العسكر بين السينما والسياسة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العسكر بين السينما والسياسة


مقدمة

يعتبر الفن السينمائي وتوابعه من إخراج وتمثيل واحد من أكثر أنواع الفن شعبية، ويسميه البعض الفن السابع مشيرين بذلك لفن استخدام الصوت والصورة سوية من أجل إعادة بناء الأحداث على شريط خلوي. ولقد لعب السينما المصرية دورا كبيرا في نقل الأحداث، وبعض وقائع المجتمع الذي كان يعيش فيه وذلك وفق ورؤية الكاتب والمخرج في تناول العمل.

تقول ماجدولين الشمري في مقال بعنوان السينما المصرية زمن الملكية:

اقتصرت موضوعات السينما المصرية منذ نشأتها في عام 1927 وصولاً إلى عهد الملك فاروق، على فنّ الاستعراض والمونولوج، والأفلام الكوميدية الهزلية، وتلك التي تعرض الفواجع الإنسانية، ولها نهايات سعيدة دائماً.
وانحصر أبطال هذه الأفلام بشخصيات مثل: الراقصة، الهانم الجميلة، الباشا الحنون، القصر الفخم، والريف السعيد .. وكانت عملية الإنتاج السينمائي محض تجارية، فكان صناع السينما كلهم من طبقة الأغنياء والتجار، بالإضافة إلى الأجانب. لذا كان التوجه الأساسي للسينما المصرية حينها هو إنتاج أفلام التسلية والترفيه لضمان الربح، وتجنّب الأفلام السياسية أو الاجتماعية.
وبعد عام 1938م حينما عرض فيلم لاشين، حذّر القانون من التطرّق إلى الموضوعات السياسية والأخلاقية في الأفلام، بالإضافة إلى منع تناول مناظر الأحاديث والخطب السياسية، ومشاهد الإضرابات والتظاهرات. ومنع القانون أيضاً التعرض لمهنة الباشا، وضابط الشرطة، والطبيب. (1)

السينما وعسكر يوليو

وفقاً لكتاب "مائة عام من الرقابة على السينما المصرية" لمحمود علي "ظلّت السينما المصرية على هذا الحال حتى ثورة 23 يوليو 1952 التي أطاحت بالحكم الملكي، وبالتالي قوانين الرقابة القديمة على السينما".

لقد تغيرت السينما تحت حكم العسكر حيث تغيرت الصورة النمطية وأصبحت كل الأعمال تهدف لتمجيد رجالات الثورة وقادتها وبطولاتهم المزيفة، بل وتغير مبادئهم التي نادوا بها مع الأيام الأولى للثورة، حتى أن بعض الضباط ذكروا – كما يقول محمد نجيب في كتاب كنت رئيسا لمصر صـ 201: أننا طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشرا ملكا أخر.

لقد جسد فيلم رد قلبي والذي عرض عام 1958م حياة العسكر الذين ظلوا يعملون من اجل ترسيخ قواعد العدالة الاجتماعية والصراع مع البرنس وعائلته، لكن كما يذكر محمد نجيب الواقع كان مغاير لهذه العداولة الاجتماعية حيث هجم العسكر على كل شيء ليكنزوا لأنفسهم كل ما تصل إليه أيديهم

فيقول في صفحة 203:

ترك أحدهم شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي حتى يكون قريب من إحدى الأميرات، وكان يهجم على قصرها في حالة سكر فكانت تستنجد بنا وحينما نصحته كان يقول: إننا نسترد جزء مما دفعناه لسنوات طويلة، وكان أخر يجري وراء ناهد رشاد زوجة الطبيب يوسف رشاد.

قال الناقد الفني محمود قاسم، إن فيلم رد قلبي تم إصداره في عام 1958، وصنعه رجال ثورة 23 يوليو، حيث جاء تنفيذه بأمر مباشر من جمال عبد الناصر موضحا أن مؤلف الفيلم هو يوسف السباعي وكان ضابطا، والممثل أحمد مظهر كان ضابطا ودفعة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وأضاف "قاسم" في حواره مع الإعلامي خيري رمضان في برنامج "مصر النهاردة " المذاع على قناة " مصر الأولى"، أن الفصول الأولية من رواية "رد قلبي"، التي تم تحويلها إلى فيلم تؤكد أن "محمد نجيب هو من قام بثورة يوليو وتروي تفاصيل العلاقة بينه وبين ضباط قيادة الثورة، لكن الفيلم أنكر ذلك تماما".

ولم ينتهي الأمر على ذلك فقد أنتجت عشرات الأعمال التي حاولت أن تضفي على عبد الناصر القدسية مثل فيلم بورسعيد والذي عرض في 8 يوليو 1957م، والذي صور أنه لولا عبد الناصر ووجوده ما انتصرت مصر على العدوان الثلاثي، ففي مشهد يجمع سراج منير – الذي قام بدور محافظ بورسعيد – والقائد الانجليزي والفرنسي

حينما طالبوه بالتسليم ورفض لأنه لو سلم فلن يسلم المصريون ثم طالبوه بإنزال صورة عبد الناصر فنظر لها بشموخ وقال لو أزلتموها من على الجدار فلن تستطيعوا أن يزيلوها من قلب 23 مليون مصري أو 80 مليون عربي، فانسحب الميجور كمدا، ثم في نهاية الفيلم جاءت مقولة فريد شوقي واصفا عبد الناصر أنه سيظل زعيما طول العمر ثم كانت أغنية التأميم التي تمجد عبد الناصر.

يقول الكاتب المصري محمد صبحي في صحيفة المدن الإلكترونية:

وإذا كنا اليوم نستطيع تأكيد أن "هذا الواقع" الذي قدمته "سينما الثورة" قد شابته المبالغات الميلودرامية والتلفيقات الأيديولوجية، وهذا هو التبرير المنطقي الوحيد لخروج أفلام تمجّد "الثورة" بعد خمس سنوات كاملة على قيامها، أفلام تأتي بتكليف مباشر من جمال عبد الناصر وأخرى تُنجز على عجل وبمستوى فني ضحل، نذكر منها "بور سعيد" و"سجين أبو زعبل" و"السمان والخريف" و"لا تطفئ الشمس".

ثم يضيف:

المدهش بالفعل، أن السينمائيين الذين صنعوا أفلام تمجيد يوليو ورجالها، هم أنفسهم من قدّموا أفلام السبعينيات الناقدة والمتهمة لجمال عبد الناصر، والتي وصلت أحيانًا إلى حد التجريح الشخصي في بعض الأفلام. فهل هي مفارقة أم أنهم كانوا "مخدوعون".

لقد سيطر العسكر على السينما فقد صدر قرار جمهوري في 1957 ينص على إنشاء مؤسسة دعم السينما، للارتقاء بالإنتاج السينمائي وتقديم الدعم المادي من خلال المساهمة في عرض الأفلام في الخارج. كما تم إنشاء معهد السينما عام 1959. وكانت مهمة الثقافة مدمجة تحت وزارة الإرشاد.

كما عملت الحكومة على تأميم صناعة السينما وذلك بتأميم أكبر شركات الإنتاج ولم يتبق إلا بعض الدور القليلة جدًا التي تنتج أفلامًا لحسابها الخاص وهذا ما دفع بعض المخرجين الكبار إلى مغادرة مصر إلى بيروت مثل يوسف شاهين وفريد شوقي وعاطف سالم.

ما بعد عبد الناصر

لقد ظلت السينما تسير في فلك النظام القائم في تمجيده ولا تستطيع أن تنقده أو تنقده سياسته إلا بعد وفاته أو رحيله وحسب سياسة النظام الذي يخلفه. ففي عهد السادات جاءت بعض الأفلام التي تنتقد سياسة عبد الناصر ومراكز القوى، وحاول من جاء بعد السادات في إظهاره بطل الحرب والسلام في فيلم أيام مع السادات.

ويعتقد النقاد – كما جاء في تقرير على الجزيرة نت يوم 21 يونيو 2001م - أن الفيلم سرد تاريخ شخصية السادات وتطورها بعين الحاضر وليس كما كان عليه في الأربعينيات وما تلاها حتى لحظة اغتياله أثناء احتفاله بذكرى حرب السادس من أكتوبر - تشرين الأول 1981.

ويرى الناقد طارق الشناوي أن ذلك تكرار لخطأ وقع فيه يوسف شاهين في فيلم "المصير" عندما قرأ حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد بعيون القرن العشرين وليس بواقع القرن الثاني عشر الميلادي. وقد ركز الفيلم على فترة ما قبل المرحلة المعروفة بثورة يوليو - تموز 1952، ثم قفز بعد ذلك في اختصار سريع لتبرير قرارات السادات والخطوات التي بنى عليها سياساته الداخلية والخارجية.

ويبرز الفيلم السادات كشخصية منسجمة صلبة ذات مبادئ منزهة عن المطامع والمصالح الشخصية تضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات في فترة النضال ضد الحكم الإنجليزي. ويرى نقاد ومشاهدون أن الفيلم قفز مرارا فوق الأحداث وقدم تبريرات لمواقف سياسية عديدة اتخذها السادات مثل اتفاقيات كامب ديفيد ومواقف أخرى عديدة.

ولم يخل عهد مبارك من إنتاج الأفلام التي تصور مبارك المحافظ على النهوض بالشعب وبالدولة لكن التقصير متملك مفاصل الدولة والحكومة العاجزة التي لا تستطيع فعل شيء دون تدخل الرئيس، حيث حاول فيلم طباخ الريس تجسيد ذلك بصورة واضحة، والذي يعتبر أول عمل فني يسمح فيه بتجسيد شخصية مبارك.

ولقد اعتبر بعض النقاد – وفق تقرير للجزيرة بعنوان "طباخ الرئيس" يفجر جدلا متزايدا بالشارع المصري عام 2008م- أن الفيلم يمثل "دعاية" للرئيس، ويرون أنه كرر ما تقوم به الصحف الحكومية حينما تصب غضبها على الحكومة والوزراء دون التعرض لمؤسسة الرئاسة، ومحاولة إظهار الرئيس دائما بأنه "رمز الدولة المقدس".

وتعليقا على أن الفيلم جسد الفساد الحكومي لكنه لم يتعرض للرئيس، قال أبو شادي للجزيرة نت إن "قانون الرقابة يمنع "الإساءة" لرئيس الدولة لكنه يسمح بانتقاد أعضاء الحكومة، وهناك العديد من الأفلام قدمت نماذج فاسدة لوزراء ومسؤولين ونواب.. القانون لا يمنع ذلك".

واعتبر الفنان عبد العزيز مخيون أن الفيلم يتضمن "استخفافا" بعقول الجماهير "خاصة عندما يتحدث عن أن من يحكم مصر حاليا رجل مثالي، وأن الحاشية هي من تضلله".

السيسي وفشل أول فيلم

حاول المقربون من السيسي تقديم عمل فني يجسد السيسي كشخصية أنقذت البلاد مما كانت تتعرض له في عهد الرئيس مرسي، حيث يحاول الإعلام تصوير السيسي بالخارق الذي قام بآلاف المشروعات لكنها غير ظاهرة للشعب بسبب تراخي الحكومة وأجهزة الدولة في تنفيذ سياسة الرئيس، وأنه لولا هو لاجتاحت الدولة الحرب الأهلية، ولضاع الجيش ومؤسسات الدولة، ولتأخرت الدولة قرن من الزمان عما هي فيه.

وهكذا صور الإعلام السيسي وحينما حاولوا تجسيد ذلك في فيلم ببطولة أحمد السقا وأحمد رزق كان الفشل مصير الفيلم، حيث جاء في تقرير على موقع العربي الجديد تحت عنوان [حقيقة إيقاف فيلم "سري للغاية" بأوامر من السيسي، يونيو 2018م، أن أنباء مفادها أن فيلم "سري للغاية" لن يرى النور، وذلك بعد أن شاهده مقرّبون من الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، وأبدوا استياءهم من مستواه.

الفيلم الذي يؤدي فيه أحمد السقا دور السيسي كان من المفترض أن يكون أبرز بند في خطة الترويج للانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلا أن الدائرة القريبة من الرجل اعترضت على الفيلم، وانتقدت خروج العمل بصورة متواضعة، رغم كل التسهيلات والإنفاق الذي خُصص له.

وتردد أيضاً أن أداء السقا لدور السيسي كان من أبرز أسباب القرار، خصوصاً مع غياب أوجه الشبه في الملامح بين الشخصين. فيما ضاعفت محاولات السقا لتقليده بشكل كاريكاتوري مخاوفَ الجهات السيادية من تحوّل الأمر إلى فضيحة كتلك التي جرت بعد تسريب الصور الأولى من شخصيات الفيلم، واضطر السقا حينها للرد بخطاب مفكك وغير مقنع زاد الهجوم عليه.

وجاء في تقرير على موقع الخبر تحت عنوان ("سري للغاية " يثير الجدل في مصر): لم يفلت بسلام من مبضع النقاد المصريين الذين اعتبروه "دعاية" لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

ويرى الناقد الفني حسام الغمري وفق تقرير لمجلة المجتمع في مايو 2018م:

أن فيلم "سري للغاية" استمراراً لنهج الحكام العسكريين الذين اعتادوا اللجوء للسينما لتمجيد أنفسهم وتشويه تاريخ المعارضين، وأن الفيلم سيخصم من رصيد السقا كفنان لدى جمهوره لاسيما الشباب.

وترى المخرجة شيرين غيث في إنتاج فيلم بهذه التكلفة التي تبدو ضخمة، استنساخاً لطريقة عبد الناصر في تمجيد الحكم العسكري وتشويه الخصوم، وهو ما يحتاجه السيسي، بمحاولة استدعاء صورة البطل الشعبي المنقذ.

والمعضلة برأيها تكمن في أن الفيلم السياسي الدعائي لا يحقق عوائد للمنتجين، وهنا سيكون على النظام إما إنتاجه من ميزانية الدولة المنهكة، وإما بأموال المنتجين التابعين للنظام، الذين سيعتبرون خسائرهم قرباناً للنظام المعادي لحرية التعبير الفني عموماً.

لم تختلف السينما السياسية المصرية بعد أحداث 30 يونيو عن السمة التاريخية التي ارتبطت بها طوال 60 عامًا، فهاجمت بضراوة فترة الثورة وعهد "محمد مرسي"، ظهر ذلك جليًا في فيلمي "المشخصاتي 2" و"الجزيرة 2". هكذا حول العسكر السينما لصورة تجسيدية لشخصياتهم للتأثير على فئات لا يستطيع المثقف أو الكاتب الوصول لهم.

المصادر

(1) عبد الله بلقزيز، الأمن القومي العربي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1989.