انتصار حماس بين ثوابت الميثاق ومزالق الطريق

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
انتصار حماس بين ثوابت الميثاق ومزالق الطريق


بقلم : سامي الخطيب

شهدت بدايات السنة الميلادية الجديدة تحوّلات جديدة في مسيرة الحركة الإسلامية، فحركة الإخوان المسلمين في مصر دخلت الانتخابات هذه المرة بهوية واضحة وتحت لافتات الإخوان وشعاراتهم؛ وليس تحت عباءة أي من الأحزاب السياسية التي اعتادت أن تدخل الانتخابات على لوائحها. فعلت ذلك رغم كونها محظورة حسب القوانين المصريّة!! وفازت بعدد من المقاعد فاق توقعات المراقبين وشكّل صدمة للحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حدّ سواء.

وفي فلسطين، وتحت نير الاحتلال وآلته العسكرية الحاضرة على الدوام، وعلى مرأى من القوات الأمريكية ورادرات الرصد في وزارة الخارجية، حققت حركة حماس ما تجاوز كلّ التوقعات، وأنهت أسطورة الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني!! وحصلت في انتخابات البلديات على عدد من المقاعد أكّد شرعية حضورها في المعادلة السياسية، ثم في الانتخابات النيابية ما يؤهلها لتشكيل الحكومة وحدها!!

فرح الملايين بنصر حركة المقاومة الإسلامية، وهلّلوا لهذا النصر الذي شهد العالم بنزاهة الانتخابات التي أفرزته، ولم يكن مبعث هذا الفرح فوز حماس بهذا العدد غير المسبوق في انتخابات المجلس التشريعي، ولا بدنوِّها من تشكيل حكومة ترفع عن كاهل الشعب الفلسطيني وطأة السرقات والفساد المستشري في جسم السلطة وأجهزتها، لكنه فرح غامر لأن الشعب الفلسطيني لم ينس قضيته، ولم يخدعه بريق الوعود بجنة السلام الموهوم.. كان الفرح الأكبر أن الشعب الفلسطيني الذي قال "نعم" لحماس إنما كان يقول "لا" كبيرة لكل طروحات السلام والمفاوضات، "لا" لمدريد وأوسلو وخارطة الطريق، "لا" لدهاليز السياسة وعتمة حسابات التوازنات وبؤر التنازلات، "لا" للفاسدين والمفسدين، و"لا" لفلسطين صغيرة مقزومة كما يريدها الأمريكان أو اليهود أو غيرهم ممن لم يعرف قدسية الأرض وإسلامية التراب، و"نعم" لخيار المقاومة والتحرير؛ "نعم" للأمانة والالتزام الصادق بقضايا الناس؛ "نعم" للمبادئ والثوابت، "نعم" لفلسطين كل فلسطين: من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، ومن جنوب لبنان إلى سيناء مصر.

ولعل من حقّ محبي الإخوان وحماس أن يتساءلوا هنا؛ ونحن نعرف أن عدونا ليس نائماً ولا غائباً:

• هل كان انتصار الإخوان المسلمين في مصر مفاجئاً لدوائر الرصد الأمريكية؟

• وهل شكّل حصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على هذا العدد الكبير من المقاعد النيابية صدمة للمهتمين بالشأن الفلسطيني من اليهود والأمريكين والأوروبيين على حدّ سواء؟

• ولماذا أصرّ رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس وكذلك الرئيس الأمريكي جورج بوش على إجراء الانتخبات في موعدها؟ ألم يكونا يتوقعان هذا الفوز الساحق لحماس؟!!

• من هوالعدو الحقيقي للأمريكان؟ هل هو أسامة بن لادن ومشروعه التغييري القائم على العنف والجهاد وقوة السلاح؟ أم هم الإخوان المسلمون الذين يملكون مشروعاً حضارياً بديلاً وطريقاً للتغيير ليس العنف أساساً فيه؟؟

• هل أدركت أمريكا أنه لا يجدي مع الإخوان إلا التدجين فسلكت طريق تدجينهم عبر ما يؤمنون به من الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وقدّمت إليهم الجزرة بعد أن لم تنفع العصا؟

• وبعد كل ذلك.. نعرف أن حركة الإخوان المسلمين في مصر حددت السقف الذي تريد الوصول إليه في الانتخابات البرلمانية، بناء لقراءة خاصة لموازين القوى وآثار الفوز، كما صرّح المرشد العام للحركة والقيادي فيها عصام العريان، فهل خطّطت حماس لهذا الفوز بهذا الحجم، أم أنه كان مفاجئاً لها كما فاجأ غيرها؟!!

• وهل استعدّت حماس وهي مقبلة على تشكيل حكومة مدعومة بأكثرية برلمانية لإدارة دولة تقوم على ما لا تعترف به من مواثيق وتتعامل مع ما لا يقبله ميثاقها من دول؟!

أسئلة كثيرة يطرحها الشارع الإسلامي والشباب المتمسّك بالثوابت الخائف على الصحوة.. أسئلة مبعثها حبّ الدعوة والخوف على إنجازاتها، فالفرح الذي ملأ قلوب الملايين بانتصارات الإخوان كما حماس، شابَهُ الكثير من التخوّف والحذر بالنتائج الساحقة لحماس، فنحن مع إدراكنا أن لكل وقت معركته، ولكل زمن خطابه، ولكل مقام مقاله، إلا أننا نقف عند بعض ما تحرص ومسائل الإعلام على إبرازه من مثل قول أحد قادة حماس بعد الفوز مباشرة: "التفاوض مع إسرائيل ليس حراماً"، وإحياء قولٍ للشيخ أحمد ياسين قبل عشر سنوات يشير فيه إلى إمكانية إقامة دولة على بعض أرض فلسطين، ليصبح القول فتوى ومساراً، وإعلان آخر أنه "لا مانع عند حماس من جمع السلاح الفلسطيني وتشكيل جيش وطني يتولى حماية الشعب الفلسطيني والدفاع عنه" إلى غير ذلك من تصريحات وتلميحات تثير التساؤل وتبعث على البحث مجدداً عن الثوابت.

لم يكن فوز حماس انتصاراً في معركة انتخابية عادية، بل هو حدث مفصليّ في تاريخ حركة حماس، ولا أبالغ حين أقول: "إن هذا الانتصار سيكون منارة لحركات التحرر في وطننا الإسلامي، ومفترق طرق له أثره على مستقبل القضية الفلسطينة بمجملها"، ومن هنا كان تأكيدنا على أن الشعب الفلسطيني الذي اختار عبر صناديق الاقتراع حماس، إنما كان يختار المقاومة قبل كل شيء، وأي قراءة أخرى لهذا الفوز هي قراءة خاطئة.

ومن هنا وجب على قيادة حماس أن تعزز هذا الخيار بالتأكيد على الميثاق والثوابت الكبرى التي طالما نادت بها ودعت إليها وجاهدت وضحّت وروت بدماء شبابها ثرى فلسطين من أجلها، فالفوز الانتخابي والانتصار السياسي ليس هدفاً بحدّ ذاته، إنما هو وسيلة مع وسائل أخرى لتحرير الأرض وإنصاف الإنسان، وثقتنا كبيرة في أن نصراً صنعته دماء الشهداء لا يمكن أن ينحرف عن وجهته، وستتمكن حماس بعون الله تعالى من إدارة شؤون الحياة اليومية للشعب الفلسطيني دون أن تتخلى عن ذرة من تراب أرضه أو شيء من حقوقه الشرعية والسياسية.

أمام حماس طريق وعرة، لكنها توصل إلى برّ الأمان، تلك هي طريق التلاحم مع الشعب والحرص على الوحدة الوطنية في إطار التمسك بالثوابت؛ وعلى رأسها خيار المقاومة والتحرير بالدم والسلاح، وتأكيد الإيمان أن لغة التعامل مع المحتل هي القسام والياسين لا الورود والياسمين، واتخاذ خطوات فعلية وجادّة فى سبيل عودة المبعدين والإفراج عن الأسرى من سجون الاحتلال، ومحاربة الفساد وتقليص نفوذ مراكز القوى والمفسدين، مع إيلاء العناية الكبيرة للهموم المعيشية التي يعيشها هذا الشعب الأبيّ، دون أن يكون ذلك على حساب المبادئ والثوابت، فالغاية هي تحرير كل فلسطين، ومن اختار المقاومة لقيادته لن يرضى باستبدال الحبر بالدم.

طريق وعرة، لكن الثقة بحماس وقيادتها كبيرة وبالله العظيم ونصره وتأييده أكبر، "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".

المصدر