الشعب يستفتي قلبه بقلم : د. محمد عبد اللطيف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشعب يستفتي قلبه بقلم : د. محمد عبد اللطيف

بتاريخ : الاثنين 10 يونيو 2013

بقلم : د . محمد عبد اللطيف

وكيل كلية القرآن الكريم ــ جامعة الأزهر

التوجهات والآراء التي تموج بها الساحة المصرية تصيب الحليم في المصريين بالحيرة ، والرشيد بالريبة ، ويزيد الطين بلَّة أننا نجد الصغار يتكلمون في المسائل الكبار ، ونرى مرتزقة الإعلام ورجال كل العصور الآكلين على كل الموائد قد تحولوا إلى مفكرين استراتيجيين ومحللين سياسيين وفقهاء قانونيين يمارسون قلب الحقائق وتزييف الوعي.

وكأنه قد صدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم : "سيأتي على الناس سنوات خَدَّاعات ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذب ، ويُكذَّبُ فيها الصادق ، ويُخوَّن فيها الأمين ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائن ، وينطق فيها الرويبضة" . قيل : يا رسول الله ، وما الرويبضة ؟ قال : "السفيه يتكلم في أمر العامة".

وكمْ زاد الصبية والسفهاء الذين يتكلمون في شؤون مصر ، والذين يسعون لتوجيه دفة الأمور فيها إلى غير الوجهة التي اختارتها أغلبية شعبها ؟! ..

وكم اشتدت على المصريين وطأة حملة المولوتوف وقطاع الطرق ممن يُسَمَّوْن زورًا "شباب الثورة" ؟! ..

وكمْ زادت وقاحة المرتزقة من الإعلاميين ، وتفاقم عبث أشباه النشطاء السياسيين الذين تنحصر همتهم في حب الظهور الإعلامي ، وجباية المال الخارجي ، أو في حيازة المناصب ، والذين يتخذون من تأجيج الخلاف والمتاجرة بحاجات الشعب وآماله ذريعة لتحقيق مآربهم الشخصية ، ولا يبالون بما يفسد من دين الناس أو دنياهم ؟!

وفي هذا الخضم من البلاء يحتاج المصريون إلى التحلي بالحكمة التي تقول : إن خفي عليك أمرٌ فخذ فيه رأي من ترضى دينه وعقله ، واعلم أن على الحق شاهدًا بقبول النفس له .

فالأخذ بهذه الحكمة سيفرض على كل من يتصدى للعمل العام أن يحترم عقل المواطن المصري ومشاعره ، لأنه يعلم أن المسافة بين أذن هذا المواطن وعقله ليست بعيدة ، وأن كل المواقف والمقولات ستوزن بموازين العقل الجمعي للمصريين ، ثم يتم تصفيتها بمصفاة قلوبهم .

ومعلوم أن مركز اتخاذ القرار في الإنسان هو قلبه وليس عقله ، فالقلب أمير الجسد ، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك " .

وهذا يعني أن فؤاد الإنسان السَّويّ يسكنُ للصواب ولا يسكنُ للخطأ ، وأن القلوب أوعية ، وخيرها أوعاها للخير ، وقد قيل : الناس ثلاثة أصناف ؛ عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وهمج رعاع أتباع لكل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق .

وإذا كان في الناس من لا بصيرة لهم ، ومن ينزرع الشك في قلوبهم بأول عارض من شبهة ، ومن يبهرهم جمال الصورة في الإعلام الموجه ، أو يشتتهم سيل مقولاته ؛ فإن ذلك كله لا ينبغي أن يقلق أصحاب النوايا الصادقة في خدمة هذا الوطن وبناء نهضته ؛ لأن أغلبية الشعب المصري قد أثبتت عبر التجارب التي خاضتها بعد الثورة أنها ليست من الهمج الرعاع التي تتبع كل ناعق ، بل أكدت أنها تعرف كيف تقيس الناس بسوابقهم التاريخية ، وتزن مقولاتهم بالمواقف العملية .. إذ السوابق الحميدة والمواقف النبيلة لا تصدر إلا من أصحاب القلوب المطهرة من درن الأهواء الشخصية والمصالح الحزبية ، وأصحاب هذه القلوب يمكن أن يكونوا أصحاب أخطاء ، لكنهم لا يمكن أن يكونوا أصحاب خطايا في حق الوطن والمواطنين .

عرف أغلبية المصريين ذلك فلم يتبعوا كل ناعق في وسائل الإعلام ، ولم يميلوا مع كل ريح في الأحزاب والجبهات والحركات .

ورغم شراسة الحملة الداعمة للحركات التي تسعى للانقلاب على الإرادة الشعبية ، فنحن على ثقة من أن هذا الشعب سيتعامل في قادم أيامه وفق المنطق الرباني الذي لا ينظر إلى صور الناس ومقولاتهم بقدر ما ينظر إلى مقاصدهم وقلوبهم وأعمالهم ، ولن يُسوِّيَ هذا الشعبُ أبدًا بين من طلب الحق وإن أخطأه لظروف خارجة عن إرادته وبين من طلب الباطل وإن أدركه بمساعدة طلَّابه .

وفي مواجهة دعوات الانقلاب على الشرعية لن يكون للمواطن البسيط ظهرٌ حتى يُركَب ، ولا ضرع حتى يُحلَب ، وستنجلي الفتنة ، ولن يتحقق لأهل الأهواء رجاء ، والله غالب على أمره ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

المصدر