خليل العناني يكتب: من يملك الأرض في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العناني يكتب: من يملك الأرض في مصر


بتاريخ : الثلاثاء 04 نوفمبر 2014

تتجاوز دلالات التهجير القسري والسلطوي، لمئات العائلات فى مدينة رفح المصرية، مسألة "الحرب الوجودية" التي أعلنها الجنرال السيسي، بعد الهجوم الإرهابي على أفراد الجيش المصري، قبل أسبوع.

وبغض النظر عن مدى التوظيف السياسي للهجوم من أجل تنفيذ خطط كان قد تم إعدادها مسبقاً، فإن منطق التعاطي مع أهل رفح جزء أوسع من تصور ورؤية السلطة الحالية للمجتمع ككل، وكيفية التعاطي معه.

وينطلق هذا التصور من فكرتين أساسيتين هما: التشيؤ والاستيلاء.

الأولى تنطلق من اعتبار أفراد المجتمع مجرد "أشياء" ساكنة، وكائنات خاضعة يمكن التصرف فيها، كيفما شاءت السلطة، من دون أي قدرة على الرفض، أو الدفاع عن نفسها.

أو باختصار باعتبارهم مجرد "قطيع"، لا يملك من أمره شيئاً، وفي حاجة دائمة للوصاية والرعاية من الدولة، ومن يحكمها.

"تشيؤ" الفرد وتحويله "مادة" صامتة قابلة للتصرف يمثل جوهر الأصولية السلطوية التي لا تعبأ بمسألة المواطنة، أو الحقوق، وأهمها الحق في الأرض، والحق في الحياة.

لذا، يزداد "توحش" هذه الأصولية، إذا شعرت بأن هذه "الأشياء" يمكنها أن تتصرف بذاتها بعيداً عن إرادة الدولة وهيمنتها.

رأينا ذلك طوال عهد حسني مبارك، حين كان يتعامل مع المجتمع باعتباره "كتلة" صامتة خانعة، لا تقوى على الانتفاض أو الاعتراض.

ولما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وسقط مبارك، جُن جنون المؤسسة التي كانت تحميه، وتحافظ على حكمه، ولم يهدأ لها بال، إلا بعد أن استعادت "مُلكها" من أنياب الثورة، وتحاول، الآن، حمايته بكل الوسائل بما فيها القتل والقمع والتهجير.

أما المسألة الثانية فهي فكرة المصادرة و"الاستيلاء".

وهي امتداد طبيعي للفكرة السابقة، فالأشياء الساكنة ليست ذوات مستقلةً، أو فاعلةً، وإنما هي، بالأساس، "مفعول بها".

من هنا، يمكن فهم منطق الاستيلاء على الأرض والبشر والفضاء العام.

فما دمت أنت مجرد "شيء"، فليس لك سلطة على نفسك أو قرارات، ولا تمتلك أي إرادة حرة تدافع بها عن نفسك.

بدا ذلك واضحاً طوال العام الماضي، ففي الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، جرت أكبر عملية مصادرة واستيلاء من الثورة المضادة على ثورة 25 يناير المجيدة.

ومنذ ذلك الوقت، تم تفريغ المجالين، السياسي والعام، من القوى الثورية، تمهيداً لإغلاقهما وتأميمهما من الأصولية السلطوية.

لذا، لا تختلف عملية التهجير التي تجري مع أهل رفح عن "التهجير" والتجريف السياسي التي جرت منذ وقوع الانقلاب، والذي طال حلفاء النظام الحالي ومؤيديه.

فلسفة "التشيؤ والاستيلاء" ركن ثابت من أركان النظام السلطوي الذي تم تدشينه عام 1952، ومكّن السلطة من بسط هيمنتها على الأرض والبشر.

لذا، ليس غريباً أن يكون القانون الذي مكّن الدولة من الأرض كان قد صدر عام 1958 (القانون 124 لسنة 1958) تحت حكم عبد الناصر، وهو القانون الذي وضع أساساً لسلسلة أخرى من قوانين الهيمنة، أعوام 1964، 1981، 2006، وتصب جميعها في الهدف نفسه، وهو وضع الأراضي المصرية غير المأهولة بالسكان تحت تصرف الدولة، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية.

وهي القوانين نفسها التي حوّلت عشرات آلاف الأفدنة، خصوصاً فى الأراضي الصحراوية وشبه الصحراوية، إلى إقطاعيات و"عزب" خاصة لجنرالات كثيرين ولأبنائهم وعائلاتهم، من دون حسيب أو رقيب.

تتعامل السلطة، إذن، بمنطق "أنا من يملك الأرض ومن عليها"، ومن يعترض فجزاؤه القمع أو القتل أو التهجير.

وإذا كان لا يضير سلطة مغتصبة اعتقال من تعتبرهم "مجرد أشياء" أو قتلهم، فلن يضيرها قطعاً تهجيرهم أو طردهم من منازلهم وأرضهم وتاريخهم.

وإذا أضفنا إلى ما سبق، العنصرية السياسية والاجتماعية السائدة فى تعاطي السلطة مع الأقليات الجغرافية، كأهلنا فى سيناء والنوبة، فإن ما يحدث يبدو أمراً طبيعيّاً، بل ومتوقعاً.

فنظرة السلطة لهؤلاء جميعاً، خصوصاً أهل سيناء، يملأها الشك وعدم الثقة، ويعززها تاريخ طويل من الإهمال والتهميش والإفقار والتمييز الذي أُضيفت إليه، منذ عقد، الإجراءات القمعية التي اتخذتها وزارة الداخلية، والجيش أخيراً.

من هنا، يصبح حديث بعضهم عن مخالفة تهجير أهل رفح الدستور الذي تم إقراره في 2014 الذي يحظر التهجير القسري للمواطنين، بجميع صوره وأشكاله، حسب المادة 63، أمراً عبثياً. ليس فقط لأن حكم الجنرالات، بالتعريف، لا يحترم مواثيقاً ولا يعبأ بالدساتير، وإنما، أيضاً، لأنه لا يوجد من يستطيع أن يتصدى لهذا التوحش السلطوي ويوقفه.

وهو أمر كاشف للتواطؤ والصمت الذي يعم كثيراً من منظمات المجتمع المدني التي لم تتجاهل فقط "مذبحة" التهجير، وإنما شجّع بعضها على ذلك تحت عباءة "حماية الدولة" وحفظ وجودها.

وهو أمر ليس مستغرباً، بعد أن أصبحت هذه المنظمات شريكة فى جرائم السلطة الحالية، مرة بالصمت على قتل المعارضين لها، ومرة أخرى بعدم المطالبة بحقوقهم، أو وقف توحش السلطة.

ولا يدرك هؤلاء أنهم سيدفعون ثمن صمتهم وتواطئهم من هذه السلطة ذاتها، آجلاً أو عاجلاً.

من يملك الأرض يملك الحرية، وما دام الجنرالات في مصر هم من يملكون الأرض، أو هكذا يعتقدون، فلا أمل ولا حرية.

- المقال نقلا عن "العربي الجديد"

المصدر