القرني والقاهرة.. حسابٌ إسرائيلي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القرني والقاهرة.. حسابٌ إسرائيلي
مهناالجبيل.jpg

بقلم:مهناالجبيل

النظام المصري يهاجم أهل السنة السعوديين!! استعداد للجولة الجديدة

أجّلت محكمة استئناف القاهرة الأسبوع الفائت محاكمة أفراد ما تسمى بقضية عناصر التنظيم الدولي للإخوان إلى 14 يونيو/حزيران القادم.

ولا يشك أي مراقب في المنطقة العربية عموما والخليجية خصوصا في دوافع هذه القضية التي تركّز على محاكمة فضيلة الشيخ عوض القرني الداعية الإسلامي المعروف وأحد رموز الدعم التاريخية في منطقة الخليج العربي للقضية الفلسطينية.

أزمة الشيخ القرني مع الأمن المصري كانت متزامنة مع عدوان يناير/كانون الثاني 2009 على قطاع غزة وما صاحبه من الإسناد الرسمي المصري المنظم إعلاميا وسياسيا للأعمال الحربية الإسرائيلية ضد القطاع، وقمع العمل الخيري الإنساني الذي حاول الوصول إلى غزة ومنعته القاهرة,� فضلا عن ملف ضخم كان يُعبّر عنه بصراحة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات اللواء عمر سليمان ضد شعب غزة ومقاومتها.

وكان الشيخ القرني مع حشد من النشطاء والإعلاميين والمثقفين العرب في مواجهة تلك الحرب الرسمية لنظام القاهرة لمساندتها العدوان وليس لأجل أي سبب آخر, ولذلك كان هناك أمرٌ خاص في ملف الشيخ القرني يدخل في تصفية الحسابات الإسرائيلية من جهة، ويأتي ضمن البرنامج الإستراتيجي لمشروع إسقاط غزة -سأتحدث عنه في ختام المقال- من جهة أخرى, لكن لا بد من التعريج على ملفين رئيسيين لهما علاقة بهذا الموقف الرسمي المصري مؤكدين دائما على استقلال الضمير الوطني لشعب مصر عن هذا الموقف الذي يتحمله الحزب الحاكم.

الملف الأول يتمحور حول أن القاهرة زجّت باسم الشيخ القرني في هذه القضية الموسومة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتحقيق هدفين فشلا كلاهما في تقديري وإن بقي الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي,�

الأول هو أن تتجنب القاهرة استثارة الرأي العام العربي مجددا خشية استدعاء الذاكرة القائمة حتى حينه لحرب الحصار على غزة والتي تقودها القاهرة بفاعلية أكبر, وبالتالي يعود ذلك الزخم لتكون قضية الشيخ القرني رديفا لسلسلة الإدانات التي تُحاصر النظام في القاهرة والتي تعززت بعد الجدار الفولاذي الذي أصدر فيه الشيخ القرني بيانا قويا لإدانته.

وهذا المشروع القائم على قتل الغزيين الذي تدفع به رام الله وتل أبيب والقاهرة� بكل قوة لتسريع إنجازه وتصعيد الضغط على شعب غزة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تدرك القاهرة الرسمية أنه الفصل الأقذر من برنامجها المعادي للشعب الفلسطيني, ولذا أرادت أن تُصفي الحساب مع القرني باسم مستعار هو التنظيم الدولي, خاصةً أن القاهرة كانت تُراهن على حدوث مواجهة أمنية بين المشايخ وبين السلطات في الرياض لحساسية ملف التنظيمات في دول الخليج العربي, وكانت تأمل أن تُشكّل هذه التهمة والترويح الإعلامي الحاشد لها مدخلاً لاستدراج المؤسسة الأمنية والسياسية في المملكة للخضوع الشامل لفريق عمر سليمان بحجة هذا الفتح الذي وصل إليه رجل المخابرات العربية!!

غير أن المفاجأة -وإن كانت ليست غريبة لدينا- تمثلت باصطدام القاهرة بالفتور الشديد من المسؤولين والإعلام السعودي تجاه ترويج هذا الملف, فضلا عن ما أُثير مؤخرا بأن القاهرة تلقت استغرابا شديدا من الرياض لم يوضّح حتى الآن من قيام الأولى بتسريب رسالة من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز إلى الإعلام, ورغم موقف السعودية الفاتر وغير المبرر من حماس, فإن التدخل المصري والتداخل المتعمد من قبلها في ملفات السعودية الأمنية والدبلوماسية يثير امتعاضا داخل أروقة صناعة القرار السعودي وإن لم يبرز على السطح. 

النظام المصري يهاجم أهل السنة السعوديين!!

الجانب الثاني المهم في هذا السياق هو انكشاف وهزالة فكرة الشراكة السعودية في التنظيم الدولي للإخوان، فرغم أن مدرسة الإخوان المسلمين كرواد فكريين لها حضور تاريخي طبيعي في مناطق المملكة، فإن وجود تنظيم بهذه الصورة المزعومة لا حقيقة له.

وقد فصّلت ذلك في دراسة قبل ثلاث سنوات بعنوان "الحالة الإخوانية في الخليج رؤية نقدية"، وضّحت فيها كيف أن الوضع في الحالة السعودية أضحى مندمجا كليةً ودخل في الحركة السلفية التي استوعبت كإطار تربوي في مكتبات وأنشطة وخلافه تعمل فوق السطح وخاصة في الجنوب التابع تقليديا للمشايخ في الرياض، في حين تبقّى ساحة الفكر باعتبار طبيعتها مفتوحة بين المدارس والرؤى الإسلامية والعربية الثقافية في الشارع العام.

ورغم أن الشيخ القرني بقيت له مسافات يعرض فيها رؤاه الفكرية الأكثر نضوجا في التجديد السلفي المعاصر والأكثر حضورا مع قضايا الأمة وبنفس فاعل متميز على المستوى الخليجي والعربي، فإنه استمر في صعود مضطرد في تجسيد علاقته في الإطار الداخلي بالمشيخة السلفية المحافظة إلى درجة جعلته يخرج عن حدود الموقف الإسلامي المتوازن.

وقد امتنع القرني عن الدخول في صراعات فكرية مع بعض الأطياف الوطنية أو الليبرالية، كما رفض المشاركة في حفلات تستهدف التيار السلفي المعاصر للنقض لا للنقد، ورآها جميعا أهدافا لا تخدم المصلحة الوطنية بالمفهوم الإسلامي المنهجي.

كما رأى أنها لا تخدم رغبة هذه المنهجية الإسلامية المعتدلة بأن يبقى التوازن الوطني الإسلامي الداعم للمبادرات الإصلاحية في عهد الملك عبد الله تنمويا وحقوقيا واقتصاديا، في حين يدير تحفظه وخلافه على جوانب الاختراق السلوكي الضخم بهدوء, فضلا عن تباين الإسلاميين بغالبية اتجاهاتهم مع الموقف الرسمي السعودي الأخير من المقاومة الفلسطينية، لكنّ هذا الخلاف يُدار دون اللجوء لمعارك تُشعل لأهداف ذات أبعادٍ خطيرة تهدد الوحدة الوطنية, المهم والذي يعنينا في هذا الإطار أن الشيخ القرني كان أقرب في الملف الداخلي للمدرسة السلفية المحافظة، ولكم أن تعرفوا ماذا بين هذه المدرسة وبين الإخوان من فراق كبير حتى يتضح لكم بطلان قصة القاهرة وحجم التضخيم في المسميات دون أصلٍ لها.

وما ذكرته من تفصيل ليس سريا وهو معروف لدى أروقة الدولة الرئيسية في المملكة والشيخ القرني مشارك رئيسي في كثيرٍ من اللقاءات الخاصة والحوارات العامة الرسمية كممثل حليف للتيار السلفي المحافظ، وإن اختلف في تصوراته الفكرية أحيانا معه, مع حضور نوعي لشخصه وجسور واحترام كبير من كل أطياف الفكر الإسلامي وشخصياته في مناطق المملكة، فضلا عن شعبيته الكبيرة في الجنوب والتوازن الوطني الذي يُشكّله هناك في البناء الاجتماعي للوحدة الوطنية. ومن المعروف أن هذا التشكيل الفكري والاجتماعي يُشكّل قاعدة راسخة لأهل السنة السعوديين، واستدعاؤنا لهذا المصطلح هو للمقاربة بين ما يستخدمه الإعلام المصري الرسمي في مواجهة المشروع الطائفي الاستعماري لإيران والضجيج به لأهداف خاصة، فيما هو الآن يشن حملة على أهل السنة.. وأين..؟.. في السعودية؟؟��

لذا اصطدمت القاهرة بهذا الموقف السعودي الساخر ضمنيا من ضجيجها, وتبقى قضية فبركة الملفات واستغلال علاقات الإسلاميين العرب ولقاءاتهم الطبيعية صناعة ليست مفاجئة لأوراق التزوير الأمنية... لكنّها احترقت مبكراً مع كل "الزيطة والزنبليطة" –حسب تعبير أشقائنا في مصر-� التي يُحضّر لها الإعلام� حيث سقط الهدف من أيدي الأمن المصري, غير أن هدف إسرائيل الإستراتيجي يبقى محركا أساسيا للعبة. فما هو الهدف..؟

استعداد للجولة الجديدة

إن استعادة أرشيف حرب غزة تُعطي مساراً محدداً لفهم الدور السري لهذه القضية.

فلقد كان الهجوم على غزة في يناير/كانون الثاني 2009 منظّما بالنسبة لتل أبيب وحلفائها في رام الله والقاهرة.

وشنت حملة إعلامية ضخمة شاركت فيها مؤسسات إعلامية وقنوات فضائية عربية، ومن بينها قناة وصحف من الخليج، بالتزامن مع الهجوم الإسرائيلي للتشكيك في حماس والمقاومة في غزة وللتعجيل بانهيارها وضرب العمق العربي والإسلامي لها وتحديداً في الخليج من خلال إثارة علاقة حماس بإيران، حتى إنّ بعض الكتاب العلمانيين العرب، وخاصة السعوديين المعادين لغزة، كانت تل أبيب تعيد نشر مقالاتهم في مواقعها وصحفها يوميا.

وكان الرهان على عزل حماس وضرب علاقتها بالمجتمع العربي في مناطق حسّاسة كمصر والخليج العربي, غير أنّ وقوف التيار الإسلامي في المملكة وتفنيده بقوة الدعايات بشأن علاقة الحركة بإيران والتأكيد على أن حماس كان مضطرة لإقامة هذه العلاقة بسبب موقف النظام الرسمي العربي الذي أفشل هذا الرهان.

ومع بروز مواقف تضامنية حازمة من كل الشرائح الوطنية والليبرالية والقومية في السعودية، فإن الاختراق كان يراهن على الجبهة الإسلامية والسلفية بالذات, وهو ما فشل بناءً على مواقف تضامنية صلبة إعلاميا من التيار الإسلامي السلفي المحافظ الذي كان مستهدفا بالدرجة الأولى, وكان إعلامه الممثل بصحيفة لجينينات والمختصر وموقع المسلم وغيرها، فضلا عن الحضور القوي وإبداع وصدارة صحيفة الإسلام اليوم الإلكترونية وقناة دليل للإعلام الإسلامي السعودي, كل ذلك شكّل جبهةً في وجه المشروع الإسرائيلي وحلفائه من بعض الكتاب العرب، وهو ما أفشل في حينه سيناريو محور القاهرة تل أبيب رام الله، بكشف ظهر حماس بل المقاومة والشعب في خضّم المعركة.

وتلقت تل أبيب صفعة من الشعب السعودي، في حين كانت بالفعل تراهن على هذا الاختراق, وكان نشاط الشيخ القرني وتصريحاته القوية ضمن تيار الممانعة المستقل أساسا قويا في هذا المشروع الردعي لكشف طبيعة هذا المحور وتعرّية صورته في عقلية المشاهد العربي�.

لذا فإنّ هذا الحساب لا يزال مهما في برنامج تل أبيب وحلفائها أثناء الحرب ليس لتصفية ملف الماضي وحسب، ولكن لتهيئة المشهد في كل أركان البيت العربي، وبالذات في مواقع العمق الحسّاسة لحملة جديدة تسعى بكل قوتها لتصفية أركان الممانعة الحليفة للقضية الفلسطينية وغزّة بإضعاف العمق العربي للقيادة المركزية للشعب الفلسطيني المتمثلة في حماس وحلفائها, ليكون المسرح معدا لأي جولة جديدة أكانت حربا أم مشروعا أمنيا يهدف لإسقاط غزة وحماس بأيد عربية وإسرائيلية.

وهنا تبرز مدى الحاجة الإسرائيلية لإزاحة أي عقبات على الطريق، ومجددا تنفذها بالوكالة يد القاهرة, ومع قناعاتنا بقوة الرابطة العظمى والشراكة الوجودية بين مصر وشعبها الكبير وبين الخليج العربي� المتحدين في نصرة غزة والأقصى, وعدم تأثّر العلاقات الشعبية بملفات تل أبيب، إلا أن التساؤل يعود مجددا عن الضمير الغائب في القاهرة.

والحقيقة أن الأمر يبدو غريبا في قضية هذا التصعيد، وهو ما عنيته بالملف الثاني, إنّه السؤال الكبير:� هل تحريك تل أبيب وعمر سليمان لهذه الملفات والتصعيد الأخير ضد شعب غزة هو نوع من التوريط للرئيس المصري حسني مبارك وخلافته..؟

هل هناك صراع سري داخل محيط الرئيس مبارك يعمل على تأزيم الوضع لاستحالة استخلاف وريث من آل مبارك واستبداله مكان مرشح آخر لقياسات مصالح إسرائيلية بغض النظر عن موقف المعارضة والشعب المبدئي برفض الجميع؟ فنحن نقصد الصراع المتواري في ضمير "بروتس"، ويبدو أن الرئيس مبارك يدرك أن "بروتس" أقرب بكثير من البرادعي, والعقل المجرد يؤكد أن العاقل لا يستمر في الاندفاع في الهاوية لأجل حساباته المصلحية، أما المبدئية فهي عند الشعب لا نظام الجدار الحديدي حول أطفال غزة.

المصدر