام لم تكن فيها الأمور خالصة لهم! وتصورت أن عنوان حملتهم الشرسة هو أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون, ورغم أني أدرك أن كثيرا, من الشباب المتحمس لهذه الدعوات لم يقرأ التاريخ بإنصاف مفترضا فيه حسن النية, وأن من حقه أن يعبر عن غضبه وإحباطاته وأمله الذي تعلق بالرئيس, واتجاهه الإسلامي والذي لم يمنحه لا الوقت الكافي ولا المناخ المناسب كي ينجز ما وعد به!

نتفهم ذلك لكن البعض من المغرضين الذين يدركون فرص نجاح الرئيس لو توفر له الهدوء واستثمر وقته الشرعي بحق هم الذين أثاروا الغبار, واليوم يدعون الشباب لإعلان الغضب ويتكلمون باسم الشعب, وهم من فشل في كسب ثقته في كل استحقاق انتخابي.

وفي نفس الوقت يتحالفون مع رموز الماضي الذي خرب البلاد وأفسد العباد, الذين أقاموا دولة البلطجة التي كانت سلاحهم في التصدي للشرفاء وسرقة الوطن, مما يهدد تظاهرات الشباب السلمية التي هي حق لهم ويعرض استقرار البلاد للعنف والفوضي, فكما من حق الغاضب أن يعبر عن غضبه أيضا من حقه أن يفهم الحقيقة بهدوء بعيدا عن الغضب الذي يستثمره البعض لتصفية الحسابات مع الثورة التي قضت علي نفوذهم وأحلامهم, انتبهوا فمع النجاح يكثر الحساد, ومع الشجر المثمر يزداد قذف الطوب!

والله لو فشل ـ لا أقول لو أخطأ فكلنا خطاءون ـ لتركوه يرتع في فشله! ويبقي بعض المرتزقة من الإعلاميين والسياسيين يتعاملون مع الرئيس في هذه المرحلة الانتقالية الخطيرة في حياة مصر والمصريين تحت شعار الحديث الشريف قبل الساعة سنون خداعة, يصدق فيها الكاذب, ويكذب فيها الصادق, ويخون فيها الأمين, ويؤتمن فيها الخائن, وينطق فيها الرويبضة وهو التافه الذي يتكلم في أمر العامة.

أخيرا الظلم ظلمات, ومحاولة استنساخ ثورة 25 يناير في 30 يونيو لن تحدث لأن الأولي كانت طبيعية برعاية ربانية لم يستعد فيها أحد لعمل محدد, وشارك فيها كل الشعب المصري بعفوية وإصرار, أما الثانية فمصطنعة برعاية شيطانية يدبر لها بليل لإراقة الدماء وإثارة الفوضي, و يستدعي لها الشعب المصري!

وعهدنا بربنا الذي يحمي ويحفظ مصر من كل سوء أنه سبحانه لا يصلح عمل المفسدين الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون إن شاء الله..

نقلا عن صحيفة الاهرام

المصدر