حسن البنا ...على درب التجديد والشهادة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا ...على درب التجديد والشهادة


بقلم : عبد العزيز كحيل

قال بهذا علماء فحول و دعاة أصحاب خبرة،منهم العرب والعجم : إن حسن البنا هو مجدّد القرن الرابع عشر الهجري، بل قالوا إنه أعظم مجدّد عرفته الأمّة منذ شيخ الإسلام ابن تيمية ....أمدّه الله بخصائص المجدّد الذي يبعثه على رأس كل مائة سنة ، فقد كان- رحمه الله - صافي الذهن،نافذ البصر،مستقيم الفكر،ذا قدرة نادرة على تبيّن السبل من غير إفراط ولا تفريط،مراعيا للاعتدال في الاعتقاد والسلوك والرأي والدعوة،صاحب شجاعة وجرأة على مزاحمة الانحراف،أمّا درّة عقد مواهبه النادرة وخصاله المتفرّدة فهي القدرة على القيادة والزعامة وتجميع أصناف الناس والتأثير فيهم وتحويلهم فكريا وشعوريا وسلوكيا من حال إلى حال...أليست هذه مميزات من يجدّد للأمة دينها؟

كانت الأمة في انتظاره بعد غلبة الاستعمار الغربي وسقوط الخلافة الإسلامية وبلوغ الانحطاط مداه ...فجاء على قدر يحمل قلبا كله إيمان وعقلا كله إسلام،فكان ربانيا حقا.

بدأ مهمة التجديد وهو فتى يافع فكان أشبه بالشباب الذين تحلم بهم الأمة ،أمثال أسامة بن زيد ومحمد بن القاسم الثقفي ومحمد الفاتح،أحسن تشخيص الأدواء وتدبير الإصلاح فسعى إلى إحداث انقلاب فكري شعوري ظهرت ثمراته في واقع الناس في صورة تزكية الأخلاق وإشباع النفوس بحبّ الشريعة وتحريك الجوارح نحو البناء والإصلاح،وبدل تأليف الكتب اكتفى بتدبيج رسائل قليلة المباني كثيرة المعاني لها هدف واحد هو تكوين الرجال الربانيين الأقوياء إيمانا وأخويا وعضليا ليبدؤوا استئناف الحياة الإسلامية على مستوى النفوس والأسر والبلاد كلها،كل ذلك عبر تربية شاملة متكاملة جمع فيها بين صرامة السلفية في العقيدة،وروحانية الصوفية في التزكية،والوسائل العصرية في مواكبة التطوّر وحسن تبليغ الإسلام .

إن من يقرأ تراث الإمام الشهيد حسن البنا لا يسعه إلا أن يعترف بأنه عالم نحرير صاحب ملكة عقلية باهرة وقدرات فكرية أهّلته للرسوخ في العلوم الشرعية وكأنه رجل عاش ثمانين سنة بين العلماء والكتب،في حين أنه خرّيج دار العلوم اشتغل بالتعليم الابتدائي ..."ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،والله ذو الفضل العظيم". وككلّ المجدّدين كان – رحمه الله - مجتهداً واجه مشكلات عصره بوضع حلول لها في ضوء النسق الإسلامي الأصيل، نصر السنّة وقمع البدعة في المجالات النظريّة الفكريّة والعمليّة السلوكيّة بحكمة الطبيب الماهر والدّاعيّة الأريب، ولئن كان المجدّد يعرف من خلال تأثيره في الناس فإن الإمام الشهيد أحرز قصب السبق في ذلك وأحدث ثورة عاطفيّةً في سامعيه ومحاوريه وأتباعه اتّسعت آفاقها حتّى غدت تنظيماً محكماً لا يكاد اليوم يخلو منه في العالم، كلّه دعوة إلى الله وخدمة للإسلام وتدفّق لمعاني الحبّ في الله ورحمة عباده.

أسّس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين لتكون موئل المسلمين الّذين طال بهم عهد الانحطاط وزمن السلبيّة والتخلّف، ولم يكن له آنذاك مستشارون دهاة ، ولا كان خلفه مراكز أبحاث، إنّما وفّقه الله تعالى فجمع في شخصيّته خصالاً كريمةً مؤثّرة فاعلةً قلّما تجتمع في شخص واحد إلاّ طائفة نادرة من أولي العزم من الرّجال، فقد كان قرآنيّاً يحفظ كتاب الله حفظاً متقناً ويفسّره تفسيراً بديعاً، وكان أديباً متمكّناً يغبطه كبار الأدباء، وكان خطيباً مفوّهاً كأنّه قسّ بن ساعدة أو ابن الجوزي، وكان سيّاسيّاً بارعاً من طراز فريد، وكلّما نظر الناس إلى جانب م جوانب شخصيّته اعتقدوا أنّه متخصّص فيه لا يحسن غيره، لكنّه كان يحسن كلّ ذلك... إنّه اسم على مسمّىً .

مكّنته هذه المميزات من اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم فكان نموذجا لعباد الله الصالحين، قضى حياته يأخذ بأيدي الحيارى ويهدي الضالين ويرشد التائهين إلى خير الدنيا والآخرة ويغرس في قلوب الجماهير تعاليم الإسلام الخالدة،وهي المهمّة التي تقوم بها جماعة الإخوان بعده في كل مكان،وإنّما كتب الله تعالى للمرشد المؤسس رحمه الله القبول في الأرض لامتلاكه خصلة ربّما كانت أكبر وأشهر ممّا ذكرنا من خصاله ،هي طيبة القلب ، حيث يلمس الإنسان أن في قلبه خشية لله وورعا وإحسانا مع الخالق ومع الخلق وعفّة ومحبّة،فصفاء روحه جعل الأفئدة تهفو إليه،وهو ما أورثه أتباعه من بعده، فلا تجد فيهم غلظة في فكرة أو قول أو فعل...ومن غرسه تعرف الرجل،أرأيت شوكا ينبت عنبا؟

لقد عني المجدد الرباني بتجديد العقيدة واهتمّ بغرسها في القلوب - لا في الأذهان وحدها- ثمّ ربط القلوب ببعضها، وجدّد معنى الأخوة الإيمانية نظريا وعمليا،وهل قامت الجماعة على شيء آخر غير الأخوة في الله؟ أي عني بقوّة الإيمان والعقيدة وقوّة الأخوّة والوحدة ، وبعد ذلك انبرى لاكتساب قوّة الساعد والسلاح لدحض الاحتلال وردّ العدوان والدفاع عن حرمات الأمّة .

عاش - رحمه الله - لفكرته، يقوم للإسلام ويقعد له،يلهج بذكره ويتفانى في خدمته،فكانت حياته القصيرة طيّبة معطاءة،كانت حياة حسنة طاهرة...ثم مات موتة حسنة طاهرة كما كان يعلّم إخوانه : اللهمّ ارزقنا الحياة الحسنة والموتة الحسنة...ثم شرح لهم العبارة وهو يخطب فيهم : الموتة الحسنة أن يقطع هذا عن هذا في سبيل الله( وأشار إلى رأسه وجسده ) ؛فكان له ما تمنّى.، وقد بدأ دربه يرفع شعارا فيه : الموت في سبيل الله أغلى أمانينا

وقبل موته قاد إخوانه إلى الموت المشّرف الطاهر في أرض فلسطين فأحييوا معاني الجهاد وضحّوا بأنفسهم في سبيل أرض النبوات وأرهبوا اليهود الغاصبين وسجّلوا صفحات من نور تؤكّد أن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم حيّة وأنّ قواها متجدّدة ورجوعها أكيد ولو بعد حين.

لقد أبدع حسن البنا في كل ما فعل ،ويكمن سرّ إبداعه كمجدّد في انطلاقه من أمرين هما حجر الزاوية في العمل الدعوي التجديدي : الشمول والفهم ، قدّم عن الإسلام صورة شمولية متكاملة باعتباره منهجا للحياة ومرجعا للمسلمين في كل المجالات الفكرية والشعورية والسلوكية،في السياسة والاقتصاد والتربية والفنّ والعلاقات الدولية...وأكّد أيّما تأكيد على قضية الفهم،فوضع تصوّرا واضحا لمهمّة المسلم في الحياة وعلاقته بالوحي والواقع، رؤية هي دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين،فانتقل بالدعوة من الفردية العاطفية إلى التنظيمية العلمية الواعية البصيرة،وغيّر صورة المتديّن النّمطيّة من المنعزل المهتمّ بجانب واحد من الدين إلى إنسان متكامل،وانعكس ذلك على الجماعة فاشتغلت بالدعوة إلى الله وبالعمل السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والرياضي والأدبي والفني،وهي محكومة في كل ذلك بأحكام الشرع وضوابطه،فتخرّج من صفوفها شباب جمعوا بين الطرف الدامع والجسم النشط وبين التبتّل والذكاء وبين العبادات المتنوّعة وعمارة الدنيا،وهذا ما رشح الجماعة للريادة وقيادة موكب الربانيين في العالم وأمدّها بعناصر البقاء رغم محاولات الاستئصال فأضحت رمزا للتميّز ووضوح الشخصية والحركة الفاعلة ، تقتحم العمل الشعبي الجماعي بجنود صادقين ذوي أخلاق رفيعة تذكّر بالرعيل الأول للإسلام تحّركهم رؤية واضحة لأهدافهم قريبها وبعيدها،ولوسائلهم المنتفعة بكل جديد، ينشدون خدمة بلدانهم وتحقيق الوحدة العربية والإسلامية وإعادة الخلافة الإسلامية عندما تسنح ظروفها.

ضاق خصوم الإسلام ودعاة التغريب وأنصار الاستبداد ذرعا بالمجدّد المتدفّق نشاطا وبجماعته الحركية المتوثبة فدبّروا قتله في 12/2/1949 ...قتله القصر الملكي والاستعمار الانجليزي والصهيونية .

اغتالوا حسن البنا لتموت معه جماعته وفكرته، لكنّ البناء كان قد اكتمل واكتسب رسوخا يستعصى على الاقتلاع، فهي فكرة ربانية استقرّت في قلوب مؤمنة وعقول صافية تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّا، لا تزيدها الأيّام إلاّ نموّاً ولا تزيدها المحن إلاّ توهّجاً، والواقع يؤكّد ذلك .

أهذا كلام عاطفي من رجل منبهر بحسن البنا ومتحمّس لدعوته؟ أحبّ من الّذين يتّفقون مع مؤسّس جماعة الإخوان ومن الّذين يختلفون معه أن يقرؤوا عنه من تلاميذه وخصومه وينوّعوا قراءاتهم لتشمل العلمانيين المنصفين والصّحفيين الغربيّين (مثل ريتشارد ميتشل) فسيجدون أنّ ما كتبناه حقّ بل هو شيء من الحقّ من بحر مزايا الإمام الشّهيد الّذي كان – باختصار- قلباً نقيّاً ولساناً عفيفاً وقلماً هاديّاً وفكراً نيّراً ومحبّةً للقاصي والدّاني ورجلاً محبّاً للخير مبغضاُ للشرّ، عاش لشيء واحد لا ندّ له، ومات من أجله: هو الإسلام.

المصدر